مقالات مجلة المنار/شبهات النصارى وحجج المسلمين/1
طعنهم في القرآن العزيز
[عدل]قل للذين لا يرون الجذوع في عيونهم ويعيبون الكحل ( بالتحريك ) في عيون الناس: إذا كان كتاب دينكم لم يُكتب في عهد نبيكم، وإذا كان الذين كتبوا تاريخه من بعده بأزمنة مختلفة يروون عنه روايات مختلفة لا سند لها بالمرة، وإذا كانت مجامعكم قد تحكمت بذلك المكتوب بأهوائها وأهواء الرؤساء السياسيين، فحذفت ما شاءت وشاؤوا وأبقت ما شاءت وشاؤوا ونقحت ما شاءت وشاؤوا، وأنتم تقبلون ذلك وتعدُّونه أصلا للدين! فما بالكم لا تخجلون من الكلام في كتاب لم يوجد في العالم إلى اليوم كتاب مثله، نُقل عن صاحبه بالتواتر الصحيح حفظًا وكتابةً وروايةً ودرايةً وأداءً، وهو القرآن العزيز: { لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } ( فصلت: 42 ).
نرى العالم الشهير والفيلسوف الكبير يؤلف كتابًا في عاصمة من عواصم أوربا، فتطبع منه مئات الألوف من النسخ ويثق الناس بإسناده إلى صاحبه، وإنما يكون صاحبه أعطاه إلى صاحب مطبعة أو ملتزم طبع في خلوته، فأخذه وطبعه، فيكون رواية واحد عن المؤلف، وقد كان الصحابة لا يقبلون رواية الواحد عن النبي ﷺ في شيء من القرآن، وإن كان في نواصيهم علمًا وعدالة وحفظًا ودراية، وبعد هذا كله تتكلمون في نقل القرآن وجمعه ولا تخجلون من أنفسكم ولا من الناس. ولا تعلمون أن هذا يزيد المؤمنين إيمانًا بكتابهم، وبحثًا عن كتابكم، وهذه هي الفضيحة الكبرى!
نشرت مجلة ( البروتستنت ) المصرية في الجزء الرابع من المجلد الثالث - نبذة في الطعن بالقرآن نقلتها عن كتاب لهم يقال أن للشيخ إبراهيم اليازجي يدًا في تصحيحه أو تأليفه أو ترجمته والزيادة فيه، وهو عندهم أقوى طعن في الإسلام على ما فيه من الكذب والسخافة والتحريف. وإننا نستقصي شبهاته ونبين بطلانها.
قال الكاتب: زعم أهل السنة والجماعة - متابعة لنبيهم - أن القرآن كلام الله نفسه لفظًا ومعنى وأنه معجز في الفصاحة والبلاغة، إلا أن ذلك باطل ولنا على بطلانه أدلة متعددة، ثم طفق يسرد تلك الأدلة، وإننا نذكرها ونجيب عنها بالاختصار اكتفاءً بما نكتبه في دروس الأمالي. وقد بدأ بالطعن في طريقة كتابته وجمعه، فذكر أمورًا نأتي عليها واحدًا واحدًا، فنقول:
اعلم أولا أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يُلقِي ما ينزل عليه من الوحي إلى المؤمنين، فيحفظه الجم الغفير من الرجال والنساء، ويأمر بكتابته، فيكتبه الكاتبون. وقد حفظ القرآن كله جماعة من الصحابة وقرءوه على النبي ﷺ، إلا أنهم لم يجمعوه في مصحف واحد إلا على عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه؛ وذلك أن عمر رضي الله تعالى عنه أشار على أبي بكر بجمْعه في مصحف يأخذ عنه الناس، لما خشي أن يستحرّ القتل بالقراء في قتال الردة فيقل عدد من يلقن الناس القرآن، فجمعوا ما كان كتبه الكاتبون وهم يعرفونه؛ لئلا يقع شيء من الغلط باستقلال فرد أو أفراد منهم بإملائه. وكانوا يعرفون ما يوجد عند كل واحد من أولئك الكاتبين حتى الآية والآيتين من السورة، يقولون إن آية كذا عند فلان فاطلبوها منه، فيطلبونها وإن كانوا حافظين لها؛ زيادة في التثبت ومنعًا لما عساه يحدث بعدُ من إبراز منافق آية أو سورة فيها زيادة أو نقص يشكك به الناس، ومع هذا كله كانوا يطالبون مَن يأتي بشيء منه بالشهود؛ يشهدون أنه كتبه عن النبي ﷺ، وقد ورد في كل هذا الذي ذكرناه روايات مسندة، ربما نذكرها مَعْزُوَّة إلى مخرجيها بعد.
