البداية والنهاية/الجزء التاسع/فصل قول ابن عباس: لا تنامن إلا على وضوء
أسند مجاهد عن أعلام الصحابة وعلمائهم، عن ابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمرو، وأبي سعيد، ورافع بن خديج. وعنه خلق من التابعين.
قال الطبراني: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق، عن أبي بكر بن عياش، قال: أخبرني أبو يحيى، أنه سمع مجاهدا يقول: قال لي ابن عباس: لا تنامن إلا على وضوء، فإن الأرواح تبعث على ما قبضت عليه.
وروى الطبراني عنه: أنه قال في قوله تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [فصلت: 34] قال: يسلم عليه إذا لقيه، وقيل: هي المصافحة.
وروى عمرو بن مرة، عنه، أنه قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: اتق لا يأخذك الله على ذنب لا ينظر فيه إليك، فتلقاه حين تلقاه وليست لك حاجة.
وروى ابن أبي شيبة، عن أبي أمامة، عن الأعمش، عن مجاهد. قال: كان بالمدينة أهل بيت ذوي حاجة، عندهم رأس شاة، فأصابوا شيئا، فقالوا: لو بعثنا بهذا الرأس إلى من هو أحوج إليه منا، فبعثوا به فلم يزل يدور بالمدينة حتى رجع إلى أصحابه الذين خرج من عندهم أولا.
وروى ابن أبي شيبة، عن أبي الأحوص، عن منصور، عن مجاهد، قال: ما من مؤمن يموت إلا بكى عليه السماء والأرض أربعين صباحا.
وقال: { فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } [الروم: 44] قال: في القبر.
وروى الأوزاعي، عن عبدة بن أبي لبانة، عن مجاهد، قال: كان يحج من بني إسرائيل مائة ألف، فإذا بلغوا أرصاف الحرم خلعوا نعالهم، ثم دخلوا الحرم حفاة.
وقال يحيى بن سعيد القطان: قال مجاهد:
في قوله تعالى: { يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ } [آل عمران: 43] قال: اطلبي الركود.
وفي قوله تعالى: { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ } [الإسراء: 64] قال: المزامير.
وقال في قوله تعالى: { أَنْكَالا وَجَحِيما } [المزمل: 12] قال: قيود.
وقال في قوله: { لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } [الشورى: 15] قال: لا خصومة.
وقال: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } [التكاثر: 8] قال: عن كل لذة في الدنيا.
وروى أبو الديبع، عن جرير بن عبد الحسيب، عن منصور، عن مجاهد. قال: رن إبليس أربع رنات حين لعن، وحين أهبط، وحين بعث النبي ﷺ، وحين أنزلت الحمد لله رب العالمين وأنزلت بالمدينة.
وكان يقال: الرنة والنخرة من الشيطان، فلعن من رن أو نخر.
وروى ابن نجيح، عنه، في قوله تعالى: { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ } [الشعراء: 128] قال: بروج الحمام.
وقال: في قوله تعالى: { أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ } [البقرة: 267] قال: التجارة.
وروى ليث، عن مجاهد، قال: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } [فصلت: 30] قال: استقاموا فلم يشركوا حتى ماتوا.
وروى يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن ابن أبجر، عن طلحة بن مصرف، عن مجاهد: { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ } [الإخلاص: 4] قال: صاحبة.
وقال ليث، عن مجاهد، قال: النملة التي كلمت سليمان كانت مثل الذئب العظيم.
وروى الطبراني، عن أبي نجيح، عن مجاهد. قال: كان الغلام من قوم عاد لا يحتلم حتى يبلغ مائتي سنة.
وقال: { سَأَلَ سَائِلٌ } [المعارج: 1] : دعا داع.
وفي قوله: { لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [الجن: 16-17] : حتى يرجعوا إلى علمي فيه.
{ لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئا } [النور: 55] قال: لا يحبون غيري.
{ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ } [فاطر: 10] قال: هم المراؤون.
وفي قوله تعالى: { قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْما بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [الجاثية: 14] قال: هم الذين لا يدرون أنعم الله عليهم أم لم ينعم.
ثم قرأ: { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ } [إبراهيم: 5] قال: أيامه نعمه ونقمه.
{ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } [النساء: 59] : فردوه إلى كتاب الله وإلى رسوله ما دام حيا، فإذا مات فإلى سنته.
