البداية والنهاية/الجزء الرابع/تزويجه بزينب بنت جحش
ابن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدية أم المؤمنين، وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله ﷺ، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه.
قال قتادة، والواقدي، وبعض أهل المدينة: تزوجها عليه السلام سنة خمس، زاد بعضهم في ذي القعدة.
قال الحافظ البيهقي: تزوجها بعد بني قريظة.
وقال خليفة بن خياط، وأبو عبيدة معمر بن المثنى، وابن منده: تزوجها سنة ثلاث.
والأول أشهر، وهو الذي سلكه ابن جرير، وغير واحد من أهل التاريخ.
وقد ذكر غير واحد من المفسرين، والفقهاء، وأهل التاريخ في سبب تزويجه إياها عليه السلام حديثا ذكره أحمد بن حنبل في مسنده، تركنا إيراده قصدا لئلا يضعه من لا يفهم على غير موضعه.
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا * مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرا مَقْدُورا } [الأحزاب: 37-38] .
وقد تكلمنا على ذلك في التفسير بما فيه كفاية، فالمراد بالذي أنعم الله عليه ها هنا: زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ، أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعم عليه رسول الله ﷺ بالعتق، وزوجه بابنة عمه زينب بنت جحش.
قال مقاتل بن حبان: وكان صداقه لها عشرة دنانير، وستين درهما، وخمارا، وملحفة، ودرعا، وخمسين مدا، وعشرة أمداد من تمر، فمكثت عنده قريبا من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما، فجاء زوجها يشكو إلى رسول الله ﷺ فكان يقول له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك».
قال الله: { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } .
قال علي بن الحسين زيد العابدين، والسدي: كان رسول الله قد علم أنها ستكون من أزواجه، فهو الذي كان في نفسه عليه السلام.
وقد تكلم كثير من السلف ها هنا بآثار غريبة، وبعضها فيه نظر، تركناها.
قال الله تعالى: { فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } ذلك أن زيدا طلقها، فلما انقضت عدتها بعث إليها رسول الله ﷺ يخطبها إلى نفسها ثم تزوجها، وكان الذي زوجها منه رب العالمين تبارك وتعالى.
كما ثبت في صحيح البخاري: عن أنس بن مالك أن زينب بنت جحش كانت تفخر على أزواج النبي ﷺ فتقول: زوجكن أهليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
وفي رواية من طريق عيسى بن طهمان عن أنس قال: كانت زينب تفخر على نساء النبي ﷺ وتقول: أنكحني الله من السماء.
وفيها أنزلت آية الحجاب { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه } الآية.
وروى البيهقي من حديث حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: جاء زيد يشكو زينب فجعل رسول الله ﷺ يقول: «اتق الله وأمسك عليك زوجك».
قال أنس: فلو كان رسول الله ﷺ كاتما شيئا لكتم هذه، فكانت تفخر على أزواج النبي ﷺ تقول: زوجكن أهليكن، وزوجني الله من فوق سبع سماوات.
ثم قال: رواه البخاري عن أحمد، عن محمد بن أبي بكر المقدمي، عن حماد بن زيد.
ثم روى البيهقي: من طريق عفان، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: جاء زيد يشكو إلى رسول الله ﷺ من زينب بنت جحش فقال النبي ﷺ: «أمسك عليك أهلك» فنزلت { وتخفي في نفسك ما الله مبديه } .
ثم قال أخرجه البخاري: عن محمد بن عبد الرحيم، عن يعلى بن منصور، عن محمد مختصرا.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال: كانت زينب تقول للنبي ﷺ: إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهم: إن جدي وجدك واحد - تعني عبد المطلب - فإنه أبو أبي النبي ﷺ وأبو أمها أميمة بنت عبد المطلب، وإني أنكحنيك الله عز وجل من السماء، وإن السفير جبريل عليه السلام.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم - يعني ابن القاسم - حدثنا النضر، حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال النبي ﷺ لزيد: «اذهب فاذكرها علي».
فانطلق حتى أتاها، وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، إن رسول الله ﷺ ذكرها، فوليتها ظهري، ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله ﷺ بذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل.
ثم قامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله ﷺ فدخل عليها بغير إذن.
قال أنس: ولقد رأيتنا حين دخل عليها رسول الله ﷺ أطعمنا عليها الخبز واللحم، فخرج الناس وبقي رجال يتحدثون في البيت بعد الطعام، فخرج رسول الله ﷺ واتبعته، فجعل يتبع حجر نسائه، يسلم عليهم ويقلن: يا رسول الله كيف وجدت أهلك؟
فما أدري أنا أخبرته، والقوم قد خرجوا أو أخبر.
قال: فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقى الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب، ووعظ القوم بما وعظوا به { لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم... } الآية، وكذا رواه مسلم، والنسائي، من طريق سليمان بن المغيرة.