إعراب القرآن للسيوطي/السابع والعشرون
(السابع والعشرون) ما جاء في التنزيل لحقت إن التي للشرط ما ولحقت النون فعل الشرط
فمن ذلك قوله تعالى: فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي.
وقال: فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك.
وقال: فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك.
وقال: وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك في السورتين.
قال أبو إسحاق: إعراب إما في هذا الموضع إعراب حرف الشرط والجزاء لأن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة والخفيفة لزمه ما وفتح ما قبل النون في يأتينكم لسكون الياء وسكون النون الأولى.
قال أبو علي: ليس الشرط والجزاء من مواضع النونين إنما يدخلان على الأمر والنهي وما أشبههما من غير الواجب.
وفي قوله لأن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة والخفيفة ما يوهم أنه من مواضعهما في الكلام في الكلام وأن دخولها مساغاً فيه وإنما يلحق الشرط في ضرورة الشعر كقوله: من يثقفن منهم فليس بآيب أبداً وقتل بني قتيبة شافي وكذلك الجزاء كقوله: وهذا كقوله: يحسبه الجاهل ما لم يعلما وإن في الجزاء أمثل لأنه بغير الواجب أشبه ألا ترى أنه خبر غير مبت كسائر الأخبار.
وفي هذا الكلام شيء آخر وهو أن قوله: الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الخفيفة والثقيلة لزمه ما يوهم أن ما لزمت لدخول النون وأن لحاق النون سبب لحاق ما والأمر بعكس ذلك وخلافه لأن السبب الذي له دخلت النون الشرط في قوله: فإما يأتينكم مني هدى فإما ترين من البشر أحداً وإما تعرضن عنهم ونحو ذلك عند النحويين إنما هو لحاق ما أول الفعل بعد إن فلذلك صار موضعاً للتنوين بعد أن لم يكن لهما موضع.
وإنما كان كذلك عند سيبويه وأصحابه لمشابهة فعل الشرط بلحاق ما به بعد إن دون أخواتها الفعل المقسم عليه ولمشابهة كل واحد منهما صاحبه في معنى التوكيد بهما فسبب لحاق النون دخول ما على ما يذهب إليه النحويون وكان لزوم النون فعل الشرط الوجه لدخول الحرف قبله إذا كان في خبر غير مبت.
فإن قيل: لم لزمت النون فعل الشرط مع إن إذا لحقتها ما دون سائر أخواتها وهلا لزمت سائر أفعال الشرط إذا دخلت على حرف المجازاة ما كما لزمته مع إن إذ ما ذكروه من الشبه ليفعلن موجود في سائر الحروف وقد جاء: أينما تكونوا يدرككم الموت وأينما تكونوا يأت بكم الله وأيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وكل ذلك لا نون فيه الجواب في ذلك: أن النون لم تلحق الشرط مع سائر حروف الجزاء كما لحقت مع إن لاختلاف موضعي ما المؤكدة وذلك أنه قد استقبح أن يؤكد الحرف ولا يؤكد الفعل وله من الرتبة والمزية على الحرف ما للاسم على الفعل فلما أكد الحرف والفعل أشد تمكناً منه قبح ترك تأكيده مع تأكيد الحرف وليس سائر حروف الجزاء مثل إن في هذا الموضع لأنها أسماء وهي حروف فلا تنكر أن تؤكد هي دون شروطها.
ألا ترى أن للاسم من القدمة على الفعل ما للفعل على الحرف فيقبح لذلك ترك توكيد الفعل مع الاسم كما قبح ترك توكيده مع الحرف.
فإن قلت: فما الذي يدل على أن التوكيد لاحق للحرف وما ننكر أن يكون لحاقه للفعل دون الجزاء فيكون الفعل مؤكداً من أوله إلى آخره مثل ليفعلن فالذي يدل على لحاقه حرف الجزاء دون الشرط أن الوقف عليه وأن أحداً لم يقف على إن وحدها في نحو: وإما تخافن من قوم خيانة فيستأنفوا ما مع الفعل كما استأنفوا بلا مع الفعل كقوله: لا أقسم بيوم القيامة.
ويدل أيضاً على لحاقها للحرف دون الفعل: أنها قد لحقت الحروف أيضاً في نحو: ألا لتما هذا الحمام لنا وفي الإدغام أيضاً تقوية لأن الكلمة لو نوي بها الانفصال جاز فيها الإظهار كما جاز في من ما وما أشبهه.
وكل هذا يدل على أن التأكيد لاحق للحرف وإذا أكد الحرف الذي لا يستقل إلا بالفعل بعد إن لا يؤكد الفعل فافترق فعل شرط إن وفعل شرط سائر الحروف في لزوم النون لها مع ما لاقترانهما فيما ذكرنا.
فهذا الذي ذكرناه يصلح أن يحتج به من زعم أن النون لازمة للشرط إذا لحقت ما إن الجزاء.
وقد قال أبو العباس وخالفه في ذلك سيبويه فقال: إن ما إذا لحقت إن الجزاء تبعه الفعل منوناً بإحدى النونين وغير منون بهما كما أن سائر الحروف كذلك.
وإذا لم يلزم النون مع إن كما لم يلزم في الحروف الأخر نحو: أينما تكونوا لم يلزم على قوله الفصل بينهما كما لزم في قول من زعم أن النون لازمة.
وقد استقصينا الخلاف في هذا والله أعلم.