إعراب القرآن للسيوطي/الثالث والثمانون
الثالث والثمانون باب ما جاء في التنزيل من تفنن الخطاب والانتقال من الغيبة إلى الخطاب ومن الخطاب إلى الغيبة ومن الغيبة إلى المتكلم
ومن ذلك قوله تعالى: " الحمد لله " ثم قال: " إياك نعبد ".
وقال: " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين " وحق الكلام: وجرين بكم.
وقال: " وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجاً من نباتٍ شتى ".
وهو كثير في التنزيل والأصل في الكلام البداية بالمتكلم ثم بالمخاطب ثم بالغيبة.
قال الله تعالى: " فعميت عليكم أنلزمكموها ".
فقدم المخاطب على الغيبة.
فبنوا على هذا فقالوا: الوجه في الكلام: أعطانيك وأعطاكني لا يجوز وأعطيتكها وأعطيتكهوك قبيح ومع قبحه قول يونس.
واحتج في ذلك قارئهم بقول القطامي: أبلغ ربيعة أعلاها وأسفلها أنا وقيساً تواعدنا لميعاد فأخبر عن المتكلم دون الغيبة وهو قيس.
والمبرد يقوى قول يونس في القياس ويجعل إضمار الغائب والمتكلم والمخاطب في التقديم والتأخير سواء ويجيز: أعطاهوك و: أعطاهوني و: أعطاكني ويستجيزه ويستحسنه في: منحتني نفسي.
وسيبويه لا يجيز شيئا من ذلك إلا بالانفصال نحو: أعطاك إياك و: أعطاها إياك و: أعطاه إياكما و: أعطاها إياكما و: أعطاك إياي.
وهذا الذي ذكره المبرد ليس بالسهل لأن ضمير المتكلم أقرب ثم المخاطب ثم الغائب.
وقد رأيت غير سيبويه يجيز بين المتصل والمنفصل وغيرهما في: أعطيتكه و: أعطيتك إياه لأن المفعول الثاني ليس يلاقي الفعل ولا يكترث به.
وأجاز سيبويه: أعطاك إياك.
وتصحيحه لا يقوى ذلك لأن تعلق المفعولين بالفعل من بابا واحد واختلاف المفعولين في ترتيبهما ليس مما يغير حكم تعليقهما بالفعل وعمل الفعل فيهما.
ولقائل أن يقول: ما الذي أنكر سيبويه من: منحتيني وهل سبيل منحتيني: إلا سبيل أعطاهوها وهو مستحسن قيل له: المنكر من منحتيني عند سيبويه أن في الثانية يؤخر ما هو حقه التقدم على كل ضمير وليس كذلك أعطاهوهما.