التاج في أخلاق الملوك/باب في صفة ندماء الملك/صاحب الشرطة والهادي
صاحب الشرطة والهادي
ويقال إن سعيد بن سلم بينا هو يساير موسى أمير المؤمنين، وعبد الله بن مالك الخزاعي أمامه، والحربة في يده، فكانت الريح تسفي التراب الذي تثيره دابة عبد الله في وجه موسى، وعبد الله لا يشعر بذلك، وموسى يحيد عن سنن التراب، وعبد الله في خلال ذلك يلحظ موسى وموضعه، فيطلب أن يحاذيه؛ فإذا حاذاه، ناله من ذلك التراب ما يؤذيه. حتى إذا كثر ذلك من عبد الله، ونال موسى أذى ذلك التراب، قال لسعيدٍ: أما ترى ما نلقى من هذا الخائن في مسيرنا هذا؟ قال: يا أمير المؤمنين! والله ما قصر في الاجتهاد، ولكنه حرم حظ التوفيق.
ما قاله عبد الله بن الحسن للسفاح: وفيما يذكر عن عبد الله بن حسن أنه بينا هو يساير أبا العباس السفاح، بظاهر مدينة الأنبار، وهو ينظر إلى بناء قد بناه، فقال أبو العباس له: هات ما عندك، يا أبا محمد!، وهو يستطعمه الحديث بالأنس منه، فأنشده:
ألم تر مالكاً لما تبنى ... بناءً نفعه لبني بقيله؟
يرجي أن يعمر عمر نوحٍ ... وأمر الله يحدث كل ليله!
فتبسم أبو العباس كالمغضب، وقال: لو علمنا، لاشترطنا حق المسايرة!
فقال عبد الله: يا أمير المؤمنين، بوادر الخواطر وإغفال المشايخ!
قال: صدقت، خذ في غير هذا.