أدب الطلب/الدلائل العامة والكليات
الدلائل العامة والكليات
ومما يستعين به طالب الحق ومريد الإنصاف على ما يريده من ربط المسائل بالدلائل والخروج من آراء الرجال المتلاعبة بأهلها من يمين إلى شمال أن يتدبر الدلائل العامة ويتفكر فيما يندرج تحتها من المسائل بوجه من وجوه الدلالة المعتبرة فإنه إذا تمرن في ذلك وتدرب صار مستحضرا لدليل كل ما يسأل عنه من الأحكام الشرعية كائنا ما كان وعرف معنى قوله عز وجل ما فرطنا في الكتاب من شيء ومن أمعن النظر فيما وقع منه ﷺ من استخراج الأحكام الشرعية من كتاب الله تعالى زاده ذلك بصيرة كما ثبت عنه أنه لما سئل عن الحمر الأهلية فقال لم أجد فيها إلا هذه الآية القائلة من يعلم مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فإن في هذا وأمثاله أعظم عبرة للمعتبرين وأجل بصيرة للمتبصرين وأوضح قدرة للمعتدين من العلماء المجتهدين وثبت أنه ﷺ قال لعمرو ابن العاص صليت بصحابك وأنت جنب يا عمرو فقال سمعت الله يقول ولا تقتلوا أنفسكم فقرره النبي ﷺ وضحك ولم يقل شيئا وهذا باب واسع يطول تعداده وهكذا التفكر في الكليات الصادرة عمن أعطى جوامع الكلم وأفصح من نطق بالضاد كقوله ﷺ إنما الأعمال بالنيات فإن هذا اللفظ الموجز والعبارة المختصرة صالحة للاستدلال بها على كل جزء من جزئيات الشرع فتدخل ما حصلت فيه النية في عداد الأعمال المقبولة ويخرج ما لم تحصل فيه النية إلى حيز الأعمال المردودة وتصير بها المباحات قربات وعبادات أقل أحوالها الاندراج تحت حقائق المندوبات ويبطل كثير من الصور والحاكية لما هو من العبادات بعقد النية وعدم وجودها لا على الوجه المعتبر وكقوله ﷺ كل بدعة ضلالة ومن غشنا فليس منا و الحلال بين والحرام بين وكل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد فإن كل فرد من أفراد هذه العبارات وأمثالها صالح لجعله قضية كبرى للشكل الأول فلا يبقى فرد من الأفراد إلا وأمكن إدراجه تحت هذه الكلية باجتلاب قضية صغرى سهلة الحصول نقول مثلا هذا أمر ليس عليه أمر النبي ﷺ وكل أمر ليس عليه أمره رد فهذا رد فلا يبقى فعل ولا قول ولا اعتقاد لم يأت به الشرع إلا وأمكن الاستدلال على رده بهذا الحديث الصحيح وهكذا العمل في سائر الكليات والمتحلى بالمعارف العلمية يستغني بمجرد الإشارة والإيقاظ لأن المواد قد حصلت له بما حصله من العلوم ومارسه من المعارف فربما يغفل عن إخراج ما في القوة إلى الفعل فإذا نبه على ذلك تنبه وكان العمل سهلا والانتفاع بالعلوم يسيرا