الروح/المسألة الحادية والعشرون/فصل الفرق بين الصبر والقسوة
والفرق بين الصبر والقسوة: أن الصبر خلق كسبي يتخلق به العبد وهو حبس النفس عن الجزع والهلع والتشكي، فيحبس النفس عن التسخط واللسان عن الشكوى والجوارح عما لا ينبغي فعله وهو ثبات القلب على الأحكام القدرية والشرعية.
و أما القسوة فيبس في القلب يمنعه من الانفعال وغلظة تمنعه من التأثر بالنوازل فلا يتأثر لغلظته وقساوته لا لصبره واحتماله.
و تحقيق هذا أن القلوب ثلاثة:
قلب قاس: غليظ بمنزلة اليد اليابسة. وقلب مائع: رقيق جدا.
فالأول: لا ينفعل بمنزلة الحجر. والثاني. بمنزلة الماء وكلاهما ناقص وأصح القلوب (القلب الرقيق) الصافي الصلب فهو يرى الحق من الباطل بصفائه ويقبله ويؤثره برقته ويحفظه، ويحارب عدوه بصلابته. «و في الأثر القلوب آنية اللّه في أرضه فأحبها إليه وأرقها وأصلها وأصفاها» وهذا القلب الزجاجي فإن الزجاجة جمعت الأوصاف الثلاثة، وأبغض القلوب إلى اللّه القلب القاسي قال تعالى:
﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر:22] وقال تعالى: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة:74] وقال تعالى ﴿لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ [الحج:53] فذكر القلبين المنحرفين عن الاعتدال هذا بمرضه وهذا بقسوته وجعل إلقاء الشيطان عتمة لأصحاب هذين القلبين ورحمة لأصحاب الثالث، وهو القلب الصافي الذي ميز بين إلقاء الشيطان وإلقاء الملك بصفائه قيل الحق بإخباته ورقته وحارب النفوس المبطلة بصلابته وقوته فقال تعالى عقيب ذلك: ﴿وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤۡمِنُواْ بِهِۦ فَتُخۡبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمۡۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِيمࣲ ٥٤﴾ [الحج:54].
هامش