كتاب الأم/كتاب النكاح/الجمع بين المرأة وعمتها
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (لا يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها).
[قال الشافعي]: وبهذا نأخذ وهو قول من لقيت من المفتين لا اختلاف بينهم فيما علمته ولا يروى من وجه يثبته أهل الحديث عن النبي ﷺ إلا عن أبي هريرة وقد روي من وجه لا يثبته أهل الحديث من وجه آخر، وفي هذا حجة على من رد الحديث وعلى من أخذ بالحديث مرة وتركه أخرى إلا أن العامة إنما تبعت في تحريم أن يجمع بين المرأة وعمتها وخالتها قول الفقهاء، ولم نعلم فقيها سئل لم حرم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها إلا قال بحديث أبي هريرة عن النبي ﷺ فإذا أثبت بحديث منفرد عن النبي ﷺ شيئا فحرمه بما حرمه به النبي ﷺ ولا علم له أن النبي ﷺ قاله إلا من حديث أبي هريرة وجب عليه إذا روى أبو هريرة أو غيره من أصحاب النبي ﷺ حديثا آخر لا يخالفه أحد بحديث مثله عن النبي ﷺ أن يحرم به ما حرم النبي ﷺ ويحل به ما أحل النبي ﷺ وقد فعلنا هذا في حديث التغليس وغير حديث وفعله غيرنا في غير حديث، ثم يتحكم كثير ممن جامعنا على تثبيت الحديث فيثبته مرة ويرده أخرى وأقل ما علمنا بهذا أن يكون مخطئا في التثبيت أو في الرد لأنها طريق واحدة فلا يجوز تثبيتها مرة وردها أخرى وحجته على من قال لا أقبل إلا الإجماع لأنه لا يعد إجماعا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها وليس يسأل أحد من أهل العلم علمته إلا قال إنما نثبته من الحديث وهو يرد مثل هذا الحديث وأقوى منه مرارا، قال وليس في الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها مما أحل وحرم في الكتاب معنى، إلا أنا إذا قبلنا تحريم الجمع بينهما عن رسول الله ﷺ فعن الله تعالى قبلناه بما فرض من طاعته. فإن قال قائل: قد ذكر الله عز وجل من حرم من النساء وأحل ما وراءهن؟ قيل القرآن عربي اللسان منه محتمل واسع ذكر الله من حرم بكل حال في الأصل ومن حرم بكل حال إذا فعل الناكح أو غيره فيه شيئا مثل الربيبة إذا دخل بأمها حرمت ومثل امرأة ابنه وأبيه إذا نكحها أبوه حرمت عليه بكل حال، وكانوا يجمعون بين الأختين فحرمه وليس في تحريمه الجمع بين الأختين إباحة أن يجمع بين ما عدا الأختين إذا كان ما عدا الأختين مخالفا لهما كان أصلا في نفسه. وقد يذكر الله عز وجل الشيء في كتابه فيحرمه ويحرم على لسان نبيه ﷺ غيره، مثل قوله {وأحل لكم ما وراء ذلكم} ليس فيه إباحة أكثر من أربع لأنه انتهى بتحليل النكاح إلى أربع (وقال رسول الله ﷺ لغيلان بن سلمة وأسلم وعنده عشر نسوة أمسك أربعا وفارق سائرهن) فأبان على لسان نبيه ﷺ أن انتهاء الله بتحليله إلى أربع حظر لما وراء أربع وإن لم يكن ذلك نصا في القرآن، وحرم من غير جهة الجمع والنسب النساء المطلقات ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره بالقرآن وامرأة الملاعن بالسنة وما سواهن مما سميت كفاية لما استثنى منه. قال: والقول في الجمع بين المرأة وعمتها وعماتها من قبل آبائها وخالتها وخالاتها من قبل أمهاتها وإن بعدن كالقول في الأخوات سواء إن نكح واحدة ثم نكح أخرى بعدها ثبت نكاح الأولى وسقط نكاح الآخرة وإن نكحهما في عقدة معا انفسخ نكاحهما وإن نكح العمة قبل بنت الأخ أو ابنة الأخ قبل العمة فسواء هو جامع بينهما فيسقط نكاح الآخرة ويثبت نكاح الأولى وكذلك الخالة وسواء دخل بالأولى منهما دون الآخرة أو بالآخرة دون الأولى أو لم يدخل وهكذا يحرم الجمع بينهما بالوطء بملك اليمين والرضاع، وملك اليمين في الوطء والنكاح سواء وما لم يكن للرجل أن يجمع بينه وبين الأختين أو المرأة وعمتها أو المرأة وخالتها فنكح اثنتين منهن في عقدة فالعقدة منفسخة كلها، وإذا نكح إحداهما قبل الأخرى فنكاح الأولى ثابت ونكاح الآخرة مفسوخ ولا يصنع الدخول شيئا إنما يصنعه العقدة، وما نهى الله عن الجمع بينه من الأخوات وما نهى عنه رسول الله ﷺ من الجمع بين العمة والخالة ففيه دلالة على أن كل واحدة منهما تحل بعد الأخرى فلا بأس أن ينكح الأخت فإذا ماتت أو طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة وانقضت عدتها أو طلاقا لا يملك فيه الرجعة وهي في عدتها أن ينكح الأخرى وهكذا العمة والخالة وكل ما نهي عن الجمع بينه.