انتقل إلى المحتوى

منهاج السنة النبوية/52

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل

قال الرافضي السادس أنه كان مستجاب الدعاء دعا علي بسر بن أرطاة بأن يسلبه الله عزو جل عقله فخولط فيه ودعا على العيزار بالعمى فعمي ودعا على أنس لما كتم شهادته بالبرص فأصابه وعلى زيد بن أرقم بالعمى فعمي

والجواب أن هذا موجود في الصحابة أكثر منه وممن بعد الصحابة ما دام في الأرض مؤمن وكان سعد بن أبي وقاص لا تخطىء له دعوة وفي الصحيح عن النبي أنه قال: اللهم سدد رميته واجب دعوته وفي صحيح مسلم أن عمر لما أرسل إلى الكوفة من يسأل عن سعد فكان الناس يثنون خيرا حتى سئل عنه رجل من بني عبس فقال أما إذا أنشدتمونا سعدا فكان لا يخرج في السرية ولا يعدل في الرعية ولا يقسم بالسوية فقال سعد اللهم إن كان كاذبا قام رياء وسمعه فأطل عمر وعظم فقره وعرضه للفتن فكان يرى وهو شيخ كبير تدلى حاجباه من الكبر يتعرض للجواري يغمزهن في الطرقات ويقول شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد

وكذلك سعيد بن زيد كان مستجاب الدعوة فروى حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه أن أروى بنت أوس استعدت مروان على سعيد وقالت سرق من أرضي ما أدخله في أرضه فقال سعيد اللهم إن كانت كاذبة فأذهب بصرها واقتلها في أرضها فذهب بصرها وماتت في أرضها

والبراءة بن مالك كان يقسم على الله فيبر قسمه كما في الصحيح إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك والعلاء بن الحضرمي نائب رسول الله ثم نائب أبي بكر رضي الله عنه على البحرين مشهور بإجابة الدعاء روى ابن أبي الدنيا بإسناده قال سهم بن منجاب غزونا مع العلاء بن الحضرمي دارين فدعا بثلاث دعوات فاستجاب الله له فيهن كلهن قال سرنا معه ونزلنا منزلا وطلبنا الوضوء فلم نقدر عليه فقام فصلى ركعتين ثم دعا الله فقال الله يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك فاسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ من الإحداث وإذا تركناه فلا تجعل فيه نصيبا لأحد غيرنا قال فما جاوزنا غير بعيد فإذا نحن ببئر من ماء السماء تتدفق قال فنزلنا فروينا وملأت إدواتي ثم تركتها وقلت لأنظرن هل استجيب له فسرنا ميلا أو نحوه فقلت لأصحابي إني نسيت إدواتي فجئت إلى ذلك المكان فكأنما لم يكن فيه ماء قط فأخذت إدواتي فلما أتيت دارين وبيننا وبينهم البحر فدعا لله فقال الله يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك فاجعل لنا سبيلا إلى عدوك ثم اقتحم بنا البحر فوالله ما ابتلت سروجنا ثم خرجنا إليهم فلما رجعنا اشتكى البطن فمات فلم نجد ماء نغسله فلففناه في ثيابه فدفناه فلما سرنا غير بعيد إذا نحن بماء كثير فقال بعضهم لبعض ارجعوا نستخرجه فنغسله فرجعنا فخفى علينا قبره فلم نقدر عليه فقال رجل من القوم إني سمعته يدعو الله يقول اللهم يا عليم يا حكيم يا علي يا عظيم اخف حفرتي ولا تطلع على عورتي أحدا فرجعناه وتركناه

وقد كان عمر دعا بدعوات أجيب فيها من ذلك أنه لما نازعه بلال وطائفة معه في القسمة قسمة الأرض فقال اللهم اكفني بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف

وقال اللهم قد كبرت سني وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مفتون ولا مضيع فمات من عامه

ومثل هذا كثير جدا وقد صنف ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة كتابا مع أن هذه القصص المذكورة عن علي لم يذكر لها إسنادا فتتوقف على معرفة الصحة مع أن فيها ما هو كذب لا ريب فيه كدعائه عن أنس بالبرص ودعائه على زيد بن أرقم بالعمى

فصل

قال الرافضي السابع أنه لما توجه إلى صفين لحق أصحابه عطش شديد فعدل بهم قليلا فلاح لهم دبر فصاحوا بساكنه فسألوه عن الماء فقال بيني وبينه أكثر من فرسخين ولولا أني أوتي ما يكفيني كل شهر على التقتير لتلفت عطشا فأشار أمير المؤمنين إلى مكان قريب من الدير وأمر بكشفه فوجدوا صخرة عظيمة فعجزرا عن إزالتها فقلعها وحده ثم شربوا الماء فنزل إليهم الراهب فقال أنت نبي مرسل أو ملك مقرب فقال لا ولكني وصي رسول الله فأسلم على يده وقال إن هذا الدير بني على طالب هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها وقد مضى جماعة قبلي لم يدركوه وكان الراهب من جملة من استشهد معه ونظم القصة السيد الحميري في قصيدته

والجواب أن هذا من جنس أمثاله من الأكاذيب التي يظنها الجهال من أعظم مناقب علي وليست كذلك بل الذي وضع هذه كان جاهلا بفضل علي وبما يستحقه من الممادح فإن الذي فيه من المنقبة أنه أشار إلى صخرة فوجدوا تحتها الماء وأنه قلعها ومثل هذا يجري لخلق كثير علي رضي الله عنه أفضل منهم بل في المحبين لأبي بكر وعمر وعثمان من يجري لهم أضعاف هذا وأفضل من هذا وهذا وإن كان إذا جرى على يد بعض الصالحين كان نعمة من الله وكرامة له فقد يقع مثل ذلك لمن ليس من الصالحين كثيرا

وأما سائر ما فيها مثل قوله إن هذا الدير بنى على طالب هذه الصخرة ومخرج الماء من تحتها

فليس هذا من دين المسلمين وإنما تبنى الكنائيس والديارات والصوامع على أسماء المقتدية بسير النصارى فأما المسلمون فلا يبنون معابدهم وهي المساجد التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه إلا على اسم الله لا على اسم مخلوق

وقول الراهب أنت نبي مرسل أو ملك مقرب يدل على جهله وأنه من أضل الخلق فإن الملائكة لا تشرب الماء ولا تحتاج إلى أن تستخرجه من تحت صخرة ومحمد لا نبي بعده ومعلوم أن هذا الراهب قد سمع بخبر المسلمين الذين فتحوا تلك المواضع فإن كان يجوز أن يبعث رسول بعد المسيح فمحمد هو الرسول ومعجزاته ظاهرة باطنة فإن صدقه فقد علم أنه لا نبي بعده وإن لم يصدقه فكيف يعتقد في غيره أنه نبي مرسل بمجرد دلالته على ماء تحت صخرة أو لكون الدير بني على اسمه وهم وهم يبنون الديارات على أسماء خلق كثير ليسوا من الملائكة ولا الرسل

وما فيه من قول علي ولكني وصي رسول الله ، هو مما يبين أنه كذب على علي وأن عليا لم يدع هذا قط لا في خلافة الثلاثة ولا ليالي صفين وقد كانت له مع منازعيه مناظرات ومقامات ما ادعى هذا قط ولا ادعاه أحد له وقد حكم الحكمين وأرسل ابن عباس لمناظرة الخوارج فذكروا فضائله وسوابقه ومناقبه ولم يذكر أحد منهم قط أنه وصي رسول الله ومعلوم أن هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله بدون هذه الأسباب الموجبة لنقله لو كان حقا فكيف مع هذه الأسباب

فلما رووا فضائله ومناقبه كقوله عليه السلام: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله

وكقوله عام تبوك: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي

وقوله: أنت مني وأنا منك وغير ذلك من فضائله ولم يرووا هذا مع مسيس الحاجة إلى ذكره ولا ادعاه علي قط مع مسيس الحاجة إلى ذكره علم أنه من جملة ما افتراه الكذابون

فصل

قال الرافضي الثامن ما رواه الجمهور أن النبي لما خرج إلى بني المصطلق حيث خرجوا عن الطريق وأدركه الليل بقرب واد وعر فهبط جبريل وأخبره أن طائفة من كفار الجن قد استبطنوا الوادي يريدون كيده وإيقاع الشر بأصحابه فدعا بعلي وعوذه وأمره بنزول الوادي فقتلهم

والجواب أن يقال أولا علي أجل قدرا من هذا وإهلاك الجن موجود لمن هو دون علي لكن هذا الحديث من الأحاديث المكذوبة على رسول الله وعلى علي عند أهل المعرفة بالحديث ولم يجر في غزوة بني المصطلق شيء من هذا

وقوله إن هذا رواه الجمهور إن أريد بذلك أنه مروى بإسناد ثابت أو في كتاب يعتمد على مجرد نقله أو صححه من يرجع إلى تصحيحه فليس كذلك

وإن أراد أن جمهور العلماء رووه فهذا كذب وإن أراد أنه رواه من لا يقوم بروايته حجة فهذا لا يفيد

ومن هذا الجنس ما يروى أنه قاتل الجن في بئر ذات العلم وهو حديث موضوع عند أهل المعرفة

وعلي أجل قدرا من أن تثبت الجن لقتاله ولم يقاتل أحد من الإنس الجن بل كان الجن المؤمنون يقاتلون الجن الكفار

وكان من أهل المعرفة أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسي رحمه الله سأله بعض الشيعة عن قتال علي الجن فقال أنتم معشر الشيعة ليس لكم عقل أيما أفضل عندكم عمر أو علي فقالوا بل علي فقال إذا كان الجمهور يروون عن النبي أنه قال لعمر: ما رآك الشيطان سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك فإذا كان الشيطان يهرب من عمر فكيف يقاتل عليا

وأيضا فدفع الجن والشياطين وإهلاكهم موجود لكثير من أتباع أبي بكر وعمر وعثمان وفي ذلك قصص يطول وصفها

وقد روى ابن الجوزي في كتاب الموضوعات حديثا طويلا في محاربته للجن وأنه كان في الحج عام الحديبية وأنه حاربهم ببئر ذات العلم من طريق أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد السامري حدثنا عبد الله بن أحمد السكوني حدثنا عمار بن يزيد حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق حدثني يحيى بن عبيد الله بن الحارث عن أبيه عن ابن عباس قال لما توجه رسول الله يوم الحديبية إلى مكة أصاب الناس عطش شديد وحر شديد فنزل رسول الله الحجفة معطشا والناس عطاش فقال رسول الله : هل من رجل يمضي في نفر من المسلمين معهم القرب فيردون بئر ذات العلم ثم يعود يضمن له رسول الله الجنة

