إعراب القرآن للسيوطي/الرابع والثمانون
الرابع والثمانون نوع آخر إضمار قبل الذكر
قوله تعالى: " ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابةٍ ".
يريد: على الأرض.
وقال: " فأثرن به نقعاً ".
يعني: الوادي.
وقوله: " والنهار إذا جلاها ".
يعني: الدنيا والأرض.
ومثل ما تقدم: " ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون ".
جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: " وللبسنا " على الملائكة من الثياب ما يلبسه الناس من وقال غيره: لشبهنا عليهم ما يشبهون على ضعفائهم و اللبس في كلامهم الشك.
الكلبي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون.
وقيل: لبسنا عليهم أي: على قادتهم ما يلبسون كما يلبس القادة على سفلتهم.
وذلك أنهم أمروا سفلتهم بالكفر بالله والشرك له فالله عز اسمه يقضى على قادتهم حتى يكونوا على الكفر.
ومن ذلك قوله تعالى: " إنها كلمةٌ هو قائلها " قيل: الكلمة: قوله: " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ". الآية.
أي: الله قائل هذه الكلمات فلا يدخلها خلف.
عن ابن زيد: أن القائل المشرك والضمير لكلمة المشرك وهي قوله: " قال رب ارجعون ".
أي: لا يكون ذلك أبدا.
ومن ذلك قوله: " سامراً تهجرون " أي: مستكبرين بحرم الله ويقولون: إن البيت لنا لا يظفر علينا أحد وقيل: مستكبرين بالكتاب لا يؤمنون به وقد تقدم في قوله: " ولدينا كتابٌ ينطق بالحق ".
ومن ذلك قوله تعالى: " وصدها ما كانت تعبد " الضمير في " صدها " قيل: لله تعالى أي صد الله بلقيس عن عبادة غيره.
وقيل ما هي الفاعلة وقد تقدم في الجار والمجرور.
ومن ذلك قوله: " تماماً على الذي أحسن " ففي فاعل " أحسن " قولان: أحدهما موسى أي: تماما على إحسان موسى بطاعته.
عن الربيع والفراء كأنه: لتكمل إحسانه الذي يستحق به كمال ثوابه في الآخرة.
فيكون مذهب الذي مذهب المصدر كقول يونس في قوله تعالى: " وخضتم كالذي خاضوا ".
والثاني: أن يكون الفاعل ذكر الله أي: تماما على إحسان الله إلى أنبيائه. عن ابن زيد.
وقيل: تماما على إحسان الله إلى موسى بالنبوة وغيرها من الكرامة. عن أبي علي.
ومن ذلك قوله: " إذ يغشيكم النعاس أمنةً منه " قيل: من العدو وقيل: من الله.
وقوله: " ويثبت به الأقدام ".
أي: بالماء وقيل: بالربط على القلوب كنى عن المصدر وقيل: بالرسل.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا تحرك به لسانك لتعجل به ".
قيل: هذا كقوله: " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ".
كان يسرع القراءة مخافة النسيان.
وقيل: كان يحب الوحي فيحرص على التلقن قبل أن يتم الكلام.
وقيل: إنما أراد قراءة العبد لكتابه يوم القيامة لأن ما تقدم هذه الآية وما تأخر عنها يدل على ذلك ولا يدل على شيء من أمر القرآن ولا على شيء كان في الدنيا.
وكأن هذا القول في معنى قراءة العبد كتابه ضرب من التقريع والتوبيخ والإعلام بأنه صار إلى حيث لا تنفعه العجلة وإلى موضع التثبت في الأمور وإقامة جزاء الحسنة والسيئة وهذا حسن.
البلخي: إن العبد يسرع إلى الإقرار بذنوبه وتكلف معاذيره ظنا بأن ذلك ربما ينفعه فيقال له: لا تعجل فإن علينا أن نجمع أفعالك في صحيفتك وقد فعلناه وعلينا أن نقرأ كتابك فإذا قرأناه فاتبع قرآنه أي فاتبع قراءته هل غادر شيئا واحتوى على زيادة لم تعملها فإذا فعلت ذلك وجاوب كتابنا أفعالك فاعلم بعد ذلك أن علينا بيانه أي إظهار الجزاء عليه.
والأول أيضا حسن لأن الإشارة إلى الشيء في تفريقه كمتقدم ذكره فيحسن معها الإضمار وكان يقرأ عليه القرآن وأشير إليه فقيل: " لا تحرك به " أي: بهذا الذي نقرؤه عليك.
وهذا المعنى أيضا حسن.
فعلى هذا: إن علينا جمعه في قلبك لتقرأه بلسانك.
عن ابن عباس رضي الله عنه.