كتاب الأم/كتاب النكاح/باب قدر النفقة
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قال الله تبارك وتعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى} الآية.
[قال الشافعي]: ففي هذا دلالة على أن على المرء أن يعول امرأته وبمثل هذا جاءت السنة كما ذكرت في الباب قبل هذا من الكتاب والسنة قال والنفقة نفقتان نفقة الموسر ونفقة المقتر عليه رزقه وهو الفقير قال الله عز وجل: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه} الآية قال وأقل ما يلزم المقتر من نفقة امرأته المعروف ببلدهما قال فإن كان المعروف أن الأغلب من نظرائها لا تكون إلا مخدومة عالها وخادما لها واحدا لا يزيد عليه وأقل ما يعولها به وخادمها ما لا يقوم بدن أحد على أقل منه وذلك مد بمد النبي ﷺ في كل يوم من طعام البلد الذي يقتاتون حنطة كان أو شعيرا أو ذرة أو أرزا أو سلتا ولخادمها مثله ومكيلة من أدم بلادها زيتا كان أو سمنا بقدر ما يكفي ما وصفت من ثلاثين مدا في الشهر ولخادمها شبيه به ويفرض لها في دهن ومشط أقل ما يكفيها ولا يكون ذلك لخادمها لأنه ليس بالمعروف لها.
[قال الشافعي]: وإن كانت ببلد يقتاتون فيه أصنافا من الحبوب كان لها الأغلب من قوت مثلها في ذلك البلد وقد قيل لها في الشهر أربعة أرطال لحم في كل جمعة رطل وذلك المعروف لها، وفرض لها من الكسوة ما يكسي مثلها ببلدها عند المقتر وذلك من القطن الكوفي والبصري وما أشبههما ولخادمها كرباس وتبان وما أشبهه وفرض لها في البلاد الباردة أقل ما يكفي في البرد من جبة محشوة وقطيفة أو لحاف وسراويل وقميص وخمار أو مقنعة ولخادمها جبة صوف وكساء تلتحفه يدفئ مثلها وقميص ومقنعة وخف وما لا غنى بها عنه وفرض لها للصيف قميصا وملحفة ومقنعة قال وتكفيها القطيفة سنتين والجبة المحشوة كما يكفي مثلها السنتين ونحو ذلك.
[قال الشافعي]: وإن كانت رغيبة لا يجزيها هذا أو زهيدة يكفيها أقل من هذا دفعت هذه المكيلة إليها وتزيدت إن كانت رغيبة من ثمن أدم أو لحم أو عسل وما شاءت في الحب وإن كانت زهيدة تزيدت فيما لا يقوتها منه من الطعام ومن فضل المكيلة قال وإن كان زوجها موسعا عليه فرض لها مدين بمد النبي ﷺ وفرض لها من الأدم واللحم ضعف ما وصفته لامرأة المقتر وكذلك في الدهن والعسل وفرض لها من الكسوة وسط البغدادي والهروي ولين البصرة وما أشبهه وكذلك يحشى لها للشتاء إن كانت ببلاد يحتاج أهلها إلى الحشو وتعطى قطيفة وسطا لا تزاد وإن كانت رغيبة فعلى ما وصفت وتنقص إن كانت زهيدة حتى تعطى مدا بمد النبي ﷺ في اليوم لأن لها سعة في الأدم والفرض تزيد بها ما أحبت.
[قال الشافعي]: وأفرض عليه في هذا كله مكيلة طعام لا دراهم فإن شاءت هي أن تبيعه فتصرفه فيما شاءت صرفته وأفرض لها نفقة خادم واحد لا أزيد عليه وأجعله مدا وثلثا بمد النبي ﷺ لأن ذلك سعة لمثلها وأفرض لها عليه في الكسوة الكرباس وغليظ البصري والواسطي وما أشبهه لا أجاوزه بموسع من كان ومن كانت امرأته وأجعل عليه لامرأته فراشا ووسادة من غليظ متاع البصرة وما أشبهه وللخادمة الفروة ووسادة وما أشبهه من عباءة أو كساء غليظ فإن بلي أخلفه وإنما جعلت أقل الفرض مدا بالدلالة عن رسول الله ﷺ في دفعه إلى الذي أصاب أهله في شهر رمضان بعرق فيه خمسة عشر أو عشرون صاعا لستين مسكينا فكان ذلك مدا مدا لكل مسكين والعرق خمسة عشرة صاعا على ذلك يعمل ليكون أربعة أعراق وسقا ولكن الذي حدثه أدخل الشك في الحديث خمسة عشر أو عشرين صاعا قال وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين مدين لأن أكثر ما جعل النبي ﷺ في فدية الكفارة للأذى مدين لكل مسكين وبينهما وسط فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا لأن معلوما أن الأغلب أن أقل القوت مد وأن أوسعه مدان، قال والفرض على الوسط الذي ليس بالموسع ولا بالمقتر ما بينهما مد ونصف للمرأة ومد للخادم.
[قال الشافعي]: وإذا دخل الرجل بامرأته ثم غاب عنها أي غيبة كانت فطلبت أن ينفق عليها أحلفت ما دفع إليها نفقة وفرض لها في ماله نفقتها وإن لم يكن له نقد بيع لها من عرض ماله وأنفق عليها ما وصفت من نفقة موسع أو مقتر أي الحالين كانت حاله قال فإن قدم فأقام عليها بينة أو أقرت بأن قد قبضت منه أو من أحد عنه نفقة وأخذت غيرها رجع عليها بمثل الذي قبضت.
قال وإن غاب عنها زمانا فتركت طلب النفقة بغير إبراء له منها ثم طلبتها فرض لها من يوم غاب عنها قال وكذلك إن كان حاضرا فلم ينفق عليها فطلبت فيما مضى فعليه نفقتها.
قال وإن اختلفا فقال قد دفعت إليها نفقتها وقالت لم يدفع إلي شيئا فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة بدفعه إليها أو إقرارها به والنفقة كالحقوق لا يبرئه منها إلا إقرارها أو بينة تقوم عليها بقبضها.
قال وإن دفع إليها نفقة سنة ثم طلقها ثلاثا رجع عليها بما بقي من نفقة السنة من يوم وقع الطلاق قال وإن طلق واحدة أو اثنتين يملك الرجعة فيهما رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد انقضاء العدة وإن كانت حاملا فطلقها ثلاثا أو واحدة رجع عليها بما بقي من نفقة السنة بعد وضع الحمل قال وإن تركها سنة لا ينفق عليها وأبرأته من نفقة تلك السنة وسنة مستقبلة برئ من نفقة السنة الماضية لأنها قد وجبت لها ولم يبرأ من نفقة السنة المستقبلة لأنها أبرأته قبل أن تجب لها وكان لها أن تأخذه بها وما أوجبت عليه من نفقتها فماتت فهو لورثتها وإذا مات ضربت مع الغرماء في ماله كحقوق الناس عليه والله تعالى أعلم.