الروح/المسألة الحادية والعشرون/فصل الفرق بين المنافسة والحسد
والفرق بين المنافسة والحسد: أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهد من غيرك فتنافسه فيه حتى تلحقه أو تجاوزه فهي من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر قال تعالى: ﴿وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين:26] وأصلها من الشي ء النفيس الذي تتعلق به النفوس طلبا ورغبة فينافس فيه كل من النفسين الأخرى وربما فرحت إذا شاركتها فيه كما كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يتنافسون في الخير ويفرح بعضهم ببعض باشتراكهم فيه بل يحض بعضهم بعضا عليه مع تنافسهم فيه وهي نوع من المسابقة وقد قال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ [البقرة:148] وقال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ﴾ [الحديد:21] وكان عمر بن الخطاب يسابق أبا بكر رضي اللّه عنهما فلم يظفر بسبقه أبدا فلما علم أنه قد استولى على الإمامة قال واللّه لا أسابقك إلى شي ء أبدا وقال واللّه ما سبقته إلى خير إلا وجدته قد سبقني إليه. والمتنافسان كعبدين بين يدي سيدهما يتباريان ويتنافسان في مرضاته ويتسابقان إلى محابه، فسيدهما يعجبه ذلك منهما ويحثهما عليه وكل منهما يحب الآخر ويحرضه على مرضاة سيده.
و الحسد خلق نفس ذميمة وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها ويتمنى أن لوفاته كسبها حتى يساويها في العدم كما قال تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النساء:89] وقال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة:109] فالحسود عدو للنعمة متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو والمنافس سابق النعمة متمن تمامها عليه وعلى من ينافس غيره أن يعلوا عليه ويحب لحاقه به أو مجاوزته له في الفضل والحسود بحب انحطاط غيره وحتى يساويه في النقصان وأكثر النفوس الفاضلة الخيرة تنتفع بالمنافسة فمن جعل نصب عينيه شخصا من أهل الفضل والسبق فنافسه انتفع به كثيرا فإنه يتشبه به ويطلب اللحاق به والتقدم عليه وهذا لا تذمه، وقد يطلق اسم الحسد على المنافسة المحمودة كما في الصحيح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم: «و لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه اللّه القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ورجل آتاه مالا فسلّطه على هلكته في الحق، فهذا حسد منافسة وغبطة يدل على علو همّة صاحبه وكبر نفسه وطلبها للتشبيه بأهل الفضل».
هامش