إعراب القرآن للسيوطي/الحادي عشر
الحادي عشر ما جاء في التنزيل من الاشمام والروم
والإشمام يكون في الرفع دون الجر والروم يكون في الرفع والجر جميعاً.
فأما الذين أشموا فأرادوا أن يفرقوا بين ما يلزمه التحريك في الوصل وبين ما يلزمه الإسكان على كل حال.
وأما الذين لم يشموا فقد علموا أنهم لا يقفون أبدا إلا عند حرف ساكن فلما سكن في الوقف جعلوه بمنزلة ما يسكن على كل حال لأنه وافقه في هذا الموضوع.
وأما الذين راموا الحركة فإنهم دعاهم إلى ذلك الحرص على أن يخرجوها من حال ما لزمه إسكان على كل حال وأن يعلموا أن حالها عندهم ليس كحال ما سكن على كل حال وذاك أراد الذين أشموا إلا أن هذا أشد توكيداً.
قال: وأما ما كان في موضع نصب أو جر فإنك تروم فيه الحركة وتضاعف وتفعل به ما تفعل بالمجزوم على كل حال وهو أكثر في كلامهم.
فأما الإشمام فليس إليه سبيل وإنما كان ذا في الرفع لأن الضمة من الواو فأنت تقدر أن لسانك في أي موضع من الحروف شئت ثم تضم شفتيك لأن ضمك شفتيك كتحريكك بعض جسدك وإشمامك في الرفع للرؤية وليس بصوت للأذن.
ألا ترى أنك لو قلت هذا معن فأشممت كان عند الأعمى بمنزلتها إذا لم تشمم فأنت قد تقدر على أن تضع لسانك موضع الحرف قبل تزجية الصوت ثم تضم شفتيك ولا تقدر على أن تفعل ذلك ثم تحرك موضع الألف والياء فالنصب والجر لا يوافقان الرفع في الإشمام.
فأما القراء فإنهم يطلقون على الروم في المجرور اسم الإشمام.
والحقيقة ما ذكرت لك عن سيبويه.
وأكثر ما يجئ الإشمام والروم في إدغام أبي عمرو فإذن أدغم المضموم أو المكسور فيما بعده.
وقد وقع الإجماع على إشمام حرف مضموم مدغم فيما بعده وهو قوله: " قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف ".
والقراء مجمعون على إشمام الضمة في النون الأولى من تأمنا ولم يختلفوا فيه إلا في رواية شذت عن نافع.
قال أبو علي: وجه الإشمام أن الحرف المدغم بمنزلة الحرف الموقوف عليه من حيث جمعهما السكون فمن حيث أشموا الحرف الموقوف عليه إذا كان مرفوعاً في الإدراج أشموا النون المدغمة في تأمنا.
وقد يجوز ذلك في وجه آخر في العربية وهو أن يبين ولا تدغم ولكنك تخفي الحركة وإخفاؤها هو ألا تشبعها بالتمطيط ولكنك تختلسها اختلاساً.
وجاز الإدغام والبيان جميعاً لأن الحرفين ليسا يلزمانه فلما لم يلزما صارا بمنزلة اقتتلوا في جواز البيان فيه والإدغام جميعاً.
فالحروف المضمومة ثمانية: قوله تعالى: " ونحن نسبح بحمدك " " حيث شئتما " " حيث شئتم " ونحن له مسلمون " " ونحن له عابدون " " ونحن له مخلصون " حيث ثقفتموهم ".
والحروف المرفوعة خمسة: قوله تعالى: " وإسماعيل ربنا ". " شهر رمضان ". " يشفع عنده ". " الأنهار له ". " المصير لا ".
وأما المجرور الذي فيه الروم: قوله تعالى: " فيه هدى " " ثم عفونا عنكم من بعد ذلك " " ثم توليتم من بعد ذلك " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك " " بالبينات ثم اتخذتم " " قل إن هدى الله هو " " آيات الله هزوا " " النكاح حتى ".
فأما قوله تعالى: " يحكم بينهم " فقد اختلف القراء فيه: فذهب ذاهبون إلى أنه إدغام وذهب آخرون إلى أنه إخفاء.
