سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان ﷺ يفتتح أكثر كتبه بلفظ: «من محمد رسول الله إلى فلان»، وربما افتتحها بلفظ: «أما بعد»، وربما افتتحها بلفظ: «هذا كتاب»، وربما افتتحها بلفظ: «سلم أنت».
وكان يصرح في الغالب باسم المكتوب إليه في أول المكاتبات وربما اكتفى بشهرته فإنه كان المكتوب إليه ملكا كتب بعد ذكره اسمه «عظيم القوم الفلانيين» وربماكتب: «صاحب مملكة كذا».
وكان يعبّر عن نفسه ﷺ في أثناء كتبه بلفظة الإفراد مثل: «أنا» و «لي» و «جاءني» و «وفد عليَّ» وما أشبه، وربما أتى بلفظ الجمع مثل: «بلغنا» و «جاءنا» ونحو ذلك.
وكان يخاطب المكتوب إليه عند الإفراد بكاف الخطاب، مثل: «لك وعليك» وتاء المخاطب، مثل: «أنت قلت ذا وفعلت كذا» وعند التثنية بلفظها مثل: «أنتما ولكما وعليكما»، وعند الجمع بلفظه مثل: «أنتم ولكم وعليكم» وما أشبه ذلك.
وكان يأتي في صدور كتبه بالسلام، فيقول في خطاب المسلم: «سلام عليك»، وربما قال: «السلام على من آمن بالله ورسوله»، وفي خطاب الكافر: «سلام على من اتبع الهدى» وربما أسقط السلام من صدر الكتاب.
وكان يأتي في صدور الكتب بالتحميد بعد السلام، فيقول: «فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو» وربما تركه، وقد يأتي بعد التحميد بالتشهد وقد لا يأتي به، وكان يتخلص من صدر الكتاب إلى المقصود تارة بأما بعد وتارة بغيرها.
وكان يختم كتبه بالسلام تارة، فيقول في خطاب المسلم: «والسلام عليك ورحمة الله وبركاته»، وربما اقتصر على السلام، ويقول في خطاب الكافر: «والسلام على من اتبع الهدى» وربما أسقط السلام من آخر كتبه.
1 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل
كان إرسال الكتاب إلى هِرَقْل سنة ست من الهجرة بعد رجوعه ﷺ من الحديبية وكان وصوله إليه في المحرم سنة سبع وقد أمر رسول الله ﷺ دحية بن خليفة الكلبي أن يدفعه إلى عظيم بصرى وهو الحارث ملك غسان ليدفعه إلى هرقل قد نذر أنه إذا ظهر على الفرس وأخرجهم من بلادهم زار القدس حاجا ماشيا على قدميه شكرا لله، فخرج في خريف سنة 628 م ( السنة السابعة من الهجرة) وفاء بنذره، وفي أثناء سفره سلم إليه حاكم بصرى كتاب النبي ﷺ وكان دحية لما انتهى إلى الحارث أرسل معه عدي بن حاتم ليوصله إلى هرقل.
وهذا نص الكتاب:
(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتَّبع الهدى، أما بعد: أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن تتول فإن إثم الأكارين عليك) عن عبد الله بن عباس قال: «حدثني أبو سفيان بن حرب قال: كنا قوما تجارا وكانت الحرب بيننا وبين رسول الله قد حصرتنا حتى نهكت أموالنا فلما كانت الهدنة بيننا وبين رسول الله لم نأمن ألا نجد أمنا فخرجت في نفر من قريش تجار إلى الشام وكان وجه متجرنا منها غزة فقدمناها حين ظهر هرقل على من كان بأرضه من فارس وأخرجهم منها وانتزع له منهم صليبه الأعظم وكانوا قد استلبوه إياه، فلما بلغ ذلك منهم أن صليبه قد استنقذ له وكانت حمص منزله خرج منها يمشي على قدميه متشكرا لله حين رد عليه ما رد ليصلي في بيت المقدس وتبسط له البسط وتُلقى عليها الرياحين، فلما انتهى إلى إيلياء وقضى فيها صلاته ومعه بطارقته وأشراف الروم، أصبح ذات غداة مهموما يقلب طرفه إلى السماء، فقال له بطارقته: والله لقد أصبحت أيها الملك الغداة مهموما، قال: أجل، أُريت في هذه الليلة أن ملك الختان ظاهر، قالوا: أيها الملك ما نعلم أمة تختن إلا يهود وهم في سلطانك وتحت يدك فابعث إلى كل من لك عليه سلطان في بلادك فمره فليضرب أعناق كل من تحت يده من يهود واسترح من هذا الهم، فوالله إنهم لفي ذلك من رأيهم يدبرونه إذ أتاه رسول صاحب بصرى برجل من العرب يقوده وكانت الملوك تهادي الأخبار بينها، فقال: أيها الملك إن هذا الرجل من العرب من أهل الشاء والإبل يحدث عن أمر عجب حدث ببلادهم فسله عنه، فلما انتهى به رسول صاحب بصرى إلى هرقل، قال هرقل لترجمانه: سله ما كان هذا الحدث الذي كان ببلاده؟ فسأله فقال: خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي قد اتبعه ناس وصدقوه وخالفه ناس، وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة فتركتهم على ذلك، قال فلما أخبره الخبر، قال: جردوه، فجردوه فإذا هو مختون، فقال هرقل: هذا والله الذي أُريت لا ما تقولون، أعطوه ثوبه، ثم دعا صاحب شرطته فقال له: قلب لي الشام ظهرا وبطنا حتى تأتيني برجل من قوم الرجل، يعني النبي ﷺ
قال أبو سفيان: فوالله إنا لبغزة إذ هجم علينا صاحب شرطته فقال: أنتم من قوم هذا الرجل الذي بالحجاز؟ قلنا: نعم، قال: انطلقوا بنا إلى الملك، فانطلقنا معه فلما انتهينا إليه قال: أنتم من رهط هذا الرجل؟ قلنا: نعم، قال: فأيكم أمس به رحما؟ قلت: أنا، قال أبو سفيان: وأيم الله ما رأيت من رجل أرى أنه كان أنكر من ذلك الأغلف يعني هرقل، فقال: ادنه فأقعدني بين يديه وأقعد أصحابي خلفي، ثم قال: إنّي سأسأله فإن كذب فردوا عليه، فوالله لو كذبت ما ردوا عليَّ ولكني كنت امرأ سيدا أتكرم عن الكذب وعرفت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبته أن يحفظوا ذلك عليّ ثم يحدثوا به عني، فلم أكذبه، فقال: أخبرني عن هذا الرجل الذي خرج بين أظهركم يدعي ما يدعي، قال: فجعلت أزهد له شأنه وأصغر له أمره، وأقول: أيها الملك ما يهمك من أمره؟ إن شأنه دون ما يبلغك فجعل لا يلتفت إلى ذلك، ثم قال: أنبئني عما أسألك عنه من شأنه، قلت: سل عما بدا لك، قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: محض أوسطنا نسبا، قال: فأخبرني هل كان أحد من أهل بيته يقول مثل ما قال فهو يتشبه به؟ قلت: لا، قال: فهل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث لتردوا عليه ما ملكه؟ قلت: لا، قال: فأخبرني عن أتباعه منكم من هم؟ قال: قلت: الضعفاء والمساكين والأحداث والغلمان والنساء، وأما ذوو الأسنان والشرف من قومه فلم يتبعه منهم أحد، قال: أخبرني عمن تبعه أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه؟ قال: قلت ما تبعه رجل ففارقه، قال: أخبرني كيف الحرب بينكم وبينه؟ قال: قلت سجال يدال علينا وندال عليه، قال: فأخبرني هل يغدر؟ فلم أجد شيئا مما سألني عنه أغمزه فيه غيرها، قلت: لا ونحن منه في هدنة ولا نأمن غدره،
قال: فوالله ما التفت إليها مني ثم كرّ على الحديث.
قال: سألتك كيف نسبه فيكم فزعمت أنه محضٌ من أوسطكم نسبا وكذلك يأخذ الله النبي إذا أخذه لا يأخذه إلا من أوسط قومه نسبا، وسألتك هل كان أحد من أهل بيته يقول بقوله فهو يتشبه به فزعمت أن لا، وسألتك هل كان له فيكم ملك فاستلبتموه إياه فجاء بهذا الحديث يطلب به ملكه فزعمت أن لا، وسألتك عن أتباعه فزعمت أنهم الضعفاء والمساكين والأحداث والنساء وكذلك أتباع الأنبياء في كل زمان، وسألتك عمن يتبعه أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه، فزعمت أن لا يتبعه أحد فيفارقه وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبا فتخرج منه، وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا، فلئن كنت صدقتني عنه ليغلبنّي على ما تحت قدميّ هاتين ولوددت أني عنده فأغسل قدميه، انطلق لشأنك، قال: فقمت من عنده وأنا أضرب إحدى يديّ بالأخرى وأقول: أي عباد الله لقد أمِرَ أمر ابن أبي كبشة أصبح ملوك بني الأصفر يهابونه في سلطانهم بالشام، قال: وقدم عليه كتاب رسول الله ﷺ فأخذ الكتاب فجعله بين فخذيه وخاصرته.