إذا علمت هذا فاسمع ما قاله ذلك الكاتب النصراني في الاستدلال على طعنه بجمع القرآن وحفظه:
( الدليل الأول ): حديث: ( رحم الله فلانًا؛ لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت أسقطتهن )، ويُروى ( أُنسِيتهن ). عزاه إلى ( الشفاء )، وهو فيه غير مسنَد ولا مخرَّج.
والذي أعرفه أن هذا الإسقاط أو النسيان كان في الصلاة، وربما تعدد، وهو أنه كان يقرأ سورة فلا يتمها فيسأله بعض الصحابة عن ذلك فيقول نحوه. وقد يكون الإسقاط عمدًا؛ إذ ليس بواجب على مَن بدأ بسورة في الصلاة أو غير الصلاة أن يتمها، فإذا ترك من السورة آية أو آيات عمدًا للاختصار، أو لاختبار حفظ السامعين، أو نسيانًا لمثل هذه الحكمة، أو لما يعرض للبشر عادة، فأي حرج في ذلك وتلك الآيات قد بُلِّغت وحُفظت في الصدور والسطور؟ وأي دليل في ذلك على ترك شيء من القرآن الذي بلغه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وحفظه عنه الجماهير في الصدور والمصاحف؟
نعم، إن نسيان التبليغ غير جائز على الأنبياء عليهم السلام، ولكن مثل هذا النسيان الذي يعرض أحيانًا لما هو محفوظ ومقرر - لا يخل بالتبليغ، وقد أطال القاضي في ( الشفاء ) القول في تقرير عصمة الأنبياء من النسيان في التبليغ وفي حفظ القرآن وعدم ضياع كلمة أو حرف منه، ولكن طلاب الباطل يعمون عن الحق، ويأخذون بأقل شبهة على تقرير باطلهم.
( الدليل الثاني ) قال: ( وكذلك ثبت أن الصحابة حذفوا من القرآن كل ما رأوا المصلحة في حذفه )، وعزا هذا إلى مقدمة الشاطبية.
والشاطبية قصيدة في القراءات ليس فيها شيء من هذا البهتان. ومَن علم أن أفسق المسلمين لا يتجرأ على حذف حرف من القرآن لاعتقاده أن متعمد ذلك يخرج من الدين، ويعد من شرار الكافرين - يتيسر له أن يعرف مكان هذه الفِرْية.
روى مسدّد عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أنه قال: ( أي سماء تُظلُّنِي وأي أرضي تُقلُّني إذا قلت في كتاب الله ما لا أسمع )، وروى نحوه البيهقي عنه، ورُوي مثل ذلك عن علي كرَّم الله وجهه. ونحن نعلم من التاريخ أنه لم يُعرف في الناس أشد إيمانًا من الصحابة لا سيما السابقين الأولين، فهؤلاء أصحاب موسى لم تُغْنِ عنهم مشاهدة آياته عن الميل إلى الوثنية، وإعناته في قبول الشريعة السماوية، حتى إنهم اتخذوا العجل بأيديهم وعبدوه وهو حي يناجي الله تعالى. وهؤلاء أصحاب عيسى عليه السلام تشهد عليهم أناجيلهم بأنهم خانوه في وقت الضيق، حتى إنه طرد أكبرهم وأفضلهم وسمّاه شيطانًا. وأما أصحاب محمد عليه السلام فقد عرَّضوا أنفسهم للقتل، ورضوا بالنفي والذل. ولم يزحزحهم ذلك شبرًا عنه، فكيف يصدق مع هذا قول كافر بدينهم يجيء في آخر الزمان، ويدعي أنهم حذفوا ما شاءوا من القرآن، ولا بينة له ولا برهان؟!