فذكر حديث طويلا فيه أنه بعث رجلا من الصحابة ففزع من الجن فرجع ثم بعث آخر وانشد شعرا فذعر من الجن فرجع ثم أرسل علي بن أبي طالب فنزل البئر وملأ القرب بعد هول شديد وأن النبي قال له: الذي هتف بك من الجن هو سماعة بن غراب الذي قتل عدو الله مسعرا شيطان الأصنام الذي يكلم قريشا منها وفزع من هجائي

ثم قال الشيخ أبو الفرج وهذا الحديث موضوع محال والفنيد ومحمد بن جعفر والسكوني مجروحون قال أبو الفتح الأودي وعمارة يضع الحديث

قلت وكتب ابن إسحاق التي رواها عنه الناس ليس فيها شيء من هذا

فصل

قال الرافضي التاسع رجوع الشمس له مرتين إحداهما في زمن النبي والثانية بعده أما الأولى فروى جابر وأبو سعيد الخدري أن رسول الله نزل عليه جبريل يوما يناجيه من عند الله فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المومنين فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس فصلى على العصر بالإيماء فلما استيقظ النبي قال له سل الله تعالى يرد عليك الشمس لتصلي العصر قائما فدعا فردت الشمس فصلى العصر قائما

وأما الثانية فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم وصلى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر وفات كثير منهم فتكلموا في ذلك فسأل الله رد الشمس فردت ونظمه الحميري فقال:

ردت عليه الشمس لما فاته ... وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

حتى تبلج نورها في وقتها ... للعصر ثم هوت هوى الكوكب

وعليه قد ردت ببابل مرة ... أخرى وما ردت لخلق معرب

والجواب أن يقال فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى مالا يعلم صدقه وحديث رد الشمس له قد ذكره طائفة كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما وعدوا ذلك من معجزات النبي لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع كما ذكره ابن الجوزي في كتاب الموضوعات فرواه من كتاب أبي جعفر العقيلي في الضعفاء من طريق عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء بنت عميس قالت كان رسول الله يوحي إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس فقال النبي : صليت يا علي قال لا فقال رسول الله : اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فقالت أسماء فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت قال ابو الفرج وهذا حديث موضوع بلا شك وقد اضطرب الرواة فيه فرواه سعيد بن مسعود عن عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن الحسين عن فاطمة بنت علي عن أسماء قال وفضيل بن مرزوق ضعفه يحيى وقال أبو حاتم بن حبان يروي الموضوعات ويخطىء على الثقات قال ابو الفرج وهدا الحديث مداره على عبيد الله بن موسى عنه

قلت والمعروف أن سعيد بن مسعود رواه عن عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن أسماء ورواه محمد بن مرزوق عن حسين الأشقر عن علي بن عاصم عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن الحسين عن فاطمة بنت علي عن أسماء كما سيأتي ذكره قال أبو الفرج وقد روى هذا الحديث ابن شاهين حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي حدثنا عبد الرحمن بن شريك حدثني أبي عن عروة بن عبد الله بن قشير قال دخلت على فاطمة بنت علي بن أبي طالب فحدثتني أن أسماءبنت عميس حدثتها أن علي بن أبي طالب وذكر حديث رجوع الشمس قال أبو الفرج وهذا حديث باطل أما عبدالرحمن بن شريك فقال أبو حاتم هو واهي الحديث قال وأنا لا أتهم بهذا الحديث الا ابن عقدة فإنه كان رافضيا يحدث بمثالب الصحابة قال أبو أحمد بن عدي الحافظ سمعت أبا بكر بن أبي طالب يقول ابن عقدة لا يتدين بالحديث كان يحمل شيوخا بالكوفة على الكذب يسوى لهم نسخا ويأمرهم أن يرووها وقد بينا ذلك منه في غير نسخة وسئل عنه الدارقطني فقال رجل سوء قال أبو الفرج وقد رواه ابن مردويه من حديث داود بن فراهيج عن أبي هريرة قال وداود ضعيف ضعفه شعبة

قلت فليس في هؤلاء من يحتج به فيما دون هذا

وأما الثاني ببابل فلا ريب أن هذا كذب وإنشاد الحميري لا حجة فيه لأنه لم يشهد ذلك والكذب قديم فقد سمعه فنظمه وأهل الغلو في المدح والذم ينظمون ما لا تتحقق صحته لا سيما والحميري معروف بالغلو

وقد أخرجا في الصحيحين عن أبي هريرة قال غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة يضع امرأة يريد أن يبني بها ولما يبن ولا رجل قد بنى بيتا ولم يرفع سقفه ولا رجل اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادها قال فغزوا فدنا من القرية حتى صلى العصر قريبا من ذلك فقال للشمس أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي شيئا فحسبت عليه حتى فتح الله عليه الحديث

فإن قيل فهذه الأمة أفضل من بني اسرائيل فإذا كانت قد ردت ليوشع فما المانع أن ترد لفضلاء هذه الأمة

فيقال يوشع لم ترد له الشمس ولكن تأخر غروبها طول له النهار وهذا قد لا يظهر للناس فإن طول النهار وقصره لا يدرك ونحن إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر

وأيضا لا مانع من طول ذلك لو شاء الله لفعل ذلك لكن يوشع كان محتاجا إلى ذلك لأن القتال كان محرما عليه بعد غروب الشمس لأجل ما حرم الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت وأما أمة محمد فلا حاجة لهم إلى ذلك ولا منفعة لهم فيه فإن الذي فاتته العصر إن كان مفرطا لم يسقط ذنبه إلا بالتوبة ومع التوبة لا يحتاج إلى رد وإن لم يكن مفرطا كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد الغروب

وأيضا فبنفس غروب الشمس حرج الوقت المضروب للصلاة فالمصلي بعد ذلك لا يكون مصليا في الوقت الشرعي ولو عادت الشمس

وقول الله تعالى وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها سورة طه 130 يتناول الغروب المعروف فعلى العبد أن يصلي قبل هذا الغروب وإن طلعت ثم غربت والأحكام المتعلقة بغروب الشمس حصلت بذلك الغروب فالصائم يفطر ولو عادت بعد ذلك لم يبطل صومه مع أن هذه الصورة لا تقع لأحد ولا وقعت لأحد فتقديرها تقدير ما لا وجود له ولهذا لا يوجد الكلام على حكم مثل هذا في كلام العلماء المفرعين وأيضا فالنبي فاتته العصر يوم الخندق فصلاها قضاء هو وكثير من أصحابه ولم يسأل الله رد الشمس

وفي الصحيح أن النبي قال لأصحابه بعد ذلك لما أرسلهم إلى بني قريظة: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريطة

فلما أدركتهم الصلاة في الطريق قال بعضهم لم يرد منا تفويت الصلاة فصلوا في الطريق فقالت طائفة لا نصلي إلا في بني قريظة فلم يعنف واحدة من الطائفتين.

فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلوا العصر بعد غروب الشمس وليس علي بأفضل من النبي فإذا صلاها هو وأصحابه معه بعد الغروب فعلي وأصحابه أولى بذلك

فإن كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزىء أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس كان رسول الله أولى برد الشمس وإن كانت كاملة مجزئة فلا حاجة إلى ردها

وأيضا فمثل هذه القضية من الأمور العظام الخارجة عن العادة التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها فإذا لم ينقلها إلا الواحد والاثنان علم بيان كذبهم في ذلك

وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس ومع هذا فقد رواه الصحابة من غير وجه وأخرجوه في الصحاح والسنن والمساند من غير وجه ونزل به القرآن فكيف برد الشمس التي تكون بالنهار ولا يشتهر ذلك ولا ينقله أهل العلم نقل مثله

ولا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها وإن كان كثير من الفلاسفة والطبيعين وبعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر وما يشبه ذلك فليس الكلام في هذا المقام لكن الغرض أن هذا من أعظم خوارق العادات في الفلك وكثير من الناس ينكر إمكانه فلو وقع لكان ظهوره ونقله أعظم من ظهور ما دونه ونقله فكيف يقبل وحديثه ليس له إسناد مشهور فإن هذا يوجب العلم اليقيني بأنه كذب لم يقع

وإن كانت الشمس احتجبت بغيم ثم ارتفع سحابها فهذا من الأمور المعتادة ولعلهم ظنوا أنها غربت ثم كشف الغمام عنها

وهذا وإن كان قد وقع ففيه أن الله بين له بقاء الوقت حتى يصلي فيه ومثل هذا يجري لكثير من الناس

وهذا الحديث قد صنف فيه مصنف جمعت فيه طرقه صنفه أبو القاسم عبد الله بن عبد الله ابن احمد الحكاني سماه مسألة في تصحيح رد الشمس وترغيب النواصب الشمس وقال هذا حديث روى عن النبي من طريق أسماء بنت عميس الخثعمية ومن طريق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن طريق أبي هريرة وأبي سعيد وذكر حديث أسماء من طريق محمد بن أبي فديك

قال أخبرني محمد بن موسى وهو القطري عن عون بن محمد عن أمه أم جعفر عن جدتها أسماء بنت عميس أن النبي الظهر ثم أرسل عليا في حاجة فرجع وقد صلى رسول الله يعني العصر فوضع رأسه في حجر علي ولم يحركه حتى غابت الشمس فقال رسول الله اللهم إن عبدك عليا في طاعتك وطاعة رسولك احتبس نفسه على نبيه فرد عليه شرقها قال أسماء فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال فقام علي فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس

قال أبو القاسم المصنف أم جعفر هذه هي أم محمد بن جعفر بن أبي طالب والراوي عنها هو ابنها عون بن محمد بن علي المعروف أبوه محمد بن الحنفية والراوي عنه هو محمد بن موسى المديني المعروف بالقطري محمود في روايته ثقة والراوي عنه محمد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني ثقة وقد رواه عنه جماعة منهم هذا الذي ذكرت روايته وهو أحمد بن الوليد الأنطاكي وقد رواه عنه نفر منهم أحمد بن عمير بن حوصاء وذكره بإسناده من طريقة وفيه أن النبي صلى الظهر بالصهباء ثم أرسل عليا في حاجة فرجع وقد صلى النبي العصر فوضع رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غربت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه فرد عليها شرقها قال أسماء فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض فقام علي وتوضأ وصلى العصر وذلك في الصهباء في غزوة خيبر