ومما جاء في سورة عمران فيه روم المكسور وهو حرف واحد وهو قوله تعالى: " ومن يبتغ غير الإسلام ديناً " والمجرور تسعة أحرف: " والحرث ذلك " " إلى يوم القيامة ثم " " من بعد ذلك " " ففي رحمة الله هم " " القيامة ثم " " الغرور لتبلون " " والنهار لآيات " " النار ربنا " " الأبرار ربنا ".
فأما قوله تعالى: " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما في السموات " ففي كتاب أبي عمرو عن مجاهد قال: اليزيدي ويعلم ما رفع وإذا أدغم لم يشم الميم المدغمة للضم.
وقال عباس: يشم.
قلت: ولعل عباساً إنما يشم ليعلم أنه ليس كقوله تعالى: " ويعلم يجادلون في آياتنا " فيمن نصب.
كما رواه نعيم بن ميسرة عن أبي عمرو: ويعلم ما بالنصب على الصرف.
ومن لم يشم أجراه على الأصل.
والرفع هو الوجه لأنه ليس جواباً للشرط إذ علم ما في السموات غير متعلق بالإخفاء والإبداء فأما ما يعلمه الله فعلى المجازاة.
وكذا ويعلم الذين يجادلون إنما هو على الوعيد والجزاء.
وأين هؤلاء من هذا الفرق والتخريج.
ومما جاء في سورة النساء يشم إشمام الضم فستة أحرف: " حيث ثقفتموهم " " فتحرير رقبة " " وتحرير رقبة " " الملائكة ظالمى " " يريد ثواب الدنيا ".
" ولتأت طائفة " " وعملوا الصالحات سندخلهم " " وعملوا الصالحات سندخلهم " " وإلى الرسول رأيت ".
ومما جاء في سورة المائدة من ذلك أحد عشر حرفاً يشم إشمام الضم: " تطلع على خائنة " " يبين لكم " " يبين لكم على فترة " " يعذب من " " ويغفر لمن " ينفق كيف " " ثالث ثلاثة " " كيف نبين لهم " " والله هو السميع " " أو تحرير رقبة " " قال الله هذا ".
الحروف المكسورة: " بالبينات ثم " " من بعد ظلمه " " من بعد ذلك " " فإن حزب الله هم الغالبون " " الصيد تناله " " الموت تحبسونهما " " الآيات ثم " " الصالحات جناح " " الصالحات ثم " فهذه تسعة.
ومما جاء في سورة الأنعام أربعة أحرف تشم إشمام الضم: " نحن نرزقكم " " الموت توفته " " الليل رأى " " حيث يجعل رسالته ".
والمكسورة: " الأنثيين نبئوني " " الآيات ثم ".
والمجرور حرف واحد: " قل إن هدى الله هو الهدى ".
الحروف المضمومة: " حيث شئتما " " حيث شئتم " " نحن لك " " ينزع عنهما " " ونطبع على قلوبهم " " السحرة ساجدين " " ويضع عنهم " " سيغفر لنا ".
والمكسور: " السيئات ثم " " من الرزق قل " " عن أمر ربهم " " من الشيطان نزغ ".
ومما جاء في سورة الأنفال: المضموم: " الأنفال لله ".
والمكسور: " الشوكة تكون " و " الفئتان نكص ".
ومما جاء في سورة التوبة: المضمومة: " نحن نتربص " " نحن نعلمهم " " زادته هذه إيماناً " " ويؤمن للمؤمنين ".
والمكسورة: ومما جاء في سورة يونس: المضمومة: " وما نحن لكما " " نطبع على " " الغرق قال ".
والمكسورة: " بالخير لقضى " " من بعد ضراء " وهما مجروران.
" السيئات جزاء ".
ومما جاء في سورة هود: المضمومة: " وما نحن لك " " أطهر لكم " " لما جاء أمر ربك ".
المكسورة: " ومن حزي يومئذ " " الآخرة ذلك " " ففي النار لهم ".
ومما جاء في سورة يوسف: المضمومة: " نحن نقص " " سوف أستغفر لكم ".
