إعراب القرآن للسيوطي/الخامس عشر
الخامس عشر ما جاء في التنزيل من حذف الجار والمجرور
وقد جاء ذلك في خبر المبتدأ وصفة الموصوف وصلة الموصول وفي الفعل جميعاً.
والتقدير: إن الذين كفروا بالله وهو شائع في التنزيل أعني حذفها من أكفروا.
قال: " وأما الذين كفروا فيقولون ".
" والذين كفروا أعمالهم كسراب ".
" ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ".
والتقدير في كله: كفروا بالله وكفروا بربهم.
كما أن قوله: " إن الذين آمنوا والذين هادوا " " إن الذين آمنوا والذين هاجروا " وقوله " لا يؤمنون " التقدير في كله: بالله.
فأما قوله: " الذين كفروا وكذبوا بآياتنا " فالباء من صلة التكذيب عندنا وقد حذف صلة كفروا لدلالة الثاني عليه وهو متعلق بالفعل الأول عند الكوفيين دون الثاني.
نظيره " يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ".
وهذا باب من إعمال الفعلين سنأتي عليه هناك إن شاء الله.
ومما جاء وقد حذف منه العائد إلى المبتدأ من خبره قوله تعالى: " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله " إلى آخر الآية.
ف مَنْ آمنَ مبتدأ وخبره " فَلَهمْ أَجْرهُمْ " والجملة خبر الذين والتقدير: من آمن منهم بالله.
وقال: " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن " والتقدير: يتربصن بعدهم.
وقال قوم: إن قوله " والذين يتوفون " مبتدأ والخبر مضمر.
أي: فيما يتلى عليكم الذين يتوفون ومثله: " والسارق والسارقة " و " الزَّانية والزَّاني ".
وقوله: " مثل الجنة ".
وقوله: " شهر رمضان ".
هذا كله على إضمار الخبر أي: فيما يتلى عليكم.
كما أضمر الخبر في قوله: " واللائِي يئسن من المحيض من نسائكم إن أرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائِي لم يحضن ".
والتقدير: واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر فأضمر المبتدأ والخبر.
وإضمار الخبر على أنواع فنوع منها هذا الذي ذكرناه ونوع آخر يضمر الخبر لتقدم ذكره كقوله: " والله ورسوله أحق أن يرضوه ".
والتقدير: والله أحق أن ترضوه ورسوله أحق أن يرضوه.
وقوله: " أن الله بريء من المشركين ورسوله " أي: ورسوله برئ من المشركين.
وإذا جاز حذف الخبر بأسره فحذف الضمير أولى.
ومن حذف الضمير في حذف المبتدأ قوله تعالى: " ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " أي فإن حزب الله هم الغالبون معه لأن من موصولة مبتدأة وتمت بصلتها عند قوله آمنوا وإن مع اسمه وخبره خبر من والعائد مضمر.
ومثله: " والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنَّا لا نضيع أجر المصلحين " أي المصلحين منهم.
وقال: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنَّا لا نضيع أجر من أحسن عملاً " أي: أجر من أحسن منهم.
وقال: " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " أي منه.
ومثله: " إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين " أي للأوابين منكم فحذف.
ومما جاء من العائد المحذوف في الوصف إلى الموصوف قوله تعالى: " واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس " أي: لا تجزي فيه.
وكذلك " ولا يقبل منها شفاعة " أي: فيه.
" ولا يؤخذ منها عدل " أي: فيه.
" ولا هم ينصرون " أي: فيه.
كل هذه جمل جرت وصفاً على يوم المنتصب بأنه مفعول به وقد حذف منه فيه.
وفي هذه المسألة اختلاف: ذهب سيبويه إلى أن فيه محذوف من الكلام قال في قولهم: أما العبيد فذو عبيد.
المعنى: أما العبيد فأنت منهم ذو عبيد.
كما قال: " واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً " أي: فيه.
وقال أبو الحسن في ذلك: اتقوا يوما لا تجزي فيه.
قال: وقال قوم: لا يجوز إضمار فيه ألا ترى أن من يقول ذلك لا يقول: هذا رجل قصدت وأنت تريد: إليه.
ولا: رأيت رجلاً وأنت تريد: فيه.
وإن شئت حملته على المفعول في السعة كأنك تقول: قلت: واتقوا يوماً لا تجزيه ثم ألغيت الهاء كما تقول: رأيت رجلاً أحب تريد أحبه.
قال أبو علي: حذف الظرف في الأسماء مراد وإن كان محذوف اللفظ فيها فمن أجل ذلك تمتنع الإضافة إليها والحديث عنها وأن تجعلها مفعولاً بها في حال ما هي ظروف لأن ما يقدر من الحرف المراد يمنع ذلك ويحجر عنه.
ويدلك على إرادة الحرف في كل ذا إظهارك إياه في جميع ذلك إذا كنيت عنها عن خلف ونحوه في قولك: قمت خلفك وخلفك قمت فيه كما تقول: السوق قمت فيها.
وكما أعلمتك من إرادة الحرف معها إذا كانت ظروفاً كثيراً ما ترى سيبويه إذا علم أنها مفعولة على الاتساع يذكرها مضافة ليبدي بذلك أن الظرفية زائلة عنها.
والجائز عندي من هذه الأقاويل التي قيلت في الآية: قول من قال.
إن اليوم جعل مفعولاً على الاتساع ثم حذفت الهاء من الصفة كما تحذف من الصلة لأن حذفها منها في الكثرة والقياس كحذفها منها.
أما القياس فإن الصفة تخصيص الموصوف كما أن الصلة تخصيص الموصول ولا تعمل في الموصوف ولا تتسلط عليه كما لا تعمل الصلة في الموصول ومرتبتها أن تكون بعد الموصوف وقد تلزم الصفة في أماكن كما تلزم الصلة وذلك لن يعرف الموصوف إلا بها.
ولا تعمل فيما قبل الموصوف كما لا تعمل الصلة فيما قبل الموصوف.
وتتضمن ذكرا من موصوفها كما تتضمنه الصلة من موصولها.
وشدة مشابهة الصفة الصلة على ما تراه.
وقد كثر مجيء الصلة محذوفاً منها العائد إذا كان مفعولاً في التنزيل وجميع التنزيل والنظم حتى إن الحذف في التنزيل أكثر من الإثبات فيها والصفة كالصلة فيما ذكرت لك من جهات الشبه فإذا كان كذلك حسن الحذف منها حسنه من الصلة.