وفي البخاري: أن قيصر لما صار إلى حمص أذن لعظماء الروم في دسكرة له ثم أمر بأبوابها فغلقت ثم اطلع فقال: يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت ملككم فتتابعوا هذا النبي فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد أغلقت، وقالوا: أتدعونا أن نترك النصرانية ونصير عبيد الأعرابي؟ فلما رأى نفرتهم وأيس من إيمانهم قال: ردوهم عليّ وقال: إني قلت مقالتي أختبر بها شدتكم على دينكم فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، اهـ فلم يسلم هرقل.
وجميع المصادر الأجنبية تنكر هذه المحاورات التي جرت بين هرقل وأبي سفيان مما يدل على ميله إلى الإسلام لأنه كان عريقا في المسيحية متمسكا بها فلا يتصور أن يقول لأبي سفيان: «لئن كنت صدقتني عنه ليغلبنّي على ما تحت قدميَّ هاتين ولوددت أني عنده أغسل قدميه» ولا يمكن أن يدعو قومه إلى اتباع النبي وترك النصرانية وهو رئيسها في وقت كان يحتفل فيه باسترداد الصليب الأعظم من الفرس.
2 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحارث بن أبي شمر الغساني
بعث رسول الله ﷺ شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني وكان أميرا بدمشق من جهة قيصر ومعه كتاب رسول الله ﷺ وهذا نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله فإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له يبق ملكك) وختم الكتاب.
قال شجاع: فانتهيت فوجدته مشغولا بتهيئة الضيافة لقيصر وقد جاء من حمص إلى إيلياء حيث كشف الله عنه جنود فارس شكرا لله تعالى.
قال شجاع: فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة فقلت لحاجبه: إني رسولُ رسول الله ﷺ فقال حاجبه: لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا، وجعل حاجبه يسألني عنه ﷺ وما يدعو إليه فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء ويقول: إني قرأت في الإنجيل وإني أجد صفة هذا النبي بعينه وكنت أظنه يخرج بالشام فأراه خرج بأرض القَرَظ فأنا أؤمن به وأصدقه وأنا أخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني، وكان هذا الحاجب روميا اسمُه مرى.
قال شجاع: وكان يكرمني ويحسن ضيافتي ويخبرني باليأس من الحارث ويقول وهو يخاف قيصر، قال: فخرج الحارث يوما فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه فدفعت إليه الكتاب فقرأه ثم رمى به وقال: من ينتزع مني ملكي؟ أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته، عليّ بالناس فلم يزل جالسا حتى الليل وأمر بالخيل أن تنعل ثم قال: أخبر صاحبك بما ترى، وكتب إلى قيصر يخبره بخبري فصادف قيصر بإيلياء وعنده دحية رضي الله عنه وقد بعثه رسول الله ﷺ فلما قرأ قيصر كتاب الحارث كتب إليه ألا تسر إليه وَالْه عنه ووافني بإيلياء.
ولما بلغ النبي ﷺ خبره قال: «باد ملكه» ويفهم من هذا أنه لم يسلم.
3 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى عظيم الفرس Chosroes Eparwiz
كتب رسول الله ﷺ إلى كسرى أبرويز بن هرمز وبعث بالكتاب مع عبد الله بن حذافة السهمي لأنه كان يتردد على كسرى كثيرا، وهذا نص الكتاب:
(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلى الناس كافة لينذر من كان حيا، أسلم تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس) أي إثم أتباعك.
فمزق كسرى كتاب رسول الله ﷺ فقال رسول الله: «مزق الله ملكه».
ويلاحظ في هذا الكتاب أن النبي ﷺ قال فيه: «وإني رسول الله إلى الناس كافة» وفي هذا ردّ على مَن زعم من المستشرقين وغيرهم أن محمدا أرسل إلى العرب فقط ويؤيد ذلك قوله تعالى: {وَمَآ أَرْسَلْنَكَ إِلاَّ كَآفَّةً لّلنَّاسِ بَشِيرا وَنَذِيرا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28).
