سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/بيعة العقبة الثانية
اتفق جماعة من الأنصار للقاء النبي ﷺ مستخفين لا يشعر بهم أحد فوافوا مكة في الموسم في ذي الحجة مع كفار قومهم واجتمعوا به وواعدوه أوسط أيام التشريق، فلما كان الليل خرجوا بعد مضي ثلثه يتسللون حتى اجتمعوا بالعقبة وحضر معهم عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، وأسلم تلك الليلة وجاءهم رسول الله ﷺ ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وكان لا يزال على دين قومه وأحب أن يتوثق لابن أخيه وكان أول من بايع تلك الليلة وهو أول من تكلم، فقال: يا معشر الخزرج - وكانت العرب تسمّي الخزرج والأوس به - إن محمدا منا حيث قد علمتم في عز ومنعة وإنه قد أبى إلا الانقطاع إليكم فإن كنتم ترون أنكم تفون له بما دعوتموه إليه ومانعوه فأنتم وذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه فمن الآن فدعوه فإنه في عز ومنعة، فقال الأنصار: قد سمعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك وربك ما أحببت. فتكلم وتلا القرآن ورغب في الإسلام ثم قال: «تمنعونني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم»، وكان للبراء بن معرور في تلك الليلة المقام المحمود في الإخلاص والتوثق لرسول الله ﷺ إذ أخذ بيده وقال: والذي بعثك بالحق لنمنعنّك مما نمنع منه ذرارينا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أهل الحرب. فاعترض الكلام أبو الهيثم بن التَّيْهَان حليف بني عبد الأشهل فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الناس حبالا وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن أظهرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ فتبسم رسول الله ﷺ وقال: «بل الدم الدم، الهدم الهدم، أنتم مني وأنا منكم أسالم من سالمتم وأحارب من حاربتم»، وكانت عدة الذين بايعوا في تلك الليلة سبعين رجلا وامرأتين: نسيبة بنت كعب أم عمارة وأسماء بنت عمرو بن عدي من بني سلمة، واختار رسول الله ﷺ اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس وقال لهم: «أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم وأنا كفيل على قومي»، والنقباء هم:
1 - سعد بن عبادة.
2 - أسعد بن زرارة.
3 - سعد بن الربيع.
4 - سعد بن خيثمة.
5 - المنذر بن عمرو.
6 - عبد الله بن رواحة.
7 - البراء بن معرور.
8 - أبو الهيثم بن التيهان.
9 - أسيد بن حضير.
10 - عبد الله بن عمرو بن حرام.
11 - عبادة بن الصامت.
12 - رافع بن مالك بن العجلان.
ورُوي أنه نقب على النقباء أسعد بن زرارة فتوفي بعد والمسجد النبوي يبنى، فكان أول من دفن بالبقيع من المسلمين.
فلما بايعوا النبي ﷺ رجعوا إلى المدينة فكان قدومهم في ذي الحجة فأقام رسول الله ﷺ بمكة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وهاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول وقدمها لاثنتي عشرة ليلة خلت منه. وقد كانت قريش لما بلغهم إسلام من أسلم من الأنصار اشتدوا على من بمكة من المسلمين فأصابهم جهد شديد، فأمر النبي ﷺ أصحابه بالهجرة إلى المدينة فخرجوا أرسالا حتى لم يبق أحد من المسلمين بمكة مع رسول الله ﷺ إلا أبو بكر وعلي بن أبي طالب فإنهما أقاما بأمره وكان ﷺ ينتظر أن يؤذن له في الهجرة.
وإسلام الأنصار له شأن كبير في تاريخ الإسلام بل في تاريخ الدنيا.