البداية والنهاية/الجزء الرابع/فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة
أعني سنة ست من الهجرة، فيها نزل فرض الحج كما قرره الشافعي رحمه الله، زمن الحديبية في قوله تعالى: { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [البقرة: 196] ولهذا ذهب إلى أن الحج على التراخي لا على الفور، لأنه ﷺ لم يحج إلا في سنة عشر.
وخالفه الثلاثة: مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، فعندهم أن الحج يجب على كل من استطاعه على الفور، ومنعوا أن يكون الوجوب مستفادا من قوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } وإنما في هذه الآية الأمر بالإتمام بعد الشروع فقط، واستدلوا بأدلة قد أوردنا كثيرا منها عند تفسير هذه الآية من كتابنا التفسير، ولله الحمد والمنة، بما فيه الكفاية.
وفي هذه السنة حُرِّمت المسلمات على المشركين تخصيصا لعموم ما وقع به الصلح عام الحديبية، على أنه لا يأتيك منا أحد، وإن كان على دينك إلا رددته علينا، فنزل قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ... } الآية [الممتحنة: 10] .
وفي هذه السنة كانت غزوة المريسيع، التي كان فيها قصة الإفك ونزول براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كما تقدم.
وفيها كانت عمرة الحجيبية، وما كان من صد المشركين رسول الله ﷺ، وكيف وقع الصلح بينهم على وضع الحرب بينهم عشر سنين، فأمن الناس فيهن بعضهم بعضا، وعلى أنه لا إغلال ولا إسلال، وقد تقدم كل ذلك مبسوطا في أماكنه، ولله الحمد والمنة.
وولي الحج في هذه السنة المشركون.
قال الواقدي: وفيها في ذي الحجة منها: بعث رسول الله ﷺ ستة نفر، مصطحبين حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، وشجاع بن وهب بن أسد بن جذيمة، شهد بدرا، إلى الحارث بن أبي شمر الغساني يعني: ملك عرب النصارى.
ودحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر، وهو هرقل ملك الروم، وعبد الله بن حذافة السهمي، إلى كسرى ملك الفرس، وسليط بن عمرو العامري، إلى هوذة بن علي الحنفي، وعمرو بن أمية الضمري، إلى النجاشي ملك النصارى بالحبشة وهو أصحمة بن الحر.