ثم كتب كسرى إلى أمير له باليمن يقال له: «باذان»: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به، فبعث «باذان» قهرمانه وهو «بابويه»، وكان كاتبا حاسبا بكتاب فارس وبعث معه رجلا من الفرس يقال له: «خرخسرة» وكتب معهما إلى رسول الله ﷺ يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى وقال لبابويه: ائت بلد هذا الرجل وكلمه وأتني بخبره فخرجا حتى قدما الطائف فوجدا رجالا من قريش بنخب من أرض الطائف فسألاهم عنه فقالوا هو بالمدينة، واستبشروا بهما وفرحوا وقال بعضهم لبعض: أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك، وكفيتم الرجل فخرجا حتى قدما على رسول الله ﷺ فكلمه بابويه، فقال: إن شاهنشاه ملك الملوك كسرى قد كتب إلى الملك باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك وقد بعثني إليك لتنطلق معي فإن فعلت كتب فيك إلى ملك الملوك ينفعك ويكفه عنك وإن أبيت فهو من قد علمت فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك، ودخلا على رسول الله ﷺ وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما فكره النظر إليهما ثم أقبل عليهما فقال: ويلكما من أمركما بهذا؟ قال: ربنا - يعنيان كسرى -، فقال رسول الله: «لكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي»، ثم قال لهما: «ارجعا حتى تأتياني غدا»، وأتى رسولَ الله ﷺ الخبرُ من السماء أن الله قد سلط على كسرى ابنه (شيرويه) فقتله في شهر كذا وكذا ليلة كذا وكذا بعدما مضى من الليل كذا وكذا.
قال الواقدي: «قتل شيرويه أباه كسرى ليلة الثلاثاء لعشر ليال مضين من جمادى الأولى من سنة سبع لست ساعات مضت منها».
فدعاهما فأخبرهما فقالا: هل تدري ما تقول إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا أفنكتب هذا عنك ونخبره الملك؟ قال: نعم أخْبِراه ذلك عني وقولا له إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى وينتهي إلى منتهى الخف والحافر وقولا له إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك وملكتك على قومك من الأبناء، ثم أعطى «خرخسرة» منطقة فيها ذهب وفضة كان أهداها له بعض الملوك فخرجا من عنده حتى قدما على باذان فقال: والله ما هذا بكلام ملك وإني لأرى الرجل نبيا كما تقول ولتنظرن ما قد قال فلئن كان هذا حقا ما فيه كلام، إنه لنبيّ مرسل، وإن لم يكن فسنرى فيه رأينا.
إسلام باذان
لم ينشب باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه وهو:
«أما بعد: فإني قد قتلت كسرى ولم أقتله إلا غضبا لفارس لما كان استحل من قتل أشرافهم وتجميرهم في ثغورهم فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب فيه إليك فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه»، فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان قال: إن هذا الرجل لَرسول، فأسلم وأسلمت الأبناء معه من فارس من كان منهم باليمن فكانت حمير تقول لخرخسرة ذو المعجزة للمنطقة التي أعطاها إياها رسول الله ﷺ والمنطقة بلسان حمير المعجزة فبنوه اليوم ينسبون إليها خرخسرة ذو المعجزة، وقد قال بابويه لباذان: ما كلمت رجلا قط أهيب عندي منه، فقال له باذان: هل معه شرط؟ قال: لا.
ولما أسلم باذان ولاه النبي ﷺ على مخاليف اليمن وكان منزله بصنعاء دار مملكة التبابعة وبقي حتى مات بعد حجة الوداع، فولى النبي ﷺ ابنه (شهرْ) بن باذان على صنعاء وولى على كل جهة واحدا من الصحابة رضوان الله عليهم.
ثم ملك الله المسلمين ملك كسرى وخزائنهم وأموالهم في خلافة عمر رضي الله عنه ومزقهم الله كل ممزق تحقيقا لدعوته ﷺ
وقد أنكر الأستاذ نورث (C.R. North) في كتابه الذي أسماه موجزا عن الإسلام (An outline of Islam) طبعه سنة 1934 م ص 34: أن رسول الله ﷺ أرسل كتابا إلى امبراطور الروم وآخر إلى امبراطور الفرس وزعم أن ذلك ليس له أساس تاريخي، وهكذا ينكر مؤرخو الفرنجة حتى الحقائق الثابتة.