المكسورة: وأما قوله: " يخل لكم " فإني قرأته بالإظهار وقرأت " يبتغ غير الإسلام " بالإدغام مع استوائهما في أنهما منقوصان.
والفرق بينهما أن يبتغ كلمة طويلة فاحتملت الإدغام ويخل كلمة على ثلاثة أحرف وقد سقطت منها الواو فلو أدغمت الواو لبقى بينهما حرفان فكان ذلك مودياً إلى الإجحاف بها.
ومما جاء في سورة الرعد: المضمومة: " الكفار لمن ".
المكسورة: " الثمرات جعل " " بالنهار له معقبات " " المحال له " " الصالحات طوبى ".
ومما جاء في سورة إبراهيم صلوات الله عليه.
المضمومة: قوله: " وتغشى وجوههم النار ليجزي الله ".
المكسورة: " في الأصفاد سرابيلهم " وهو مجرور.
ومما جاء في سورة الحجر: المضمومة: " نحن نزلنا " " وإنا لنحن نحيي " " حيث تؤمرون ".
ومما جاء في سورة النحل: ال مضمومة: " الملائكة ظالمى " الأنهار لهم " " الملائكة طيبين " " أمر ربك " " أكبر لو كانوا " " يؤذن للذين ".
المكسورة: " وبنعمة الله هم " " والبغى يعظكم " " إن ما عند الله هو خير " " لهم من بعد ذلك " " البنات سبحانه ".
ومما جاء في سورة بنو إسرائيل: المضمومة: قوله: " نحن نرزقهم ".
المكسورة: " في البحر لتبتغوا " " وضعف الممات " ثم " من أمر ربى ".
المضمومة: " نحن نقص " " تريد زينة " " أبرح حتى " " فهل نجعل لك ".
المكسورة.
" ففسق عن أمر ربه ".
ومما جاء في سورة مريم: المضمومة: " نحن نرث " " أخاه هارون " " ذكر رحمت ربك " " الرأس شيباً " " سأستغفر لك " " وأحسن ندياً " " سيجعل لهم ".
المكسورة: " النخلة تساقط " " في المهد صبياً " " أمر ربك " " الصالحات سيجعل ".
ومما جاء في سورة طه: المضمومة: " نحن نرزقك " " كيد ساحر " " السحرة سجداً ".
المكسورة: ومما جاء في سورة الأنبياء: المضمومة: " يقال له إبراهيم ".
المكسورة: " ذكر ربهم ".
ومما جاء في سورة الحج: المضمومة: " يدافع عن ".
المكسورة: " الساعة شيء " " للناس سواء " " بالله هو مولاكم " " الصالحات جنات " في موضعين.
ومما جاء في سورة المؤمنون: المضمومة: " وما نحن له بمؤمنين " " وأخاه هارون " " أنؤمن لبشرين " المكسورة: ومما جاء في سورة النور: المضمومة: " تحسبونه هينا " " يكاد زيتها " " والأبصار ليجريهم الله " " يكاد سنا برقه ".
المكسورة: " المحصنات ثم " " بأربعة شهداء " في موضعين " من بعد ذلك " " عند الله هم " " ومن بعد صلاة العشاء ".
ومما جاء في سورة الفرقان: المضمومة: " فجعلناه هباء منثوراً " " إلهه هواه " " أخاه هرون " والمكسورة: " بالساعة سعيراً ".
ومما جاء في سورة الشعراء: المضمومة: " السحرة ساجدين " " أنؤمن لك " " وإنه لتنزيل رب " " من ورثة جنة " " من دون الله هل ".
ومما جاء في سورة النمل: المكسورة: " بالآخرة ربنا " " من فضل ربي " " عرشك قالت ".
ومما جاء في سورة القصص: المضمومة: " ونجعل لكما " " القول ربنا " ويقدر لولا ".
والمكسورة: " النار لملكم " " من عند الله " " هو أهدى ".
ومما جاء في سورة العنكبوت: المضمومة: " ونحن له مسلمون " " لا تحمل رزقها " " ويقدر له ".
المكسورة: " ذائقة الموت ثم ".
