البداية والنهاية/الجزء الرابع/سنة ثلاث من الهجرة غزوة نجد
سنة ثلاث من الهجرة في أولها كانت: غزوة نجد ويقال لها: غزوة ذي أمر
قال ابن إسحاق: فلما رجع رسول الله ﷺ من غزوة السويق أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها، غزا نجدا يريد غطفان وهي: غزوة ذي أمر.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عثمان بن عفان.
قال ابن إسحاق: فأقام بنجد صفرا كله أو قريبا من ذلك، ثم رجع ولم يلق كيدا.
وقال الواقدي: بلغ رسول الله ﷺ أن جمعا من غطفان من بني ثعلبة بن محارب تجمعوا بذي أمر يريدون حربه، فخرج إليهم من المدينة يوم الخميس لثنتي عشرة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث.
واستعمل على المدينة عثمان بن عفان، فغاب أحد عشر يوما وكان معه أربعمائة وخمسون رجلا، وهربت منه الأعراب في رؤوس الجبال، حتى بلغ ماء يقال له ذو أمر فعسكر به، وأصابهم مطر كثير، فابتلت ثياب رسول الله ﷺ، فنزل تحت شجرة هناك ونشر ثيابه لتجف، وذلك بمرأى من المشركين.
واشتغل المشركون في شؤونهم، فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له غورث بن الحارث، أو دعثور بن الحارث فقالوا: قد أمكنك الله من قتل محمد، فذهب ذلك الرجل ومعه سيف صقيل، حتى قام على رسول الله ﷺ بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد من يمنعك مني اليوم؟
قال: الله، ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله ﷺ فقال: من يمنعك مني؟ قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه رسول الله ﷺ سيفه، فلما رجع إلى أصحابه فقالوا: ويلك ما لك؟
فقال: نظرت إلى رجل طويل فدفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك وشهدت أن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليه جمعا، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام.
قال: ونزل في ذلك قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ } الآية [المائدة: 11]
قال البيهقي: وسيأتي في غزوة ذات الرقاع قصة تشبه هذه فلعلهما قصتان.
قلت: إن كانت هذه محفوظة فهي غيرها قطعا، لأن ذلك الرجل اسمه غورث بن الحارث أيضا، لم يسلم بل استمر على دينه، ولم يكن عاهد النبي ﷺ أن لا يقاتله، والله أعلم.