شرح العقيدة الطحاوية/قوله ونؤمن بالكرام الكاتبين فإن الله قد جعلهم علينا حافظين
شرح : قال تعالى : وإن عليكم لحافظين * كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون .
وقال تعالى : إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد .
وقال تعالى : له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله .
وقال تعالى : أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون .
وقال تعالى : هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون .
وقال تعالى : إن رسلنا يكتبون ما تمكرون .
وفي الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر ، فيصعد إليه الذين كانوا فيكم ، فيسألهم ، والله أعلم بهم : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : أتياناهم وهم يصلون ، وفارقناهم وهم يصلون .
وفي الحديث الآخر : إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع ، فاستحيوهم ، وأكرموهم .
جاء في التفسير : إثنان عن اليمين وعن الشمال ، يكتبان الأعمال ، صاحب اليمين يكتب الحسنات ، وصاحب الشمال يكتب السيئات ، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه ، واحد من ورائه ، وواحد أمامه ، فهو بين أربعة ملاك بالنهار، وأربعة آخرين بالليل ، بدلاً ، حافظان وكاتبان ، وقال عكرمة عن بن عباس : يحفظونه من أمر الله ، قال : ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه ، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه .
وروى مسلم والإمام أحمد عن عبد الله ، قال : قال رسول الله ﷺ : ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن ، وقرينه من الملائكة ، قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : واياي ، لكن الله أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير . الرواية بفتح الميم من فأسلم ومن رواه فأسلم برفع الميم - فقد حرف لفظه . ومعنى فأسلم ، أي : فاستسلم وانقاد لي ، في أصح القولين ، ولهذا قال : فلا يأمرني إلا بخير ، ومن قال : إن الشيطان صار مؤمناً - فقد حرف معناه ، فإن الشيطان لا يكون مؤمناً . ومعنى : يحفظونه من أمر الله - قيل : حفظهم له من أمر الله ، أي الله أمرهم بذلك ، يشهد لذلك قراءة من قرأ : يحفظونه بأمر الله .
ثم قد ثبت بالنصوص المذكورة أن الملائكة تكتب القول والفعل .
وكذلك النية ، لأنها فعل القلب ، فدخلت في عموم يعلمون ما تفعلون . ويشهد لذلك قوله ﷺ : قال الله عز وجل : إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها عليه سيئة ، وإذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشراً .
وقال رسول الله ﷺ : قالت الملائكة : ذاك عبد يريد أن يعمل سيئة ، وهو أبصر به ، فقال : ارقبوه ، فإن عملها فاكتبوها بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنما تركها من جرائي خرجاهما في الصحيحين واللفظ لمسلم .