{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً } [لقمان: 20] قال: أما الظاهرة فالإسلام والقرآن والرسول و الرزق، وأما الباطنة فما ستر من العيوب والذنوب.
وروى الحكم، عن مجاهد، قال: لما قدمت مكة نساء على سليمان عليه السلام رأت حطبا جزلا فقالت لغلام سليمان: هل يعرف مولاك كم وزن دخان هذا الحطب؟ فقال الغلام: دعي مولاي أنا أعرف كم وزن دخانه فكيف مولاي؟ قالت: فكم وزنه؟ فقال الغلام: يوزن الحطب، ثم يحرق الحطب ويوزن رماده، فما نقص فهو دخانه.
وقال في قوله تعالى: { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [الحجرات: 11] قال: من لم يتب إذا أصبح وإذا أمسى فهو من الظالمين.
وقال: ما من يوم ينقضي من الدنيا إلا قال ذلك اليوم: الحمد لله الذي أراحني من الدنيا وأهلها، ثم يطوى عليه فيختم إلى يوم القيامة، حتى يكون الله عز وجل هو الذي يفض خاتمه.
وقال في قوله تعالى: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ } [البقرة: 269] قال: العلم والفقه، وقال: إذا ولي الأمر منكم الفقهاء.
وفي قوله تعالى: { وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } [الأنعام: 153] قال: البدع والشبهات.
وقال: أفضل العبادة الرأي الحسن -يعني: اتباع السنة -
وقال: ما أدري أي النعمتين أفضل أن هداني للإسلام أو عافاني من الأهواء.
وقال في رواية: ألو الأمر منكم، أصحاب محمد، وربما قال: أولو العقل والفضل في دين الله عز وجل.
{ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ } [الرعد: 31] قال: السرية، { وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [النحل: 8] قال: السوس في الثياب، { وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي } [مريم: 3] قال: الأضراس، { حَفِيّا } [مريم: 47] قال: رحيما.
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: وجدت في كتاب محمد بن أبي حاتم بخط يده، حدثنا بشر بن الحارث، حدثنا يحيى بن يمان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، قال: لو أن رجلا أنفق مثل أحد في طاعة الله عز وجل لم يكن من المسرفين.
وفي قوله تعالى: { وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } [الرعد: 13] قال: العداوة، { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ } [الرحمن: 20] قال: بينهما حاجز من الله فلا يبغي الحلو على المالح ولا المالح على الحلو.
وقال ابن مندة: ذكر محمد بن حميد، حدثنا عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، قال: كان مجاهد لا يسمع بأعجوبة إلا ذهب فنظر إليها، قال: وذهب إلى حضرموت إلى بئر برهوت، قال: وذهب إلى بابل، قال: وعليها والٍ صديق لمجاهد فقال مجاهد: تعرض على هاروت وماروت، قال: فدعا رجلا من السحرة فقال: اذهب بهذا فاعرض عليه هاروت وماروت. فقال اليهودي: بشرط أن لا تدعو الله عندهما، قال مجاهد: فذهب بي إلى قلعة فقطع منها حجرا، ثم قال: خذ برجلي فهوى بي حتى انتهى إلى حوبة، فإذا هما معلقين منكسين كالجبلين العظيمين، فلما رأيتهما قلت: سبحان الله خالقكما، قال: فاضطربا فكأن جبال الدنيا قد تدكدت، قال: فغشى علي وعلى اليهودي، ثم أفاق اليهودي قبلي، فقال: قم ! كدت أن تهلك نفسك وتهلكني.
وروى ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، قال: يؤتى يوم القيامة بثلاثة نفر بالغنى والمريض والعبد المملوك، قال: فيقول الله عز وجل للغني ما شغلك عن عبادتي التي إنما خلقتك لها؟ فيقول: يا رب أكثرت لي من المال فطغيت، فيؤتى بسليمان عليه السلام في ملكه فيقول: لذا أنت كنت أكثر مالا وأشد شغلا أم هذا؟ قال: فيقول: بل هذا يا رب، فيقول الله له: فإن هذا لم يمنعه ما أوتي من الملك والمال والشغل عن عبادتي.
قال: ويؤتى بالمريض فيقول: ما منعك عن عبادتي التي خلقتك لها؟ فيقول: يا رب شغلني عن هذا مرض جسدي، فيؤتى بأيوب عليه السلام في ضره وبلائه فيقول له: أأنت كنت أشد ضرا ومرضا أم هذا؟ فيقول: بل هذا، فيقول: إن هذا لم يشغله ضره ومرضه عن عبادتي.
