أدب الطلب/الاعتقادات الفاسدة في بعض الأموات
الاعتقادات الفاسدة في بعض الأموات
والأمر الثاني هذه الاعتقادات التي حدثت لهذه الأمة في صالحي الأموات حتى صار الرجل يقرن من يعتقده من الأموات بمن يقلده منهم فيقول إمامه في المذهب فلان وشيخه في الاعتقاد والمحبة فلان وهذا يقوله ظاهرا وهو لو كوشف ونطق بما في ضميره لقال وشيخه الذي يعول عليه في زعمه عند الشدائد في قضاء حاجاته ونيل مطالبه فلان وصمى صام من خلف وأمام فإن هذه الداهية الدهياء والمصيبة الصماء العمياء فقد كان أوائل المقلدة يعتمدون على أئمتهم في المسائل الشرعية ويعولون على آرائهم ويقفون عند اختياراتهم ويدعون نصوص الكتاب والسنة ولكنهم ا ينزلون حوائجهم بغير الله عز وجل ولا يناجون سواه ولا يرجون غيره ولا يعولون إلا عليه ولا يطلبون إلا منه فهم وإن خلطوا صومهم وصلاتهم وحجهم وزكاتهم وسائر عباداتهم ومعاملاتهم بآراء الرجال وقلدوا في كثير من تفاصيلها ما لم يأذن الله بتقليده وأخذوا دينهم على الوجه الذي لم يأمر الله به ولا ارتضاه لهم لكنهم لم يخلطوا في معنى لا إله إلا الله ولا تلاعبوا بالتوحيد ولا دخلوا في أدوار الشرك ومضايق الجحود وبلايا الجاهلية وما كانوا عليه وأما هؤلاء فعمدوا إلى جماعة من الأموات الذين لا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون فقصدوهم في المهمات وعكفوا على قبورهم ونذروا لهم النذور ونحروا لهم النحاير وفزعوا إليهم عند المهمات فتارة يطلبون منهم من الحاجات ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل وخصوهم بالنداء وأفردوهم بالطلب وتارة ينادونهم مع الله عز وجل ويصرخون بأسمائهم مع اسم الله سبحانه فيأتون بكلمات تقشعر لها جلود من يعلم معنى لا إله إلا الله ويعرف مدلول قل هو الله أحد وتلاعب بهم الشيطان في ذلك ونقلهم من مرتبة إلى مرتبة ومن منزلة إلى منزلة حتى استعظموا من جانب هؤلاء الأموات الذي خلقهم الله ورزقهم وأحياهم وأماتهم ما لا يستعظمونه من جانب بارئ البرية وخالق الخالق يستعظمون جل اسمه وتعالى قدره ولا إله غيره وأفضى ذلك إلى أن أحدهم يحلف بالله تعالى فاجرا ولا يحلف بمن يعتقده من الأموات ويقدم على المعصية في المساجد التي هي بيوت الله ولا يقدم عليها عند قبر من يعتقده وتزايد الشر وعظمت المحنة وتفاقمت المصيبة حتى صار كثير منهم ينسبون ما أصابهم من الخير في الأنفس والأموال والأهل إلى ذلك الميت وما أصابهم من الشر في ذلك إليه وقد صارت تحت أطباق الثرى وغيب عن أعين البشر وصار مشغولا عاجزا عن جر نفع إليه أو دفع ضر عنه منتظرا لما ينتظر له مثله من الأموات لا يدري ما نزل به من هؤلاء النوكاء ولا يشعر بما ألصقوه به ولو علم بذلك لجالدهم بالسيف ودفعهم بما يقدر عليه ومن أعظم الذرائع الشيطانية والوسائل الطاغوتية أنهم بالغوا في التأنق فين عمارة قبور من يعتقدونه من الصالحين ونصبوا عليها القباب وجعلوا على أبوابها الحجاب ووضعوا عليها من الستور العالية والآلات الرائعة ما يبهر الناظر إليه ويدخل الروعة في قلبه ويدعوه إلى التعظيم كما جبلت عليه طبائع العوام من دخول المهابة في قلوبهم والروعة في عقولهم بما يتعاطاه المريدون لذلك كما يفعله غالب ملوك الدنيا من المبالغة في تزيين منازلهم وتعظيمها والتألق في بنائها والاستكثار من الحجاب والخدم والصياح والجلبة وارتباط الأسود ونحوها من الحيوانات ولبس فاخر الثياب قاصدين بذلك تربية المهابة لهم والمخافة منهم وصنع هؤلاء القبوريون كصنعهم ففعلوا في الأموات من جوالب التعظيم وأسباب الهيبة ما يكون له من التأثير في قلوب من يزورهم من العامة ما لا يقادر قدره ثم يزيد ذلك قليلا قليلا حتى يحصل لهم من الاعتقاد في أولئك الأموات ما يقدح في إسلامهم ويخدش في توحيدهم ولو اتبع الناس ما أرشد إليه الشارع من تسوية القبور كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي الهياج قال قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ أن لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته ولا تمثالا إلا طمسته فانظر كيف بعث رسول الله ﷺ أميرا لهدم القبور المشرفة وطمس التماثيل هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثم بعث علي أيام خلافته أميرا على ذلك هو أبو الهياج وأخرج أبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث جابر أن النبي ﷺ نهى أن يجصص القبور وأن يبني عليه وأن يكتب عليه وأن يوطئ وأخرجه مسلم في صحيحه بدون ذكر الكتابة قال الحاكم النهي عن الكتابة على شرط مسلم وهي صحيحة