سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/تزويج رسول الله خديجة رضي الله عنها
كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصيّ امرأة حازمة جلدة شريفة غنية جميلة من أواسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا، وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة وبسيدة قريش، وقد عرض كثيرون عليها الزواج فلم تقبل، فلما رجع رسول الله ﷺ من رحلته إلى الشام، أرسلت إليه من يرغبه في الزواج وقيل: إنها أرسلت أختها، وقيل: أرسلت نفيسة مولاة لها، فقال: «ما بيدي ما أتزوج به»، فقالت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال: «فمن هي؟»، قالت له: خديجة، قال: «فأنا أفعل»، فذهبت فأخبرت خديجة فأرسلت إليه أن ائت لساعة كذا وكذا وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها، فحضر ودخل رسول الله ﷺ في عمومته فزوجه أحدهم، فقال عمرو بن أسد: «هذا البضع لا يقرع أنفه»، وتزوجها رسولُ الله ﷺ وهو ابن خمس وعشرين سنة وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة، وذلك بعد عودته من الشام بشهرين.
وقد حضر رؤساء مضر وحضر أبو بكر رضي الله عنه ذلك العقد، فقال أبو طالب:
«الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد (معدنه) وعنصر مضر (أصله) وجعلنا حضنة بيته وسوَّاس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها ما آجله وعاجله كذا، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل جسيم»، فلما أتم أبو طالب الخطبة تكلم ورقة بن نوفل ابن عمّ خديجة فقال:
«الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا تنكر العشيرة فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم؛ وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا عليّ معاشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على كذا» ثم سكت.
فقال أبو طالب: قد أحببت أن يشركك عمها، فقال عمها عمرو بن أسد:
«اشهدوا عليّ يا معشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد» فقبل النبي ﷺ النكاح وشهد على ذلك صناديد قريش.
وأولم عليها ﷺ فنحر جزورا، وقيل: جزورين وأطعم الناس وأمرت خديجة جواريها أن يرقصن ويضربن الدفوف، وفرح أبو طالب فرحا شديدا وقال: الحمد لله الذي أذهب عنا الكرب ودفع عنا الغموم، وهي أول وليمة أولمها رسول الله ﷺ
قال الواقدي: ويقولون أيضا: إن خديجة أرسلت إلى النبي ﷺ تدعوه إلى نفسها (تعني التزويج) وكانت امرأة ذات شرف وكان كل قرشي حريصا على نكاحها قد بذلوا الأموال لو طمعوا بذلك فدعت أباها فسقته خمرا حتى ثمل ونحرت بقرة وخلقته بخلوق وألبسته حلة حبرة ثم أرسل إلى رسول الله ﷺ في عمومته فدخلوا عليه فزوجه، فلما صحا قال: ما هذا العقير وما هذا العبير وما هذا الحبير؟ قالت: زوجتني محمد بن عبد الله، قال: ما فعلت، أنّى أفعل هذا وقد خطبك أكابر قريش فلم أفعل، قال الواقدي: وهذا غلط، والثبت عندنا محفوظ من حديث محمد بن عبد الله بن مسلم عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم، ومن حديث ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ومن حديث ابن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس «أن عمها عمرو بن أسد زوجها رسول الله ﷺ وأن أباها (خويلد بن أسد) مات قبل الفجار».
تزوج خديجة قبل رسول الله ﷺ ـ وهي بكر - عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ثم هلك عنها وتزوجها بعده أبو هالة النباش بن زرارة.
وولدت خديجة لعتيق، هندا بنت عتيق وولدت لأبي هالة هندا بنت أبي هالة، وهالة بن أبي هالة، فهند بنت عتيق وهند وهالة ابنا أبي هالة وكلهم أخوة أولاد رسول الله ﷺ من خديجة.
وبعد زواج رسول الله ﷺ بخديجة لم يسافر في رحلة للتجارة بل أقام بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة.
وولدت خديجة لرسول الله ﷺ جميع ولده إلاّ إبراهيم فإنه من مارية القبطية، فأكبر أولاده القاسم وبه كان يُكنى: «أبا القاسم» ثم الطيّب، ثم الطاهر، ثم رقية، ثم زينب، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، قال الواقدي: ولم أر أصحابنا يثبتون الطيّب ويقولون هو الطاهر.