ولقد نعلم أن الذي ذكَّره بأن يفتري هذه الفرية - هو ما رواه الكثيرون من أن الصحابة قد تحاموا أن يكتبوا في المصاحف ما ليس قرآنًا كأسماء السور وكلمة ( آمين ) في آخر الفاتحة، وكلمة ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) في أولها، وكالتفسير المأثور عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، روى ابن أبي شيبة عن عامر الشعبي، قال: كتب رجل مصحفًا وكتب عند كل آية تفسيرها، فدعا به عمر، فقرضه بالمقراضين. وإنما فعلوا هذا خشية أن يشتبه بعض التفسير بالقرآن على بعض الناس، وقد كان هذا التشديد سببًا في قلة ما رُوي صحيحًا من التفسير. فهذا معنى حذفهم ما رأوا المصلحة في حذفه من القرآن، إن صح أن أحدًا عبر بمثل هذا التعبير.
وقد نقل الكاتب عن عبد المسيح الكندي أن عليًا ( عليه السلام ) حذف من القرآن آية المتعة وكان يضرب مَن يقرؤها، وأن عائشة ( رضي الله عنها ) كانت تشنع عليه بها وقالت: إنه بدَّل القرآن وحرَّفه. وأن منه ما كان يرويه أُبيّ بن كعب وهو قوله: ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك..... إلخ الوتر ).
ونقول: إن عبد المسيح لم يتقن الأكذوبة الأولى، ولم يقدر على تمويهها، كما موَّه غيرها من أباطيله؛ فإن أتباع علي وآل بيته ( الشيعة ) هم الذين يقولون بالمتعة دون سائر المسلمين، ولو كان علي هو المشدد في منعها وعائشة هي المثبتة لها لما كانوا إلا أبعد الناس عنها، وإن الآية التي يستدلون بها على المتعة هي قوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } ( النساء: 24 )، وهي لم تُحذف، ولكن يُروى أن أُبيًّا كان يزيد فيها: (... إلى أجل مسمى ) ولم يثبت هذا بالتواتر، فعُدَّ من قبيل التفسير، وهو مثبَت في كتب التفسير والحديث لم يسقط، ولو تواتر لأُثبت في المصحف، وكان نصًّا في المسألة. وأما صيغة القنوت التي أولُها: ( اللهم إنا نستعينك... ) فقد روي عن أبيٍّ أنه كان يعدها قرآنًا، وكأن هذا جاءه من قراءة النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لها في الصلاة، ولكن سائر الصحابة علموا منه عليه السلام أنها ليست بقرآن، وهي لم تسقط ولم تحذف، بل هي موجودة يحفظها الصبيان، ويقرؤها في الصلاة الملايين من الناس.
( الدليل الثالث ) قال: ( إن كثيرًا من آيات القرآن لم يكن لها من قيد سوى تحفظ الصحابة لها، وكان بعضهم قد قُتلوا في مغازي محمد وحروب خلفائه الأولين وذهب معهم ما كانوا يتحفظونه من قبل أن يوعز أبو بكر إلى زيد بن ثابت بجمعه؛ فلذلك لم يستطع زيد أن يجمع سوى ما كان يتحفظه الأحياء ).