4 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط سنة 7هـ - 628م
بعث رسول الله حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه إلى المقوقس، وذلك أنه ﷺ عند منصرفه من الحديبية قال: أيها الناس أيكم ينطلق بكتابي هذا إلى صاحب مصر وأجره على الله؟ فوثب إليه حاطب بن أبي بلتعة وقال: أنا يا رسول الله، فقال: «بارك الله فيك يا حاطب»، وهذا نص الكتاب:
«بسم اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى المُقَوْقِسِ عَظِيمِ القِبْطِ سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أمَّا بَعْدُ: فإنِّي أَدْعُوكَ بِدِعايَةِ الإِسلامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ كُلِّ القِبْطِ {قُلْ يأَهْلَ الْكِتَبِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}» وختم الكتاب.
وهذا الكتاب محفوظ بدار الآثار في الآستانة، قيل: عثر عليه عالم فرنسي في دير بمصر قرب أخميم في زمن سعيد باشا.
فسار حاطب بالكتاب حتى قدم على المقوقس إلى مصر فلم يجده فذهب إلى الإسكندرية وأعطاه كتاب رسول الله ﷺ فضمه إلى صدره وجعله في حق عاج ودعا كاتبا له يكتب بالعربية فكتب:
(إلى النبي ﷺ بسم الله الرحمن الرحيم لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط، سلام عليك، أما بعد: فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا قد بقي وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام) وذكر له ما كان من إكرامه لحاطب، وقيل: إنه دفع له مائة دينار وخمسة أثواب ودعا رجلا عاقلا فلم يجد بمصر أحسن ولا أجمل من مارية (مريم) وأختها سيرين وهما من أهل حفَن من كورة أنصنا، قرية بصعيد مصر فبعث بها إلى رسول الله ﷺ وأهدى له بغلة وعسلا من عسل بنها، وقيل: بعث له غير ذلك عشرين ثوبا من قباطي مصر وطيبا وعودا ومسكا، ولكنه لم يسلم، وقد قبل رسول الله ﷺ هذه الهدايا، فأخذ مارية لنفسه، وأهدى سيرين لحسان بن ثابت وهي أم عبد الرحمن بن حسان، والبغلة تسمى «الدلدل» وكانت شهباء ولم يكن في العرب يومئذ بغلة غيرها ودعا في عسل بنها بالبركة.
وقد ذكر المرحوم حفني ناصف الهدايا التي أرسلها المقوقس إلى رسول الله ﷺ وهي:
1 - مارية بنت شمعون وكانت أمها رومية.
2 - جارية أخرى يقال لها سيرين ولكنها أقل جمالا من مارية.
3 - جارية أخرى يقال لها قيسر.
4 - جارية سوداء يقال لها بريرة.
5 - غلام أسود يقال له هابو.
6 - بغلة شهباء وهي التي سُميت بدلدل.
7 - فرس مسرج ملجم وهو الذي سُمي بميمون.
8 - حمار أشهب وهو الذي سُمي بيعفور.
9 - مربعة فيها مكحلة ومرآة ومشط وقارورة دهن ومقص وسواك.
10 - جانب من عسل بنها.
11 - ألف مثقال من الذهب.
12 - عشرون ثوبا من قباطي مصر.
13 - جانب من العود والند والمسك.
14 - قدح من قوارير.
ويقال: إنه كان من ضمن الهدية طبيب، فقال له النبي ﷺ «ارجع إلى أهلك نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع».
وقد أسلمت مارية قبل أن تصل إلى المدينة هي وسيرين بدعوة حاطب بن أبي بلتعة.
مارية القبطية
وصلت مارية إلى المدينة سنة 8 هـ.
كان رسول الله يُعجب بمارية القبطية وكانت بيضاء جعدة جميلة فأنزلها رسول الله ﷺ وأختها على أم سليم بنت مِلحان فأسلمتا فوطىء مارية بالملك وحولها إلى مال له بالعارية كان من أموال بني النضير فكانت فيه في الصيف وفي خرافة النخل فكان يأتيها هناك وكانت ح سنة الدين ووهب أختها سيرين لحسان بن ثابت الشاعر فولدت له عبد الرحمن وولدت مارية لرسول الله غلاما فسماه إبراهيم، وتوفيت في خلافة عمر سنة 16 هـ ودُفنت بالبقيع وكان عمر يجمع الناس بنفسه لشهود جنازتها وصلى عليها.
إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما وُلد إبراهيم عق عنه رسول الله ﷺ بشاة يوم سابعه وحلق رأسه فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين وأمر بشعره فدُفن في الأرض وكانت قابلة مارية سلمى مولاة رسول الله ﷺ فخرجت إلى زوجها أبي رافع مولى رسول الله فأخبرته بأنها قد ولدت غلاما فجاء أبو رافع إلى رسول الله ﷺ فبشره فوهب له عبدا وغار نساء رسول الله ﷺ واشتد عليهن حين رُزق منها الولد، كانت ولادة إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة (أبريل سنة 630 م) ولد بالعالية وتنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه فدفعه رسول الله إلى أم بُرْدة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار وزوجها البراء بن أوس بن خالد فكانت ترضعه.
5 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أصحمة
التجأ المهاجرون الأولون إلى الحبشة فأكرمهم النجاشي وبقوا هنالك آمنين من اضطهاد قريش ولما هاجر رسول الله إلى المدينة عاد أربعون من المهاجرين والتحقوا بالنبي ﷺ بالمدينة وبقي منهم في الحبشة نحو خمسين أو ستين تحت حماية النجاشي وقد حمل عمرو بن أمية الضمري رسالتين إليه يدعوه في إحداهما إلى الإسلام وفي الأخرى يأمره أن يزوجه أم حبيبة وهذه صورة كتاب رسول الله ﷺ إلى النجاشي الذي يدعوه فيه إلى الإسلام:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الحَبَشَةِ، سَلْمٌ أَنْتَ فإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ، المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ رُوحُ اللَّهِ وكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ البَتُولِ الطَّيِّبَةِ الحَصِينَةِ فَحَمَلَتْ بِعِيسَى مِنْ رُوحِهِ ونَفْخِهِ كَمَا خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ ونَفْخِهِ وَإِنِّي أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَالْمُوَالاةِ عَلَى طَاعَتِهِ وَأَنْ تَتَّبِعَنِي وَتُؤْمِنَ بِالَّذِي جاءَني فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ وقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرا وَنَفَرا مَعَهُ مِنَ المُسْلِمينَ فَإِذَا جاءوكَ فَاقْرِهِمْ وَدَعِ التَّجَبُّرَ فَإِنِّي أَدْعُوكَ وَجُنُودَكَ إِلَى اللَّهِ فَقَدْ بَلَّغْتُ وَنَصَحْتُ فَاقْبَلُوا نُصْحِي وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى».
فلما وصل إليه الكتاب وضعه على عينيه ونزل عن سريره فجلس على الأرض ثم أسلم وكتب الجواب للنبيّ ﷺ وهذا هو:
«بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله، من النجاشي الأصحم بن أبجر: سلام عليك يا نبيّ الله ورحمة الله وبركات الله الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى الإسلام، أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت عمك وأصحابك فأشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين وأرسل إليك بابني أرها بن الأصحم بن أبجر فإني لا أملك إلا نفسي وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله».
قال ابن إسحاق: «وذكر لي أن النجاشي بعث ابنه في ستين من الحبشة في سفينة فإذا كانوا في وسط البحر غرقت بهم سفينتهم فهلكوا».
وهذا الكتاب الذي أرسله النجاشي يؤيد إسلامه صراحة وأنه يرى في عيسى عليه السلام ما يراه الإسلام.
إسلام النجاشي
إن رواية ابن إسحاق صريحة بأن النجاشي أصحمة أسلم، وقد قرأ جعفر بن أبي طالب عليه سورة مريم وقول عيسى: {قَالَ إِنّى عَبْدُ اللَّهِ ءاتَانِىَ الْكِتَبَ وَجَعَلَنِى نَبِيّا وَجَعَلَنِى مُبَارَكا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِى بِالصَّلَوةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيّا} (مريم: 30، 31) الآية، وفي هذه الآية نص عيسى عليه السلام على إثبات عبوديته وقال تعالى: {ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقّ الَّذِى فِيهِ يَمْتُرُونَ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَنَهُ إِذَا قَضَى أَمْرا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (مريم: 34، 35)، وفي قوله عيسى بن مريم إشارة إلى أنه ولد هذه المرأة وابنها لا أنه ابن الله، وقال عز شأنه: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرطٌ مُّسْتَقِيمٌ} (مريم: 36).
وقد شك بعضهم في إسلام النجاشي لكن المصادر التاريخية المهمة تصرح بإسلامه وفي قول عمرو بن العاص أنه بايع النجاشي على الإسلام وسيأتي ذكر ذلك في موضعه ولكنه كان يخفي إسلامه لأن أمته كانت مسيحية فخشي أن يثوروا عليه.
