مجموع الفتاوى/المجلد العشرون/خلق الله الخلق لعبادته
خلق الله الخلق لعبادته
الوجه الحادي عشر
أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } 1 وذلك هو أصل ما أمرهم به على ألسن الرسل كما قال نوح وهود وصالح وإبراهيم وشعيب: { اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } 2. وقال: { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ } إلى قوله: { إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } 3 وقال لموسى: { إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي } 4 وقال المسيح: { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ } 5. والإسلام: هو الاستسلام لله وحده وهو أصل عبادته وحده وذلك يجمع معرفته ومحبته والخضوع له وهذا المعنى الذي خلق الله له الخلق هو: أمر وجودي من باب المأمور به ثم الأمر بعد ذلك بما هو كمال ما خلق له. وأما المنهي عنه: فإما مانع من أصل ما خلق له وإما من كمال ما خلق له نهوا عن الإشراك لأنه مانع من الأصل وهو ظلم في الربوبية كما قال تعالى: { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } 6 ومنعوا عن ظلم بعضهم بعضا في النفوس والأموال والأبضاع والأعراض لأنه مانع من كمال ما خلق له. فظهر أن فعل المأمور به أصل وهو المقصود وأن ترك المنهي عنه فرع وهو التابع. وقال تعالى: { إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } 7 لأن الشرك منع الأصل فلم يك في النفس استعداد للفلاح في الآخرة بخلاف ما دونه فإن مع المغفور له أصل الإيمان الذي هو سبب السعادة.
هامش
- ↑ [الذاريات: 56]
- ↑ [هود: 50]
- ↑ [البقرة: 130: 133]
- ↑ [طه: 14]
- ↑ [المائدة: 117]
- ↑ [لقمان: 13]
- ↑ [النساء: 48]