ونقول: إن هذه دعوى باطلة، أقامها مقام الدليل على دعوى أخرى وهي متهافتة بنفسها كأنها من كلام الصبيان؛ فإن خلفاء محمد عليه الصلاة والسلام هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، والأول منهم هو الذي جمع في أول خلافته القرآن في مصحف واحد، وكان مكتوبًا كله في عهد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، ومحفوظًا لكثيرين ممن قُتلوا في يوم اليمامة، وممن كانوا في المدينة وفي غيرها من البلاد، ولم يخرجوا إلى تلك الحرب. روى ابن أبي شيبة عن محمد بن كعب القرظي قال: ( جمع القرآن في زمان رسول الله ﷺ خمسة نفر من الأنصار: معاذ بن جبل و عبادة بن الصامت و أبي بن كعب و أبو الدرداء وأبو أيوب ) وروى ابن سعد و يعقوب بن سفيان و الطبراني و الحاكم عن الشعبي مرسلا أن ممن جمعه من الأنصار أيضا زيد بن ثابت و سعيد بن عبيد و أبو زيد، وأكثر هؤلاء قد عاشوا بعده، وبعد جمع أبي بكر وكتابة عثمان زمنًا طويلا. وقد وجه عمر ثلاثة منهم إلى بلاد الشام، يعلّمون الناس القرآن، كما سنفصله بعد، وروى هؤلاء أيضا أن مجمع بن جارية كان قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثًا. وإنما يعنون بالجمع الجمع بالكتابة، وأما الحفظ فأهله كثيرون جدًّا، وإنما قالوا إن أبا بكر جمعه، يعنون بين اللوحين، وقد كان جمع مَن ذكرنا من الأنصار، ومن لم نذكر من المهاجرين في صحف منشرة. وقد روى ابن الأنباري في ( المصاحف ) من عدة طرق أن الذين قتلوا من قراء القرآن يوم اليمامة أربعمائة رجل، فهل يجد النصارى عندهم رواية عن واحد فقط حفظ إنجيل المسيح كله أو أكثره أو ما هو دون ذلك؟!
( الدليل الرابع ): قال: ( أما ما كان مكتوبًا منه على العظام وغيرها فإنه كان مكتوبًا بلا نظام ولا ضبط، وقد ضاع بعضها، وهذا ما حدا بالعلماء إلى الزعم بأن فيه آيات قد نُسخت حرفًا لا حكمًا، وهو من غريب المزاعم ).
ونقول: إن هذه دعوى مفتراة أيضا وقد عُلم كذبها مما تقدم. ويا ليت شعري هل اطَّلع هذا النصراني على تلك العظام وغيرها، فرآها بغير نظام؟! وهل كان عدَّها في أيدي كتاب الوحي في زمنه، ثم عدها في زمن أبي بكر فوجدها قد نقصت؟ وهل يفقه أن ضياع بعضها لا يضر مع تعدد الكاتبين والحافظين؟ إلا إذا ثبت أن سورة أو آية بخصوصها قد أضاعها كل مَن كتبها ومن حفظها؟ وأنَّى يثبت هذا؟
رُوي بأسانيد صحيحة أن المكتوب وافق المحفوظ، ولم يفقدوا منه شيئًا إلا آية آخر التوبة وجدوها مكتوبة عند واحد فقط، على أنها كانت محفوظة مقروءة في الصلاة، وأما النَّسْخ الذي قاله فقد أنكره قوم، ومَن أثبته لم يعلله بما ذكر.
( الدليل الخامس ) قال: ( ولما قام الحجاج بنصرة بني أمية لم يُبقِ مصحفًا إلا جمعه، وأسقط منه أشياء كثيرة كانت قد نزلت فيهم، وزاد فيه أشياء ليست منه، وكتب ستة مصاحف جديدة بتأليف ما أراده، ووجه بها إلى مصر والشام ومكة والمدينة والبصرة والكوفة، وهي القرآن المتداول اليوم )، ثم زعم أنه أتلف سائر المصاحف تزلُّفًا إلى بني أمية؛ حتى لا يبقي في القرآن ما يسوءهم!
