البداية والنهاية/الجزء الرابع/قدوم مالك بن عوف النصري على الرسول
قال ابن إسحاق: وقال رسول الله ﷺ لوفد هوازن وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل؟
فقالوا: هو بالطائف مع ثقيف.
فقال: «أخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل».
فلما بلغ ذلك مالكا انسل من ثقيف حتى أتى رسول الله ﷺ وهو بالجعرانة - أو بمكة - فأسلم وحسن إسلامه، فرد عليه أهله وماله، ولما أعطاه مائة فقال مالك بن عوف رضي الله عنه:
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى * ومتى تشأ يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهري وضرب كل مهند
فكأنه ليث على أشباله * وسط الهباءة خادر في مرصد
قال: واستعمله رسول الله ﷺ على من أسلم من قومه، وتلك القبائل ثمالة، وسلمة، وفهم، فكان يقاتل بهم ثقيفا لا يخرج لهم سرج إلا أغار عليه حتى ضيق عليهم.
وقال البخاري: ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا جرير بن حازم، ثنا الحسن، حدثني عمرو بن تغلب قال: أعطى رسول الله ﷺ قوما ومنع آخرين، فكأنهم عتبوا عليه فقال: «إني أعطي قوما أخاف هلعهم وجزعهم وأكِل قوما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغنى، منهم عمرو بن تغلب».
قال عمرو: فما أحب أن لي بكلمة رسول الله ﷺ حمر النعم.
زاد أبو عاصم عن جرير: سمعت الحسن، ثنا عمرو بن تغلب، أن رسول الله ﷺ أتي بمال - أو سبي - فقسمه بهذا.
وفي رواية للبخاري قال: أتي رسول الله ﷺ بمال - أو بشيء - فأعطى رجالا وترك رجالا فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد» فذكر مثله سواء.
تفرد به البخاري.
وقد ذكر ابن هشام أن حسان بن ثابت رضي الله عنه قال فيما كان من أمر الأنصار وتأخرهم عن الغنيمة:
ذر الهموم فماء العين منحدر * سحا إذا حفلته عبرة درر
وجدا بشماء إذ شماء بهكنة * هيفاء لا ذنن فيها ولا خور
دع عنك شماء إذ كانت مودتها * نزرا وشر وصال الواصل النزر
وائت الرسول وقل يا خير مؤتمن * للمؤمنين إذ ما عدد البشر
علام تدعي سليم وهي نازحة * قدام قوم هموا آووا وهم نصروا
سماهم الله أنصارا بنصرهم * دين الهدى وعوان الحرب تستعر
وسارعوا في سبيل الله واعترضوا * للنائبات وما خانوا وما ضجروا
والناس إلب علينا فيك ليس لنا * إلا السيوف وأطراف القنا وزر
تجالد الناس لا نبقي على أحد * ولا نضيع ما توحي به السور
ولا تهز جناة الحرب نادينا * ونحن حين تلظى نارها سعر
كما رددنا ببدر دون ما طلبوا * أهل النفاق وفينا ينزل الظفر
ونحن جندك يوم النعف من أحد * إذ حزبت بطرا أحزابها مضر
فما ونينا وما خمنا وما خبروا * منا عثارا وكل الناس قد عثروا