قال ومنهم أحمد بن صالح المصري عن ابن أبي فديك رواه أبو جعفر الطحاوي في كتاب تفسير متشابه الأخبار من تأليفه من طريقه

ومنهم الحسن بن داود عن ابن أبي فديك وذكره بإسناده ولفظه أن النبي الظهر بالصهباء من أرض خيبر ثم أرسل عليا في حاجة فرجع وقد صلى رسول الله العصر فوضع رسول الله رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غربت الشمس فاستيقظ وقال يا علي صليت العصر قال لا وذكره قال ويرويه عن اسماء فاطمة بنت الحسين الشهيد

ورواه من طريق أبي جعفر الحضرمي حدثنا محمد بن مرزوق حدثنا حسين الأشقر حدثنا فضيل بن مرزوق عن إبراهيم ابن الحسن عن فاطمة عن أسماء بنت عميس قالت نزل جبريل على النبي بعد ما صلى العصر فوضع رأسه أو خده لا أدري أيهما قال في حجر علي ولم يصل العصر حتى غابت الشمس وذكره قال المصنف ورواه عن فضيل بن مرزوق جماعة منهم عبيد الله ابن موسى العبسي ورواه الطحاوي من طريقه ولفظه كان رسول الله يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غابت الشمس

ورواه أيضا من حديث عمار بن مطر عن فضيل بن مرزوق من طريق أبي جعفر العقيلي صاحب كتاب الضعفاء

قلت وهذا اللفظ يناقض الأول ففيه أنه نام في حجره من صلاة العصر إلى غروب الشمس وأن ذلك في غزوة خيبر بالصهباء وفي الثاني أنه كان مستيقظا يوحى اليه جبريل ورأسه في حجر علي حتى غربت الشمس وهذا التناقض يدل على أنه غير محفوظ لأن هذا صرح بأنه كان نائما هذا الوقت وهذا قال كان يقظان يوحى إليه وكلاهما باطل فإن النوم بعد العصر مكروه منهى عنه والنبي تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف تفوت عليا صلاة العصر

ثم تفويت الصلاة بمثل هذا إما أن يكون جائزا وإما أنه لا يجوز فإن كان جائزا لم يكن على علي إثم إذا صلى العصر بعد الغروب وليس علي أفضل من النبي والنبي فاتته العصر يوم الخندق حتى غربت الشمس ثم صلاها ولم ترد عليه الشمس وكذلك لم ترد لسليمان لما توارت بالحجاب

وقد نام النبي ومعه علي وسائر الصحابة عن الفجر حتى طلعت الشمس ولم ترجع لهم إلى الشرق

وإن كان التفويت محرما فتفويت العصر من الكبائر وقال النبي : من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله

وعلي كان يعلم أنها الوسطى وهي صلاة العصر وقد روى عن النبي في الصحيحين لما قال: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس ملأ الله أجوافهم وبيوتهم نارا وهذا كان في الخندق وخيبر بعد الخندق

فعلي أجل قدرا من أن يفعل مثل هذه الكبيرة ويقره عليها جبريل ورسول الله ومن فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه وقد نزه الله عليا عن ذلك ثم إذا فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس

وأيضا فإذا كانت هذه القصة في خيبر في البرية قدام العسكر والمسلمون أكثر من ألف وابعمائة كان هذا مما يراه العسكر ويشاهدونه ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي عن نقله فيمتنع أن ينفرد بنقله الواحد والاثنان فلو نقله الصحابة لنقله منهم أهل العلم كما نقلوا أمثاله لم ينقله المجهولون الذين لا يعرف ضبطهم وعدالتهم

وليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت تعلم عدالة ناقليه وضبطهم ولا يعلم اتصال إسناده

وقد قال النبي عام خيبر: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فنقل ذلك غير واحد من الصحابة وأحاديثهم في الصحاح والسنن والمساند

وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة لا رواه أهل الصحيح ولا أهل السنن ولا المساند أصلا بل اتفقوا على تركه والإعراض عنه فكيف يكون مثل هذه الواقعة العظيمة التي هي لو كانت حقا من أعظم المعجزات المشهورة الظاهرة ولم يروها أهل الصحاح والمساند ولا نقلها أحد من علماء المسلمين وحفاظ الحديث ولا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة

والإسناد الأول رواه القطري عن عون عن أمه عن أسماء بنت عميس وعون وأمه ليسا ممن يعرف حفظهم وعدالتهم ولا من المعروفين بنقل العلم ولا يحتج بحديثهم في أهون الأشياء فكيف في مثل هذا ولا فيه سماع المرأة من أسماء بنت عميس فلعلها سمعت من يحكيه عن أسماء فذكرته

وهذا المصنف ذكر عن ابن أبي فديك أنه ثقة وعن القطري أنه ثقة ولم يمكنه أن يذكر عمن بعدهما أنه ثقة وإنما ذكر أنسابهم ومجرد المعرفة بنسب الرجل لا توجب أن يكون حافظا ثقة

وأما الإسناد الثاني فمداره على فضيل بن مرزوق وهو معروف بالخطأ على الثقات وإن كان لا يعتمد الكذب قال فيه ابن حبان يخطىء على الثقات ويروى عن عطية الموضوعات وقال فيه أبو حاتم الرازي لا يحتج به وقال فيه يحيى بن معين مرة هو ضعيف وهذا لا يناقضه قول أحمد بن حنبل فيه لا أعلم إلا خيرا وقول سفيان هو ثقة وقول يحيى مرة هو ثقة فإنه ليس ممن يتعمد الكذب ولكنه يخطىء وإذا روى له مسلم ما تابعه غيره عليه لم يلزم أن يروى ما انفرد به مع أنه لم يعرف سماعه عن إبراهيم ولا سماع إبراهيم من فاطمة ولا سماع فاطمة من أسماء

ولا بد في ثبوت هذا الحديث من أن يعلم أن كلا من هؤلاء عدل ضابط وأنه سمع من الآخر وليس هذا معلوما وإبراهيم هذا لم يرو له أهل الكتب المعتمدة كالصحاح والسنن ولا له ذكر في هذه الكتب بخلاف فاطمة بنت الحسين فإن لها حديثا معروفا فكيف يحتج بحديث مثل هذا ولهذا لم يروه أحد من علماء الحديث المعروفين في الكتب المعتمدة

وكون الرجل أبوه كبير القدر لا يوجب أن يكون هو من العلماء المأمونين على رسول الله فيما يرويه عنه وأسماء بنت عميس كانت عند جعفر ثم خلف عليها أبو بكر ثم خلف عليها علي ولها من كل من هؤلاء ولد وهم يحبون عليا ولم يرو هذا أحد منهم عن أسماء ومحمد بن أبي بكر الذي في حجر علي هو ابنها ومحبته لعلي مشهورة ولم يرو هذا عنها

وأيضا فأسماء كانت زوجة جعفر بن أبي طالب وكانت معه في الحبشة وإنما قدمت معه بعد فتح خيبر وهذه القصة قد ذكر أنها كانت بخيبر فإن كانت صحيحة كان ذلك بعد فتح خيبر وقد كان مع النبي ممن شهد خيبر أهل الحديبية ألف وأربعمائة وازداد العسكر بجعفر ومن قدم معه من الحبشة كأبي موسى الأشعري وأصحابه والحبشة الذين قدموا مع جعفر في السفينة وازدادوا أيضا بمن كان معهم من أهل خيبر فلم يرو هذا أحد من هؤلاء وهذا مما يوجب القطع بأن هذا من الكذب المختلق

والطعن في فضيل ومن بعده إذا تيقن بأنهم رووه وإلا ففي إيصاله إليهم نظر فإن الراوي الأول عن فضيل الحسين بن الحسن الأشقر الكوفي قال البخاري عنده مناكير وقال النسائي وقال الدارقطني ليس بالقوي وقال الأزدي ضعيف وقال السعدي حسين الأشقر غال من الشاتمين للخيرة وقال ابن عدي روى حديثا منكرا والبلاء عندي منه وكان جماعة من ضعفاء الكوفة يحيلون ما يروون عنه من الحديث فيه

وأما الطريق الثالث ففيه عمار بن مطر عن فضيل بن مرزوق قال العقيلي يحدث عن الثقات بالمناكير وقال الرازي كان يكذب أحاديث بواطل وقال ابن عدي متروك الحديث

والطريق الأول من حديث عبيد الله بن موسى العبسي وفي بعض طرقه عن فضيل وفي بعضها حدثنا فإذا لم يثبت أنه قال حدثنا أمكن أن لا يكون سمعه فإنه من الدعاة إلى التشيع الحراص على جمع أحاديث التشيع وكان يروي الأحاديث في ذلك عن الكذابين وهو من المعروفين بذلك وإن كانوا قد قالوا فيه ثقة وإنه لا يكذب فالله أعلم أنه هل كان يتعمد الكذب أم لا لكنه كان يروى عن الكذابين المعروفين بالكذب بلا ريب والبخاري لا يروى عنه إلا ما عرف به أنه صحيح من غير طريقه وأحمد بن حنبل لم يرو عنه شيئا قال المصنف وله روايات عن فاطمة سوى ما قدمنا

ثم رواه بطريق مظلمة يظهر أنها كذب لمن له معرفة منوطة بالحديث فرواه من حديث أبي حفص الكتاني حدثنا محمد بن عمر القاضي هو الجعاني حدثنا محمد بن إبراهيم بن جعفر العسكري من أصل كتابه حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم حدثنا خلف بن سالم حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان الثوري عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أمه عن فاطمة عن أسماء أن النبي دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس

وهذا مما لا يقبل نقله إلا ممن عرف عدالته وضبطه لا من مجهول الحال فكيف إذا كان مما يعلم أهل الحديث أن الثوري لم يحدث به ولا حدث به عبد الرزاق وأحاديث الثوري وعبدالرزاق يعرفها أهل العلم بالحديث ولهم أصحاب يعرفونها ورواه خلف بن سالم ولو قدر أنهم رووه فأم أشعث مجهولة لا يقوم بروايتها شيء

