أدب الطلب/عدم الموضوعية في عرض حجج الخصوم
عدم الموضوعية في عرض حجج الخصوم
ومن أسباب الوقوع في غر الإنصاف والتمسك بذيل من الاعتساف أن يأخذ طالب الحق أدلة المسائل من مجاميع الفقه التي يعتزى مؤلفها إلى مذهب من المذاهب فإن من كان كذلك يبالغ في إيراد أدلة مذهبه ويطيل ذيل الكلام عليها ويصرح تارة بأنها أدلة وتارة بأنها حجج وتارة بأنها صحيحة ثم يطفف لخصمه المخالف فيورد أدلته بصيغة التمريض ويعنونها بلفظ الشبه وما يؤذي هذا المعنى فإذا اقتصر طالب الحق على النظر في مثل هذه المؤلفات وقع في الباطل وهو يظنه الحق وخالف الحق وهو يظنه الباطل والذي أوقعه في ذلك اقتصاره في البحث والنظر على ذلك الكتاب الذي ألفه ذلك المعتصب وإحسان الظن به وغفوله عن أن مواطن الأدلة هي مجاميع الحديث كالأمهات وما يلتحق بها وأن هؤلاء هم أهل العلم وأربابه الذين يعرفون صحيحة من فاسده كما قدمنا الإشارة إلى هذا ولا بأس بأن ينظر طالب الحق في كتب العلماء المشهورين بالإنصاف الذين لم يتعصبوا لمذهب من المذاهب ولا انتسبوا إلى عالم من العلماء فإنه يستفيد بمطالعة مؤلفات المصنفين كيفية العمل عند التعارض ويهتدي إلى مواقع الترجيح ومواطن ما يحق الاجتهاد على الوجه المطابق
وهكذا كتب الكلام وأصول الفقه فإن كل طائفة تصنع هذا الصنع في الغالب فتصف ما يوافق مذهبها بالحجج القواطع والأدلة الراجحة وتطفف للمخالف فتورد له ما لا يعجزون عن جوابه ودفعه ويتركون ما لا يتمكنون من دفعه وقد يذكرونه على وجه فيه مدخل للدفع ويلصقون به ما يفتح فيه أبواب المقال فليحذر المصنف من الركون على ما يورده المتذهبون لأنفسهم ولخصومهم من الحجج فإنه قد علق بكل طائفة من العداوة للأخرى ما يوجب عدم القبول من بعضهم في بعض وبالجملة فليبس المتعصب بأهل لأن يؤخذ الحق من مؤلفاته فإذا إذا لم ينتفع بالعلم ويهتدي بما علف منه فكيف يهتدي به غيره أو يتوصل بما جمعه إلى ما هو الحق فالمصاب بالعمى لا يقود الأعمى فإن فعل كانت ظلمات بعضها فوق بعضه والمريض لا يداوي من هو مصاب مثل مرضه ولو كان صادقا فيما يزعمه من اقتدار على المداواة كانت نفسه التي بين جنبيه أحق بذاك منه