ومما يقوي إسلام النجاشي أنه كان مسيحيا نسطوريا ومذهب نسطور قائم على التوحيد وينكر ألوهية المسيح فمن ذلك قوله: (لا تقولوا مريم أم الله لأنها من البشر ويستحيل أن يولد الإله من البشر).
وقد ذكرت أن بحيرا الراهب الذي أكرم النبي عليه الصلاة والسلام عندما رحل إلى الشام وعرّفه بعلامات فيه، كان متبعا هذا المذهب - ونسطور هذا كان رجلا جليل القدر متبحرا في الديانة المسيحية والذي يدل على مكانته الرفيعة في الدين المسيحي أنه كان بطريرك القسطنطينية من عام 428 إلى 431م وكان له أتباع كثيرون أسلم عندما عرض عليه الإسلام رسول الله ﷺ وقرأ سورة مريم التي تنطبق على مذهبه، ولأن الإسلام يحارب عبادة الأصنام ويدعو إلى التوحيد وينكر ألوهية عيسى عليه السلام ويقر نبوّته.
وجاء في مسند الشافعي (من كتاب الجنائز والحدود) عن أبي هريرة أن النبي ﷺ نعى للناس النجاشي اليوم الذي مات فيه وخرج بهم إلى المصلى فصف بهم وكبّر أربع تكبيرات وهذا دليل على إسلام النجاشي لأن رسول الله ﷺ لا يصلي إلا على مسلم.
وفي صحيح البخاري: عن جابر رضي الله عنه قال النبي ﷺ حين مات النجاشي: «مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة».
زواج أم حبيبة بنت أبي سفيان برسول الله صلى الله عليه وسلم
عن محمد بن عمر قال: أرسل رسول الله ﷺ إلى النجاشي ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان ويبعث بها إليه من عنده من المسلمين، فأرسل النجاشي - جارية له يقال لها: أبرهة، إلى أم حبيبة يخبرها بخطبة رسول الله ﷺ إياها فأعطتها أوضاحا لها وفَتَخا سرورا بذلك، وأمرها أن توكل من يزوجها فوكلت خالد بن سعيد بن العاص فزوجها فخطب النجاشي على رسول الله ﷺ وخطب خالد فأنكح أم حبيبة ثم دعا النجاشي بأربعمائة دينار صداقها فدفعها إلى خالد بن سعيد، فلما جاءت أم حبيبة تلك الدنانير جاءت بها أبرهة فأعطتها خمسين مثقالا، وقالت: كنت أعطيتك ذلك وليس بيدي شيء وقد جاء الله عز وجل بهذا، فقالت أبرهة: قد أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئا وأن أرد إليك الذي أخذت منه فردته، وأنا صاحبة دهن الملك وثيابه وقد صدقت محمدا رسول الله وآمنت به وحاجتي إليك أن تقرئيه مني السلام، قالت: نعم، وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر فكان رسول الله ﷺ يراه عليها وعندها فلا ينكره، قالت أم حبيبة: فخرجنا في سفينتين وبعث معنا النواتي حتى قدمنا الحار ثم ركبنا الظهر إلى المدينة، فوجدنا رسول الله ﷺ بخيبر فخرج من خرج إليه وأقمت بالمدينة حتى قدم رسول الله فدخلت إليه فكان يسائلني عن النجاشي وقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله ﷺ عليها، ولما جاء أبا سفيان تزويج النبي ﷺ أم حبيبة قال: «ذلك الفحل لا يقرع أنفه».
وقد أراد رسول الله ﷺ بزواج أم حبيبة بنت أبي سفيان أن يستميل أباها إلى قضيته، وقد كان وصول مهاجري الحبشة إلى المدينة في فصل الخريف في جمادى الأولى السنة السابعة من الهجرة (أغسطس سنة 628 م) وفي «سيرة ابن هشام» أسماء من عادوا من الحبشة من أصحاب رسول الله ﷺ
وكُنّيت بابنتها حبيبة بنت عبيد الله بن جحش واسمها رملة وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله فولدت هناك حبيبة فتنصّر عبيد الله ومات بالحبشة نصرانيا وبقيت أم حبيبة مسلمة بأرض الحبشة ثم خرجت وقدمت إلى المدينة بعد أن تزوجها رسول الله، وقيل: إن الذي وكلته أم حبيبة لعقد النكاح عثمان بن عفان، وتوفيت أم حبيبة سنة 44 هـ.