فإن قيل: ما تنكر أن يكون المحذوف من الآية فيه دون الهاء على التأويل الذي ذكرته وإن حذف الجار والمجرور في هذا ونحوه كحذفهما في قولهم: السمن منوان بدرهم.
وما شبَّه سيبويه به ونحوه قيل له: ليس يسوغ حذفهما ولا يحسن حسنه من خبر المبتدأ كحذفهما من الخبر لأن خبر المبتدأ قد يحذف بأسره حتى لا يترك منه شيء فيما كثر تعداده فإذا حسن حذف الخبر وجاز كان حذف بعضه أسوغ وأجود.
وإبقاء البعض في باب الدلالة على المحذوف وإرادته أقوى من حذف الكل وليس كذلك الصفة ألا ترى أن الصفة لا تحذف كما يحذف الخبر فيسوغ حذف هذا البعض منها كما حسن حذف كلها فلا يجوز حذف الجار والمجرور هنا من حيث جاز حذفهما في الخبر لما ذكرنا.
قال: وليس حذف فيه في الآية كحذف الهاء من قوله: ويوم نسر لأن فيه جار ومجرور.
ولا يجوز في الصلة: الذي مررت زيد: تريد: مررت به وكذا لا يجوز حذف فيه بخلاف قوله: يوم نسر لأنه يحسن: الذي ضربت زيد.
وهذا الذي قاله عندي غيره قد جاء في التنزيل: قال الله تعالى: " وخضتم كالذِى خاضوا " أي خاضوا فيه.
وقال: " ذلك الذِى يبشر الله عباده " أي: يبشر الله به عباده.
قال: " ثم بعثناهم لنعلم أيُّ الحزبين أحصى لما لبثوا " أي: لما لبثوا فيه.
على أنه حكى عن يونس أن الذي في الآيتين بمنزلة المصدر والتقدير خضتم كخوضهم.
والذي يبشر بمنزلة التبشير.
رجع إلى كلام أبي علي: قال أبو علي: فإن قلت: أو كلام سيبويه في هذا مثل قول من قال: إن الحذف وجب فيه من حيث وجب في المظهر في البعد من الصواب فالجواب: أن قول سيبويه أقرب إلى الصواب وأبعد من الخطأ وذلك أنه لم يذكر أن الحذف في هذا أوجب من حيث يحذف في المظهر.
لكنه شبهه بما يحذف للدلالة عليه كخبر المبتدأ ونحو ذلك وكأنه عنده حذف حذفاً لذلك لا من حيث حذف في المظهر.
وقد قدمنا الفصل بين هذا وبين خبر المبتدأ فإن الحذف فيه أسوغ من الحذف في هذا لأنه صفة.
وليس الوصف من المواضع التي يسوغ فيها الحذف وليس قول سيبويه في حذف فيه كقول من قال: إن الحذف مع المضمر يجوز كالحذف مع المظهر في: سرت اليوم.
فأما ما احتج به أبو الحسن على من منع جواز إضمار فيه في الآية عند قولهم لا يجوز هذا كما لا يجوز: هذا رجل قصدت وأنت تريد: قصدت إليه.
ولا: رأيت رجلاً أرغب وأنت تريد: فيه.
فالفرق بينهما أن أسماء الزمان يكون فيها مالا يكون في غيرها.
فالذي في أسماء الزمان مما لا يكون في غيرها ما جاز فيها من إضافتها إلى الفعل وتعدى الفعل كل ضرب منها مختصها ومبهمها.
وأما إضافة الفعل.
فليس شئ يوجب حذف هذا وإن أراد أن قوة دلالة الفعل عليها يسوغ الحذف فيها فهو كأنه شبيه بما ذهب إليه سيبويه أنه حذف حذفاً.
وليس في قوة دلالة الفعل على أسماء الزمان وما يوجب الحذف من الصفة كما قدمنا إلا أن هذا القول أقرب إلى الصواب ومن هذا الباب قوله تعالى: " ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم ".
وقال أبو علي في قوله: " كأن لم يلبثوا " ثلاثة أوجه: أحدهما: أن يكون صفة لليوم.
والآخر: أن يكون صفة للمصدر المحذوف.
والثالث: أن يكون حالاً من الضمير في نحشرهم.
فإذا جعلته صفة لليوم احتمل ضربين من التأويل: أحدهما: أن يكون التقدير: كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة فحذفت الكلمة لدلالة المعنى عليها.
ومثل ذلك في حذف الظرف لهذا النحو منه قوله تعالى: " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف " أي أمسكوهن قبله.
وكذلك قوله: " فإن فاءوا فإن الله " أي قبل الأربعة الأشهر.
الثاني ويجوز أن يكون المعنى: كأن لم يلبثوا قبله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ثم حذف الهاء من الصفة كقولك: الناس رجلان رجل أكرمت ورجل أهنت.
وإن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفنا وتمثيله: ويوم نحشرهم حشراً كأن لم يلبثوا قبله فحذف.
وإن جعلته حالا من الضمير المنصوب لم يحتج إلى حذف شيء من اللفظ لأن الذكر من الحال قد عاد إلى ذي الحال.
والمعنى: نحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث إلا ساعة لأن التقدير: كأن لم يلبثوا فلما خفف أضمر الاسم كقوله: كأن ظبية تعطو إلى وارق السّلم فأما قوله " يوم يحشرهم " فإن يصلح أن يكون منصوبا ب يتعارفون في هذا اليوم فيكون ظرفاً له أو مفعولاً به على السعة.
ويجوز أن يعمل فيه فعلاً مضمراً دل عليه " كأن لم يلبثوا " أي: يستقلون المدة يوم نحشرهم فيكون " يتعارفون " صفة ل يوم أيضاً كما أن لم يلبثوا صفة.
والتقدير: يتعارفون فيه بينهم فحذف فيه.
ولا يجوز أن يعمل " كأن لم يلبثوا " في يوم لأن الصفة لا تعمل في الموصوف.
وكذلك الحال لا تعمل فيما قبل صاحبها وكذا صفة المصدر لا يعمل فيما قبل المصدر وفي الآية كلام طويل.
ومن ذلك قوله تعالى: " إن ربَّي على صراط مستقيم " أي: إن ربي في تدبيركم على صراط مستقيم فالجار الثاني خبر إن والمحذوف متعلق بالخبر معمول له.
ذكره الرماني.
وقيل إن ربي على الحق دون آلهتكم والعبادة له دونهم.