ومما جاء في سورة الروم: " آثار رحمت الله " " من بعد ضعف " ليس في لقمان شئ.
ومما جاء في سورة السجدة: المكسورة: " الأكبر لعلهم ".
ومما جاء في سورة الأحزاب: المضمومة: " من قبل لا يولون " " أطهر لقلوبكم ".
المكسورة: " إذا نكحتم المؤمنات ثم ".
ومما جاء في سورة سبأ: المضمومة: " ويقدر له ".
ومما جاء في سورة الملائكة: المضمومة: ومما جاء في سورة يس: المضمومة: " إنا نحن نحيي " " نعلم ما يسرون " ومما جاء في سورة الصافات: المكسورة: " والصافات صفاً فالزاجرات زجراً ".
المضمومة: " قول ربنا ".
ومما جاء في سورة ص: المضمومة: " خزائن رحمة ربك " " القهار رب ".
المكسورة: " عن ذكر ربي ".
ومما جاء في سورة الزمر: " أكبر لو " " الشفاعة جميعاً ".
المكسورة: " في النار لكن " " ويوم القيامة ترى " " بنور ربها " " إلى الجنة زمراً ".
ومما جاء في سورة المؤمن: المضمومة: " وينزل لكم " " البصير لخلق ".
المكسورة: " ذى الطول لا " " الدرجات ذو العرش " " الغفار لا " " لخزنة جهنم " " الطيبات ذلكم ".
ومما جاء في سورة حم السجدة: المضمومة: " النار لهم " " والقمر لا تسجدوا " " ما يقال لك ".
المكسورة: " من الشيطان نزغ " " بالذكر لما " " من بعد ضراء ".
ومما جاء في سورة حم عسق: " البصير له مقاليد ".
المكسورة: " ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم ".
ومما جاء في سورة الزخرف: المكسورة: " من يعش على ذكر الرحمن نقيض ".
ليس في الدخان شيء.
ومما جاء في سورة الجاثية: المضمومة: " بصائر للناس " " إلهه هواه ".
المكسورة: " اتخذتم آيات الله هزواً " " الصالحات سواء ".
ومما جاء في سورة الأحقاف: المكسورة: " اتخذتم آيات الله " " بأمر ربها ".
المضمومة: " القتال رأيت ".
المكسورة: " الصالحات جنات تجري ".
ومما جاء في سورة الفتح: المضمومة: " يغفر لمن يشاء ".
المكسورة: " الكفار رحماء " " السجود ذلك " " والمؤمنات جنات ".
ومما جاء في سورة الحجرات: المكسورة: " الأمر لعنتم ".
ومما جاء في سورة ق: المضمومة: ومما جاء في سورة الذاريات: المضمومة: " حديث ضيف إبراهيم ".
المكسورة: " والذاريات ذروا " " عن أمر ربهم ".
ومما جاء في سورة الطور: المضمومة: " خزائن ربك ".
ليس في النجم شيء ولا في القمر.
ومما جاء في سورة الرحمن: المكسورة: " فيهما عينان نضاختان ".
ومما جاء في سورة الواقعة: المضمومة: " وتصلية جحيم ".
ومما جاء في سورة المجادلة: المضمومة: " فتحرير رقبة ".
المكسورة: " ألا إن حزب الله هم ".
المضمومة: " المصور له ".
ومما جاء في سورة الممتحنة: المضمومة: " المصير ربنا ".
المكسورة: " الكفار لاهن ".
ومما جاء في سورة الجمعة: المضمومة: " من قبل لفي ".
ليس في المنافقين والتغابن شيء.
ومما جاء في سورة الطلاق: المضموم: " حيث سكنتم ".
المكسورة: " عتت عن أمر ربها ".
ومما جاء في سورة التحريم: المضمومة: " لم تحرم ما ".
ومما جاء في سورة الملك: المضمومة: " تكاد تميز ".
المضمومة: " أكبر لو كانوا ".
ومما جاء في سورة الحاقة: المضمومة: " إنه لقول رسول كريم ".
ومما جاء في سورة نوح عليه السلام: المضمومة: " لا يؤخر لو كنتم ".