6 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة
أرسل رسول الله ﷺ كتابا إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة مع سليط بن عمرو العامري وهذه صورة الكتاب:
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هُوذَةَ بْنِ عَلِيّ، سَلاَمٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الهُدَى وَاعْلَمْ أنَّ دِينِي سَيَظْهَرُ إِلَى مُنْتَهَى الْخُفِّ وَالحَافِرِ فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَجْعَلْ لَكَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ».
فلما قرىء على هوذة الكتاب رد ردا لطيفا على سليط، قال الواقدي: إن أركون دمشق الروحي من عظماء النصارى كان عند هوذة فقال له هوذة: جاءني كتاب من النبي يدعوني إلى الإسلام فلم أجبه، فقال الأركون: لِمَ لا تجيبه؟ قال: ضننت بديني وأنا ملك قومي ولئن تبعته لن أملك، قال: بلى والله لئن اتبعته ليملكنك وإن الخير لك في اتباعه وإنه للنبي العربي الذي بشّر به عيسى بن مريم عليه السلام وإنه لمكتوب عندنا في الإنجيل محمد رسول الله.، وأركون هذا أسلم على يد خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر الصدّيق، ثم إن هوذة كتب للنبي ﷺ جواب كتابه وقال فيه:
«ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله وأنا شاعر قومي وخطيبهم والعرب تهاب مكاني فاجعل لي بعض الأمر أتبعك».
وكأنه أراد الشركة في النبوة أو الخلافة بعده ﷺ وأجاز سليطا بجائزة وكساه أثوابا من نسج هَجَرَ فقدم بكتابه على النبي ﷺ وأخبره بخبره فلما قرأ الكتاب على النبي ﷺ قال: «باد وباد ما في يديه».
ولما انصرف رسول الله من الفتح بلغه موت هوذة وقيل: إن رسول الله قال: «أما إن اليمامة سيظهر بها كذاب يتنبأ يُقتل بعدي»، وكان سنّ هوذة 150 سنة.
7 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى التميمي
كان المنذر بالبحرين، بعث النبي ﷺ العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه ومعه كتاب يدعوه إلى الإسلام وهو:
(بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: فإني أذكرك الله عز وجل فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرا وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين وأسلموا إليه وعفوت عن أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته، فعليه الجزية).
وهذا جواب كتاب أرسله المنذر جوابا لكتاب أرسله ﷺ إليه قبل ذلك يدعوه إلى الإسلام فأسلم وحسن إسلامه، ولم يعرف نص الكتاب الأول ولا حامله والظاهر أنه العلاء، وكتاب رسول الله الثاني يمنح الحرية لمن لا يريد الدخول في الإسلام على شرط دفع الجزية، وكان أهل البحرين إما مجوسا أو يهودا فلما عرض عليهم المنذر الإسلام دخل فيه من أحب ومنهم من كرهه وبقي على دينه.
وذكر الطبري، أن المنذر بن ساوى مات بالقرب من وفاته ﷺ وقدم عليه عمرو بن العاص وحضر وفاته، وجاء في أسد الغابة في ترجمة نافع أبي سليمان مولى المنذر سار من البحرين حتى وفد إلى رسول الله ﷺ وكذا في الطبراني وابن قانع.
8 - كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملكي عمان
عُمَان - بضم العين وتخفيف الميم - بلدة باليمن على ساحل بحر اليمن والهند في شرقي هجر. أما عَمّان بفتح العين وتشديد الميم فبلدة بالشام، والمراد هنا البلدة الأولى.
بعث رسول الله بكتابه مع عمرو بن العاص إلى جَيْفر وعبد ابني الجلندي وهذا نصّه:
(أما بعد: فإني أدعوكما بدعاية الإسلام، أسلما تسلما، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، وإنكما إن أقررتما بالإسلام، وليتكما وأن أبيتما أن تقرا بالإسلام، فإن ملككما زائل عنكما وخيلي تحل بساحتكما وتظهر نبوتي على ملككما).
وكتب الكتاب، أبي بن كعب وختمه ﷺ وكان جيفر أكبر سنا من عبد ومقدما عليه في الملك إلا أن عبدا كان أسهل خلقا وأليَن عريكة، فقابل عمرو وجيفر وسلمه كتاب رسول الله فقرأه وقرأه أخوه وسأله عن الإسلام وأسلما وأسلم معهما خلق كثير ووضعت الجزية على من لم يسلم.