وذكر طريقا ثانيا من طريق محمد بن مرزوق حدثنا حسين الأشقر عن علي بن هاشم عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن الحسين عن فاطمة بنت علي عن أسماء بنت عميس الحديث

قلت وقد تقدم كلام العلماء في حسين الأشقر فلو كان الإسناد كلهم ثقات والإسناد متصل لم يثبت بروايته شيء فكيف إذا لم يثبت ذلك وعلي بن هاشم بن البريد قال البخاري هو وأبوه غاليان في مذهبهما وقال ابن حبان كان غاليا في التشيع يروى المناكير عن المشاهير وإخراج أهل الحديث لما عرفوه من غير طريقه لا يوجب أن يثبت ما انفرد به

ومن العجب أن هذا المصنف جعل هذا والذي بعده من طريق رواية فاطمة بنت الحسين وهذه فاطمة بنت علي لا بنت الحسين

وكذلك ذكر الطريق الثالث عنها من رواية عبد الرحمن بن شريك حدثنا أبي عن عروة بن عبد الله عن فاطمة بنت علي عن أسماء عن علي بن أبي طالب رفع إلى النبي وقد أوحى إليه فجلله بثوبه فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس يقول غابت أو كادت تغيب وأن نبي الله سرى عنه

فقال أصليت يا علي قال لا قال: اللهم رد على علي الشمس فرجعت الشمس حتى بلغت نصف المسجد. فيقتضي أنها رجعت إلى قريب وقت العصر وأن هذا كان بالمدينة وفي ذاك الطريق أنه كان بخيبر وأنها إنما ظهرت على رؤوس الجبال وعبد الرحمن بن شريك قال أبو حاتم الرازي هو واهي الحديث وكذلك قد ضعفه غيره

ورواه من طريق رابع من حديث محمد بن عمر القاضي وهو الجعاني عن العباس بن الوليد عن عباد وهو الرواجني حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن عبدالله بن الحسين أبي جعفر عن حسين المقتول عن فاطمة عن أسماء بنت عميس قالت كان يوم خيبر شغل عليا ما كان من قسم المغانم حتى غابت الشمس أو كادت فقال رسول الله أما صليت قال لا فدعا الله فارتفعت حتى توسطت السماء فصلى علي فلما غابت الشمس سمعت لها صريرا كصرير المنشار في الحديد

وهذا اللفظ الرابع يناقض الألفاظ الثلاثة المتناقضة وتبين أن الحديث لم يروه صادق ضابط بل هو في نفس الأمر مما اختلقه واحد وعملته يداه فتشبه به آخر فاختلق ما يشبه حديث ذلك والقصة واحده وفي هذا أن عليا إنما اشتغل بقسم المغانم لا برسول الله وعلي لم يقسم مغانم خيبر ولا يجوز الاشتغال بقسمتها عن الصلاة فإن خيبر بعد الخندق سنة سبع وبعد الحديبية سنة ست وهذا من المتواتر عند أهل العلم

والخندق كانت قبل ذلك إما سنة خمس أو أربع وفيها أنزل الله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى سورة البقرة 238 ونسخ التأخير بها يوم الخندق مع أنه كان للقتال عند أكثر أهل العلم ومن قال إنه لم ينسخ بل يجوز التأخير للقتال كأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين فلم يتنازع العلماء أنه لم يجز تفويت الصلاة لأجل قسم الغنائم فإن هذا لا يفوت والصلاة تفوت

وفي هذا انها توسطت المسجد وهذا من الكذب الظاهر فإن مثل هذا من أعظم غرائب العالم التي لو جرت لنقلها الجم الغفير وفيه أنها لما غابت سمع لها صرير كصرير المنشار وهذا أيضا من الكذب الظاهر فإن هذا لا موجب له أيضا والشمس عند غروبها لا تلاقى من الأجسام ما يوجب هذا الصوت العظيم الذي يصل من الفلك الرابع إلى الأرض ثم لو كان هذا حقا لكان من أعظم عجائب العالم التي تنقلها الصحابة الذين نقلوا ما هو دون هذا مما كان في خيبر وغير خيبر

وهذا الإسناد لو روى به ما يمكن صدقه لم يثبت به شيء فإن علي ابن هاشم بن البريد كان غاليا في التشيع يروى عن كل أحد يحرضه على ما يقوى به هواه ويروى عن مثل صباح هذا وصباح هذا لا يعرف من هو ولهم في هذه الطبقة صباح بن سهل الكوفي يروى عن حصين بن عبد الرحمن قال البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم منكر الحديث وقال الدارقطني ضعيف وقال ابن حبان يروى المناكير عن أقوام مشاهير لا يجوز الاحتجاج بخبره

ولهم آخر يقال له صباح بن محمد بن أبي حازم البجلي الأحمسي الكوفي يروى عن مرة الهمداني قال ابن حبان يروى عن الثقات الموضوعات

ولهم شخص يقال له صباح العبدي قال الرازي هو مجهول وآخر يقال له ابن مجالد مجهول يروى عنه بقية قال ابن عدي ليس بالمعروف هو من شيوخ بقية المجهولين

وحسين المقتول إن أريد به الحسين بن علي فذلك أجل قدرا من أن يروى عن واحد عن أسماء بنت عميس سواء كانت فاطمة أخته أو ابنته فإن هذه القصة لو كانت حقا لكان هو أخبر بها من هؤلاء وكان قد سمعها من أبيه ومن غيره ومن أسماء امرأة أبيه وغيرها لم يروها عن بنته أو أخته عن أسماء امرأة أبيه

ولكن ليس هو الحسين بن علي بل هو غيره أو هو عبد الله بن الحسن أبو جعفر ولهما أسوة أمثالهما

والحديث لا يثبت إلا برواية من علم أنه عدل ضابط ثقة يعرفه أهل الحديث بذلك ومجرد العلم بنسبتة لا يفيد ذلك ولو كان من كان وفي أبناء الصحابة والتابعين من لا يحتج بحديثه وإن كان أبوه من خيار المسلمين

هذا إن كان علي بن هاشم رواه وإلا فالراوي عنه عباد بن يعقوب الرواجني قال ابن حبان كان رافضيا داعية يرى المناكير عن المشاهير فاستحق الترك وقال ابن عدي روى أحاديث أنكرت عليه في فضائل أهل البيت ومثالب غيرهم والبخاري وغيره روى عنه من الأحاديث ما يعرف صحته وإلا فحكاية قاسم المطرز عنه أنه قال إن عليا حفر البحر وإن الحسن أجرى فيه الماء مما يقدح فيه قدحا بينا

قال المصنف قد رواه عن أسماء سوى هؤلاء وروى من طريق أبي العباس بن عقدة وكان من حفظه جماعا لأكاذيب الشيعة قال أبو أحمد بن عدي رأيت مشايخ بغداد يسيئون الثناء عليه يقولون لا يتدين بالحديث ويحمل شيوخا بالكوفة على الكذب ويسوى لهم نسخا ويأمرهم بروايتها وقال الدارقطني كان ابن عقدة رجل سوء قال ابن عقدة حدثنا يحيى بن زكريا أخبرنا يعقوب بن معبد حدثنا عمرو بن ثابت قال سألت عبد الله بن حسن بن حسن بن علي عن حديث رد الشمس على علي هل ثبت عندكم فقال لي ما أنزل الله في علي في كتابه أعظم من رد الشمس قلت صدقت جعلني الله فداك ولكني أحب أن أسمعه منك قال حدثني عبد الله حدثني أبي الحسن عن أسماء بنت عميس أنها قالت أقبل علي ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله فوافق رسول الله قد انصرف ونزل عليه الوحي فأسنده إلى صدره فلم يزل مسنده إلى صدره حتى أفاق رسول الله فقال أصليت العصر يا علي قال جئت والوحي ينزل عليك فلم أزل مسندك إلى صدري حتى الساعة فاستقبل رسول الله القبلة وقد غربت الشمس فقال اللهم إن عليا كان في طاعتك فارددها عليه قالت أسماء فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحي حتى ركدت في موضعها وقت العصر فقام علي متمكنا فصلى العصر فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى فلما غابت الشمس اختلط الظلام وبدت النجوم

قلت بهذا اللفظ الخامس يناقض تلك الألفاظ المتناقضة ويزيد الناظر بيانا في أنها مكذوبة مختلقة فإنه ذكر فيها أنها ردت إلى موضعها وقت العصر وفي الذي قبله إلى نصف النهار وفي الآخر حتى ظهرت على رؤوس الجبال وفي هذا أنه كان مسنده إلى صدره وفي ذاك أنه كان رأسه في حجره

وعبد الله بن الحسن لم يحدث بهذا قط وهو كان أجل قدرا من أن يروي مثل هذا الكذب ولا أبوه الحسن روى هذا عن أسماء وفيه ما أنزل الله في علي في كتابه أعظم من رد الشمس شيئا ومعلوم أن الله لم ينزل في علي ولا غيره في كتابه في رد الشمس شيئا

وهذا الحديث إن كان ثابتا عن عمرو بن ثابت الذي رواه عن عبد الله فهو الذي اختلقه فإنه كان معروفا بالكذب قال أبو حاتم بن حبان يروى الموضوعات عن الأثبات وقال يحيى بن معين ليس بشيء وقال مرة ليس بثقة ولا مأمون وقال النسائي متروك الحديث

قال المصنف وأما رواية أبي هريرة فأنبأنا عقيل بن الحسن العسكري حدثنا أبو محمد صالح بن أبي الفتح الشناسي حدثنا أحمد بن عمرو بن حوصاء حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه قال حدثنا داود بن فراهيج عن عمازة بن فرو عن أبي هريرة رضي الله عنه وذكره قال المصنف اختصرته من حديث طويل

قلت هذا إسناد مظلم لا يثبت به شيء عند أهل العلم بل يعرف كذبه من وجوه فإنه وإن كان داود بن فراهيج مضعفا كان شعبة يضعفه وقال النسائي ضعيف الحديث لا يثبت الإسناد إليه فإن فيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو الذي رواه عنه وعن عمارة قال البخاري أحاديثه شبه لا شيء وضعفه جدا وقال النسائي متروك ضعيف الحديث وقال الدارقطني منكر الحديث جدا وقال أحمد عنده مناكير وقال الدارقطني ضعيف