ونقول: إننا نتخذ مثل هذا الكذب فرصة لتعليم الناس ما كان من عناية هذه الأمة بحفظ كتابها، ولولا ذلك لكان من اللغو الكلام مع مَن لا يستحي من الكذب. إن الحجاج لم يكن حاكمًا عامًّا له سلطان على جميع البلاد الإسلامية، فيحاول جمع القرآن منها وتبديله، على حين يعتقد أهلها أن التصرف بحرف واحد منه كفر صريح، ولو فرضنا أنه كان حاكمًا عامًّا، فهل كان يستطيع أن يجمع المصاحف التي لا عدد لها ولا يمكن أن يعرف مواضعها؟ ولو فرضنا أنه قدر، فهل يقدر على محوه من الصدور، كما يمحوه من السطور؟ لقد حفظ القرآن الألوف، وانتشروا في الأرض قبل ملك بني أمية، فلماذا لم يوجد إلى اليوم حافظ يخالف حافظًا في هذا المصحف المروي بالتواتر من كل وجه كما قدمنا. حفظه أولئك الألوف بباعث الإيمان واليقين، ورغبة في الأجر الذي كتبه الله تعالى لحَفَظَة القرآن وحَمَلته، كما ورد في الأحاديث الصحيحة. ثم إن الخلفاء كانوا فوق هذا يرغِّبون الناس في الحفظ. روى أبو عبيد عن سعد بن إبراهيم أن عمر كتب إلى بعض عماله أن أعطِ الناس على تعلم القرآن، فكتب إليه: إنك كتبتَ أن أعطِ الناس على تعلم القرآن، فتعلمه مَن ليست له رغبة إلا رغبة الجند، فكتب إليه: أن أعطِ الناس على المودة والصحابة. وروى البيهقي عن علي قال: مَن وُلد في الإسلام، فقرأ القرآن، فله في بيت المال في كل سنة مائتا دينار، إن أخذها في الدنيا وإلا أخذها في الآخرة، وروى أيضا عن سالم بن أبي الجعد أن عليًا فرض لمَن قرأ القرآن ألفين ألفين، أرأيت هذا الترغيب في الأجر الدنيوي فوق الأجر عند الله تعالى، هل يبقي معه أحد لا يحفظ القرآن إلا القليل النادر؟!
وكتب عمر إلى عامله في بعض البلاد يسأله عن عدد مَن يحفظ القرآن عنده، فأجاب أنهم ثلثمائة، وقد نسيت اسم البلد، وأراني لم أنسَ العدد. فإذا كان العاقل يتصور أن يقع - مع هذه العناية التي أشرنا إليها - تحريف أو تصحيف أو نقص أو زيادة، فبأي كتاب أو بأي شئ يمكن أن يثق؟! مثل هذه العناية لم تتفق ولن تتفق.
( الدليل السادس ) أو الفِرية السادسة - وهي كالثانية - قوله: ( إن الخلفاء تصرفوا فيما دعوه كتاب الله تصرف المالك في ملكه )، وذكر هنا في الهامش أن ابن عباس أنكر كون المعوذتين من القرآن، ثم ختم لغوه بذم القرآن ذمًّا شعريًّا، بأنه مبتور؛ لا نظام له، ولا تأليف، ولا معنى يتسق.
فأما دعواه في الخلفاء فلا أرى إلا النصارى واليهود والمجوس والذين أشركوا يسخرون منها. وأما زعمه أن ابن عباس أنكر كون المعوذتين منه فهو كذب، وإنما روي هذا عن ابن مسعود وحده، ولكن الجم الغفير من الصحابة رووها عن النبي ﷺ قرآنًا، فعدم رواية ابن مسعود لها لا ينافي التواتر عن غيره، كما رواه أحمد والحميدي والبخاري ومسلم والنسائي وابن حبان، وأما ما قاله في النظم والتأليف فإننا - بعد الثقة بأن سيكون سخرية لكل مَن شم رائحة البلاغة العربية - نحيل القارئ على ما تقدم نقله عن القاضي عياض، ونتمثَّل بقول شاعرنا الحكيم:
إذا وصف الطائي بالبخل مادر ** وعير قسًّا بالفهاهة باقل
وقال السهى للشمس أنت خفية ** وقال الدجى للصبح لونك حائل
فيا موت زُر إن الحياة ذميمة ** ويا نفس جدّي إن دهرك هازل
((يتبع بمقال تالٍ))
هامش