غريبة قال والعمل من أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب على خلاف ذلك يعني يقررون كتابة الاسم من دون إنكار انتهى وأقول لا حجة في أحد خالف السنة الثابتة عن رسول الله ﷺ كائنا من كان قل عددهم أو كثر فليس لهم أن يشرعوا للناس غير ما شرعه الله بل يحملون على الخطأ وعدم العناية بأمر الشرع والتساهل في أمر الدين وما هذا بأول باب من أبواب الشرع أهمله الناس وخالفوا فيه السنن الواضحة والشرائع الثابتة ولا سميا بعد أن استعلى الجهل على العلم وغلبت آراء الرجال ما جاء في الكتاب والسنة وصار التقليد والتمذهب هو المعروف عند الجمهور وغيره المنكر ولا اعتبار بسكوت أهل العلم الذين هم أهله فإنهم مغلوبون مكثورون مخبوطون بسوط العامة الذين منهم السلاطين وجنودهم كما قدمنا الإشارة إلى هذا وأطباق أهل المشرق والمغرب على الكتابة هو كأطباقهم على رفع القبور وتجصيصها ووضع القباب عليها وجعلها مساجد فخالفوا ما تقدم عنه ﷺ مع مخالفتهم لما ثبت في الصحيح عنه ثبوتا لا يخالفه فيه مخالف من أن النبي ﷺ قال لا تجعلوا قبري مسجدا لا تجعلوا قبرى وثنا لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مسجدا وكان هذا القول من آخر ما قاله في مرض موته كما ثبت أن آخر ما قاله ﷺ الأمر بإخراج اليهود من جزيرة العرب وتنفيذ جيش أسامة ثم كان الواقع من أمته بعد هذا التأكيد أنهم بنوا على قبره الشريف قبة ومازال ملوك الإسلام يبالغون في تحسينها وتزيينها ورفع سمكها ووضعوا القباب ورفعوا القبور وكانوا يفعلون هذا بأهل الصلاح ثم تزايد الشر وصاروا يفعلون ذلك لمن له رئاسة دنيوية وإن كان من أفجر الفجرة وقد يوصي الميت في وصيته بذلك وأعجب من هذا كله تصريح جماعة من أهل الفقه بأنه لا بأس بذلك إذا كان الميت فاضلا ودونوه في مصنفاتهم التي هي مدارس الطلبة وضربوا ما ذكرناه من الأدلة في وجه من جاء به ورموا بها خلف الحائط ولم يردعهم دين ولا وزعهم حياء وقابلوا بما أسلفنا بقولهم أنه قد استحسن رفع هذه القباب وتزيين هذه القبور بعض السلف فلا كثر الله في أهل العلم من أمثال من استحسن مخالفة الشرع من السلف الذين صرتم تقولون عليهم بما لم يقولوه فإنه إذا صح ما تزعمونه من أنه استحسن ذلك بعض السلف فلا حجة في استحسان من استحسن مخالفة الشرع كائنا من كان فإنه أو مبتدع ومخالف للشرع وعاص لله ولرسوله وللشريعة المطهرة ولقد تزلزل بهذا السبب أقدام كثير من العباد عن الإسلام وذهب بهذه الذريعة إيمان جماهير من الأنام فإنا لله وإنا إليه راجعون فإنها لو كانت القبور على الصفة التي شرعها الله وعلمها الأمة رسول الله لم يحدث من هذه الاعتقادات الفاسدة شئ ولا يشك عاقل أن أعظم ما أدخل فاسد الاعتقاد في صدور كثير من العباد هو هذا الأمر مع سكوت العلماء عن البيان الذي أمرهم الله به ومجاملتهم للعامة إما مع علمهم بما في هذا الأمر من الخطر أو مع غلبة العادات الطارئة عليهم لما عندهم من العلم حتى ذهب ذلك بما يعلمونه ومحق بركته وأبطل ثمرته ومما أحكيه لك أنه كان يبلغني وأنا في الطلب للعلم والاشتغال به ما يصنعه أهل القطر التهامي من الاجتماع لزيارة جمعة من المعتقدين لديهم وما يحدث منهم عند ذلك من النهيق الذي لا يعود صاحبه إلى الإسلام سالما مع عدم إنكار من بتلك الديار من العلماء بل كان الكثير منهم يحضرون تلك المجامع ويشهدون تلك الزيارات فتكون المنكرات وما يحدث من أنواع الشرك بمرأى منهم ومسمع فكتب رسالة إلى العلماء من أهل تلك الديار على يد رجل من أهل العلم الراحلين إلى هنالك فلما عاد أخبرني بما حصل من الاستنكار منهم لما كتبته إليهم وعدم الاعتداد به والالتفات إليه فقضيت من ذلك العجب ثم لما ولى القضاء ببعض البيادر التهامية بعض علماء صنعاء الأكابر وشاهد من هذه المنكرات ما حمله على أن يحرر إلي سؤالا فأجبته برسالة مطولة سميتها الدر النضيد في إخلاص التوحيد وأمرته أن يكتب نسخا ويرسلها إلى القضاة في تلك الديار ففعل ولم يؤثر ذلك شيئا بل كتب كثير من علماء تلك الديار على رسالتي مناقشات واعتراضات فلم تمض إلا أيام قلائل حتى نزل بهم السيف وهدم الله تلك الطواغيب وذهب بتلك الاعتقادات الفاسدة فهي الآن صافية عن تلك الأمور التي كان يتلوث بها أهلها فلا يقدر أحد منهم أن يستغيث بغير الله سبحانه أو ينادي ميتا من الأموات أو يجري ذكره على لسانه ولكنه لم يغسل أدرانهم ويذيب بالكدورات التي كانت تشوب صافي إسلامهم إلا السيف وهو الحكم العدل في من استحكمت عليه نزعات الشيطان الرجيم ولم تردعه قوارع آيات الرحمن الرحيم