مجموع الفتاوى/المجلد الرابع عشر/فصل في ذكر كلام الجهمية
فصل في ذكر كلام الجهمية
وكان فيما ذكره إبطال لقول الجهمية المجبرة ونحوهم، ممن يقول: إن الله قد يعذب العباد بلا ذنب، وأنه قد يأمر العباد بما لا ينفعهم، بل بما يضرهم، فإن فعلوا ما أمرهم به حصل لهم الضرر، وإن لم يفعلوه عاقبهم.
يقولون هذا ومثله، ويزعمون أن هذا لأنه يفعل ما يشاء.
والقرآن يرد على هؤلاء من وجوه كثيرة، كما يرد على المكذبين بالقدر.
فالآية ترد على هؤلاء وهؤلاء كما تقدم مع احتجاج الفريقين بها، وهي حجة على الفريقين.
فإن قال نفاة القدر: إنما قال في الحسنة: هي من الله، وفى السيئة: هي من نفسك، لأنه يأمر بهذا، وينهى عن هذا، باتفاق المسلمين.
قالوا: ونحن نقول: المشيئة ملازمة للأمر، فما أمر به فقد شاءه، وما لم يأمر به لم يشأه. فكانت مشيئته وأمره حَاضَّة على الطاعة دون المعصية؛ فلهذا كانت هذه منه دون هذه.
قيل: أما الآية، فقد تبين أن الذين قالوا: الحسنة من عند الله والسيئة من عندك، أرادوا: من عندك يا محمد، أي: بسبب دينك. فجعلوا رسالة الرسول هي سبب المصائب، وهذا غير مسألة القدر.
وإذا كان قد أريد: أن الطاعة والمعصية مما قد قيل كان قوله: { كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ } 1 حجة عليكم كما تقدم.
وقوله بعد هذا: { مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } 2 لا ينافي ذلك، بل الحسنة أنعم الله بها وبثوابها، والسيئة هي من نفس الإنسان ناشئة، وإن كانت بقضائه وقدره، كما قال تعالى: { مٌن شّرٌَ مّا خّلّقّ } 3، فمن المخلوقات ماله شر، وإن كان بقضائه وقدره.
وأنتم تقولون: الطاعة والمعصية هما من إحداث الإنسان، بدون أن يجعل الله هذا فاعلا وهذا فاعلا، وبدون أن يخص الله المؤمن بنعمة ورحمة أطاعه بها؟ وهذا مخالف للقرآن.
هامش