انتقل إلى المحتوى

تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار/الجزء الأول/صفحة: 4

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ملاحظات: فصل:بدء الرحلة والخروج من طنجة/صفحة: 4


وكان ارتحالي في أيام أمير المؤمنين وناصر الدين المجاهد في سبيل رب العالمين الذي رويت أخبار جوده موصولة الإسناد بالإسناد، وشهرت آثار كرمه شهرة واضحة الإشهاد، وتحلت الأيام بحلى فضله، ورتع الأنام في ظل رفقه وعدله، الإمام المقدس أبي سعيد ابن مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين الذي فل حد الشرك صدق عزائمه، وأطفأت نار الكفر جداول صارمه، وفتكت بعباد الصليب كتائبه، وكرمت في إخلاص الجهاد مذاهبه، الإمام المقدس أبي يوسف ابن عبد الحق، جدد الله عليهم رضوانه، وسقى ضرائحهم المقدسة من صوب الحيا طله وتهتانه، وجزاهم أفضل الجزاء عن الإسلام والمسلمين، وأبقى الملك في عقبهم إلى يوم الدين.

فوصلت مدينة تلمسان وسلطانها يومئذ أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمر أسن بن زيان. ووافقت بها رسولي ملك إفريقية السلطان أبي يحيى رحمه الله، وهما قاضي الأنكحة بمدينة تونس أبو عبد الله محمد بن أبي بكر علي بن إبراهيم النفزاوي، والشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن الحسين بن عبد الله القرشي الزبيدي - بضم الزاي نسبة إلى قرية بساحل المهدية، وهو أحد الفضلاء وكانت وفاته عام أربعين.

وفي يوم وصولي إلى تلمسان، خرج عنها الرسولان المذكوران، فأشار علي بعض الاخوان بمرافقتهما، فاستخرت الله عز وجل في ذلك وأقمت بتلمسان ثلاثا في قضاء مآربي، وخرجت أجد السير في آثارهما، فوصلت مدينة مليانة، وأدركتهما بها، وذلك في إبان القيظ. فلحق الفقيهين مرض أقمنا بسببه عشرا، ثم ارتحلنا وقد اشتد المرض بالقاضي منهما، فأقمنا ببعض المياه على مسافة أميال من مليانة ثلاثا وقضى القاضي نحبه ضحى اليوم الرابع، فعاد ابنه أبو الطيب ورفيقه أبو عبد الله الزبيدي إلى مليانة فقبروه بها. وتركتهم هنالك، وارتحلت مع رفقة من تجار تونس منهم الحاج مسعود بن المنتصر، والحاج العدولي، ومحمد بن الحجر، فوصلنا مدينة الجزائر، وأقمنا بخارجها أياما، إلى أن قدم الشيخ أبو عبد الله وابن القاضي.

فتوجهنا جميعا على منبجة جبل الزان، ثم وصلنا إلى مدينة بجاية فنزل الشيخ أبو عبد الله بدار قاضيها أبي عبد الله الزواوي، ونزل أبو الطيب ابن القاضي بدار الفقيه أبي عبد الله المفسر، وكان أمير بجاية إذ ذاك أبا عبد الله محمد بن سيد الناس الحاجب، وكان قد توفي من تجار تونس الذين صحبتهم من مليانة محمد بن الحجر الذي تقدم ذكره. وترك ثلاثة آلاف دينار من الذهب، وأوصى بها لرجل من أهل الجزائر يعرف بابن حديدة، ليوصلها إلى ورثته بتونس فانتهى خبره لابن سيد الناس المذكور فانتزعها من يده، وهذا أول ما شاهدته من ظلم عمال الموحدين وولاتهم، ولما وصلنا إلى بجاية كما ذكرته، أصابتني الحمى، فأشار علي أبو عبد الله الزبيدي بالإقامة فيها حتى يتمكن البرء مني، فأبيت وقلت إن قضى الله عز وجل بالموت فتكون وفاتي بالطريق وأنا قاصد أرض الحجاز. فقال لي أما إن عزمت فبع دابتك وثقل المتاع، وأنا أعيرك دابة وخباء وتصحبنا خفيفا، فإننا نجد السير خوف غارة العرب في الطريق، ففعلت هذا، وأعارني ما وعد به، جزاه الله خيرا وكان ذلك أول ما ظهر لي من الألطاف الإلهية في تلك الوجهة الحجازية.