وإن كان حدث به إبراهيم بن سعيد الجوهري فالآفة من هذا وإن كان يقال إنه لم يثبته لا إلى إبراهيم بن سعيد الجوهري ولا إلى ابن حوصاء فإن هذين معروفان وأحاديثهما معروفقد رواها عنهما الناس ولهذا لما روى ابن حوصاء الطريق الأول كان الإسناد إليه معروفا عنه رواه بالأسانيد المعروفة لكن الآفة فيه ممن بعده وأما هذا فمن قبل ابن حوصاء لا يعرفون وإن قدر أنه ثابت عنه فالآفة بعده

وذكر أبو الفرج بن الجوزي أن ابن مردويه رواه من طريق داود بن فراهيج وذكر ضعف ابن فراهيج ومع هذا فالإسناد إليه فيه الكلام أيضا

قال المصنف وأما رواية أبي سعيد الخدري فأخبرنا محمد بن إسماعيل الجرجاني كتابه أن أبا طاهر محمد بن علي الواعظ أخبرهم أنبأنا محمد بن أحمد بن منعم أنبأنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر حدثني أبي عن أبيه محمد عن أبيه عبد الله عن أبيه محمد عن أبيه عمر قال قال الحسين بن علي سمعت أبا سعيد الخدري يقول دخلت على رسول الله فإذا رأسه في حجر علي وقد غابت الشمس فانتبه النبي وقال يا علي صليت العصر قال لا يا رسول الله ما صليت كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع فقال رسول الله ادع يا علي أن ترد عليك الشمس فقال علي يا رسول الله ادع أنت أومن قال يا رب إن عليا في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس قال ابو سعيد فوالله لقد سمعت للشمس صريرا كصرير البكرة حتى رجعت بيضاء نقية

قلت هذا الإسناد لا يثبت بمثله شيء وكثير من رجاله لا يعرفون بعدالة ولا ضبط ولا حمل للعلم ولا لهم ذكر في كتب العلم وكثير من رجاله لو لم يكن فيهم إلا واحد بهذه المنزلة لم يكن ثابتا فكيف إذا كان كثير منهم أو أكثرهم كذلك ومن هو معروف بالكذب مثل عمرو بن ثابت

وفيه أنه كان وجعا وأنه سمع صوتها حين طلعت كصرير البكرة وهذا باطل عقلا ولم يذكره أولئك ولو كان مثل هذا الحديث عن أبي سعيد مع محبته لعلي وروايته لفضائله لرواه عنه أصحابه المعروفون كما رووا غير ذلك من فضائل علي مثل رواية أبي سعيد عن النبي لما ذكر الخوارج قال: تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ومثل روايته أنه قال لعمار

تقتلك الفئة الباغية فمثل هذا الحديث الصحيح عن أبي سعيد بين فيه أن عليا وأصحابه أولى بالحق من معاوية وأصحابه فكيف لا يروى عنه مثل هذا لو كان صحيحا

ولم يحدث بمثل هذا الحسين ولا أخوه عمر ولا علي ولو كان مثل هذا عندهما لحدث به عنهما المعروفون بالحديث عنهما فإن هذا أمر عظيم

قال المصنف وأما رواية أمير المؤمنين فأخبرنا أبو العباس الفرغاني أخبرنا أبو الفضل الشيباني حدثنا رجاء بن يحيى الساماني حدثنا هارون بن مسلم بن سعيد بسامرا سنة أربعين ومائتين حدثنا عبد الله بن عمرو الأشعث عن داود بن الكميت عن عمه المستهل بن زيد عن زبي زيد بن سهلب عن جويرية بنت مسهر قالت خرجت مع علي فقال يا جويرية إن النبي كان يوحى إليه ورأسه في حجري وذكره

قلت وهذا الإسناد أضعف مما تقدم وفيه من الرجال المجاهيل الذين لا يعرف أحدهم بعدالة ولا ضبط وانفرادهم بمثل هذا الذي لو كان علي قاله لرواه عنه المعرفون من أصحابه وبمثل هذا الإسناد عن هذه المرأة ولا يعرف حال هذه المرأة ولا حال هؤلاء الذين رووا عنها بل ولا تعرف أعيانهم فضلا عن صفاتهم لا يثبت فيه شيء وفيه ما يناقض الرواية التي هي أرجح منه مع أن الجميع كذب فإن المسلمين رووا من فضائل علي ومعجزات النبي ما هو دون هذا وهذا لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث

وقد صنف جماعة من علماء الحديث في فضائل علي كما صنف الإمام أحمد فضائله وصنف أبو نعيم في فضائله وذكر فيها أحاديث كثيرة ضعيفة ولم يذكر هذا لأن الكذب ظاهر عليه بخلاف غيره وكذلك لم يذكره الترمذي مع أنه جمع في فضائل علي أحاديث كثير منها ضعيف وكذلك النسائي وأبو عمر بن عبدالبر وجمع النسائي مصنفا في خصائص علي

قال المصنف وقد حكى أبو جعفر الطحاوي عن علي بن عبد الرحمن عن أحمد بن صالح المصري أنه كان يقول لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء في رد الشمس لأنه من علامات النبوة

قلت أحمد بن صالح رواه من الطريق الأول ولم يجمع طرقه وألفاظه التي تدل من وجوه كثيرة على أنه كذب وتلك الطريق راويها مجهول عنده ليس معلوم الكذب عنده فلم يظهر له كذبه

والطحاوي ليست عادته نقد الحديث كنقد أهل العلم ولهذا روى في شرح معاني الآثار الأحاديث المختلفة وإنما يرجح ما يرجحه منها في الغالب من جهة القياس الذي رآه حجة ويكون أكثرها مجروحا من جهة الإسناد لا يثبت ولا يتعرض لذلك فإنه لم تكن معرفته بالإسناد كعرفة أهل العلم به وإن كان كثير الحديث فقيها عالما

قال المصنف وقال عبد الله البصري عود الشمس بعد مغيبها آكد حالا فيما يقتضي نقله لأنه وإن كان فضيلة لأمير المؤمنين فإنه من أعلام النبوة وهو مفارق لغيره من فضائله في كثير من أعلام النبوة

قلت وهذا من أظهر الأدلة على أنه كذب فإن أهل العلم بالحديث رووا فضائل علي التي ليست من أعلام النبوة وذكروها في الصحاح والسنن والمساند رووها عن العلماء الأعلام الثقات المعروفين فلو كان هذا مما رواه الثقات لكانوا أرغب في روايته وأحرص الناس على بيان صحته لكنهم لم يجدوا أحدا رواه بإسناد يعرف أهله بحمل العلم ولا يعرفون بالعدالة والضبط مع ما فيه من الأدلة الكثيرة على تكذيبه قال وقال أبو العباس بن عقدة حدثنا جعفر بن محمد بن عمرو أنبأنا سليمان بن عباد سمعت بشار بن دراع قال لقى أبو حنيفة محمد بن النعمان فقال عمن رويت حديث رد الشمس فقال عن غير الذي رويت عنه يا سارية الجبل قال المصنف وكل هذه أمارات ثبوت الحديث

قلت هذا يدل على أن أئمة أهل العلم لم يكونوا يصدقون بهذا الحديث فإنه لم يروه أمام من أئمة المسلمين وهذا أبو حنيفة أحد الأئمة المشاهير وهو لا يتهم على علي فإنه من أهل الكوفة دار الشيعة وقد لقي من الشيعة وسمع من فضائل علي ما شاء الله وهو يحبه ويتولاه ومع هذا أنكر هذا الحديث علي محمد بن النعمان وأبو حنيفة أعلم وأفقه من الطحاوي وأمثاله ولم يجبه ابن النعمان بجواب صحيح بل قال عن غير من رويت عنه حديث يا سارية الجبل

فيقال له هب أن ذلك كذب فأي شيء في كذبه مما يدل على صدق هذا فإن كان كذلك فأبو حنيفة لا ينكر أن يكون لعمر وعلي وغيرهما كرامات بل أنكر هذا الحديث للدلائل الكثيرة على كذبه ومخالفته للشرع والعقل وأنه لم يروه أحد من العلماء المعروفين بالحديث من التابعين وتابعيهم وهم الذين يروون عن الصحابة بل لم يروه إلا كذاب أو مجهول لا يعلم عدله وضبطه فكيف يقبل هذا من مثل هؤلاء

وسائر علماء المسلمين يودون أن يكون مثل هذا صحيحا لما فيه من معجزات النبي وفضيلة علي على الذين يحبونه ويتولونه ولكنهم لا يستجيزون التصديق بالكذب فردوه ديانة

فصل

قال الرافضي العاشر ما رواه أهل السير أن الماء زاد بالكوفة وخافوا الغرق ففزعوا إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فركب بغله رسول الله وخرج الناس معه فنزل على شاطىء الفرات فصلى ثم دعا وضرب صفحة الماء بقضيب كان في يديه فغاص الماء فسلم عليه كثير من الحيتان ولم ينطق الجري ولا المرماهى فسئل عن ذلك فقال أنطق الله ما طهره من السمك وأسكت ما أنجسه وأبعده

والجواب من وجوب أحدها المطالبة بأن يقال أين إسناد هذه الحكاية الذي يدل على صحتها وثبوتها وإلا فمجرد الحكايات المرسلة بلا إسناد يقدر عليه كل أحد لكن لا يفيد شيئا

الثاني أن بغله النبي لم تكن عنده

الثالث أن هذا لم ينقله أحد من أهل الكتب المعتمد عليهم ومثل هذه القصة لو كانت صحيحة لكانت مما تتوفر الهمم والدواعي على نقلها وهذا الناقل لم يذكر لها إسنادا فكيف يقبل ذلك بمجرد حكاية لا اسناد لها

الرابع أن السمك كله مباح كما ثبت عن النبي النبي أنه قال في البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتته، وقد قال تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة سورة المائدة 9وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على حل السمك كله وعلي مع سائر الصحابة يحلون هذه الأنواع فكيف يقولون إن الله أنجسه

ولكن الرافضة جهال يحرمون ما أحل الله بمثل هذه الحكاية المكذوبة

الخامس أن يقال نطق السمك ليس مقدورا له في العادة ولكن هو من خوارق العادات فالله تعالى هو الذي أنطق ما أنطق منها وأسكت ما أسكته إن كان قد وقع فأي ذنب لمن أسكته الله حتى يقال هو نجس

