السيرة الحلبية/سرية عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه إلى أسير
بضم الهمزة وفتح السين، ويقال أسير بن رزام اليهودي بخيبر.
لما قتل الله أبا رافع بن سلام بن أبي الحقيق عظيم يهود خيبر كما تقدم، أمروا عليهم أسير بن رزام، قال: ولما أمروه عليهم، قال لهم: إني صانع بمحمد ما لم يصنعه أصحابي، فقالوا له: وما عسيت أن تصنع؟ قال: أسير في غطفان فأجمعهم لحربه، قالوا: نعم ما رأيت، وكان ذلك قبل فتح خيبر انتهى.
فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله، فبلغ ذلك رسول الله، فوجه إليه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر سرا يسأل عن خبر أسير وغرته، فأخبر بذلك، فقدم على رسول الله ﷺ فأخبره، فندب رسول الله ﷺ الناس لذلك، فانتدب له ثلاثون رجلا، وأمرّ عليهم عبد الله بن رواحة ، وقيل عبد الله بن عتيك، فقدموا على أسير، فقالوا: نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له. قال: نعم ولي منكم مثل ذلك، فقالوا: نعم، فقلنا إن رسول الله ﷺ بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك فطمع في ذلك: أي واستشار يهود في ذلك فأشاروا عليه بعدم الخروج وقالوا: ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني إسرئيل، قال: بلى قد ملّ الحرب.
قال في النور: هذا الكلام لا يناسب أن يقال قبل فتح خيبر، فالذي يظهر أنها بعد فتح خيبر.
وأقول: يجوز أن يكون المراد باستعماله على خيبر المصالحة وترك القتال، ومن ثم أجاب بقوله إنه: قد ملّ الحرب، والله أعلم.
فخرج، وخرج معه ثلاثون رجلا من يهود مع كل رجل منهم رديف من المسلمين، قال عبد الله بن أنيس، كنت رديفا لأسير، فكأنّ أسيرا ندم على خروجه معنا، فأهوى بيده إلى سيفي، ففطنت بفتح الطاء له، وقلت أغدر عدّو الله أغدر عدّو الله أغدر عدو الله ثلاثا؟ فضربته بالسيف فأطحت عامة فخذه فسقط، وكان بيده مخدش من شوحط فضربني به على رأسي فشجني مأمومة، وملنا على أصحابه فقتلناهم إلا رجلا واحدا أعجزنا جريا. ثم أقبلنا على رسول الله ﷺ فحدثناه الحديث، فقال: «قد نجاكم الله من القوم الظالمين وبصق في شجتي فلم تقح عليّ ولم تؤذني».
قال: وفي رواية زيادة على ذلك، وهي وقطع لي قطعة من عصاه، فقال: أمسك هذه معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها، فإنك تأتي يوم القيامة متخضرا، فلما دفن عبد الله بن أنيس جعلت معه على جلده دون ثيابه انتهى.
أقول: تقدم نظير ذلك لعبد الله بن أنيس هذا لما أرسله لقتل سفيان بن خالد الهذلي وجاء برأسه إلى رسول الله، فيحتمل أن هذا وهم من بعض الرواة، ويحتمل تعدد الواقعة: أي أعطاه عصاه أولا في تلك، وأعطاه أخرى ثانيا في هذه، وجعل العصا بين جلده وكفنه، ولا مانع منه، لكن ربما تتشوف النفس للسؤال عن حكمة تكرير ذلك لعبد الله بن أنيس وتخصيصه بهذه المنقبة دون بقية الصحابة، والله أعلم.