ومن ذلك قوله تعالى: " فإن أحصرتم فما استيسر " أي: إن أحصرتم بمرض وغيره.
وقوله: " فإذا أمنتم " أي: من العدو فالأول عام والثاني خاص.
ومن ذلك قوله: " وبشر المؤمنين " " وبشر المحسنين " والتقدير في كله بالجنة.
أبو عبيدك يُبَشِّرُكَ ويَبْشُرُكَ ويُبْشِرُكَ واحد أبو الحسن: في يُبشر ثلاث لغات: بشر وأبشر إبشاراً وبشر يبشر وبشر يبشر بشراً وبشوراً بكسر الشين.
يقال: أتاك أمر بشرت به.
وأبشرت به في معنى بشرت ومنه: " وأبشروا بالجنة " وأنشدوا: وإذا رأيت الباهشين إلى العلا غبراً أكفهم بقاع ممحل فأعنهم وابشر بما بشروا به فإذا هم نزلوا بضنك فانزل قال أبو زيد: وبشرني القوم بالخير تبشيراً.
والاسم: البشرى.
ومما حذف فيه الجار والمجرور قوله تعالى: " ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم ".
التقدير: فله أن له نار جهنم ويقوى رفعه بالظرف فتح أن ويكسر هو في الابتداء واستغنى عن الظرف بجريه في الصلة كما استغنى عن الفعل بعد لو في: لو أنه ذهب لكان خبراً له.
وقال: " أسمع بهم وأبصر " أي وأبصر بهم.
قال أبو علي: لا يكون من باب حذف المفعول لأن بهم فاعل نحو قولهم: ما جاءني من رجل.
والفاعل لا يحذف.
وإن قدرت حذف الباء لكان: أبصروا.
لكنه جرى أبصر مجرى الاسم به لدلالة: ما أميلح زيداً وما أقوله! ويجري مجرى نِعْم وبِئْسَ أو يصير كقوله: ونار توقد بالليل نارا حيث حذف كلا لجرى ذكره في قوله: أكل امرئ تحسين امرأ ولأنك لم تجمع الضمير في ما أفعل في موضع فحمل عليه.
ومن ذلك قوله تعالى: " وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب " بعد قوله: " ألم تر أن الله يسجد من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر ".
روى عن ابن عباس أنه قال: المعنى: وكثير من الناس في الجنة.
وهذا حسن كأنه جعله استئناف كلام لأن ما تقدم من قوله: " يسجد له من في السموات ومن فلم يحمله على التكرير وأضمر الخبر لدلالة ما يجيء بعد عليه.
لأن قوله: " وكثير حق عليه العذاب " يدل على أن من تقدمهم لهم حالة أخرى.
ونظيره: " فريق في الجنة وفريق في السعير " وقوله تعالى: " ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ".
وإن حملت قوله: " وكثير من الناس " على أنه معطوف على يسجد ويرتفع بذلك كان تكريراً كقوله: " اقرأ باسم ربك الذي خلق ".
ومن حذف الجار والمجرور قوله تعالى: " كلا لما يقض ما أمره " أي: ما أمره به.
فحذفت الباء فصار: ما أمر هو.
فحذف الأول دون الثاني.
ومثله " فاصدع بما تؤمر " وإن شئت كان على ما تؤمر به ثم تؤمره ثم تؤمر.
قال أبو عثمان: الضميران عندي في الآيتين مختلفان وذلك أن الضمير المحذوف في: " أهذا الذي بعث الله رسولاً " هو عائد إلى الموصول.
والضمير المحذوف من قوله سبحانه: أمره ليس ضمير الموصول إنما هو ضمير الرجل المذكور.
ولعمري إن حذف الضمير من الصلة وإن كان عائداً على غير الموصول جائز كقراءة من قرأ: " من يصرف عنه يومئذ " فيمن فتح الياء.
ومن ذلك قوله تعالى: " جنات عدن مفتحة لهم الأبواب " فقوله: مفتحة صفة لجنات والأبواب فيجوز أن يكون التقدير: مفتحة لهم الأبواب منها.
فحذف منها للدلالة عليه.
ويجوز أن يكون الأبواب بدلاً من الضمير في مفتحة لأن التقدير: مفتحة هي كما تقول: فتحت الجنان أي: أبوابها.
وقال الكوفيون: التقدير مفتحة أبوابها فقامت الألف مقام الضمير.
قال أبو إسحاق: إلا أنه على تقدير العربية: الأبواب منها أجود من أن تجعل الألف واللام بدلاً من الهاء والألف لأن معنى الألف واللام ليس من معنى الهاء والألف في شيء لأن الهاء والألف أسماء والألف واللام دخلتا للتعريف ولا يبدل حرف جاء لمعنى من اسم ولا ينوب عنه هذا محال.
قال أبو علي: اعلم أنه لا تخلو الألف واللام في قوله الأبواب من أن يكون للتعريف كما تعرف: الرجل والفرس ونحو ذلك.
أو يكون بدلاً من الهاء التي هي ضمير التأنيث التي كان يضاف أبواب إليها ليتعرف بها.
كما أن الألف واللام في الوجه في قولك: حسن الوجه بدل منها.
فلو كان مثل التي في حسن الوجه لوجب أن يكون في مفتحة ضمير جنات.
كما أن في حسن الوجه من: مررت برجل حسن الوجه ضمير رجل بدليل: مررت بامرأة ولو كان في مفتحة ضمير جنات كما أن في حسن ضمير رجل وقد نون مفتحة لوجب أن ينتصب الأول ولا يرتفع لكون الضمير في مفتحة للجنان فإذا صار فيه ضمير لم يرتفع به اسم آخر لامتناع ارتفاع الفاعلين بفعل واحد غير وجه الإشراك فكما لم ينتصب قوله الأبواب كما ينتصب: مررت برجل حسن الوجه أنه ليس فيه ضمير الأول وإذا لم يكن فيه ضمير الأول فلا بد من أن يكون الثاني مرتفعاً لم يكن مثل الوجه لأن الوجه في قولك: مررت برجل حسن الوجه لا يرتفع ب حسن.
وإذا لم يكن مثل حسن الوجه لم يكن الألف واللام فيه بدلاً من الضمير ثبت أنه للتعريف المحض على حد التعريف في: رجل وفرس.