ومن جعل للعجماء ذنبا بأن الله لم ينطقها كان ظالما لها

وإن قال قائل بل الله أقدرها على ذلك فامتنعت منه، فيقال إقداره لها على ذلك لو وقع إنما كان كرامة لعلي رضي الله عنه والكرامة إنما تحصل بالنطق بالسلام عليه لا بمجرد القدرة عليه مع الامتناع منه فإذا لم يسلم عليه لم يكن في إقدارها مع امتناعها كرامة له بل فيه تحريم الطيبات على الناس فإن لحمها طيب وذلك من باب العقوبات

كما قال تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا سورة النساء 1620

وقد قيل إن تحريم ذلك كان من أخلاق اليهود وما هو من إخوانهم الرافضة ببعيد

السادس أن يقال المقصود هنا كان حاصلا بنضوب الماء فأما تسليم السمك فلم يكن إليه حاجة ولا كان هناك سبب يقتضي خرق العادة لتقوية الإيمان فإن ذلك يكون حجة وحاجة ولم يكن هناك حجة ولا حاجة

ألا ترى أن انفلاق البحر لموسى كان أعظم من نضوب الماء ولم يسلم السمك على موسى ولما ذهب موسى إلى الخضر وكان معه حوت مالح في مكتل فأحياه الله حتى انساب ونزل في الماء وصار البحر عليه سربا ولم يسلم على موسى ولا على يوشع والبحر دائما يجزر ويمد ولم يعرف أن السمك سلم على أحد من الصحابة والتابعين وغيرهم

وعلى أجل قدرا من أن يحتاج إلى إثبات فضائله بمثل هذه الحكايات التي تعلم العقلاء أنها من المكذوبات

فصل

قال الرافضي الحادي عشر روى جماعة أهل السير أن عليا كان يخطب على منبر الكوفة فظهر ثعبان فرقى المنبر وخاف الناس وأرادوا قتله فمنعهم فخاطبه ثم نزل فسأل الناس عنه فقال إنه حاكم الجن التبست عليه قصة فأوضحتها له وكان أهل الكوفة يسمون الباب الذي دخل منه الثعبان باب الثعبان فأراد بنو أمية إطفاء هذه الفضيلة فنصبوا على ذلك الباب قتلى مدة حتى سمى باب القتلى

والجواب أنه لا ريب أن من دون علي بكثير تحتاج الجن إليه وتستفتيه وتسأله وهذا معلوم قديما وحديثا فإن كان هذا قد وقع فقدره أجل من ذلك وهذا من أدنى فضائل من هو دونه وإن لم يكن وقع لم ينقص فضله بذلك

وإنما يحتاج أن يثبت فضيلة علي بمثل هذه الأمور من يكون مجدبا منها فأما من باشر أهل الخير والدين الذين لهم أعظم من هذه الخوارق أو رأى في نفسه ما هو أعظم من هذه الخوارق لم يكن هذا مما يوجب أن يفضل بها علي

ونحن نعلن أن من هو دون علي بكثير من الصحابة خير منا بكثير، فكيف يمكن مع هذا أن يجعل مثل هذا حجة على فضيلة علي على الواحد منا فضلا عن أبي بكر وعمر

ولكن الرافضة لجهلهم وظلمهم وبعدهم عن طريق أولياء الله سمعوا ليس لهم من كرامات الأولياء المتقين ما يعتد به فهم لإفلاسهم منها إذا سمعوا شيئا من خوارق العادات عظموه تعظيم المفلس للقليل من النقد والجائع للكسرة من الخبز

ولو ذكرنا ما باشرناه نحن من هذا الجنس مما هو أعظم من ذلك مما قد رآه الناس لذكرنا شيئا كثيرا

والرافضة لفرط جهلهم وبعدهم عن ولاية الله وتقواه ليس لهم نصيب كثير من كرامات الأولياء فإذا سمعوا مثل هذا عن علي ظنوا أن هذا لا يكون إلا لأفضل الخلق بل هذه الخوارق المذكورة وما هو أعظم منها يكون لخلق كثير من أمة محمد النبي المعروفين بأن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا خير منهم الذين يتولون الجميع ويحبونهم ويقدمون من قدم الله ورسوله لاسيما الذين يعرفون قدر الصديق ويقدمونه فإنهم أخص هذه الأمة بولاية الله وتقواه

واللبيب يعرف ذلك بطرق إما أن يطالع الكتب المصنفة في أخبار الصالحين وكرامات الأولياء مثل كتاب ابن أبي الدنيا وكتاب الخلال واللالكائي وغيرهم ومثل ما يوجد من ذلك في أخبار الصالحين مثل الحلية لأبي نعيم وصفوة الصفوة وغير ذلك

وإما أن يكون قد باشر من رأى ذلك وإما أن يخبره بذلك من هو عنده صادق، فما زال الناس في كل عصر يقع لهم من ذلك شيء كثير ويحكى ذلك بعضهم لبعض وهذا كثير في هذا كثير من المسلمين

وإما أن يكون بنفسه وقع له بعض ذلك

وهذه جيوش أبي بكر وعمر ورعيتها لهم من ذلك أعظم من ذلك مثل العلاء ابن الحضرمي وعبوره على الماء كما تقدم ذكره كما تقدم فإن هذا أعظم من نضوب الماء ومثل استقائه ومثل البقر الذي كلم سعد بن أبي وقاص في وقعة القادسية ومثل نداء عمر يا سارية الجبل وهو بالمدينة وسارية بنهاوند ومثل شرب خالد بن الوليد السم ومثل إلقاء أبي مسلم الخولاني في النار فصارت عليه النار بردا وسلاما لما ألقاه فيها الأسود العنسى المنتبىء الكذاب وكان قد استولى على اليمن فلما امتنع أبو مسلم من الإيمان به ألقاه في النار فجعلها الله عليه بردا وسلاما فخرج منها يمسح جبينه وغير ذلك مما يطول وصفه

ومما ينبغي أن يعلم أن خوارق العادات تكون لأولياء الله بحسب حاجتهم فمن كان بين الكفار أو المنافقين أو الفاسقين احتاج إليها لتقوية اليقين فظهرت عليه كظهور النور في الظلمة

فلهذا يوجد بعضها لكثير من المفضولين أكثر مما يوجد للفاضلين لحاجتهم إلى ذلك

وهذه الخوارق لا تراد لنفسها بل لأنها وسيلة إلى طاعة الله ورسوله فمن جعلها غاية له ويعبد لأجلها لعبت به الشياطين وأظهرت له خوارق من جنس خوارق السحرة والكهان فمن كان لا يتوصل إلى ذلك إلا بها كان أحوج إليها فتكثر في حقه أعظم مما تكثر في حق من استغنى عنها ولهذا كانت في التابعين أكثر منها في الصحابة

ونظير هذا في العلم علم الأسماء واللغات فإن المقصود بمعرفة النحو واللغة التوصل إلى فهم كتاب الله ورسوله وغير ذلك وأن ينحو الرجل بكلامه نحو كلام العرب والصحابة لما استغنوا عن النحو واحتاج إليه من بعدهم صار لهم من الكلام في قوانين العربية ما لا يوجد مثله للصحابة لنقصهم وكمال الصحابة وكذلك صار لهم من الكلام في أسماء الرجال وأخبارهم ما لا يوجد مثله للصحابة لأن هذه وسائل تطلب لغيرها فكذلك كثير من النظر والبحث احتاج إليه كثير من المتأخرين واستغنى عنه الصحابة

وكذلك ترجمة القرآن لمن لا يفهمه بالعربية يحتاج إليه من لغته فارسية تركية ورومية والصحابة لما كانوا عربا استغنوا عن ذلك

وكذلك كثير من التفسير والغريب يحتاج إليه كثير من الناس والصحابة استغنوا عنه

فمن جعل النحو ومعرفة الرجال والاصطلاحات النظرية والجدلية المعينة على النظر والمناظرة مقصودة لنفسها رأى أصحابها أعلم من الصحابة كما يظنه كثير ممن أعمى الله بصيرته ومن علم أنها مقصودة لغيرها علم أن الصحابة الذين علموا المقصود بهذه أفضل ممن لم تكن معرفتهم مثلهم في معرفة المقصود وإن كان بارعا في الوسائل

وكذلك الخوارق كثير من المتأخرين صارت عنده مقصودة لنفسها فيكثر العبادة والجوع والسهر والخلوة ليحصل له نوع من المكاشفات والتأثيرات كما يسعى الرجل ليحصل له من السلطان والمال وكثير من الناس إنما يعظم الشيوخ لأجل ذلك كما تعظم الملوك والأغنياء لأجل ملكهم وملكهم

وهذا الضرب قد يري أن هؤلاء أفضل من الصحابة ولهذا يكثر في هذا الضرب المنكوس الخروج عن الرسالة وعن أمر الله ورسوله ويقفون مع أذواقهم وإراداتهم لا عند طاعة الله رسوله ويبتلون بسلب الأحوال ثم الأعمال ثم أداء الفرائض ثم الإيمان

كما أن من أعطى ملكا ومالا فخرج فيه عن الشريعة وطاعة الله ورسوله واتبع فيه هواه وظلم الناس عوقب على ذلك إما بالعزل وإما بالخوف والعدو وإما بالحاجة والفقر وإما بغير ذلك

والمقصود لنفسه في الدنيا هو الاستقامة على ما يرضاه الله ويحبه باطنا وظاهرا فكلما كان الرجل أتبع لما يرضاه الله ورسوله وأتبع لطاعة الله ورسوله كان أفضل ومن حصل له المقصود من الإيمان واليقين والطاعة بلا خارق لم يحتج إلى خارق

كما أن صديق الأمة أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير وأمثالهم من السابقين الأولين لما تبين لهم أن محمدا النبي رسول الله آمنوا به ولم يحتاجوا مع ذلك من الخوارق إلى ما احتاج إليه من لم يعرف كمعرفتهم

ومعرفة الحق له أسباب متعددة وقد نبهنا على ذلك في غير هذا الموضع في تقرير الرسالة وأعلام النبوة وبينا أن الطريق إلى معرفة صدق الرسول كثيرة جدا وأن طريق المعجزات طريق من الطرق وأن من قال من النظار إن تصديق الرسول لا يمكن إلا بالمعجزة كان كمن قال إن معرفة الصانع لا تحصل إلا بالمعرفة بحدوث العالم