ومما جاء في سورة الجن: المضمومة: " ولن نعجزه هرباً " " يجعل له ".
المكسورة: " ذكر ربه ".
ومما جاء في سورة المزمل: المكسورة: " عند الله هو ".
ومما جاء في سورة المدثر: المضمومة: " سقر لا " " تذر لواحة ".
ومما جاء في سورة الإنسان: المضمومة: " نحن نزلنا ".
ومما جاء في سورة والمرسلات: المضمومة: " ولا يؤذن لهم ".
المكسورة: " ذي ثلاث شعب ".
ومما جاء في سورة النازعات: المضمومة: " الراجفة تتبعها ".
المكسورة: " والسابحات سبحا.
فالسابقات سبقا ".
ومما جاء في سورة التكوير: المضمومة: " إنه لقول رسول كريم ".
ومما جاء في سورة التطفيف: المكسورة: " الفجار لفى " " الأبرار لفي ".
ومما جاء في سورة البروج: المكسورة: " والمؤمنات ثم ".
ومما جاء في سورة القدر: المضمومة: " ليلة القدر ".
ومما جاء في سورة لم يكن: المكسورة: " البرية جزاؤهم ".
ومما جاء في سورة العاديات: المكسورة " والعاديات ضبحاً " " فالمغيرات صبحاً " لحب الخير لشديد ".
ومما جاء في سورة الهمزة: " تطلع على الأفئدة ".
فهذا ما جاء في الإدغام من الإشمام وجميع ما أدغمه أبو عمرو.
ومما ذكرنا نشير إلى إعراب الحروف المدغمة في الخفض والرفع إلا الباء في الفاء في الميم والميم في الميم والفاء في الميم والميم في الباء والباء في الباء والباء في الميم فإنه كان لا يشير إلى الإعراب إلا في رواية مدين والمعدل فإنه كان يشير إلى إعرابهن كقوله تعالى: " يكذب بالدين " و " يعلم ما تبدون " و " يحكم بينهم " و " ويعذب من يشاء " و " تعرف في وجوههم " و " الصيف فليعبدوا " ولا يشم هذا وأمثاله في ظاهر الرواية.
قال سيبويه زعموا أن أبا عمرو قرأ " يا صالح يتنا " جعل الهمزة ياءً ثم لم يقلبها واواً.
ولم يقولوا هذا في الحرف الذي ليس منفصلاً.
وهذه لغة ضعيفة لأن قياس هذا أن يقول: يا غلام قال أبو علي: القول في ذلك أن الفاء من أتى همزة فإذا أمرت منه أدخلت همزة الوصل على الهمزة التي هي فاء فاجتمعت همزتان فقلبت الثانية بحسب الحركة التي على الأولى فصار حينئذ إيت.
وهذه الهمزة إذا اتصل الفعل الذي هي فيه بكلام قبله سقطت فلك في التي هي فاء ضربان: إن شئت تركتها مبدلة وإن شئت خففتها.
أما وجه التخفيف فإنك إنما خففت لاجتماع الهمزتين فلما زالت العلة التي لها أبدلت عادت مخففة.
هذا وجهه وهو قياس.
إلا أن الوجه الآخر أشبه على مذهب العربية وطرقها ألا ترى أنا نجد الأفعال يلزم بعضها اعتلال في موضع العلة فإذا زالت تلك العلة أجرى السائر في الاعتلال وإن خلا من العلة جرى ما فيه العلة وذلك نحو: يعد ويقوم ويقول وما أشبهه.
وكذلك ينبغي أن تترك الهمزة التي هي فاء في الأمر من أتى مخففة.
فهذا حجة أبي عمرو وعلى هذا تحمل قراءته يومنون مخففة لم يحقق الهمزة من يؤمنون بعد أن تكلم بأنها مخففة كقولك: جؤنة ثم جون.