وإذا كان للتعريف لم يكن بدلاً من الضمير وإذا لم يكن بدلاً من الضمير الذي كان يضاف أبواب إليه لم يعد على الموصوف مما جرى صفة عليه ذكر لارتفاع الأبواب به في اللفظ بالظاهر فإذا كان كذلك فلا بد من ضمير في شيء يتعلق بالصفة يرجع إلى الموصوف.
وذلك الراجع لا يخلو من أن يكون منها أو فيها فحذف ذلك وحسن الحذف للدلالة عليه لطول الكلام.
وعلى هذا الحد حذف في قوله: " فإن الجحيم هي المأوى " أي: المأوى لهم وعلى هذا التقدير فتقدير من قدر: مفتحة أبوابها إن كان المراد إفهام المعنى فإنه لا بد من شيء يقدر في الكلام يرجع إلى الموصوف فمستقيم.
وإن كان أراد أن الألف واللام في الأبواب كالألف واللام في الوجه فليس مثله.
لأن الألف واللام إذا صارت بدلاً من الضمير الذي يضاف إليه الاسم المتعلق بالصفة التي هي نحو: حسن وشديد انتصب الاسم الذي هو فاعل الصفة إذا نونت الصفة لكون ضمير الذي يجري عليه فيه.
ألا تراهم قالوا: الحزن ناباً والعقور كلباً و: الشعر الرقابا فترك نصب الأبواب هنا دلالة على أن الألف واللام لم يرد بها أن تكون بدلاً من علامة الضمير كالتي في: حسن الوجه.
وإذا لم يجز هذا فلا بد من تقدير الراجع إلى الموصوف الذي جرى مفتحة صفة عليه وهو: منها أو نحوها فمن ها هنا كان التقدير أجود.
ويجوز أن تكون الأبواب بدلاً من الضمير الذي في مفتحة على ما تقدم وقوله: لام التعريف لا يكون بدلاً من الهاء فللقائل أن يقول قد قالوا مررت برجل حسن وجهه ثم قالوا: مررت بالرجل الحسن الوجه فقد قام اللام مقام الضمير.
وقد قالوا غلام زيد فقام الاسم مقام التنوين.
هذا كلامه في الإغفال.
وقال في موضع آخر: ولم يستحسنوا: مررت برجل حسن الوجه ولا بامرأة حسن الوجه وأنت تريد منه لما ذكرت من أن الصفة يحتاج فيها إلى ذكر يعود منها إلى الموصوف.
ولو استحسنوا هذا الحذف من الصفة كما استحسنوه من الصلة لما قالوا مررت بامرأة حسنة الوجه.
وأما قوله: " جنات عدن مفتحة لهم الأبواب " فليست على: مفتحة لهم الأبواب منها ولا أن الألف واللام سد مسد الضمير العائد من الصفة.
ولكن الأبواب بدل من الضمير الذي في مفتحة لأنك لا تقول: فتحت الجنان إذا فتحت أبوابها.
وفي التنزيل: " وفتحت السماء فكانت أبواباً " فصار ذلك بمنزلة ضرب زيد رأسه.
وقال مرة أخرى: يكون من باب سلب زيد ثوبه.
ألا ترى أن الأبواب تشتمل على الجنة كما اشتمل الأخدود على النار والشهر على القتال.
فإن قلت: فهل يجوز أن يكون المعنى: مفتحة لهم الأبواب منها فحذف منها قيل: هذا لا يستقيم كما جاز: السمن منوان بدرهم وأنت تريد: منه فتحذف لأن خبر المبتدأ قد يحذف بأسره.
وإذا جاز أن يحذف جميعه جاز أن يحذف بعضه وليس الصفة كذلك لأنه موضع تخصيص وتلخيص.
ولا يجوز أن يراد الصفة وتحذف كما يراد الخبر ويحذف ولو جاز ذا لجاز: مررت بهند حسن الوجه يريد: منها.
واعلم أن البدل من الشيء ليس يلزم أن يكون حكمة حكم المبدل منه وليس يريد أهل العربية بقولهم في نحو هذا أن معنى البدل معنى المبدل منه.
ألا تراهم يقولون: التنوين بدل من الألف واللام ومن الإضافة والتنوين إذا ثبت في النكرات دلت على الإشاعة والتنكير والألف واللام والإضافة وإذا دخلا شيئاً دلا على خلاف ذلك.
وإنما يريدون بالبدل: أنه لا يجتمع مع ما هو بدل منه في اللفظ.
ألا ترى أن الهاء في زناذقة عوض من الياء في زناديق لمعاقبتهما وتنافى اجتماعهما ولم يلزم أن يكون ثبات الهاء لمنع الصرف كما يمتنع الصرف في الاسم إذا ثبتت الياء.
ويقولون: الميم في فم بدل من الواو التي هي عين.
ولم يلزم أن يمتنع تعاقب الحركات عليها بعد ويقولون: الألف في يمان بدل من إحدى الياءين ولو نسبت إلى قريش لحذفت وأثبت ياءين أخريين ولو أضفت إلى يمان لم تحذف الألف.
ويقولون: التاء في أخت بدل من الواو ولم يجب ألا تدل على التأنيث كما لو ثبتت الواو لم تدل على التأنيث وهذا يكثر إذا جمع فليس يريدون أن معنى المبدل منه قد يكون في البدل معان لا تكون في المبدل منه ويكون في البدل معان لا تكون في المبدل وإنما مرادهم بالبدل أنه لا يجتمع في اللفظ مع ما هو بدل منه لا غير.
وعلى هذا قياس قول سيبويه في نون التثنية أنه بدل من الحركة والتنوين.
ومن ذلك قوله تعالى: " وغدوا على حرد قادرين " أي: قادرين على حيازة ثمار ذلك ويكون قادرين من باب: هدياً بالغ الكعبة ".
وإن قدرت قادرين: مقدرين عند أنفسهم رفع غلتهم وتحصيلها.
وعلى هذا قراءة من قرأ: " فقدرنا فنعم القادرون ".
وقال في موضع آخر: قادرين عليها أي: على جناها وثمارها عند أنفسهم فحذف الجار لتقديم ذكره في الكلام كما حذفه عند الخليل من قوله: إن الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوماً على من يتكل ويبين أن على مرادة بدليل قوله في الآية الأخرى: " وظن أهلها أنهم قادرون عليها " أي: على ما أخرجت من ثمر وجنى.
وقوله: خلقه فقدره " أي: قدره على الاستواء فحذف الجار والمجرور لقوله " ثم سواك رجلاً " وقدره على هذه الصورة التي هو عليها.