وسرنا إلى أن وصلنا مدينة قسنطينية ، فنزلنا خارجها وأصابنا مطر جود فاضطررنا إلى الخروج عن الأخبية ليلا إلى دور هنالك. فلما كان من الغد تلقانا حاكم المدينة وهو من الشرفاء الفضلاء يسمى بأبي الحسن، فنظر إلى ثيابي وقد لوثها المطر، فأمر بغسلها في داره، وكان الإحرام منها خلقا، فبعث مكانه إحراما بعلبكيا وصر في أحد طرفيه دينارين من الذهب. فكان ذلك أول ما فتح به على وجهتي، ورحلنا إلى أن وصلنا مدينة بونة ونزلنا بداخلها. وأقمنا بها أياما، ثم تركنا بها ما كان في صحبتنا من التجار لأجل الخوف في الطريق، وتجردنا للسير، وواصلنا الجد، وأصابتني الحمى، فكنت أشد نفسي بعمامة فوق السرج خوف السقوط بسبب الضعف، ولا يمكنني النزول من الخوف، إلى أن وصلنا إلى مدينة تونس فبرز أهلها للقاء الشيخ أبي عبد الله الزبيدي ولقاء أبي الطيب ابن القاضي أبي عبد الله النفزاوي، فأقبل بعضهم على بعض بالسلام والسؤال ولم يسلم علي أحد، لعدم معرفتي بهم، فوجدت من ذلك النفس ما لم أملك معه سوابق العبرة واشتد بكائي، فشعر بحالي بعض الحجاج فأقبل علي بالسلام.

