كتاب الأم/كتاب النكاح/كيف تثبت الرجعة
[قال الشافعي]: رحمه الله لما جعل الله عز وجل الزوج أحق برجعة امرأته في العدة كان بينها أن ليس لها منعه الرجعة ولا لها عوض في الرجعة بحال لأنها له عليها لا لها عليه ولا أمر لها فيما له دونها، فلما قال الله عز وجل: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} كان بينها أن الرد إنما هو بالكلام دون الفعل من جماع وغيره لأن ذلك رد بلا كلام فلا تثبت رجعة لرجل على امرأته حتى يتكلم بالرجعة كما لا يكون نكاح ولا طلاق حتى يتكلم بهما فإذا تكلم بها في العدة ثبتت له الرجعة، والكلام بها أن يقول قد راجعتها أو قد ارتجعتها أو قد رددتها إلي أو قد ارتجعتها إلي فإذا تكلم بهذا فهي زوجة، ولو مات أو خرس أو ذهب عقله كانت امرأته، وإن لم يصبه من هذا شيء فقال لم أرد به رجعة فهي رجعة في الحكم إلا أن يحدث طلاقا. [قال]: ولو طلقها فخرجت من بيته فردها إليه ينوي الرجعة أو جامعها ينوي الرجعة أو لا ينويها ولم يتكلم بالرجعة لم تكن هذه رجعة حتى يتكلم بها. [قال]: وإذا جامعها بعد الطلاق ينوي الرجعة أو لا ينويها فالجماع جماع شبهة لا حد عليهما فيه، ويعزر الزوج والمرأة إن كانت عالمة، ولها عليه صداق مثلها، والولد لاحق وعليها العدة. [قال الربيع]: وفيها قول آخر إذا قال قد رددتها إلي أنها لا تكون رجعة حتى ينوي بها رجعتها فإذا قال قد راجعتها أو ارتجعتها هذا تصريح الرجعة كما لا يكون النكاح إلا بتصريح النكاح أن يقول قد تزوجتها أو نكحتها فهذا تصريح النكاح ولا يكون نكاحا بأن يقول قد قبلتها حتى يصرح بما وصفت لأن النكاح تحليل بعد تحريم، وكذلك الرجعة تحليل بعد تحريم فالتحليل بالتحليل شبيه فكذلك أولى أن يقاس بعضه على بعض ولا يقاس بالتحريم بعد التحليل كما لو قال قد وهبتك أو اذهبي أو لا حاجة لي فيك أنه لا يكون طلاقا حتى ينوي به الطلاق وهو لو أراد بقوله قد رددتك إلي الرجعة لم تكن رجعة ينوي به الرجعة.
[قال الشافعي]: فإن طلقها واحدة فاعتدت حيضتين ثم أصابها ينوي الرجعة فحكمنا أن لا رجعة إلا بكلام فإن تكلم بالرجعة قبل أن تحيض الثالثة فهي رجعة وإن لم يتكلم بها حتى تحيض الثالثة فلا رجعة له عليها ولها عليه مهر مثلها ولا تنكح حتى تكمل ثلاث حيض ولا تكون كالمرأة تعتد من رجلين فتبدأ عدتها من الأول فتكملها ثم تستقبل للآخر عدة لأن تينك العدتين لحق جعل لرجلين وفي ذلك نسب يلحق أحدهما دون الآخر وهذا حق لرجل واحد ونسب واحد لا يتنازع لمن كان منه ولد ولو طلقها فحاضت حيضة ثم أصابها استأنفت ثلاث حيض من يوم أصابها وكانت له عليها الرجعة حتى تحيض حيضة وتدخل في الدم من الحيضة الثالثة ثم لم يكن له عليها رجعة ولم تحل لغيره حتى ترى الدم من الحيضة الثالثة من إصابته إياها وهي الرابعة من يوم طلقها وله عليها الرجعة ما بقي من العدة شيء وسواء علمت بالرجعة أو لم تعلم إذا كانت تعلم فتمتنع من الرجعة فتلزمها لأن الله تعالى جعلها له عليها فعلمها وجهالتها سواء وسواء كانت غائبة أو حاضرة أو كان عنها غائبا أو حاضرا. [قال]: وإن راجعها حاضرا وكتم الرجعة أو غائبا فكتمها أو لم يكتمها فلم تبلغها الرجعة حتى مضت عدتها ونكحت دخل بها الزوج الذي نكحته أو لم يدخل فرق بينها وبين الزوج الآخر ولها مهر مثلها إن أصابها لا ما سمى لها ولا مهر ولا متعة إن لم يصبها لأن الله عز وجل جعل للزوج المطلق الرجعة في العدة ولا يبطل ما جعل الله عز وجل له منها بباطل من نكاح غيره ولا بدخول لم يكن يحل على الابتداء لو عرفناه كانا عليه محدودين، وفي مثل معنى كتاب الله عز وجل سنة رسول الله ﷺ إذا أنكح الوليان فالأول أحق لا استثناء في كتاب الله عز وجل ولا سنة رسول الله ﷺ دخل زوج آخر أو لم يدخل ومن جعله الله عز ذكره ثم رسوله أحق بأمر فهو أحق به.
[قال الشافعي]: رحمه الله أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن سعيد بن جبير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الرجل يطلق امرأته ثم يشهد على رجعتها ولم تعلم بذلك فنكحت قال هي امرأة الأول دخل بها الآخر أو لم يدخل.