التاج في أخلاق الملوك/باب في صفة ندماء الملك/أدب سماع الملك ومحادثته
أدب سماع الملك ومحادثته
ومن حق الملك، إذا حضره سماره أو محدثوه، أن لا يحرك أحد منهم شفتيه مبتدئاً، ولا يقطع حديثه بالاعتراض فيه، وإن كان نادراً شهياً، وأن يكون غرضهم حسن الاستماع، وإشغال الجوارح بحديثه؛ فإذا فرغ من الحديث فنظر إلى بعضهم، فقد أذن له أن يحدثه بنظير ذلك الجنس من الحديث. وليس له أن يأخذ في غير جنس حديثه.
وليس لمن حدث الملك أن يفسد ألفاظه وكلامه، بأن يقول في حديثه: فاسمع مني أو افهم عني أو يا هذا أو ألا ترى.
فإن هذا وما أشبهه عي من قائله، وحشو في كلامه، وخروج من بسط اللسان، ودليل على الفدامة والغثاثة. وليكن كلامه كلاماً سهلاً، وألفاظه عذبةً متصلة، وسقط كلامه قليلاً.
فإذا فرغ من الحديث، فليس له أن يصله بحديث آخر، وإن كان شبيهاً بالحديث الأول، حتى يرى أن الملك قد أقبل عليه بوجهه، وأصغى إلى حديثه.
فإن أعرض لشغل يعرض له، فليس له أن يمر في حديثه، وأن يصل كلامه، فيحتاج الملك إلى الإصغاء إليه، ويحتاج إلى التشاغل بما عرض له، فيجمع عليه أمرين. فإن اتصل شغل الملك، ترك الحديث؛ وإن انقطع فنظر إليه، فقد أذن له في إتمامه وإعادته.
ومن حق الملك أن لا يضحك من حديثه إذا حدث، لأن الضحك بحضرة الملك جرأة عليه؛ ولا يظهر التعجب بفائدة حديثه.
وإنما هذا إلى الملك. فإن ضحك الملك من الحديث، وأظهر السرور به، فذاك غرض حديثه، وإليه قصد؛ وإن سكت، فلم يكن في الحديث ما يلهيه ويطر به أو يستفيد منه فائدة، كان قد سلم من العيب، إذ لم يضحك ولم يعجب.