ثم يؤتى بالمملوك فيقول الله له: ما منعك من عبادتي التي خلقتك لها؟ فيقول: رب فضلت علي أربابا فملكوني وشغلوني عن عبادتك. فيؤتى بيوسف عليه السلام في رقه وعبوديته فيقول الله له: أأنت كنت أشد في رقك وعبوديتك أم هذا؟ فيقول: بل هذا يا رب، فيقول الله: فإن هذا لم يشغله ما كان فيه من الرق عن عبادتي.
وروى حميد، عن الأعرج، عن مجاهد، قال: كنت أصحب ابن عمر في السفر فإذا أردت أن أركب مسك ركابي، فإذا ركبت سوى على ثيابي فرآني مرة كأني كرهت ذلك فيَّ، فقال: يا مجاهد إنك لضيق الخلق، وفي رواية: صبحت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد. قال: جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول منها حيث شاء، وجعل له أعوان يتوفون الأنفس ثم يقبضها منهم.
وقال: لما هبط آدم إلى الأرض قال له: ابن للخراب ولد للفناء.
وروى قتيبة، عن جرير، عن منصور، عن مجاهد.
{ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } [البقرة: 159] قال: تلعن عصاة بني آدم دواب الأرض وما شاء الله حتى الحيات والعقارب، يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم.
وقال غيره: تسلط الحشرات على العصاة في قبورهم لما كان ينالهم من الشدة بسبب ذنوبهم، فتلك الحشرات من العقارب والحيات: هي السيئات التي كانوا يعملونها في الدنيا، ويستلذونها صارت عذابا عليهم. نسأل الله العافية.
وقال: { إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } [العاديات: 6] : لكفور.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عمر بن سليمان، حدثني مسلم أبو عبد الله، عن ليث، عن مجاهد، قال: من لم يستحي من الحلال خفت مؤنته وأراح نفسه.
وقال عمرو بن زروق: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، قال: { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ } [الأنبياء: 87] : أن لن نعاقبه بذنبه.
وبهذا الإسناد قال: لم أكن أحسن ما الزخرف حتى سمعتها في قراءة عبد الله بيتا من ذهب.
وقال قتيبة بن سعيد، حدثنا خلف بن خليفة، عن ليث، عن مجاهد: إن الله عز وجل ليصلح بصلاح العبد ولده.
قال: وبلغني أن عيسى عليه السلام كان يقول: طوبى للمؤمن كيف يخلفه الله فيمن ترك بخير.
وقال الفضيل بن عياض، عن عبيد المكتب، عن مجاهد، في قوله تعالى: { وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ } [البقرة: 166] : الأوصال التي كانت بينهم في الدنيا.
وروى سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله تعالى: { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّا وَلَا ذِمَّةً } [التوبة: 10] قال: الإل: الله عز وجل.
وقال في قوله تعالى: { بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ } [هود: 86] : طاعة الله عز وجل.
وفي قوله تعالى: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمن: 46] قال: هو الذي يذكر الله عند الهم بالمعاصي.
وقال الفضيل بن عياض: عن منصور، عن مجاهد: { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ } [الفتح: 29] : الخشوع.
وفي قوله تعالى: { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } [البقرة: 238] قال: القنوت الركود والخشوع وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله.
وكان العلماء إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن أن يشد بصره أو يلتفت أو يقلب الحصا، أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه بشيء من الدنيا، إلا خاشعا مادام في صلاته.
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا أبو عمرو، حدثنا ابن إدريس، حدثني عقبة بن إسحاق - وأثنى عليه خيرا - حدثنا ليث، عن مجاهد، قال: كنت إذا رأيت العرب استخفيتها وجدتها من وراء دينها، فإذا دخلوا في الصلاة فكأنما أجساد ليست فيها أرواح.
وروى الأعمش، عنه، قال: إنما القلب منزلة الكف فإذا أذنب الرجل ذنبا قبض هكذا - ضم الخنصر حتى ضم أصابعه كلها إصبعا إصبعا - قال: ثم يطبع فكانوا يريدون ذلك الران، قال الله تعالى: { كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14] .
وروى قبيصة، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد: { بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } [البقرة: 81] قال: الذنوب تحيط بالقلوب كالحائط المبني على الشيء المحيط، كلما عمل ذنبا ارتفعت حتى تغشى القلب حتى تكون هكذا - ثم قبض يده - ثم قال: هو الران.