وقيل: أخرجه على التقدير.
وقيل: جعله على مقدار تقتضيه الحكمة.
وقيل: قدره أحوالاً: نطفة تارة وعلقه أخرى ثم مضغة إلى أن أتت عليه أحواله وهو في رحم أمه.
وقيل: وقوع التقدير هنا بين الخلق وتيسير السبيل.
وتيسير السبيل يحتمل أن يكون بمعنى الإقدار لأن فعل وأفعل أختان.
أي: خلقه من النطفة ثم قدره أي: جعله قادراً على الطاعة والعصيان ثم سهل عليه السبيل بأن بينه له ودله عليه.
ومن ذلك قوله تعالى: " سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها " أي: كلما نضجت جلودهم منها فحذف الجار والمجرور من الصفة إلى الموصوف.
قال أبو علي: هذا الكلام صفة للجنتين المقدم ذكرهما فإذا كان كذلك فالراجع فيه مقدر محذوف.
التقدير: قيل لهم: كلوا من رزق ربكم منهما والقول مراد فيه محذوف وهذا مما يدل على أن الحذف من الصفة كالحذف من الصلة.
وفي الكتاب: يقول: إنه في الصلة أكثر ألا ترى أنه قال: وإنما شبهوه يعني حذف الهاء من الخبر بقولهم: الذي رأيت فلان حيث لم يذكر الهاء.
وهو في هذا أحسن لأن رأيت تمام الاسم وبه يتم وليس بخبر ولا صفة فكرهوا طوله حيث كان بمنزلة اسم واحد كما كرهوا طول اشهيباب فقالوا: اشهباب وهو في الوصف أمثل منه في الخبر.
وهو على ذلك ضعيف يعني حذف الهاء ليس كحسنة في الهاء التي في الصلة لأنه في موضع ما هو من الاسم وما يجري عليه وليس منقطع منه خبراً منفياً ولا مبتدأ فضارع ما يكون تمام الاسم وإن لم يكن تماماً له ولا منه في النداء وذلك قولك: هذا رجل ضربته والناس رجلان رجل أهنته ورجل أكرمته.
قلت: حذف الهاء في الصلة مستحسن جداً وهو في التنزيل كثير كقوله: " أولئك الذين هدى وقال: " والذين يدعون من دونه " أي: يدعونهم.
وقال: " فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله " أي: اتخذوهم من دون الله وما أشبه ذلك.
وفي الخبر قبيح جداً لم يأت إلا في موضع واحد وذلك في قراءة ابن عامر: " وكل وعد الله الحسنى " أي: وعده الله الحسنى.
وحذفها من الصفة منزلة بين المنزلتين وفي الكتاب كما نقلته لك.
وقد قدمنا مجيئه في آي شتى فوجب أن يكون حذفها من الصفة كحذفها من الصلة.
فمن ها هنا تردد كلامه في قوله: " مفتحة لهم الأبواب " فحمله مرة على حذف منها ومرة على البدل.
وقد نقلت لك ما ذكر في الكتاب.
ومن ذلك قوله تعالى: " إلى صراط مستقيم " يصاحبه حتى يهجم به على الجنة.
ومن ذلك قوله تعالى: " سنفرغ لكم أيها الثقلان " أي: سنفرغ لكم مما وعدناكم أنا فاعلوه بكم من ثواب أو عقاب هذا قول أبي حاتم.
قال أبو عثمان: فرغت إلى الشيء والشيء: عمدت له.
.
قال الشاعر: ومن ذلك قوله تعالى: " فهل عسيتم إن توليتم " أي: إن توليتم عن كتابي وديني.
ومن ذلك قوله: " فلما آتاهم من فضله بخلوا به " أي: آتاهم ماتمنوا.
ومما حذف فيه الجار والمجرور: " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " أي إن أحصرتم بمرض.
ومنه قوله: " فإذا أمنتم " أي: أمنتم من العدو فحذف ففي الثاني اتفاق وفي الأول خلاف.
ويقدر الشافعي: بأن أحصرتم بعدو فينشأ من هذا التقدير أن المريض له أن يتحلل بالدم.
لأن التقدير عندنا: فإن أحصرتم بمرض وعنده لا يتحلل لأن التقدير عنده: فإن أحصرتم بعدو.
وإنما يقدر هذا التقدير لأن الآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه عام الحديبية وكان الإحصار بالعدو.
ونحن نقول: إن الإحصار بالمرض دون العدو يقال: أحصره المرض وحصره العدو.
ولهذا جعل محمد بن الحسن الإحصار بالمرض أصلاً في كتابه.
والحصر بالعدو بناء عليه.
والحصر بالعدو على تفسير اللغة دون بيان الحكم.
فإن قيل: الفرّاء يخالف في ذلك.
قلنا: ما خالفهم في حقيقة اللغة ولكن حمل الآية على المنع لأنها نزلت في رسول الله ﷺ وكنا ممنوعاً بالعدو لا بالمرض.
وهذا التأويل حجة كأن الله تعالى قال: فإن منعتم فتكون مطلقة سببا للتحلل بالهدى من غير اعتبار أسباب المنع.
فإن قيل: كيف يستقيم الحمل على المرض والآية نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وكان المنع بالعدو قلنا: إن النصوص إذا وردت لأسباب لم تعلق بها إلا أن يكون السبب منقولا معها كقول الراوي: سها رسول الله صلى الله عليه وآله فسجد.
فأما إذا وردت مطلقة عن الأسباب فيعمل بظاهرها ولا تحمل على السبب فبقي الإشكال في أنهم كيف عرفوا التحلل فنقول: إن كان تأويل الإحصار المنع مطلقاً من غير اعتبار سبب وإنما عرَّفوا الإحلال بنص مطلق غير مقيد فإن كان التأويل هو المنع بالمرض فعرفوا الإحلال بمدلول النص فإن النص لما أباح الإحلال بمنع من جهة المرض فالمنع من جهة العدو أولى بالإباحة لأن منع العدو أشد فإنه حقيقي لا يدفع له إذا كانت القوة لهم ومنع المرض مما يزول بالدابة والمحمل ونحوه.
وكذلك إباحة الإحلال لضرب من الارتفاق يحصل به وهذا الارتفاق في العدو أكثر لأن جميع ما يستفيده المريض يستفيده الممنوع بالعدو وزيادة وهي النجاة من شرهم بالرجوع والمريض لا يستفيد هذا والبيان من جهة الشرع مرة يكون بالنص ومرة بدلالته.
