كتاب الأم/كتاب الأطعمة/أكل الضبع
[قال الشافعي]: رحمه الله: أخبرنا سفيان ومسلم عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير.
[قال الشافعي]: ولحوم الضباع تباع عندنا بمكة بين الصفا والمروة، لا أحفظ عن أحد من أصحابنا خلافا في إحلالها وفي مسألة ابن أبي عمار جابرا، أصيد هي؟ قال: نعم وسألته أتؤكل؟ قال: نعم، وسألته: أسمعته من النبي ﷺ؟ قال: نعم. فهذا دليل على أن الصيد الذي نهى الله تعالى المحرم عن قتله، ما كان يحل أكله من الصيد. وأنهم إنما يقتلون الصيد ليأكلوه، لا عبثا بقتله، ومثل ذلك الدليل في حديث علي رضي الله عنه، ولذلك أشباه في القرآن، منها قول الله عز وجل: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين} أنه إنما يعني مما أحل الله أكله، لأنه لو ذبح ما حرم الله عليه وذكر اسم الله عليه، لم يحل الذبيحة ذكر اسم الله عليه. وفي حديث جابر عن النبي ﷺ في الضبع دليل على ما قلنا، من أن كان ذي ناب من السباع. ما عدا على الناس مكابرة. وإذا حل أكل الضبع، وهي سبع، لكنها لا تعدو مكابرة على الناس، وهي أضر على مواشيهم من جميع السباع، فأحلت أنها لا تعدو على الناس خاصة مكابرة. وفيه دلالة على إحلال ما كانت العرب تأكل مما لم ينص فيه خبر وتحريم ما كانت تحرمه مما يعدو، من قبل أنها لم تزل إلى اليوم تأكل الضبع، ولم تزل تدع أكل الأسد والنمر والذئب تحريما بالتقذر، فوافقت السنة فيما أحلوا وحرموا مع الكتاب، ما وصفت، والله أعلم وفيه دلالة على أن المحرم إنما يجزي ما أحل أكله من الصيد دون ما لم يحل أكله. وذلك أن النبي ﷺ أمر بقتل الكلب العقور في الإحرام، وهو ما عدا على الناس، وهو لا يأمر بقتل ما لا يحل قتله، ويضمن صاحبه بقتله شيئا فدل ذلك على أن الصيد الذي حرم الله قتله في الإحرام، ما يؤكل لحمه، ودل على ذلك حديث جابر بن عبد الله، وعلى ما وصفت. ولا بأس بأكل كل سبع لا يعدو على الناس من دواب الأرض، مثل الثعلب وغيره قياسا على الضبع. وما سوى السبع من دواب الأرض كلها تؤكل من معنيين، ما كان سبعا لا يعدو. فحلال أن يؤكل. وما كان غير سبع، فما كانت العرب تأكله لغير ضرورة فلا بأس بأكله، لأنه داخل في معنى الآية. خارج من الخبائث عند العرب. وما كانت تدعه على معنى تحريمه، فإنه خبيث اللحم، فلا يؤكل بحال. وكل ما أمر بأكله فداه المحرم إذا قتله. ومثل الضبع ما خلا كل ذي ناب من السباع من دواب الأرض وغيرها، فلا بأس أن يؤكل منه ما كانت العرب تأكله، وقد فسرته قبل هذا.