البداية والنهاية/الجزء الرابع/قصة تزويجه عليه السلام بميمونة
فقال ابن إسحاق: حدثني أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح، عن عطاء ومجاهد، عن ابن عباس: أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام، وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبد المطلب.
قال ابن هشام: كانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل، فجعلت أم الفضل أمرها إلى زوجها العباس، فزوجها رسول الله ﷺ وأصدقها عنه أربعمائة درهم.
وذكر السهيلي: أنه لما انتهت إليها خطبة رسول الله ﷺ لها وهي راكبة بعيرا، قالت: الجمل وما عليه لرسول الله ﷺ.
قال: وفيها نزلت الآية: { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين } .
وقد روى البخاري من طريق أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف.
قال السهيلي: وروى الدارقطني من طريق أبي الأسود يتيم عروة، ومن طريق مطر الوراق، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهو حلال.
قال: وتأولوا رواية ابن عباس الأولى أنه كان محرما أي: في شهر حرام كما قال الشاعر:
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما * فدعا فلم أر مثله مخذولا
أي: في شهر حرام.
قلت: وفي هذا التأويل نظر، لأن الرواية متظافرة عن ابن عباس بخلاف ذلك، ولا سيما قوله: تزوجها وهو محرم وبنى بها وهو حلال، وقد كان في شهر ذي القعدة أيضا وهو شهر حرام.
وقال محمد بن يحيى الذهلي: ثنا عبد الرزاق قال: قال لي الثوري: لا يلتفت إلى قول أهل المدينة.
أخبرني عمرو، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس: أن رسول الله ﷺ تزوج وهو محرم.
قال أبو عبد الله: قلت لعبد الرزاق: روى سفيان الحديثين جميعا عن عمرو بن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، وابن خثيم، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس؟
قال: نعم، أما حديث ابن خثيم فحدثنا ها هنا - يعني باليمن - وأما حديث عمرو فحدثنا ثمَّ - يعني بمكة - وأخرجاه في الصحيحين من حديث عمرو بن دينار به.
وفي صحيح البخاري من طريق الأوزاعي: أنبأنا عطاء، عن ابن عباس: أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم.
فقال سعيد بن المسيب: وهم ابن عباس وإن كانت خالته، ما تزوجها إلا بعد ما أحل.
وقال يونس، عن ابن إسحاق، حدثني بقية، عن سعيد بن المسيب أنه قال: هذا عبد الله بن عباس يزعم أن رسول الله ﷺ نكح ميمونة وهو محرم فذكر كلمته، إنما قدم رسول الله ﷺ مكة فكان الحل والنكاح جميعا، فشبه ذلك على ابن عباس.
وروى مسلم وأهل السنن: من طرق عن يزيد بن الأصم العامري، عن خالته ميمونة بنت الحارث قالت: تزوجني رسول الله ﷺ ونحن حلال بسرف.
لكن قال الترمذي: روى غير واحد هذا الحديث عن يزيد بن الأصم مرسلا أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصفهاني الزاهد، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، ثنا مطر الوراق، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن يسار، عن أبي رافع قال:
تزوج رسول الله ﷺ ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت الرسول بينهما.
وهكذا رواه الترمذي والنسائي جميعا، عن قتيبة، عن حماد بن زيد به.
ثم قال الترمذي: حسن ولا نعلم أحدا أسنده عن حماد، عن مطر، ورواه مالك عن ربيعة عن سليمان مرسلا، ورواه سليمان بن بلال عن ربيعة مرسلا.
قلت: وكانت وفاتها بسرف سنة ثلاث وستين، ويقال سنة ستين رضي الله عنها.