وفي قوله: { بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } [القيامة: 13] ، قال: أول عمل العبد وآخره.
{ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ } [الانشراح: 8] قال: إذا فرغت من أمر الدنيا فقمت إلى الصلاة فاجعل رغبتك إليه، ونيتك له.
وعن منصور، عن مجاهد: { النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ } [الفجر: 27] ، قال: هي النفس التي قد أيقنت أن الله ربها وضربت حاشا لأمره وطاعته.
وروى عبد الله بن المبارك، عن ليث، عن مجاهد، قال: ما من ميت يموت إلا عرض عليه أهل مجلسه، إن كان من أهل الذكر فمن أهل الذكر، وإن كان من أهل اللهو فمن أهل اللهو.
وقال أحمد، حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مجاهد، قال: قال إبليس: إن يعجزني ابن آدم فلن يعجزني من ثلاث خصال: أخذ مال بغير حق، وإنفاقه في غير حقه.
وقال أحمد: حدثنا ابن نمير، قال: قال الأعمش: كنت إذا رأيت مجاهدا ظننت أنه حر مندح قد ضل حماره فهو مهتم.
وعن ليث، عن مجاهد، قال: من أكرم نفسه وأعزها أذل دينه، ومن أذل نفسه أعز دينه.
وقال شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، قال: قال لي: يا أبا الغازي كم لبث نوح في الأرض؟ قال: قلت: ألف سنة إلا خمسين عاما، قال: فإن الناس لم يزدادوا في أعمارهم وأجسادهم وأخلاقهم إلا نقصا.
وروى أبو بكر بن أبي شيبة، عن أبي علية، عن ليث، عن مجاهد، قال: ذهبت العلماء فما بقي إلا المتعلمون، وما المجتهد فيكم إلا كاللاعب فيمن كان قبلكم.
وروى ابن أبي شيبة أيضا، عن ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، قال: لو لم يصب المسلم من أخيه إلا أن حياء منه يمنعه من المعاصي لكان في ذلك خير.
وقال: الفقيه: من يخاف الله وإن قل علمه، والجاهل: من عصى الله وإن كثر علمه.
وقال: إن العبد إذا أقبل على الله بقلبه أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه.
وقال في قوله تعالى: { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [المدثر: 4] قال: عملك فأصلح.
{ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ } [النساء: 32] قال: ليس من عرض الدنيا.
{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ } [الزمر: 33] قال: هم الذين يجيئون بالقرآن قد اتبعوه وعملوا بما فيه.
وقال: يقول القرآن للعبد: إني معك ما اتبعتني فإذا لم تعمل بي اتبعتك.
{ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } [القصص: 77] قال: خذ من دنياك لآخرتك، وذلك أن تعمل فيها بطاعة الله عز وجل.
وقال داود بن المحبر، عن عباد بن كثير، عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه: مجاهد بن جبير، قال: قلت لابن عمر: أي حجاج بيت الله أفضل وأعظم أجرا؟ قال: من جمع ثلاث خصال: نية صادقة، وعقلا وافرا، ونفقةً من حلال، فذكرت ذلك لابن عباس فقال: صدق. فقلت: إذا صدقت نيته، وكانت نفقته من حلال فماذا يضره قلة عقله؟ فقال: يا أبا حجاج، سألتني عما سألت عنه رسول الله ﷺ فقال: «والذي نفسي بيده ما أطاع العبد الله بشيء أفضل من حسن العقل، ولا يقبل الله صوم عبد ولا صلاته، ولا شيئا مما يكون من عمله من أنواع الخير إن لم يعمل بعقل. ولو أن جاهلا فاق المجتهدين في العبادة كان ما يفسد أكثر مما يصلح».
قلت: ذكر العقل في هذا الحديث ورفعه إلى النبي ﷺ من المنكرات والموضوعات، والثلاث الخصال موقوفة على ابن عمر، من قوله من جمع ثلاث خصال، إلى قوله قال ابن عباس صدق، والباقي لا يصح رفعه ولا وقفه، وداود بن المحبر كنيته: أبو سليمان، قال الحاكم: حدث ببغداد عن جماعة من الثقات بأحاديث موضوعة، حدث بها عنه الحارث بن أبي أسامة، وله كتاب العقل، وأكثر ما أودع ذلك الكتاب موضوع على رسول الله ﷺ، وذكر العقل مرفوعا في هذه الرواية لعلة من جملتها، والله أعلم. وقد كذبه أحمد بن حنبل.