سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/غزوة الطائف شوال سنة 8 هـ
فبراير سنة 630 م
كانت غزوة الطائف في شوال سنة ثمان من الهجرة - فبراير سنة 630 م - وقد تقدم ذكر الطائف عندما سافر إليها رسول الله بعد وفاة أبي طالب وخديجة يلتمس من ثقيف النصرة فخذلوه وعاد إلى مكة وكان ذلك سنة عشر من البعثة، أما في هذه المرة فإنه خرج من حُنين يريد الطائف ليغزوها لما علم أن مالك بن عوف وجمعا من أشراف قومه لحقوا بالطائف عند انهزامهم وقد كانت ثقيف رَمّوا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم ل سنة فلما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم وتهيأوا للقتال وكان معهم مالك بن عوف النضري وسار رسول الله فنزل قريبا من حصن الطائف وعسكر هناك فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة وقتل منهم اثنا عشر رجلا فيهم عبد الله بن أبي بكر الصدّيق يومئذ فاندمل الجراح ثم انتقض به بعد ذلك فمات منه وأصيبت عين أبي سفيان فأتى النبي ﷺ وعينه في يده فقال: يا رسول الله هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال له: «إن شئتَ دعوتُ فرددت عليك وإن شئت فعين في الجنة»، قال: في الجنة، ورمى بها في يده.
فارتفع رسول الله ﷺ إلى موضع مسجد الطائف الذي أنشىء بعد ذلك وكان معه ﷺ من نسائه أم سلمة وزينب فضرب لهما قبتين وكان يصلي بين القبتين الصلاة مقصورة ودام حصار الطائف ثمانية عشر يوما. ونصب عليهم المنجنيق ونثر الحسَك سقبين من عيدان حول الحصن ونادى منادي رسول الله: أيما عبد نزل من الحصن وخرج لنا فهو حر، فخرج منهم بضعة عشر رجلا فأعتقهم رسول الله.
وأمر رسول الله بقطع أعنابهم وتحريقها فقطع المسلمون قطعا ذريعا ثم سألوه أن يدعها فتركها، ولم يؤذن لرسول الله في فتح الطائف فأمر عمر بن الخطاب فأذن في الناس بالرحيل فضج الناس من ذلك ثم أذعنوا.
واستعمل المسلمون في هذه الغزوة الدَّبابة وهي آلة من آلات الحرب تجعل من الجلود يدخل فيها الرجال فيدبون بها إلى الأسوار لينقبوها.
ويجدر بنا أن نذكر حادثة لطيفة، وذلك أنه كانت في سبي حنين أخت رسول الله ﷺ من الرضاعة وهي الشيماء، قيل: وأمها حليمة رضي الله عنها ولما قالت له الشيماء: أنا أختك يا رسول الله، قال: «وما علامة ذلك؟» فأخبرته بعضة عضها إياها حين كان مسترضعا عندهم وأرته إياها فعرفها وتذكر ذلك، فقام ﷺ وبسط لها رداءه وصنع مثل ذلك بأمه حليمة رضي الله عنها حين جاءته ودمعت عيناه، وقال للشيماء لما أن عرفها: «سلي تعطي واشفعي تشفعي»، وقيل: إن قومها قالوا لها: إن هذا الرجل أخوك فلو أتيته فسألته في قومك لرجونا أن يحابينا فاستوهبته السبي وهم ستة آلاف فوهبهم لها، فما عرفت مكرمة مثلها ولا امرأة أيمن على قومها منها وخيَّرها ﷺ فقال: إن أحببت فعندي محببة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك، قالت: بل تمتعني وأرجع إلى قومي، فأعطاها نعما وشاء وغلاما يقال له مكحول وجارية.