الروح/المسألة السادسة عشرة/فصل هل يسوغ إهداء نصف الثواب أو ربعه
و أما قولكم لو ساغ ذلك لساغ إهداء نصف الثواب وربعه إلى الميت فالواجب من وجهين:
أحدهما: منع الملازمة فإنكم لم تذكروا عليها دليلا إلا مجرد الدعوى.
الثاني: التزام ذلك والقول به نص عليه للإمام أحمد في رواية محمد بن يحيى الكحال، ووجه هذا أن الثواب ملك له، فله أن يهديه جميعه، وله أن يهدي بعضه. ويوضحه أنه لو أهداه إلى أربعة مثلا يحصل لكل منهم ربعه، فإذا أهدى الربع وأبقى لنفسه الباقي جاز كما لو أهداه إلى غيره.
فصل
و أما قولكم لو ساغ ذلك لساغ إهداؤه بعد أن يعمله لنفسه وقد قلتم أنه لا بد أن ينوي حال الفعل إهداؤه إلى الميت وإلا لم يصل.
فالجواب: إن هذه المسألة غير منصوصة عن أحمد ولا هذا الشرط في كلام المتقدمين من أصحابه وإنما ذكره المتأخرون كالقاضي وأتباعه.
قال ابن عقيل: إذا فعل طاعة من صلاة وصيام وقراءة قرآن وأهداها بأن يجعل ثوابها للميت المسلم فإنه يصل إليه ذلك وينفعه بشرط أن يتقدم نية الهدية على الطاعة أو تقارنها.
و قال أبو عبد اللّه بن حمدان في رعايته ومن تطوع بقربة من صدقة وصلاة وصيام وحج وعمرة وقراءة وعتق وغير ذلك من عبادة بدنية تدخلها النيابة وعبادة مالية وجعل جميع ثوابها أو بعضه لميت مسلم، حتى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ودعا له أو استغفر له أو قضى ما عليه من حق شرعي، أو واجب تدخله النيابة نفعه ذلك ووصل إليه أجره، وقيل إن نواه حال فعله أو قبله وصل إليه وإلا فلا.
و سر المسألة أن أوان شرط حصول الثواب أن يقع لمن أهدي له أولا ويجوز أن يقع العامل ثم ينتقل عنه إلى غيره، فمن شرط أن ينوي قبل الفعل أو الفراغ منه وصوله، قال: لو لم ينوه وقع الثواب للعامل فلا يقبل انتقاله عنه إلى غيره فإن الثواب يترتب على العمل ترتب أثر على مؤثرة، ولهذا لو أعتق عبدا عن نفسه كان ولاؤه له، فلو نقل ولاؤه إلى غيره بعد العتق لم ينتقل، بخلاف ما لو أعتقه عن الغير فإن ولاءه يكون للمعتق عنه، وكذلك لو أدى دينا عن نفسه ثم أراد بعد الأداء أن يجعله عن غيره لم يكن له ذلك، وكذلك لو حج أو صام أو صلى لنفسه ثم بعد ذلك أراد أن يجعل ذلك عن غيره لم يملك ذلك، ويؤيد هذا أن الذين سألوا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك لم يسألوه عن إهداء ثواب العمل بعده، وإنما سألوه عما يفعلونه عن الميت، كما قال سعيد: أ ينفعها إن تصدق عنها؟ ولم يقل أن أهدي لها ثواب ما تصدقت به عن نفسي، وكذلك قول المرأة الأخرى: أ فأحج عنها؟ وقول الرجل الآخر: أ فأحج عن أبي؟ فأجابهم بالإذن في الفعل عن الميت لا بإهداء ثواب ما عملوه لأنفسهم إلى موتاهم، فهذا لا يعرف أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم سئل عنه قط، ولا يعرف عن أحد من الصحابة أنه فعله وقال: اللهم أجعل لفلان ثواب عملي أو ثواب ما عملته لنفسي.
فهذا سر الاشتراط وهو أفقه، ومن لم يشترط ذلك يقول: الثواب للعامل، فإذا تبرع به وأهداه إلى غيره كان بمنزلة ما يهديه إليه من ماله.
هامش