مجموع الفتاوى/المجلد السادس/فصل: قول القائل الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام
فصل: قول القائل الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام
[عدل]وأما قول القائل: الغضب: غليان دم القلب لطلب الانتقام، فليس بصحيح في حقنا. بل الغضب قد يكون لدفع المنافي قبل وجوده، فلا يكون هناك انتقام أصلا.
وأيضا، فغليان دم القلب يقارنه الغضب، ليس أن مجرد الغضب هو غليان دم القلب، كما أن الحياء يقارن حُمْرَة الوجه، والوَجَل 1 يقارن صفرة الوجه؛ لا أنه هو. وهذا لأن النفس إذا قام بها دفع المؤذي فإن استشعرت القدرة فاض الدم إلى خارج فكان منه الغضب، وإن استشعرت العجز عاد الدم إلى داخل، فاصفر الوجه كما يصيب الحزين.
وأيضا، فلو قدر أن هذا هو حقيقة غضبنا، لم يلزم أن يكون غضب الله تعالى مثل غضبنا، كما أن حقيقة ذات الله ليست مثل ذاتنا، فليس هو مماثلا لنا: لا لذاتنا، ولا لأرواحنا، وصفاته كذاته.
ونحن نعلم بالاضطرار: أنا إذا قدرنا موجودين؛ أحدهما: عنده قوة يدفع بها الفساد، والآخر: لا فرق عنده بين الصلاح والفساد، كان الذي عنده تلك القوة أكمل.
ولهذا يذم من لا غيرة له على الفواحش كالدَّيُّوث، ويذم من لا حمية له يدفع بها الظلم عن المظلومين، ويمدح الذي له غيرة يدفع بها الفواحش، وحَمِيَّة يدفع بها الظلم، ويعلم أن هذا أكمل من ذلك.
ولهذا وصف النبي ﷺ الرب بالأكملية في ذلك، فقال في الحديث الصحيح: «لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظَهَر منها وما بَطَن»، وقال: «أتعجبون من غيرة سعد؟ أنا أغير منه، والله أغير مني».
وقول القائل: إن هذه انفعالات نفسانية.
فيقال: كل ما سوى الله مخلوق منفعل، ونحن وذواتنا منفعلة، فكونها انفعالات فينا لغيرنا نعجز عن دفعها، لا يوجب أن يكون الله منفعلا لها عاجزًا عن دفعها، وكان كل ما يجري في الوجود؛ فإنه بمشيئته وقدرته لا يكون إلا ما يشاء، ولا يشاء إلا ما يكون، له الملك وله الحمد.
هامش
- ↑ [أي: الخوف. انظر: القاموس مادة: وجل]