وهذا وأمثاله مما يقوله كثير من النظار الذين يحصرون نوعا من العلم بدليل معين يدعون أنه لا يحصل إلا بذلك مما أوجب تفرق الناس فطائفة توافقهم على ذلك فيوجبون على كل أحد مالم يوجبه الله ورسوله لا سيما إن كان ذلك الطريق الذي استدلوا به مقدوحا في بعض مقدماته كأدلتهم على حدوث العالم بحدوث الأجسام

وطائفة تقدح في الطرق النظرية جملة وتسد باب النظر والمناظرة وتدعى تحريم ذلك مطلقا واستغناء الناس عنه فتقع الفتنة بين هؤلاء وهؤلاء

وحقيقة الأمر أن طرق العلم متعددة وقد يغنى الله كثيرا من الناس عن تلك الطرق المعينة بل عن النظر بعلوم ضرورية تحصل لهم وإن كانت العبادة قد تعد النفس لتلك العلوم الضرورية حتى تحصل إلهاما وطائفة من الناس يحتاجون إلى النظر أو إلى تلك الطرق إما لعدم ما يحصل لغيرهم وإما لشبه عرضت لهم لا تزول إلا بالنظر

وكذلك كثير من الأحوال التي تعرض لبعض السالكين من الصعق والغشى والاضطراب عند الذكر وسماع القرآن وغيره ومن الفناءعن شهود المخلوقات بحيث يصطلم ويبقى لا يشهد قلبه إلا الله حتى يغيب بمشهوده عن نفسه فمن الناس من يجعل هذا لازما لا بد لكل من سلك منه ومنهم من يجعله هو الغاية ولا مقام وراءه ومنهم من يقدح في هذا ويجعله من البدع التي لم تنقل عن الصحابة

والتحقيق أن هذا أمر يقع لبعض السالكين بحسب قوة الوارد عليه وضعف القلب عن التمكين بحبه فمن لم يجد ذلك قد يكون لكمال قوته وكمال إيمانه وقد يكون لضعف إيمانه مثل كثير من البطالين والفساق وأهل البدع وليس هذا من لوازم الطرق بل قد يستغنى عنه كثير من السالكين وليس هو الغاية بل كمال الشهود بحيث يميز بين المخلوق والخالق ويشهد معاني أسماء الله وصفاته ولا يشغله هذا عن هذا هو أكمل في الشهود وأقوى في الإيمان ولكن من عرض له تلك الحال التي تعرض احتاج إلى ما يناسبها وهذه الأمور مبسوطة في غير هذا الموضع

لكن المقصود أن تعرف مرتبة الخوارق وأنها عند أولياء الله الذين يريدون وجهه ويحبون ما أحبه الله ورسوله في مرتبة الوسائل التي يستعان بها كما يستعان بغير الخوارق فإن لم يحتاجوا إليها استغناء بالمعتادات لم يتلفتوا إليها وأما عند كثير ممن يتبع هواه ويحب الرياسة عند الجهال ونحو ذلك فهي عندهم أعلى المقاصد

كما أن كثيرا من طلبة العلم ليس مقصودهم به إلا تحصيل رياسة أو مال ولكل امرىء ما نوى وأما أهل العلم والدين الذين هم أهله فهو مقصود عندهم لمنفعته لهم وحاجتهم إليه في الدنيا والآخرة كما قال معاذ بن جبل في صفة العلم إن طلبة لله عبادة ومذكراته تسبيح والبحث عنه جهاد وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة به يعرف الله ويعبدونه ويمجد الله ويوحد

ولهذا تجد أهل الانتفاع به يزكون به نفوسهم ويقصدون فيه اتباع الحق لا اتباع الهوى ويسلكون فيه سبيل العدل والإنصاف ويحبونه ويلتذون به ويحبون كثرته وكثرة أهله وتنبعث هممهم على العمل به وبموجبه ومقتضاه بخلاف ما لم يذق حلاوته وليس مقصوده إلا مالا أو رياسة فإن ذلك لو حصل له بطريق آخر سلكه وربما رجحه إذا كان أسهل عليه

ومن عرف هذا تبين له أن المقاصد التي يحبها الله ويرضاها التي حصلت لأبي بكر أكمل مما حصل لعمر والتي حصلت لعمر أكمل مما حصل لعثمان والتي حصلت لعثمان أكمل مما حصل لعلي وإن الصحابة كانوا أعلم الخلق بالحق وأتبعهم له وأحقهم بالعدل وإيتاء كل ذي حق حقه وأنه لم يقدح فيهم إلا مفرط في الجهل بالحقائق التي بها يستحق المدح والتفضيل وبما آتاهم الله من الهدى إلى سواء السبيل

ولهذا من لم يسلك في عبادته الطريق الشرعية التي أمر الله بها ورسوله وتعلقت همته بالخوارق فإنه قد يقترن به من الجن والشياطين من يحصل له به نوع من الخبر عن بعض الكائنات أو يطير به في الهواء أو يمشي به على الماء فيظن ذلك من كرامات الأولياء وأنه ولي لله ويكون سبب شركه أو كفره أو بدعته أو فسقه

فإن هذا الجنس قد يحصل لبعض الكفار وأهل الكتاب وغيرهم وقد يحصل لبعض الملحدين المنتسبين إلى المسلمين مثل من لا يرى الصلوات واجبة بل ولا يقر بأن محمدا رسول الله بل يبغضه ويبغض القرآن ونحو ذلك من الأمور التي توجب كفره ومع هذا تغويه الشياطين ببعض الخوارق كما تغوي المشركين كما كانت تقترن بالكهان والأوثان وهي اليوم كذلك في المشركين من أهل الهند والترك والحبشة وفي كثير من المشهورين في البلاد التي فيها الإسلام ممن هو كافر أو فاسق أو جاهل مبتدع كما قد بسط في موضع آخر

فصل

قال الرافضي الثاني عشر الفضائل إما نفسانية أو بدنية أو خارجية وعلى التقديرين الأولين فإما أن تكون متعلقة بالشخص نفسه أو بغيره وأمير المؤمنين علي جمع

الكل أما فضائله النفسانية المتعلقة به كعلمه وزهده وكرمه وحلمه فأشهر من أن تحصى والمتعلقة بغيره كذلك كظهور العلوم عنه واستيفاء غيره منه وكذا فضائله البدنية كالعبادة والشجاعة والصدقة وأما الخارجية كالنسب فلم يلحقه فيه أحد لقربه من النبي النبي وتزويجه إياه بابنته سيدة نساء العالمين

وقد روى أخطب خوارزم من كتاب السنة بإسناده عن جابر قال لما تزوج علي فاطمة زوجها الله إياه من فوق سبع سماوات وكان الخاطب جبريل وكان ميكائيل وإسرافيل في

سبعين ألفا من الملائكة شهودا فأوحى الله إلى شجرة طوبى انثري ما فيك من الدر والجوهر ففعلت فأوحى الله إلى الحور العين أن القطن فلقطن منهن إلى يوم القيامة وأورد أخبارا كثيرة في ذلك

وكان أولاده رضي الله عنه أشرف الناس بعد رسول الله النبي وبعد أبيهم وعن حذيفة بن اليمان قال رأيت النبي أخذ بيد الحسين بن علي فقال أيها الناس هذا الحسين ألا فاعرفوه وفضلوه فوالله لجده أكرم على الله من جد يوسف بن يعقوب هذا الحسين جده في الجنة وجدته في الجنة وأمه في الجنة وأبوه في الجنة وخاله في الجنة وعمه في الجنة

وعمته في الجنة وأخوه في الجنة وهو في الجنة ومحبوه في الجنة ومحبو محبيهم في الجنة

وعن حذيفة قال بت عند النبي النبي ذات ليلة فرأيت عنده شخصا فقال لي هل رأيت قلت نعم قال هذا ملك لم ينزل إلى منذ بعثت أتاني من الله فبشرني أن الحسن والحسين سيد شباب أهل الجنة

والأخبار في ذلك كثيرة وكان محمد بن الحنفية فاضلا عالما حتى ادعى قوم فيه الإمامة

والجواب أما الأمور الخارجية عن نفس الإيمان والتقوى فلا يحصل بها فضيلة عند الله تعالى وإنما يحصل بها الفضيلة عند الله إذا كانت معينة على ذلك فإنها من باب الوسائل لا المقاصد كالمال والسلطان والقوة والصحة ونحو ذلك فإن هذه الأمور لا يفضل بها الرجل عند الله إلا إذا أعانته على طاعة الله بحسب ما يعينه

قال الله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم سورة الحجرات 13

وفي الصحيحين عن النبيي النبي أنه سئل أي الناس أكرم فقال أتقاهم لله قيل ليس عن هذا نسألك قال يوسف نبي الله بن يعقوب نبي الله بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله

قيل ليس عن هذا نسألك قال أفعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا.

بين لهم أولا أن اكرم الخلق عند الله أتقاهم وإن لم يكن ابن نبي ولا أبا نبي فإبراهيم النبي أكرم على الله من يوسف وإن كان أبوه آزر وهذا أبوه يعقوب وكذلك نوح أكرم على الله من إسرائيل وإن كان هذا اولاده أنبياء وهذا أولاده ليسوا بأنبياء

فلما ذكروا أنه ليس مقصودهم إلا الأنساب قال لهم فأكرم أهل الأنساب من انتسب إلى الأنبياء وليس في ولد آدم مثل يوسف فإنه نبي ابن نبي ابن نبي

فلما أشاروا إلى أنه ليس مقصودهم إلا ما يتعلق بهم قال: أفعن معادن العرب تسألوني الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا بين أن الأنساب كالمعادن فإن الرجل يتولد منه كما يتولد من المعدن الذهب والفضة

ولا ريب أن الأرض التي تنبت الذهب أفضل من الأرض التي تنبت الفضة فهكذا من عرف أنه يلد الأفاضل كان أولاده أفضل ممن عرف أنه يلد المفضول لكن هذا سبب ومظنه وليس هو لازما فربما تعطلت أرض الذهب وربما قل نبتها فحينئذ تكون أرض الفضة أحب إلى الإنسان من أرض معطلة والفضة الكثيرة أحب إليهم من ذهب قليل لا يماثلها في القدر

