الروح/المسألة الحادية والعشرون/فصل الفرق بين الجواد والمسرف
والفرق بين الجواد والمسرف أن الجواد حكيم يضع العطاء ومواضعه والمسرف مبذر وقد يصادف عطاؤه موضعه وكثيرا لا يصادفه وإيضاح ذلك أن اللّه سبحانه بحكمته جعل في الماء حقوقا وهي نوعان:
حقوق موظفة وحقوق ثانية (فالحقوق الموظفة) كالزكاة والنفقات الواجبة على من تلزمه نفقته.
و الثاني: كحق الضيف ومكافأة المهدي وما وقى به عرضه ونحو ذلك فالجواد يتوخى بماله أداء هذه الحقوق على وجه الكمال طيبة بذلك نفسه راضية مؤملة للخلف في الدنيا والثواب في العقبى فهو يخرج ذلك بسماحة قلب وسخاوة نفس وانشراح صدر بخلاف المبذر فإنه يبسط يده في ماله بحكمة هواه وشهوته جزافا لا على تقدير ولا مراعاة مصلحة وإن اتفقت له فالأول بمنزلة من بذر حبة في الأرض تنبت وتوخى ببذره مواضع المغل والإنبات فهذا لا يعد مبذرا ولا سفيها.
و الثاني: بمنزلة من بذر حبة في سباخ وغراز من الأرض وإن اتفق بذره في محل النبات بذرا بذرا متراكما بعضه على بعض، فذلك المكان البذر فيه ضائع معطل وهذا المكان بذرا متراكما بعضه على بعض، فلذلك يحتاج أن يقلع بعض زرعه ليصلح الباقي ولئلا تضعف الأرض عن تربيته واللّه سبحانه هو الجواد على الإطلاق بل كل موجود في العالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى جوده أقل من قطرة في بحار الدنيا وهي من جوده ومع هذا فإنما ينزل بقدر ما يشاء وجوده لا يناقض حكمته ويضع عطاءه مواضعه وإن خفي على أكثر الناس أن تلك مواضعه فاللّه يعلم حيث يضع فضله وأي المحال أولى به.
هامش