ولكنه خفف الهمزة في آمن لاجتماع الهمزتين وكذلك في أؤمن ثم انتظم المضارع ما في الماضي اللازم فيه القلب لاجتماع الهمزتين ما خلا همزة أفعل الزائدة فصارت حرف المضارعة المضموم الألف المنقلبة عن الهمزة التي هي فاء ساكنة فقلبها واواً فخفف يومنون على هذا إتباعاً لبعض الفعل بعضاً لا على التخفيف في جؤنة وإن كانت اللفظتان متفقتين أيضاً فعلى هذا أيضاً لم يحقق الهمزة في: يا صالح إيتنا ولم تقلب الياء الهمزة التي هي فاء واواً وإن كانت ساكنة مضموماً ما قبلها وشبهها بقيل.
قال سيبويه: وهذه لغة رديئة يلزم من قالها أن يقول: يا غلام اوجل.
يريد أنه كما لم يقلب الياء الساكنة المضموم ما قبلها واواً كذلك يلزمه ألا يقلب الواو الساكنة المكسورة ما قبلها ياء.
وهذا الذي ألزمه إياه في قراءة يا صالح يتنا من قوله: يا غلام اوجل لا يقوله أحد.
قال: وأخبرني أبو بكر محمد بن السري قال: أخبرنا أبو العباس أن أبا عثمان قال: لا يلزم أبا عمرو ما ألزمه سيبويه من قوله: يا غلام اوجل وذلك أنه قاس قوله يا صالح يتنا على شئ موجود مثله وهو قولهم: قيل وسيق وليس في الكلام متصلة ومنفصلة مثل: يا غلام وجل لا مخففة الحركة ولا مشممتها فلا يلزمه: يا غلام وجل وقد ثبت قوله: يا صالح يتنا قياسا على ما ذكرنا.
قال أبو علي: فالقراءة بتخفيف الهمز وإبداله في قوله " ومنهم من يقول ايذن لى " و " فليؤد الذي لو هذا أقوى عندي في العربية لما ذكر.
ومما جاء في الإشمام.
" قيل " و " غيض " و " سيء " و " سيق " و " حيل " و " جئ " جاء في هذه الأوائل إشمام الضم ليعلم أن أصله كله فعل ألا ترى أنهم قالوا: أما كيد زيد يفعل وما زيل يفعل وهم يريدون فعل.
فإذا حركوا الفاء هذه التحريكة أمن بها التباس الفعل المبني للفاعل بالفعل المبني للمفعول وانفصل بها فدلت عليه وكان أشد إبانة للمعنى المراد.
ومن الحجة في ذلك: أنهم قد أشموا نحو رد و عد وما أشبه ذلك من التضعيف المبني على فعل مع أن الضمة الخالصة تلحق فاءه فإذا كانوا قد تركوا الضمة الصحيحة إلى هذه في المواضع التي تصح فيها الضمة فإلزامها حيث تلزم الكسرة فيها في أكثر اللغات أجدر.
ودل استعمالهم هذه الحركة في رد ونحوه من التضعيف على تمكنها في قيل و بيع وكونها أمارة للفعل المبني للمفعول به ولولا ذلك لم تنزل الضمة المحضة إليها في نحو قولهم رد ونحوه من الحجة في ذلك أنهم قد قالوا: أنت تغزين فألزموا الزاي إشمام الضمة و زين من تغزين بمنزلة قيل فكما ألزم الإشمام هنا كذلك يلزم ذلك في قيل.
ألا ترى أن من قال بيع و قيل قال: اختير و انقيد فأشم ما بعد الخاء والنون لما كان بمنزلة: قيل وبيع وكما ألزم بالإشمام نحو لا تغزين لينفصل من باب ترمين كذلك ألزم قيل و بيع الإشمام فإن قلت: فهلا ألزم القاف في قيل ونحوه إشمام الضمة كما ألزم تغزين فالقول إن هذه الحركة لما لم تكن ضمة خالصة ولا كسرة محضة ضعفت في الابتداء بخروجها عما عليه الحركات اللاحقة أوائل الكلمة المبتدأ بها.
ألا ترى أن عمرو لم يشم في الاستئناف في يا صالح يتنا وقد قدمنا أن أبا عمرو في الإدغام يشم المرفوع والمضموم وأبو علي يفرق بينهما فزعم أن أبا عمرو لا يشم يقول: إيذن لي كما يشم يا صالح يتنا والصحيح ما قدمنا.
