التاج في أخلاق الملوك/باب في صفة ندماء الملك/مسايرة شرحبيل لمعاوية
مسايرة شرحبيل لمعاوية
وهكذا يحكى عن معاوية بن أبي سفيان، بينا هو يسير وشرحبيل ابن السمط يسايره، إذ راثت دابة شرحبيل؛ فقال معاوية: يا أبا يزيد! إنه يقال إن الهامة إذا عظمت، دلت على وفور الدماغ، وصحة العقل. قال: نعم، يا أمير المؤمنين، إلا هامتي فإنها عظيمة، وعقلي ضعيف ناقص.
فتبسم معاوية، وقال: كيف ذلك، ولله أنت!
قال: لإطعامي هذا النائل أمه البارحة مكوكي شعير. فضحك معاوية،
وقال: كيف ذلك، ولله أنت! قال: لإطعامي هذا النائل أمه البارحة مكوكي شعيرٍ.
فضحك معاوية، وقال: أفحشت، وما كنت فاحشاً! وحمله على دابة من مراكبه.
فليتنكب من يساير الملوك ما يقذي أعينهم بكل جهده. فإن لمسايرتهم شروطاً يجب على من طلبها أن يستعملها ويتحفظ فيها. وقلما حظي أحد بمسايرة ملك حتى يكون قلبها مقدمات يجب بها الخطوة.
فأما نفس المسايرة للملك المتصلة، فإن الأعاجم كلها كانت تتطير منها وتكرها.
وأيضاً فإن الملك لم يكن يثابر على مسايرة أحد من بطانته بعينه، لما كان يعلم من طيرتهم من ذلك، وكراهتم له.