فإن قيل: فإذا حملناه على المرض فإن الله تعالى قال: " فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تبتدر الأوهام إلى العدو.
قلنا لا كذلك فإن الإحصار في اللغة ليس بعبارة عن المرض فحسب بل عن منع يكون بالمرض فيكون المنع علة والمرض سبباً ويصير كأن الله تعالى قال: فإن منعتم بمرض فما استيسر.
فدل على المنع بالعدو من طريق الأولى لأن المنع موجود نصاً في الحالين وبالعدو أشد والارتفاق بالإحلال فيه أكثر فجرى مجرى الشتم من التأفيف في تحريمه.
فإن قيل: إن الله تعالى نسق به: " فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية " ولو كان أحصرتم عبارة عن المرض لم يستقم نسق المرض به ثانيا لأنه تكرار لأن المعطوف أبدا يكون غير المعطوف عليه.
قلنا: قد ذكرنا أن الإحصار ليس بالمرض بعينه لكن منع بسبب المرض فيستفاد به التحلل بالدم ولا يباح به الحلق إذا لم يتأذَّ به رأسه وبمرض يتأذى به رأسه يباح الحلق أو بنفس الأذى وإن لم يمنعه عن الذهاب فلا يباح به التحلل فكانا غيرين وتكون العبارة عنهما على أن عطف الخاص جائز على العام كعطف جبريل وميكائيل وغير ذلك.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا والله يقول في آخر الآية: " فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " يعني: زال عنكم السبب المانع ولو كان السبب المانع مرضاً لكان من حق الكلام: فإذا شفيتم فلما قال: أمنتم علم أن المانع كان خوف العدو.
قلنا: يقال في اللغة: أمن الرجل إذا شفي وإنما يعني به: إذا زال عنه خوف عدو أو سبع.
قلنا: روى في التفسير فإذا أمنتم من الوجع ويقال: مرض مخوف ومرض يؤمن معه فلا كلام على هذا.
على أنه نبه في الأول على المرض فدخل تحته العدو على طريق الأولى.
ثم عاد إلى الطرف الآخر في آخر الآية وهذه سنة معتادة في التنزيل إذا اجتمع شيئان يذكر طرفاً من كل واحد من الشيئين.
ألا ترى أنه ذكر الركعتين مع الإمام في صلاة الخوف عن طائفتين وذكر مثل العدو في قوله: " ومثل الذين كفروا " مثل الداعي في الطرف الآخر في قوله: " كمثل الذي ينعق " فكذا ههنا ذكر المرض أولاً فدخل تحته العدو ثم ذكر الأمن من العدو فلم يكر على الأول بالنقض والإبطال.
ومن ذلك قوله تعالى: " سيهديهم ويصلح بالهم ".
أي: يهديهم إلى طريق الجنة.
وقال: " فإن الله لا يهدي من يضل ".
أي: لا يهدي إلى طريق الجنة.
قال: " من يهد الله فهو المهتد " أي: من يهد الله إلى الحق.
وأما قوله: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ".
فإنه يكون مثل قوله: " سيهديهم ويصلح بالهم " بدلالة اتصال الحال به وهو قوله: " تجرِي من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ".
ويكون الظرف على هذا متعلقاً ب يهديهم أعني: بإيمانهم ويجوز أن يكون يهديهم في دينهم كقوله: " والذين اهتدوا زادهم هدى ".
فأما قوله: " ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً ".
فقوله: " صراطاً مستقيما " على فعل دل عليه يهديهم كأنه: يعرفهم صراطاً مستقيما ويدلهم عليه.
وإن شئت قلت: إن معنى يهديهم إليه: يهديهم إلى صراطه.
فيكون انتصاب صراط كقوله: مررت بزيد رجلاً صالحاً.
ومن ذلك قوله تعالى: " وإن يأتوكم أسارى تفادوهم " أي: تفادوهم بالمال.
وكذلك من قرأ: تفدوهم أي: تفدوهم بالمال.
ومن ذلك ما قال الفراء في قوله تعالى: " قل هِي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة " إن التقدير: وهي لهم خالصة فحذف لهم غير جائز لأن الظرف يشبه الفعل وليس بفعل محض فلا يعمل وهذا مضمراً كما لا تعمل ليت مضمراً ولهذا امتنع: إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر وقد قال في قوله: " ولمن خاف مقام ربه جنتان " إلى قوله: " متكئين على فرش " إن العامل في الحال ما في اللام من قوله: ولمن ولا كلام في هذا.
ثم قال: " ومن دونهما جنتان " إلى قوله متكئين والتقدير: ولهم من دونهما جنتان فأعمل الظرف مضمراً في متكئين.
ومن ذلك قوله تعالى: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات " أي: نسارع لهم به فحذف به ولا بد من تقديره ليعود إلى إسم إن عائد من خبره.
ومن ذلك قوله تعالى: " لا مقام لكم فارجعوا " أي: لاثبات لكم في القتال بالفتح أو لاثبات لكم في المكان بالضم ويكون الإقامة وبالفتح المنزل.
فإن حملت لا مقام لكم على القتال يكون: فارجعوا إلى طلب الأمان عن الكلبي.
وقيل: لا مقام لكم على دين محمد عليه السلام فارجعوا إلى دين مشركي قريش عن الحسن.
وقيل لا مقام لكم في مكانكم فارجعوا إلى مساكنكم.
ومن ذلك قوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة " ما بمعنى الذي والعائد من الخبر إليه محذوف أي: أجورهن له.
ويجوز أن يكون ما بمعنى من ويكون به على اللفظ وآتوهن على المعنى ولا يكون مصدراً بعود الضمير إليه.
ومن ذلك قوله: " باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم " أي: باسطوا أيديهم بالعذاب فحذف لقوله: " اليوم تجزون عذاب الهون ".
وفي الكتاب: بسط عليه مرتين يريد: بسط عليها العذاب مرتين.
فليس إضمار العذاب هنا على حد إضماره في الآية.
لكنه على أحد أمرين: إما أن يكون جرى ذكر العذاب فأضمر لجرى ذكره وإما أن يكون دلالة حال كقوله: إذا كان غدا فائتني.
ومن ذلك قوله تعالى: " إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفوراً ".
أي: للأوابين منكم أو لأن الأوابين هم الصالحون.
كقوله: " أجر من أحسن عملاً " بعد قوله: " الذين آمنوا ".
ومنه قوله: " لا عوج له " أي: لا عوج له منهم.
