انتقل إلى المحتوى

جامع بيان العلم وفضله/باب العبارة عن حدود علم الديانات وسائر العلوم المنتحلات

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


  • باب العبارة عن حدود علم الديانات وسائر العلوم المنتحلات

عند جميع أهلا المقالات حد العلم عند العلماء المتكلمين في هذا المعنى هو ما استيقنته وتبينته وكل من استقن شيئا وتبينه فقد علمه وعلى هذا من لم يستيقن الشيء وقال به تقليدا أفلم يعلمه والتقليد عند جماعة العلماء غير الاتباع لأن الاتباع هو ان تتبع القائل على ما بان لك من فضل قوله وصحة مذهبه والتقليد أن تقول بقوله وأنت لا تعرفه ولا وجه القول ولا معناه وتأبى من سواه أو أن يتبين لك خطأوه فتتبعه مهابة خلافه وأنت قد بان لك فساد قوله وهذا محرم القول به في دين الله سبحانه والعلم عند غير أهل اللسان العربي ذكروا يجوز أن يترجم باللسان العربي ويترجم معرفة ويترجم فهما والعلوم تنقسم قسمين ضروري ومكتسب فحد الضروري مالا يمكن العالم أن يشكك فيه نفسه ولا يدخل فيه على نفسه شبهه ويقع له العلم بذلك قبل الفكرة والنظر ويدرك ذلك من جهة الحس والعقل كالعلم بإستحالة كون الشيء متحركا ساكنا أو قائما قاعدا أو مريضا صحيحا في حال واحدة ومن الضروري أيضا وجه آخر يحصل بسبب من جهة الحواس الخمس كذوق الشيء يعلم به المرارة والحلاوة ضرورة إذا سلمت الجارحة من آفة وكرؤية الشيء يعلم بها الألوان والأجسام وكذلك السمع يدرك به الأصوات ومن الضروري أيضا علم الناس أن في الدنيا مكة والهند ومصر والصين وبلدانا عرفوها وأمما قد خلت وأما العلم المكتسب فهو ما كان طريقه الاستدلال والنظر ومنه الخفي والجلي فما قرب من العلوم الضرورية كان أجلى وما بعد منها كان أخفى والمعلومات على ضربين شاهد وغائب فالشاهد ما علم ضرورة والغائب ما علم بدلالة من الشاهد والعلوم عند جميع أهل الديانات ثلاثة علم أعلى وعلم أسفل وعلم أوسط فالعلم الأعلى عندهم علم الدين الذي لا يجوز لأحد الكلام فيه بغير ما أوله الله في كتبه وعلى ألسنة أنبيائه صلوات الله عليهم نصا والعلم الأوسط هو معرفة علوم الدنيا التي يكون معرفة الشيء منها بمعرفة نظيره ويستدل عليه بجنسه ونوعه كعلم الطب والهندسة والعلم الأسفل هو أحكام الصناعات وضروب الأعمال مثل السباحة والفروسة والزي والخط وما أشبه ذلك من الأعمال التي هي أكثر من أن يجمعها كتاب أو يأتي عليها وصف وإنما تحصل بتدريب الجوارح فيها وهذا التقسيم في العلوم كذلك هو عند أهل الفلسفة إلا أن العلم الأعلى عندهم هو علم القياس في العلوم العلوية التي ترتفع عن الطبيعة والفلك مثل الكلام في حدوث العالم وزمانه والتشبيه ونفيه وأمور لا يدرك شيء منها بالمشاهدة ولا بالحواس قد أغنت عن الكلام فيها كتب الله الناطقة بالحق المنزلة بالصدق وما صح عن الأنبياء صلوات الله عليهم ثم العلم الأوسط والأسفل عندهم على ما ذكرنا عن أهل الأديان إلا أن العلم الأوسط ينقسم عندهم على أربعة أقسام هي كانت عندهم رؤس العلوم وهي علم الحساب والتنجيم والطب وعلم الموسيقى ومعناه تأليف اللحون وتعديل الأصوات ووزن الأنقار وأحكام صنوف الملاهي فأما علم الموسيقى واللهو فمطرح ومنبوذ عند جميع أهل الأديان على شارئط العلم والإيمان وأما علم الحساب فالصحيح عندهم منه معرفة العدد والضرب والقسمة والتسمية واخراج الجذور ومعرفة جمل الأعداد ومعنى الخط والدائرة والنقطة واخراج الأشكال بعضها من بعض وما شاكل ذلك والحساب علم لا يكاد يستغنى عنه ذو علم من العلوم وأما التنجيم فثمرته وفائدته عند جميع أهل الأديان جرية الفلك ومسير الداري ومطالع البروج ومعرفة ساعة الليل والنهار وقوس الليل من قوس النهار في كل بلد وفي كل يوم وبد كل بلد من خط الاستواء ومن المجر الشمالي والأفق الشرقي والغربي ومولد الهلال وظهوره واطلاع الكواكب للأنواء وغيرها ومشيها واستقامتها وأخذها في الطول والعرض وكسوف الشمس والقمر ووقته ومقداره في كل بلد ومعنى سنى الشمس والقمر سنى الكواكب ومن أهل العلم من ينكر شيئا مما وصفنا أنه لا يعلم أحد بالنجامة شيئا من الغيب ولا علمه أحد قط علما صحيحا إلا أن يكون نبيا خصه الله بما لا يجوز إدراكه قالوا ولا يدعى معرفة الغيب بها اليوم على القطع إلا كل جاهل منقوص مغتر متخرص إذ في أقدارهم أنه لايمكن