فلهذا كان أهل الأنساب الفاضلة يظن بهم الخير ويكرمون لأجل ذلك فإذا تحقق من أحدهم خلاف ذلك كانت الحقيقة مقدمة على المظنة وأما ما عند الله فلا يثبت على المظان ولا على الدلائل إنما يثبت على ما يعلمه هو من الأعمال الصالحة فلا يحتاج إلى دليل ولا يجتزىء بالمظنة

فلهذا كان أكرم الخلق عنده أتقاهم فإذا قدر تماثل اثنين عنده في التقوى تماثلا في الدرجة وإن كان أبو أحدهما أو ابنه أفضل من أبي الآخر أو ابنه لكن إن حصل له بسبب نسبه زيادة في التقوى كان أفضل لزيادة تقواه

ولهذا حصل الأزواج النبي النبي إذا قنتن لله ورسوله وعملن صالحا لا لمجرد المصاهرة بل لكمال الطاعة كما أنهن لو أتين بفاحشة مبينة لضوعف لهن العذاب ضعفين لقبح المعصية

فإن ذا الشرف إذا ألزم نفسه التقوى كما تقواه أكمل من تقوى غيره

كما أن الملك إذا عدل كان عدله أعظم من عدل الرجل في أهله ثم إن الرجل إذا قصد الخير قصدا جازما وعمل منه ما يقدر عليه كان له أجر كامل

كما قال النبي النبي في الحديث الصحيح: إن بالمدينة رجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم قالوا وهم في المدينة قال وهم بالمدينة حبسهم العذر

ولهذا قال النبي النبي في الصحيح: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من أتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا وهذا مبسوط في موضع آخر ولهذا لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلا لا على ولد نبي ولا على أبي نبي وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم وإذا ذكر صنفا وأثنى عليهم فلما فيهم من الإيمان والعمل لا لمجرد النسب

ولما ذكر الأنبياء ذكرهم في الأنعام وهم ثمانية عشر قال ومن آبائهم وذرياتهم وإخواتهم وأجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم سورة الأنعام 87 فبهذا حصلت الفضيلة باجتبائه سبحانه وتعالى وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم لا بنفس القرابة

وقد يوجب النسب حقوقا ويوجب لأجله حقوقا ويعلق فيه أحكاما من الإيجاب والتحريم والإباحة لكن الثواب والعقاب والوعد والوعيد على الأعمال لا على الأنساب

ولما قال تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين سورة آل عمران 33 وقال أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما سورة النساء 54 كان هذا مدحا لهذا المعدن الشريف لما فيهم من الإيمان والعمل الصالح

ومن لم يتصف بذلك منهم لم يدخل في المدح كما في قوله تعالى ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون سورة الحديد 26 وقال تعالى وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين سورة الصافات 113

وفي القرآن الثناء والمدح للصحابة بإيمانهم وأعمالهم في غير آية كقوله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه سورة التوبة 10وقوله لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى سورة الحديد 1وقوله لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا سورة الفتح 1وقوله هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم سورة الفتح وقوله للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة سورة الحشر 8 9 وقوله محمد رسول الله والذين معه سورة الفتح 29 الآية

وهكذا في القرآن الثناء على المؤمنين من الأمة أولها وآخرها على المتقين والمحسنين والمقسطين والصالحين وأمثال هذه الأنواع

وأما النسب ففي القرآن إثبات حق لذوي القربى كما ذكروا هم في آية الخمس والفيء وفي القرآن أمر لهم بما يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا وفي القرآن الأمر بالصلاة على النبي وقد فسر ذلك بأن يصلى عليه وعلى آله وفي القرآن الأمر بمحبة الله ومحبه رسوله ومحبة أهله من تمام محبته وفي القرآن أن أزواجه أمهات المؤمنين

وليس في القرآن مدح أحد لمجرد كونه من ذوي القربى وأهل البيت ولا الثناء عليهم بذلك ولا ذكر استحقاقه الفضيلة عند الله بذلك ولا تفضيله على من يساويه في التقوى بذلك

وإن كان قد ذكر ما ذكره من اصطفاء آل إبراهيم واصطفاء بني إسرائيل فذاك أمر ماض فأخبرنا بي في جعله عبرة لنا فبين مع ذلك أن الجزاء والمدح بالأعمال

ولهذا ذكر ما ذكره من اصطفاء بني إسرائيل وذكر ما ذكره من كفر من كفر منهم وذنوبهم وعقوبتهم فذكر فيهم النوعين الثواب والعقاب

وهذا من تمام تحقيق أن النسب الشريف قد يقترن به المدح تارة إن كان صاحبه من أهل الإيمان والتقوى وإلا فإن ذم صاحبه أكثر كما كان الذم لمن ذم من بني إسرائيل وذرية إبراهيم وكذلك المصاهرة

قال تعالى ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهم من الله شيئا وقيل أدخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذا قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين سورة التحريم 10 1وإذا تبين هذا فيقال إذا كان الرجل أعجميا والآخر من العرب فنحن وإن كنا نقول مجملا إن العرب أفضل جملة فقد قال النبي فيما رواه أبو داود وغيره: لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب

وقال: إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء الناس رجلان مؤمن تقى وفاجر شقى

ولذلك إذا كان الرجل من أفناء العرب والعجم وآخر من قريش فهما عند الله بحسب تقواهما إن تماثلا فيها تماثلا في الدرجة عند الله وإن تفاضلا فيها تفاضلا في الدرجة وكذلك إذا كان رجل من بني هاشم ورجل من الناس أو العرب أو العجم فاضلهما عند الله أتقاهما فإن تماثلا في التقوى تماثلا في الدرجة ولا يفضل أحدهما عند الله لا بأبيه ولا ابنه ولا بزوجته ولا بعمه ولا بأخيه

كما أن الرجلين إن كانا عالمين بالطب أو الحساب أو الفقه أو النحو أو غير ذلك فأكملهما بالعلم بذلك أعلمهما به فإن تساويا في ذلك تساويا في العلم ولا يكون أحدهما أعلم بكون أبيه أو ابنه أعلم من الآخر وهكذا في الشجاعة والكرم والزهد والدين

إذا تبين ذلك فالفضائل الخارجية لا عبرة بها عند الله تعالى إلا أن تكون سببا في زيارة الفضائل الداخلية وحينئذ فتكون الفضيلة بالفضائل الداخلية وأما الفضائل البدنية فلا اعتبار بها إن لم تكن صادرة عن الفضيلة النفسانية

وإلا فمن صلى وصام وقاتل وتصدق بغير نية خالصة لم يفضل بذلك فالاعتبار بالقلب

كما في الصحيحين عن النبي أنه قال: ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب

وحينئذ فمن كان أكمل في الفضائل النفسانية فهو أفضل مطلقا وأهل السنة لا ينازعون في كمال علي وأنه في الدرجة العليا من الكمال وإنما النزاع في كونه أكمل من الثلاثة وأحق بالإمامة منهم وليس فيما ذكره ما يدل على ذلك

وهذا الباب للناس فيه طريقان

منهم من يقول إن تفضيل بعض الأشخاص على بعض عند الله لا يعلم إلا بالتوقيف فإن حقائق ما في القلوب ومراتبها عند الله مما استأثر الله به فلا يعلم ذلك إلا بالخبر الصادق الذي يخبر عن الله

ومنهم من يقول قد يعلم ذلك بالاستدلال

وأهل السنة يقولون إن كلا من الطريقين إذا أعطى حقه من السوك دل على أن كلا من الثلاثة أكمل من علي ويقولون نحن نقرر ذلك في عثمان فإذا ثبت ذلك في عثمان كان في أبي بكر وعمر بطريق الأولى فإن تفضيل أبي بكر وعمر على عثمان لم ينازع فيه أحد بل وتفضيلهما على عثمان وعلي لم يتنازع فيه من له عند الأمة قدر لا من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة السنة بل إجماع المسلمين على ذلك قرنا بعد قرن أعظم من إجماعهم على إثبات شفاعة نبينا في أهل الكبائر وخروجهم من النار وعلى إثبات الحوض والميزان وعلى قتال الخوارج ومانعي الزكاة وعلى صحة إجارة العقار وتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها

بل إيمان أبي بكر وعمر وعدالتهما مما وافقت عليه الخوارج مع تعنتهم وهم ينازعون أيمان علي وعثمان واتفقت الخوارج على تكفير علي وقدحهم فيه أكثر من قدحهم في عثمان والزيدية بالعكس والمعتزلة كان قدماؤهم يميلون إلى الخوارج ومتأخروهم يميلون إلى الزيدية كما أن الرافضة قدماؤهم يصرحون بالتجسيم ومتأخروهم على قول الجهمية والمعتزلة وكانت الشيعة الأولى لا يشكون في تقديم أبي بكر وعمر وأما عثمان فكثير من الناس يفضل عليه عليا وهذا قول كثير من الكوفيين وغيرهم وهو القول الأول للثورى ثم رجع عنه وطائفة أخرى لا تفضل أحدهما على صاحبه

وهو الذي حكاه ابن القاسم عن مالك عمن أدركه من المدنيين لكن قال ما أدركت أحدا ممن يقتدي به يفضل أحدهما على صاحبه وهذا يحتمل السكوت عن الكلام في ذلك فلا يكون قولا وهو الأظهر ويحتمل التسوية بينهما وذكر ابن القاسم عنه أنه لم يدرك أحدا ممن يقتدي به يشك في تقديم أبي بكر وعمر على عثمان وعلي

وأما جمهور الناس ففضلوا عثمان وعليه استقر أمر أهل السنة وهو مذهب أهل الحديث ومشايخ الزهد والتصوف وأئمة الفقهاء كالشافعي وأصحابه وأحمد وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه وإحدى الروايتين عن مالك وعليها أصحابه

قال مالك لا أجعل من خاض في الدماء كمن لم يخض فيها وقال الشافعي وغيره إنه بهذا قصد والى المدينة الهاشمي ضرب مالك وجعل طلاق المكره سببا ظاهرا

وهو أيضا مذهب جماهير أهل الكلام الكرامية والكلابية والأشعرية والمعتزلة

وقال أيوب السختياني من لم يقدم عثمان على علي فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار وهكذا قال أحمد والدارقطني وغيرهما أنهم اتفقوا على تقديم عثمان ولهذا تنازعوا فيمن لم يقدم عثمان هل يعد مبتدعا على قولين هما روايتان عن أحمد فإذا قام الدليل على تقديم عثمان كان ما سواه أوكد


منهاج السنة النبوية
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57