ومن ذلك قوله: " اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم " أي: لنحمل خطاياكم عنكم.
ومنه قوله: " يريدون وجهه " أي: في الدعاء.
ومن ذلك قوله: " سقفاً من فضة ومعارج " أي: ومعارج من فضة وأبواباً من فضة وسررا من فضة وزخرفاً محمول على موضع قوله: من فضة.
ومنه قوله تعالى: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة " أي: يشترون الضلالة وقال: " إن العهد كان مسئولاً " أي: مسئولاً عنه.
وقال: " يومئذ يتبعون الداعِي لا عوج له " أي: لا عوج لهم عنه.
وقوله: " من كان يريد العزة " أي: ليعلم أن العزة لمن هي.
وقال الله تعالى: " ما لكم من زوال " أي: عن الدنيا لأنهم قالوا: " ما هي إلا حياتنا الدنيا ".
وقال: " قلوبهم منكرة " أي: لذكر الله.
وقوله: " فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم " أي: لهم على قول أبي الحسن.
وقال: " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمِي أنفسهم قالوا فيم كنتم " أي: قالوا لهم.
ومن ذلك قوله تعالى: " وصدها ما كانت تعبد من دون الله " أي: صدها عبادة غير الله عن عبادة الله فحذف الجار والمجرور وهو المفعول وما فاعلة.
وقيل: صدها سليمان عما كانت تعبد فحذف عن.
وقيل: التقدير: صدها الله عما كانت تعبد بتوفيقها.
وقيل: الواو في قوله وصدها واو الحال والتقدير: تهتدي أم تكون على ضلالتها وقد صدها ما كانت تعبد من دون الله.
ومثله قوله: " فإنه كان للأوابين غفوراً " أي: للأوابين منكم.
وقيل: بل الأوابون هم الصالحون فوضع الظاهر موضع المضمر كقوله: " ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم " على قول الأخفش أي: مصدق له فوضع الظاهر موضع المضمر كقوله: " ثم جاءكم به " فحذف الجار والمجرور.
كقوله: " نسارع لهم في الخيرات " أي: نسارع لهم به.
ومن ذلك قوله: " ألم يجدك يتيماً " عن الأمة فآوى أي: فآواك إلى أبي بكر.
وقيل: إلى خديجة.
وقيل: إلى أبي طالب.
وقيل: بل آواه إلى كنف ظله وربَّاه بلطف رعايته.
ويقال: فآواك إلى بساط القربة بحيث انفردت بمقامك فلم يشاركك فيه أحد.
ووجدك ضالاً عن الاستثناء حين سئلت فلم تقل إن شاء الله فهدى أي: فهداك لذلك ويقال: في محبتنا فهديناك بنور القربة إلينا.
ويقال: ضالاً عن محبتي فعرفتك أني أحبك.
ويقال: جاهلاً بمحل شرفك فعرفتك قدرك.
ويقال: مستتراً في أهل مكة لم يعرفك أحد فهداهم إليك حتى عرفوك.
ووجدك عائلاً فأغنى أي: أغناك عن الإرادة والطلب بأن أرضاك بالفقر.
ويقال: أغناك عن السؤال فيما أعطاك ابتداء بلا سؤال منك.
ويقال: أغناك بالنبوة والكتاب.
ومن ذلك حكاية عن إبليس اللعين: " إنيّ كفرت بما أشركتموِن من قبل ".
قال قوم منهم الفراء: إني كفرت بالله وجعل ما في مذهب ما يؤدي عن الاسم ويعني من قوله: من قبل في وقت آدم وقال قوم التقدير: إني كفرت اليوم بما كنتم تعبدونه لي في الدنيا فحذفوا الظرف دون الجار.
وقال أبو علي: تقدير من قبل أن يكون متعلقاً ب كفرت.
المعنى: إني كفرت من قبل بما أشركتموني.
ألا ترى أن كفره قبل كفرهم وإشراكهم إياه فيه بعد ذلك.
فإذا كان كذلك علمت أن من قبل لا يصح أن يكون من صلة أشركتمون.
وإذا لم يصح ذلك فيه ثبت أنه من صلة كفرت.
فأما ما فيحتمل وجهين: يجوز أن يكون المصدر فإذا كان إياه لم يحتج إلى عائد وكان التقدير: بإشراككم إياي فيه.
وإن جعلتها موصوله كان التقدير: بإشراككم إياي فيه فحذف فيه.
على قياس ما قاله في قوله: " لا تجزِي نفس عن نفس شيئاً " وأوصل إليه الفعل ثم حذف الضمير.
والمعنى إني كفرت من قبل بما أشركتموني فيه من بعد ويقدر أشركتمون جعلتموني شريكاً في كفركم.
ومما حذف منه الجار والمجرور: قول العرب الحملان حمل ودرهم.
والمعنى الحملان حمل منهما بدرهم.
فقولك منهما مقدر في الكلام وبتقديره يستقيم ولو قلت: حمل ودرهم رخيص.
ويكون ب درهم يتعلق برخيص جاز.
ومما حذف منه الجار والمجرور قوله: " وما أسألكم عليه من أجر ".
أي: على إيمانهم أجراً أي: ما دعوا إليه من الإيمان.
والإيمان المقدر المحذوف على ضربين: أحدهما أن يكون إيمان من آمن ويجوز أن يكون إيماناً نسب إلى من يؤمن.
وجاز ذلك فيه للالتباس الذي لهم به في دعائهم إليه كما قال: " وليلبسوا عليهم دينهم ".
والتقدير: الذي شرع لهم ودعوا إليه.
ومن ذلك قوله تعالى: " ومن لم يجعل الله له نوراً " أي: نوراً في القيامة.
" فما له من نور " أي: في الخلق.
ومنه قوله تعالى: " ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ".
أي: دليلاً على الظل إذ لولاه لم تعرف وبضدها تتبين الأشياء عن ابن سحبرة وقيل: تاليا على الظل حتى يأتي عليه كله عن قتادة.
وقيل: دليلاً على قدرة الله " ثم قبضناه " يعني: الظل أي: بطلوع الشمس وقيل: بغروبها يسيراً أي: سريعاً وقيل: هو فعيل بمعنى مفعوله.
أي: جعلنا الشمس مدلولة على الظل أي: وأما قوله: " ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله ".
فقيل: هو من هذا الباب.
والذين آمنوا هم الفاعلون.