تحديثها إلا في أكثر من عمر الدنيا ما يكذبهم في كل ما يدعون معرفته بها والمتخرصون بالنجامة كالمتخرصين بالعيافة والزجر وخطوط الكف والنظر في الكتف وفي مواضع قرض الفاروافي الخيلان والعلاج بالفكر وملك الجن وما شاكل ذلك مما لا قبله العقول ولا يقوم عليه برهان ولايصح من ذلك كله بشيء لأن ما يدركون منه يخطؤون في مثله مع فساد أصله وفي أداركهم الشيء وذهاب مثله أضعافا ما يدلك على فاسد ما زعموه ولا صحيح على الحقيقة إلا ما جاء في أخبار الأنبياء صلوات الله عليهم حدثنا أحمد بن عبد الله ابن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا غسان بن مضر عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة قال قال عمر تعلموا من النجوم ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ثم أمسكوا قال أبو بكر وحدثنا جرير عن منصور عن ابراهيم قال لا بأس أن تتعلم من النجوم ما تهتدي به و حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا محمد ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن ابي شيبة وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم حدثنا بكر حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن الأخنس عن الوليد بن عبد الله عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال قال رسول الله من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد مازاد وقال مسدد ما زاد زاد وروى طاوس عن ابن عباس في قوم ينظرون في النجوم أولائك لا خلاف لهم ذكره ابن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن يحيى بن أيوب عن عبد الله ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم ابن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا شاذ بن فياض قال حدثنا عمر بن ابراهيم عن قتادة عن الحسن عن العباس بن عبد المطلب قال قال رسول الله لقد طهر الله هذ الجزيرة من الشرك أن لم تضلهم النجوم وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا ابراهيم بن اسحاق النيسابوري قال حدثنا الحسين بن أبي زيد قال حدثنا علي بن يزيد الصدائي قال حدثنا أبو سعد البقال عن أبي محجن قال أشهد على رسول الله أنه قال أخاف على أمتي بعدي ثلاثا حيف الأئمة وإيمان بالنجوم وتكذيب بالقدر وأما الطب فلفهم طبائع نبات الأرض وشجرها ومياهها ومعادنها وجواهرها وطعومها وروائحها ومعرفة العناصر والأركان وخواص الحيوان وطبائع الأبدان والغرائز و الأعضاء والآفات العارضة وطبائع الأزمان والبلدان ومنافع الحركة والسكون وضروب المداواة والرفق والسياسة فهذا هو العلم الثاني الأوسط وهو علم الأبدان والعلم والأول الأعلى علم الأديان والعلم الثالث الأسفل ما دربت على عمله الجوارح كما قدمنا ذكره واتفق أهل الأديان ان العلم الأعلى هو على الدين وأتفق أهل الإسلام أن الدين تكون معرفته على ثلاثة أقسام أولها معرفة خاصة الإيمان والإسلام وذلك معرفة التوحيد والاخلاص ولا يوصل إلى علم ذلك إلا بالنبي فهو المؤدي عن الله والمبين لمراده وبما في القرآن من الأمر بالاعتبار في خلق الله بالدلائل من آثار صنعته في بريته على توحيده وأزليته سبحانه والاقرار والتصديق بكل مافي القرآن وبملائكة الله وكتبه ورسله والقسم الثاني معرفة مخرج خبر الدين وشرائعه وذلك معرفة النبي الذي شرع الله الدين على لسانه ويده ومعرفة أصحاب الدين أدوا ذلك عنه ومعرفة الرجال الذين حملوا ذلك وطبقاتهم إلى زمانك ومعرفة الخبر الذي يقطع العذر لتواتره وظهوره وقد وضع العلماء في كتب الأصول من تلخيص وجوه الاخبار ومخارجها ما يكفي الناظر فيه ويشفيه وليس هذا موضع ذكر ذلك لخروجنا به عن تأليفنا وعن ماله قصدنا والقسم الثالث معرفة السنن واجبها وأدبها وعلم الأحكام وفي ذلك يدخل خبر الخاصة العدول ومعرفته ومعرفة الفريضة من النافلة ومخارج الحقوق والتداعي ومعرفة الاجماع من الشذوذ قالوا ولا يوصل إلا الفقه إلا بمعرفة ذلك وبالله التوفيق قال أبو اسحاق الحوفي العلوم ثلاثة علم دنياوي وعلم دنياوي وأخروي وعلم لا للدنيا ولا للآخرة فالعلم الذي للدنيا علم الطب والنجوم وما أشبه ذلك والعلم الذي للدنيا والآخرة علم القرآن والسنن والفقه فيهما والعلم الذي ليس للدنيا ولا للآخرة علم الشعر والشغل به

جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر
مقدمة جامع بيان العلم وفضله | باب قوله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم | تفريع أبواب فضل العلم وأهله | باب قوله صلى الله عليه وسلم ينقطع عمل المرء بعد موته إلا من ثلاث | باب قوله صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله | باب قوله صلى الله عليه وسلم لا حسد إلا في اثنتين | باب قوله صلى الله عليه وسلم الناس معادن | باب قوله صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين | باب تفضيل العلم على العبادة | باب قوله صلى الله عليه وسلم العالم والمتعلم شريكان | باب تفضيل العلماء على الشهداء | باب ذكر حديث صفوان بن عسال في فضل العلم | باب ذكر حديث أبي الدرداء في ذلك وما كان في مثل معناه | باب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمستمع العلم وحافظه ومبلغه | باب قوله صلى الله عليه وسلم من حفظ على أمتي أربعين حديثا | باب جامع في فضل العلم | باب ذكر كراهية كتابة العلم وتخليده في الصحف | باب ذكر الرخصة في كتاب العلم | باب معارضة الكتاب | باب الأمر بإصلاح اللحن والخطأ في الحديث وتتبع ألفاظه ومعانيه | باب في فضل التعلم في الصغر والحض عليه | باب حمد السؤال والإلحاح في طلب العلم وذم ما منع | باب ذكر الرحلة في طلب العلم | بابا الحض على استدامة الطلب والصبر على اللأواء والنصب | باب جامع في الحال التي تنال بها العلم | باب كيفية الرتبة في أخذ العلم | باب ما روي عن لقمان الحكيم من وصية ابنه وحضه إياه | باب آفة العلم وغائلته وإضاعته وكراهية وضعه عند من ليس بأهله | باب في هيبة المتعلم للعالم | باب في ابتداء العالم جلساءه بالفائدة وقوله سلوني وحرصهم على أن يؤخذ ما عندهم | باب منازل العلم | باب طرح العالم المسألة على المتعلم | باب فتوى الصغير بين يدي الكبير بإذنه | باب جامع لنشر العلم | باب جامع في آداب العالم والمتعلم | فصل في الإنصاف في العلم | فصل في فضل الصمت وحمده | فصل في مدح التواضع وذك العجب وطلب الرياسة | باب ما روي في قبض العلم وذهاب العلماء | باب حال العلم إذا كان عند الفساق والأرذال | باب ذكر استعاذة رسول الله صلى الله عليه وسلم | باب ذم العالم على مداخلة السلطان الظالم | باب ذم الفاجر من العلماء وذم طلب العلم للمباهاة والدنيا | باب ما جاء في مسائلة الله عز وجل العلماء يوم القيامة | باب جامع القول في العمل بالعلم | باب الخبر عن العلم أنه يقود إلى الله عز وجل على كل حال | باب معرفة أصول العلم وحقيقته وما الذي يقع عليه اسم الفقه والعلم مطلقا | باب العبارة عن حدود علم الديانات وسائر العلوم المنتحلات | باب مختصر في مطالعة كتب أهل الكتاب والرواية عنهم | باب من يستحق أن يسمى فقيها أو عالما حقيقة لا مجازا | باب ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم | باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة | باب نكتة يستدل بها على استعمال عموم الخطاب في السنن والكتاب | باب في خطأ المجتهدين من المفتيين والحكام | باب نفي الالتباس في الفرق بين الدليل والقياس | باب جامع بيان ما يلزم الناظر في اختلاف العلماء | باب ذكر الدليل في أقاويل السلف على أن الاختلاف خطأ وصواب | باب ما يكره فيه المناظرة والجدال والمراء | باب إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة | باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع | باب ذكر من ذم الاكثار من الحديث دون التفهم والتفقه فيه | باب ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والظن والقياس | باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض | باب تدافع الفتوى وذم من سارع إليها | باب رتب الطلب والنصيحة في المذهب | باب في العرض على العالم وقول أخبرنا وحدثنا | باب الحض على لزوم السنة والاقتصار عليها | باب موضع السنة من الكتاب وبيانها له | باب من تأول القرآن أو تدبره وهو جاهل بالسنة | باب فضل السنة ومباينتها لسائر أقاويل علماء الأمة | باب ذكر بعض من كان لا يحدث عن رسول الله إلا وهو على وضوء | باب في انكار أهل العلم ما يجدونه من الأهواء والبدع | باب فضل النظر في الكتب وحمد العناية بالدفاتر