رحلة ابن بطوطة - الجزء الأول
مقدمة | صفحة: 2 | بدء الرحلة والخروج من طنجة | صفحة: 4 | صفحة: 5 | ذكر سلطان تونس | صفحة : 6 | ذكر أبوابها ومرساها | ذكر المنار | ذكر عمود السواري | ذكر بعض علماء الإسكندرية | حكاية | صفحة: 8 | صفحة: 9 | صفحة: 10 | صفحة: 11 | صفحة: 12 | صفحة: 13 | حكاية | صفحة: 14 | صفحة: 15 | ذكر مسجد عمرو بن العاص | ذكر قرافة مصر ومزاراتها | ذكر نيل مصر | ذكر الأهرام والبرابي | ذكر سلطان مصر | ذكر بعض أمراء مصر | ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها | حكاية | ذكر بعض علماء مصر وأعيانها | ذكر يوم المحمل | حكاية خصيب | حكاية | صفحة: 22 | صفحة: 23 | صفحة: 24 | ذكر المسجد المقدس | ذكر قبة الصخرة | ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف | ذكر بعض فضلاء القدس | صفحة: 26 | حكاية أبي يعقوب يوسف المذكور | صفحة: 28 | صفحة: 29 | صفحة: 30 | صفحة: 31 | حكاية | حكاية | حكاية أدهم | حكاية | حكاية | حكاية | صفحة: 38 | صفحة: 39 | ذكر جامع دمشق المعروف بجامع بني امية | صفحة: 40 | صفحة: 41 | صفحة: 42 | ذكر الأئمة بهذا المسجد | ذكر المدرسين والمعلمين به | ذكر قضاة دمشق | حكاية | ذكر مدارس دمشق | حكاية | ذكر أبواب دمشق | ذكر بعض المشاهد والمزارات بها | حكاية في سبب تسميته بذلك | حكاية | ذكر أرباض دمشق | ذكر قاسيون ومشاهده المباركة | ذكر الربوة والقرى التي تواليها | ذكر الأوقاف بدمشق وبعض فضائل أهلها وعوائدهم | صفحة: 48 • حكاية | صفحة: 49 | صفحة: 50 • ذكر سماعي بدمشق ومن أجازني من أهلها | صفحة: 51 | صفحة: 52 | صفحة: 53 • طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم • ذكر مسجد رسول الله وروضته الشريفة| صفحة: 54 | صفحة: 55 • حكاية | صفحة: 56 • ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذنين به • حكاية • ذكر المجاورين بالمدينة الشريفة • حكاية | صفحة: 57 • ذكر أمير المدينة الشريفة • ذكر بعض المشاهد الكريمة بخارج المدينة الشريفة | صفحة: 58 • حكاية | صفحة: 59 | صفحة: 60 • ذكر مدينة مكة المعظمة • ذكر المسجد الحرام شرفه الله وكرمه | صفحة: 61 • ذكر الكعبة المعظمة الشريفة زادها الله تعظيما وتكريما • ذكر الميزاب المبارك | صفحة: 62 • ذكر الحجر الأسود • ذكر المقام الكريم • ذكر الحجر والمطاف | صفحة: 63 • ذكر زمزم • ذكر أبواب المسجد الحرام وما دار به من المشاهد الشريفة | صفحة: 64 • ذكر الصفا والمروة • ذكر الجبانة المباركة | صفحة: 65 • ذكر بعض المشاهد خارج مكة | صفحة: 66 • ذكر الجبال المطيفة بمكة | صفحة: 67 • حكاية • ذكر أميري مكة | صفحة: 68 • ذكر أهل مكة وفضائلهم • ذكر قاضي مكة وخطيبها | صفحة: 69 • حكاية مباركة • حكاية | صفحة: 70 • ذكر المجاورين بمكة • حكاية في فضيلة | صفحة: 71 • حكاية | صفحة: 72 | صفحة: 73 • حكاية • ذكر عادة أهل مكة في صلواتهم ومواضع أئمتهم | صفحة: 74 • ذكر عاداتهم في الخطبة وصلاة الجمعة • ذكر عاداتهم في استهلال الشهور • ذكر عادتهم في شهر رجب | صفحة: 75 • ذكر عمرة رجب | صفحة: 76 • ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان • ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم | صفحة: 77 • ذكر عادتهم في شوال • ذكر إحرام الكعبة | صفحة: 78 • ذكر شعائر الحج وأعماله | صفحة: 79 • ذكر كسوة الكعبة • ذكر الانفصال عن مكة شرفها الله تعالى | صفحة: 80 | صفحة: 81 | صفحة: 82 • ذكر الروضة والقبور التي بها • ذكر نقيب الأشراف | صفحة: 83 • حكاية | صفحة: 84 | صفحة: 85 • مدينة واسط • حكاية | صفحة: 86 • مدينة البصرة • حكاية اعتبار | صفحة: 87 • ذكر المشاهدة المباركة بالبصرة | صفحة: 88 | صفحة: 89 • حكاية | صفحة: 90 • ذكر ملك إيذج وتستر • حكاية • حكاية | صفحة: 91 | صفحة: 92 | صفحة: 93 • كرامة لهذا الشيخ | صفحة: 94 | صفحة: 95 • حكاية | صفحة: 96 • ذكر سلطان شيراز | صفحة: 97 | صفحة: 98 • حكاية • حكاية تناسبها • حكاية تناسبها | صفحة: 99 • ذكر بعض المشاهد بشيراز | صفحة: 100 • كرامة لهذا الشيخ | صفحة: 101 • حكاية | صفحة: 102 • كرامة لبعضهم | صفحة: 103 • مدينة الكوفة | صفحة: 104 • مدينة بغداد | صفحة: 105 • ذكر الجانب الغربي من بغداد | صفحة: 106 • ذكر الجانب الشرقي منها • ذكر قبور الخلفاء ببغداد • وقبور بعض العلماء والصالحين بها | صفحة: 107 • ذكر سلطان العراقين وخراسان | صفحة: 108 | صفحة: 109 • ذكر المتغلبين على الملك بعد موت السلطان أبي سعيد |