والتقدير: ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم كالآية الأخرى: " والذين استجابوا لربهم " وقيل: بل الذين آمنوا نصب مفعول به على تقدير: ويستجيب الله للذين آمنوا فحذف اللام.
وأما قوله: " فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة ".
أي: نجيناهم من الإهلاك " ونجيناهم من عذاب غليظ " فحذف الجار والمجرور.
ولا يكون ونجيناهم مكرراً.
لمكان الواو.
ومن ذلك قوله تعالى: " إذ أنتم بالعدوة الدنيا " أي: الدنيا من المدينة.
" وهم بالعدوة القصوى " أي: من المدينة.
وقال: " في أدنى الأرض " أي في أدنى الأرض منهم.
وعند الكوفيين: قام اللام مقام الضمير كقوله: " فإن الجنة هي المأوى ".
ومن ذلك قوله تعالى: " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ".
أي: أمرنا مترفيها بالطاعة ففسقوا فيها فحذف بالطاعة.
وفسره قوم فقالوا: أمرنا أي كثرنا قالوا: ويقال: أمرت القوم وآمرت وأمرت إذا كثرتهم.
وزعم أبو عبيدة عن يونس عن أبي عمرو أنه قال: لا يقال أمرت أي كثرت وإنما فسر أمر أي: أمرناهم بالطاعة.
وزعم ثعلب: أمر القوم إذا كثرواو أمر علينا فلان إذا ولي.
وكأنه اقتدى بأبي عمرو ولم ير أمرت أي: كثرت صحيحاً.
ولم يرحجة في قوله: مهرة مأمورة لأنه يكون من باب قوله: " حجاباً مستوراً ".
أي: ذا ستر ويكون بمعنى: ساتر فكذا مأمورة أي: ذات كثرة أو بمعنى أمر.
وزعم أبو علي: أن أمر وأمرته من باب رجع ورجعته ووقف ووقفته.
ومن ذلك قوله تعالى: " فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ".
قال أبو علي: يجوز أن يكون ما بمعنى الذي ولا يكون استمتعتم في موضع جزم بالجزاء وقد عاد الذكر في به إليه ويكون العائد إليه من الخبر محذوفاً كأنه: فآتوهن أجورهن له: أي: لما استمتعتم به.
ولا يجوز أن تكون ما مصدراً لعود الذكر إليها من قوله ولا يستقيم في المعنى أيضاً لأن الأجور المهور فلا تؤتاه المرأة إلا مرة.
ولا يجوز أيضا أن تكون ما كالتي في قوله: هذا المعنى أيضاً ويجوز.
أن يكون ما بمنزلة من فإذا كان كذلك لم يلزم أن يضمر شيئاً يعود على المبتدأ لأن قوله: فآتوهن يرجع إلى ما على المعنى لأن التقدير ب ما يجوز أن يكون جمعاً قد قال هذا.
فقال في قوله: " مهما تأتنا به من آية " فكلاهما في موضع رفع فيمن قال: زيد ضربته ومن قال: زيداً ضربته وزيداً مررت به كان عنده في موضع نصب.
وكلام سيبويه في هذا: ويرفع الجواب حين يذهب الجزم قولهم: أيهم يأتك تضرب إذا جزمت لأنك جئت بتضرب مجزوماً بعد أن عمل في أيهم ولا سبيل له عليه وكذلك هذا جئت بجوابه مجزوماً بعد أن عمل فيه الابتداء.
قلت: الصحيح ما ذكر في قوله: " مهما تأتنا به " ومنعه في " فما استمتعتم به " من أن يكون شرطاً محتجاً بما يعود إليه من به شبهة وقعت له من قول سيبويه: أيهم يأتك تضرب إذا جزمت تضرب على الجواب لم يعمل في أيهم.
فأما أيهم تضرب يأتك فإنك تنصبه بتضرب ولو أدخلت الهاء فقلت: أيهم تضربه يأتك جاز رفعه وإن كان الاختيار النصب.
ومثل الآية قول المتنخل الهذلي: فالهاء في كفاه عائدة إلى مهما كما يعود إلى ما ولا يكون بمثل هذا العائد في: أين ومتى لا تقل: أين تكن أكن فيه ولا: متى تأتني آتك فيه لأن أين ومتى لا يبتدآن فهما منصوبان على الظرف فلا يشتغل الفعل عنهما وما قد تكون مبتدأة.
ثم اعلم بعد: أني لا أختار في ما من قوله: " فما استمتعتم به " أن يكون بمعنى الذي لأنه يحتاج إلى ما يعود إليه من الخبر على حد ما قال من قوله: فآتوهن أجورهن له إذ لا يكاد يفيد معنى.
ولكن ما يكون شرطاً إما منصوباً بفعل مضمر يفسره: " فما استمتعتم به " أو يكون مبتدأ وما بعده خبره.
ولا أختار أن يكون بمعنى من لقلة ذلك وكلام الله لا يحمل على القليل.
ووجدت في موضع آخر قال: لا يجوز أن تكون ما مصدراً على حد قوله: " بما كانوا يكذبون " أي: بتكذيبهم لأن الذكر قد عاد به من الصلة في قوله به فإذا كان كذلك كان بمعنى الذي ودخلت الفاء على حد دخولها في قوله: " وما بكم من نعمة فمن الله " وقوله: " الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم ".
وإذا حملته على هذا وجب أن يعود مما بعد الفاء ذكر يعود إلى المبتدأ: فآتوهن أجورهن له أو فإن قلت: لا يجوز أن تكون ما للجزاء فإنه يجوز أن يكون له ويكون موضع استمتعتم جزماً والفعل وما بعد ما في موضع الجزم ويكون اسماً للوقت وقد قال: فما تك يابن عبد الله فينا وموضع ما رفع لاشتغال الفعل بالجار.
ومن قال: زيداً مررت به كانت عنده في موضع نصب ورجوع الذكر من الشرط لا يمنع أن يكون الاسم الذي قبله للمجازاة.
ألا ترى أنك لو قلت: ما يحملك تركبه لم يمتنع أن يكون جزاء.
وكذلك لو قلت: ما يحملك ينفعك.
وقد جاءت ما في مواضع للجزاء يراد به الزمان.
وكذلك في الآية: إن استمتعتم وقتاً منهن به.
وينبغي في قياس قول أبي الحسن أن يكون في الشرط ذكر يعود إلى ما يعود من الخبر على الجمل.
على هذا حمل هذا النحو في مسائل الكثير وهذا حكوا عنه في الكتاب