ومما يدل على أن هذه التحريكة قد صارت أمارة لبناء الفعل للمفعول به وأنها مما يختص به الفعل أنك لو سميت رجلاً بمثل قيل و بيع شيئاً وخلعت منه الضمير الذي كان فيه لأخلصت الكسرة فقلت: قيل و بيع.
فدل هذا من مذهب سيبويه على أن هذه الحركة أشبه عنده بالفعل وأشد لزوماً من الأمثلة التي تختص بالفعل ولا يكون في الاسم نحو: ضُرِب وضورِب وضُرِّب.
ألا ترى أنك لو سميت بشئ من ذلك مجرداً من الضمير لم تغيره عن بنائه إلى ما يختص الاسم وقد رأى تغيير هذه الحركة وإخلاسها كسرة.
ومما يقوى قول من قال قيل أن هذه الضمة المنحو بها نحو الكسرة قد جاءت في نحو قولهم: شربت من المنقر وهو بئر ضيقة وهذا ابن مذعور وابن بور فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون أشد مشاكلة لما بعدها وأشبه به وهو كسر الراء.
وإذا أخذوا بهذا التشاكل اللفظ حيث لا تميز معنى من معنى آخر فأن يلزموا ذلك حيث يزيل اللبس ويخاص معنى من معنى أجدر وأولى.
قال الرازي: وإذا ريم إدغام المتحرك سكن غير أن القرأة يسمون الضم والكسر عند الإدغام إبانة عن الأصل إذا اختلف حركتا المدغم فيه أو حركة المدغم وما قبله أو سكن وكان الساكن جامدأ فإن كان ذائباً فأنت مخير فيه بين إشمام الحركة وإتمام المد أو الجمع بين قليل من المد وقليل من الإشمام إلا إذا كانت الذائبة واواً قبلها ضمة وكان المدغم مرفوعاً أو كانت ياءً قبلها كسرة وكان المدغم مجروراً فإنك تمده لا غير ولا إشمام للنصب.
ومنهم من يفرق في ذلك بين حركات البناء والإعراب فيشم للإعراب فقط والإشمام للباء والميم الفاء في إدغامها.
وكان الدوري لا يشم بتة ولعل ذلك كان منه لضرر كان به لأن الإشمام مرئى غير مسموع وهو قول النجاة.
ومن ترك الإشمام لزمه تفخيم " الأبرار ربنا " ونحوه حال الإدغام.
وإشمام الكسر يسمى روماً وإشمام الضم دون الروم.
قال الفراء: كان أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف يقفون بروم الحركة على المرفوع والمجرور ونحو " نستعين " و " من غفور رحيم " و " يشاء " ونحو ذلك إلا أن يكون هاء منقلبة عن تاء التأنيث نحو رحمة فإنهم لا يرومون في ذلك و الباقون يقفون على السكون.
ومن هذا الباب ما رواه أبو بكر عن عاصم في قوله تعالى " بأساً شديداً من لدنه " بإشمام الدال الضمة وكسر النون والهاء.
قال أبو علي: هذا ليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمة ومثل ذلك قولهم: أنت تغزين وقولهم: قيل أشممت الكسرة فيها الضمة لتدل على أن الأصل فيها التحريك بالضم.
فإن كان إشمام عاصم ليس في حركة خرجت إلى اللفظ وإنما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة.
ولو كانت مثل الحركة في تغزين لم يلتق ساكنان ولم يكسر النون لاجتماعهما ولكن يجتمعان في أن أصل الحرف التحريك بالضم وإن اختلفا في أن الحركة في تغزين قد خرجت إلى اللفظ ولم تخرج في قوله لدن.
وأما وصله الهاء بباء في الوصل فحسن ألا ترى أنه لو قال: ببابه وبعبده فلم يوصل الهاء بباء لم يحسن ولكان ذلك مما يجوز في الشعر.
وكذلك أبو بكر عن عاصم في قوله " من لدنا " يشم الدال شيئاً من الضم واختلف عن يحيى.