تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار/الجزء الأول/صفحة: 33/حكاية
كان قراسنقور من كبار الأمراء، وممن حضر قتل الملك الأشرف أخي الملك الناصر، وشارك فيه. ولما تمهد الملك للملك الناصر، وقربه القرار، واشتدت أواخي سلطانه، جعل يتتبع قتلة أخيه، فيقتلهم واحدا واحدا، إظهارا للأخذ بثأر أخيه، وخوفا أن يتجاسروا عليه بما تجاسروا على أخيه. وكان قراسنقور أمير الأمراء بحلب. فكتب الملك الناصر إلى جميع الأمراء أن ينفروا بعساكرهم. وجعل لهم ميعادا يكون فيه اجتماعهم بحلب، ونزولهم عليها، حتى يقبضوا عليه. فلما فعلوا ذلك، خاف قراسنقور على نفسه، وكان له ثمانمائة مملوك، فركب فيهم، وخرج على العساكر صباحا، فاخترقهم وأعجزهم سبقا. وكانوا في عشرين ألفا،
وقصد منزل أمير العرب مهنا بن عيسى، وهو على مسيرة يومين من حلب. وكان مهنا في قنص له، فقصد بيته، ونزل عن فرسه، وألقى العمامة في عنق نفسه، ونادى الجوار يا أمير العرب، وكانت هنالك أم الفضل زوج مهنا وبنت عمه فقالت له: قد أجرناك وأجرنا من معك. فقال: إنما أطلب أولادي ومالي. فقالت له: لك ما تحب، فانزل في جوارنا. ففعل ذلك. وأتى مهنا، فأحسن نزله وحكمه في ماله. فقال: إنما أحب أهلي ومالي الذي تركته بحلب. فدعا مهنا بإخوته وبني عمه، فشاورهم في أمره. فمنهم من أجابه إلى ما أراد، ومنهم من قال: كيف نحارب الملك الناصر، ونحن في بلاده بالشام؟ فقال لهم مهنا: أما أنا فأفعل لهذا الرجل ما يريده، وأذهب معه إلى سلطان العراق. وفي أثناء ذلك ورد عليهم خبر بأن أولاد قراسنقور سيروا على البريد إلى مصر. فقال مهنا لقراسنقور: أما أولادك فلا حيلة فيهم، وأما مالك فنجتهد في خلاصه.
فركب فيمن أطاعه من أهله، واستنفر من العرب نحو خمسة وعشرين ألفا، وقصدوا حلبا، فأحرقوا باب قلعتها، وتغلبوا عليها، واستخلصوا منها مال قراسنقور ومن بقي من أهله، ولم يتعدوا إلى سوى ذلك. وقصدوا ملك العراق، وصحبهم أمير حمص الأفرم. ووصلوا إلى الملك محمد خدابنده سلطان العراق، وهو بموضع مصيفه المسمى قراباغ بفتح القاف والراء والباء الموحدة والغين المعجمة، وهو ما بين السلطانية وتبريز، فأكرم نزلهم، وأعطى مهنا عراق العراق، وأعطى قراسنقور مدينة مراغة من عراق العجم، وتسمى دمشق الصغيرة، وأعطى الأفرم همدان. وأقاموا عنده مدة مات فيها الأفرم.
وعاد مهنا إلى الملك الناصر بعد مواثيق وعهود أخذها منه. وبقي قراسنقور على حاله. وكان الملك الناصر يبعث له الفداوية مرة بعد مرة، فمنهم من يدخل عليه داره فيقتل دونه، ومنهم من يرمي بنفسه عليه وهو راكب فيضربه. وقتل بسببه من الفداوية جماعة وكان لا يفارق الدرع أبدا، ولا ينام إلا في بيت العود والحديد. فلما مات السلطان محمد وولى ابنه أبو سعيد وقع ما سنذكره من أمر الجوبان، كبير أمرائه، وفرار ولده الدمرطاش إلى الملك الناصر. ووقعت المراسلة بين الملك الناصر وبين أبي سعيد، واتفقا على أن يبعث أبو سعيد إلى الملك الناصر برأس قرا سنقور، ويبعث إليه الملك الناصر برأس الدمرطاش. فبعث الملك الناصر براس الدمرطاش إلى أبي سعيد، فلما وصله أمر بحمل قراسنقور إليه، فلما عرف قراسنقور بذلك أخذ خاتما كان له مجوفا، في داخله سم ناقع، فنزع فصه، وامتص ذلك السم فمات لحينه، فعرف أبو سعيد بذلك الملك الناصر، ولم يبعث له برأسه.
ثم سافرت من حصون الفداوية إلى مدينة جبلة، وهي ذات أنهار مطردة وأشجار، البحر على نحو ميل منها. وبها قبر الولي الصالح الشهير إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه، وهو الذي نبذ الملك، وانقطع إلى الله تعالى، حسبما شهر ذلك. ولم يكن إبراهيم من بيت ملك كما يظنه الناس إنما ورث الملك عن جده أبي أمه. وأما أبوه أدهم فكان من الفقراء الصالحين السائحين المتعبدين الورعين المنقطعين.
رحلة ابن بطوطة - الجزء الأول | |
---|---|
مقدمة | صفحة: 2 | بدء الرحلة والخروج من طنجة | صفحة: 4 | صفحة: 5 | ذكر سلطان تونس | صفحة : 6 | ذكر أبوابها ومرساها | ذكر المنار | ذكر عمود السواري | ذكر بعض علماء الإسكندرية | حكاية | صفحة: 8 | صفحة: 9 | صفحة: 10 | صفحة: 11 | صفحة: 12 | صفحة: 13 | حكاية | صفحة: 14 | صفحة: 15 | ذكر مسجد عمرو بن العاص | ذكر قرافة مصر ومزاراتها | ذكر نيل مصر | ذكر الأهرام والبرابي | ذكر سلطان مصر | ذكر بعض أمراء مصر | ذكر القضاة بمصر في عهد دخولي إليها | حكاية | ذكر بعض علماء مصر وأعيانها | ذكر يوم المحمل | حكاية خصيب | حكاية | صفحة: 22 | صفحة: 23 | صفحة: 24 | ذكر المسجد المقدس | ذكر قبة الصخرة | ذكر بعض المشاهد المباركة بالقدس الشريف | ذكر بعض فضلاء القدس | صفحة: 26 | حكاية أبي يعقوب يوسف المذكور | صفحة: 28 | صفحة: 29 | صفحة: 30 | صفحة: 31 | حكاية | حكاية | حكاية أدهم | حكاية | حكاية | حكاية | صفحة: 38 | صفحة: 39 | ذكر جامع دمشق المعروف بجامع بني امية | صفحة: 40 | صفحة: 41 | صفحة: 42 | ذكر الأئمة بهذا المسجد | ذكر المدرسين والمعلمين به | ذكر قضاة دمشق | حكاية | ذكر مدارس دمشق | حكاية | ذكر أبواب دمشق | ذكر بعض المشاهد والمزارات بها | حكاية في سبب تسميته بذلك | حكاية | ذكر أرباض دمشق | ذكر قاسيون ومشاهده المباركة | ذكر الربوة والقرى التي تواليها | ذكر الأوقاف بدمشق وبعض فضائل أهلها وعوائدهم | صفحة: 48 • حكاية | صفحة: 49 | صفحة: 50 • ذكر سماعي بدمشق ومن أجازني من أهلها | صفحة: 51 | صفحة: 52 | صفحة: 53 • طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم • ذكر مسجد رسول الله وروضته الشريفة| صفحة: 54 | صفحة: 55 • حكاية | صفحة: 56 • ذكر خدام المسجد الشريف والمؤذنين به • حكاية • ذكر المجاورين بالمدينة الشريفة • حكاية | صفحة: 57 • ذكر أمير المدينة الشريفة • ذكر بعض المشاهد الكريمة بخارج المدينة الشريفة | صفحة: 58 • حكاية | صفحة: 59 | صفحة: 60 • ذكر مدينة مكة المعظمة • ذكر المسجد الحرام شرفه الله وكرمه | صفحة: 61 • ذكر الكعبة المعظمة الشريفة زادها الله تعظيما وتكريما • ذكر الميزاب المبارك | صفحة: 62 • ذكر الحجر الأسود • ذكر المقام الكريم • ذكر الحجر والمطاف | صفحة: 63 • ذكر زمزم • ذكر أبواب المسجد الحرام وما دار به من المشاهد الشريفة | صفحة: 64 • ذكر الصفا والمروة • ذكر الجبانة المباركة | صفحة: 65 • ذكر بعض المشاهد خارج مكة | صفحة: 66 • ذكر الجبال المطيفة بمكة | صفحة: 67 • حكاية • ذكر أميري مكة | صفحة: 68 • ذكر أهل مكة وفضائلهم • ذكر قاضي مكة وخطيبها | صفحة: 69 • حكاية مباركة • حكاية | صفحة: 70 • ذكر المجاورين بمكة • حكاية في فضيلة | صفحة: 71 • حكاية | صفحة: 72 | صفحة: 73 • حكاية • ذكر عادة أهل مكة في صلواتهم ومواضع أئمتهم | صفحة: 74 • ذكر عاداتهم في الخطبة وصلاة الجمعة • ذكر عاداتهم في استهلال الشهور • ذكر عادتهم في شهر رجب | صفحة: 75 • ذكر عمرة رجب | صفحة: 76 • ذكر عادتهم في ليلة النصف من شعبان • ذكر عادتهم في شهر رمضان المعظم | صفحة: 77 • ذكر عادتهم في شوال • ذكر إحرام الكعبة | صفحة: 78 • ذكر شعائر الحج وأعماله | صفحة: 79 • ذكر كسوة الكعبة • ذكر الانفصال عن مكة شرفها الله تعالى | صفحة: 80 | صفحة: 81 | صفحة: 82 • ذكر الروضة والقبور التي بها • ذكر نقيب الأشراف | صفحة: 83 • حكاية | صفحة: 84 | صفحة: 85 • مدينة واسط • حكاية | صفحة: 86 • مدينة البصرة • حكاية اعتبار | صفحة: 87 • ذكر المشاهدة المباركة بالبصرة | صفحة: 88 | صفحة: 89 • حكاية | صفحة: 90 • ذكر ملك إيذج وتستر • حكاية • حكاية | صفحة: 91 | صفحة: 92 | صفحة: 93 • كرامة لهذا الشيخ | صفحة: 94 | صفحة: 95 • حكاية | صفحة: 96 • ذكر سلطان شيراز | صفحة: 97 | صفحة: 98 • حكاية • حكاية تناسبها • حكاية تناسبها | صفحة: 99 • ذكر بعض المشاهد بشيراز | صفحة: 100 • كرامة لهذا الشيخ | صفحة: 101 • حكاية | صفحة: 102 • كرامة لبعضهم | صفحة: 103 • مدينة الكوفة | صفحة: 104 • مدينة بغداد | صفحة: 105 • ذكر الجانب الغربي من بغداد | صفحة: 106 • ذكر الجانب الشرقي منها • ذكر قبور الخلفاء ببغداد • وقبور بعض العلماء والصالحين بها | صفحة: 107 • ذكر سلطان العراقين وخراسان | صفحة: 108 | صفحة: 109 • ذكر المتغلبين على الملك بعد موت السلطان أبي سعيد | |