البداية والنهاية/الجزء الثامن/سنة أربع وأربعين
فيها: غزا عبد الرحمن بن خالد الوليد بلاد الروم ومعه المسلمون، وشتوا هنالك.
وفيها: غزا بسر بن أبي أرطاة في البحر.
وفيها: عزل معاوية عبد الله بن عامر عن البصرة، وذلك أنه ظهر فيها الفساد وكان ليِّنَ العريكة سهلا، يقال: أنه كان لا يقطع لصا، ويريد أن يتألف الناس، فذهب عبد الله بن أبي أوفى المعروف بابن الكوا فشكاه إلى معاوية، فعزل معاوية ابن عامر عن البصرة، وبعث إليها الحرث ابن عبد الله الأزدي.
ويقال: إن معاوية استدعاه إليه ليزوره فقدم ابن عامر على معاوية دمشق، فأكرمه ورده على عمله.
فلما ودعه قال له معاوية: ثلاث أسألكهن فقل هي لك وأنا ابن أم حكيم ترد عليّ عملي ولا تغضب.
قال ابن عامر: قد فعلت.
قال معاوية: وتهب لي مالك بعرفة.
قال: قد فعلت.
قال: وتهب لي دورك بمكة.
قال: قد فعلت.
فقال له معاوية: وصلتك رحما.
فقال ابن عامر: يا أمير المؤمنين، وإني سائلك ثلاثا فقل هي لك وأنا ابن هند.
قال: ترد عليَّ مالي بعرفة.
قال: قد فعلت.
قال: ولا تحاسب لي عاملا ولا أميرا.
قال: قد فعلت.
قال: وتنكحني ابنتك هندا.
قال: قد فعلت.
ويقال: إن معاوية خيره بين هذه الثلاث وبين الولاية على بصرة فاختار هذه الثلاث، واعتزل عن البصرة.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة استلحق معاوية زياد بن أبيه، فألحقه بأبي سفيان، وذلك أن رجلا شهد على إقرار أبي سفيان أنه عاهر بسمية أم زياد في الجاهلية، وأنها حملت بزياد هذا منه، فلما استلحقه معاوية قيل له: زياد بن أبي سفيان.
وقد كان الحسن البصري ينكر هذا الاستلحاق ويقول: قال رسول الله ﷺ: «الولد للفراش، وللعاهر الحجر».
وقال أحمد: ثنا هشيم، ثنا خالد، عن أبي عثمان، قال: لما ادَّعى زياد، لقيت أبا بكرة، فقلت: ما هذا الذي صنعتم، سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: سمعت أذني رسول الله ﷺ يقول: «من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام».
فقال أبو بكرة: وأنا سمعته من رسول الله ﷺ، أخرجناه من حديث أبي عثمان عنهما.
قلت: أبو بكرة واسمه نفيع، وأمه سمية أيضا.
وحج بالناس في هذه السنة معاوية.
وفيها: عمل معاوية المقصورة بالشام ومروان مثلها بالمدينة.