البداية والنهاية/الجزء الثاني/فصل: تفويض قصي أمر الوظائف لابنه عبد الدار
ثم لما كبر قصي فوض أمر هذه الوظائف التي كانت إليه من رئاسات قريش وشرفها من الرفادة والسقاية والحجابة واللواء والندوة إلى ابنه عبد الدار، وكان أكبر ولده، وإنما خصصه بها كلها لأن بقية أخوته عبد مناف، وعبد الشمس، وعبدا كانوا قد شرفوا في زمن أبيهم، وبلغوا في قوتهم شرفا كبيرا، فأحب قصي أن يلحق بهم عبد الدار في السؤدد فخصصه بذلك، فكان أخوته لا ينازعونه في ذلك.
فلما انقرضوا تشاجر أبناؤهم في ذلك وقالوا: إنما خصص قصي عبد الدار بذلك ليلحقه بإخوته، فنحن نستحق ما كان آباؤنا يستحقونه. وقال بنو عبد الدار: هذا أمر جعله لنا قصي فنحن أحق به، واختلفوا اختلافا كثيرا.
وانقسمت بطون قريش فرقتين: ففرقة بايعت عبد الدار وحالفتهم، وفرقة بايعت بني عبد مناف وحالفوهم على ذلك، ووضعوا أيديهم عند الحلف في جفنة فيها طيب، ثم لما قاموا مسحوا أيديهم بأركان الكعبة فسموا حلف المطيبين.
وكان منهم من قبائل قريش: بنو أسد بن عبد العزى بن قصي، وبنو زهرة، وبنو تيم، وبنو الحارث بن فهر، وكان مع بني عبد الدار بنو مخزوم، وبنو سهم، وبنو جمح، وبنو عدي. واعتزلت بنو عامر بن لؤي ومحارب بن فهر الجميع، فلم يكونوا مع واحد منهما. ثم اصطلحوا واتفقوا على أن تكون الرفادة والسقاية لبني عبد مناف، وأن تستقر الحجابة واللواء والندوة في بني عبد الدار، فانبرم الأمر على ذلك واستمر.
وحكى الأموي، عن الأشرم، عن أبي عبيدة قال: وزعم قوم من خزاعة أن قصيا لما تزوج حبى بنت حليل، ونقل حليل عن ولاية البيت جعلها إلى ابنته حبى، واستناب عنها أبا غبشان سليم بن عمرو بن لؤي بن ملكان بن قصي بن حارثة بن عمرو بن عامر، فاشترى قصي ولاية البيت منه بزق خمر وقعود، فكان يقال أخسر من صفقة أبي غبشان.
ولما رأت خزاعة ذلك اشتدوا على قصي فاستنصر أخاه، فقدم بمن معه وكان ما كان، ثم فوض قصي هذه الجهات التي كانت إليه من السدانة، والحجابة، واللواء، والندوة، والرفادة، والسقاية إلى ابنه عبد الدار كما سيأتي تفصيله وإيضاحه، وأقر الإجازة من مزدلفة في بني عدوان، وأقر النسيء في فقيم، وأقر الإجازة وهو النفر في صوفة، كما تقدم بيان ذلك كله مما كان بأيديهم قبل ذلك.
قال ابن إسحاق: فولد قصي أربعة نفر وامرأتين: عبد مناف، وعبد الدار، وعبد العزى، وعبدا، وتخمر، وبرة، وأمهم كلهم حبى بنت حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي وهو آخر من ولي البيت من خزاعة، ومن يده أخذ البيت قصي بن كلاب.
قال ابن هشام: فولد عبد مناف بن قصي أربعة نفر: هاشما، وعبد شمس، والمطلب، وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال. ونوفل بن عبد مناف وأمه واقدة بنت عمرو المازنية.
قال ابن هشام: وولد لعبد مناف أيضا أبو عمرو، وتماضر، وقلابة، وحية، وريطة، وأم الأخثم، وأم سفيان.
قال ابن هشام: وولد هاشم بن عبد مناف أربعة نفر، وخمس نسوة: عبد المطلب، وأسدا، وأبا صيفي، ونضلة، والشفا، وخالدة، وضعيفة، ورقية، وحية، فأم عبد المطلب ورقية: سلمى بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار من المدينة، وذكر أمهات الباقين.
قال: وولد عبد المطلب عشرة نفر، وست نسوة وهم: العباس، وحمزة، وعبد الله، وأبو طالب - واسمه عبد مناف - لا عمران، والزبير، والحارث، وكان بكر أبيه وبه كان يكنى، وجحل، ومنهم من يقول حجل، وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره، والمقوم، وضرار، وأبو لهب - واسمه عبد العزى - وصفية، وأم حكيم البيضاء، وعاتكة، وأميمة، وأروى، وبرة.
وذكر أمهاتهم إلى أن قال: وأم عبد الله، وأبي طالب، والزبير، وجميع النساء إلا صفية فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
قال ابن هشام: فولد عبد الله محمدا رسول الله ﷺ سيد ولد آدم وأمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي.
ثم ذكر أمهاتها فأغرق إلى أن قال: فهو أشرف ولد آدم حسبا وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمه، صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.
وقد تقدم حديث الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله ﷺ:
« إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى هاشما من قريش، واصطفاني من بني هاشم ».
رواه مسلم وسيأتي بيان مولده الكريم، وما ورد فيه من الأخبار والآثار وسنورد عند سرد النسب الشريف فوائد أخر ليست هاهنا إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان.