انتقل إلى المحتوى

منهاج السنة النبوية/46

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


فصل

قال الرافضي البرهان السادس والثلاثون قوله تعالى واركعوا مع الراكعين من طريق أبي نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في رسول الله وعلي خاصة وهما أول من صلى وركع وهذا يدل على فضيلته فيدل على إمامته الجواب من وجوه أحدها أنا لا نسلم صحة هذا ولم يذكر دليلا على صحته

الثاني أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم الحديث

الثالث أن هذه الآية في سورة البقرة وهي مدنية باتفاق المسلمين وهي في سياق مخاطبة لبني إسرائيل وسواء كان الخطاب لهم أو لهم وللمؤمنين فهو خطاب انزل بعد الهجرة وبعد أن كثر المصلون والراكعون ولم تنزل في أول الإسلام حتى يقال أنها مختصة بأول من صلى وركع

الرابع أن قوله مع الراكعين صيغة جمع ولو أريد النبي وعلي لقيل مع الراكعين بالتثنية وصيغة الجمع لا يراد بها اثنان فقط باتفاق الناس بل أما الثلاثة فصاعدا وأما الاثنان فصاعدا أما إرادة اثنين فقط فخلاف الإجماع

الخامس انه قال لمريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ومريم كانت قبل الإسلام فعلم انه كان راكعون قبل الإسلام فليس فيهم علي فكيف لا يكون راكعون في أول الإسلام ليس فيهم علي وصيغة الاثنين واحدة

السادس أن الآية مطلقة لا تخص شخصا بعينه بل أمر الرجل المؤمن أن يصلي مع المصلين وقيل المراد به الصلاة في الجماعة لان الركعة لا تدرك إلا بادراك الركوع

السابع انه لو كان المراد الركوع معهما لا نقطع حكمها بموتهما فلا يكون أحد مأمورا أن يركع مع الراكعين

الثامن أن قول القائل علي أول من صلى مع النبي ممنوع بل اكثر الناس على خلاف ذلك وان أبا بكر صلى قبله

التاسع انه لو كان أمرا بالركوع معه لم يدل ذلك على ان من ركع معه يكون هو الإمام فان عليا لم يكن إماما مع النبي وكان يركع معه

فصل

قال الرافضي البرهان السابع والثلاثون قوله تعالى واجعل لي وزيرا من أهلي من طريق أبي نعيم عن ابن عباس قال اخذ النبي بيد علي وبيدي ونحن بمكة وصلى أربع ركعات ورفع يده إلى السماء فقال اللهم موسى بن عمران سألك وأنا محمد نبيك أسألك أن تشرح لي صدري وتحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي علي بن أبي طالب أخي اشدد به أزرى أشركه في أمري قال ابن عباس سمعت مناديا ينادي يا احمد قد أوتيت ما سالت وهذا نص في الباب

والجواب المطالبة بالصحة كما تقدم أولا

الثاني أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث بل هم يعلمون أن هذا من أسمج الكذب على رسول الله

الثالث أن النبي لما كان بمكة في اكثر الأوقات لم يكن ابن عباس قد ولد وابن عباس ولد وبنو هاشم في الشعب محصور ون ولما هاجر رسول الله لم يكن ابن عباس بلغ سن التمييز ولا كان ممن يتوضأ ويصلي مع النبي فان النبي مات وهو لم يحتلم بعد وكان له عند الهجرة نحو خمس سنين أو اقل منها وهذا لا يؤمر بوضوء ولا صلاة فان النبي قال مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ومن يكون بهذا السن لا يعقل الصلاة ولا يحفظ مثل هذا الدعاء إلا بتلقين لا يحفظ بمجرد السماع

الرابع انهم قد قدموا في قوله إنما وليكم الله ورسوله وحديث التصدق بالخاتم في الصلاة أن النبي دعا بهذا الدعاء وهنا قد ذكروا انه قد دعا بهذا الدعاء بمكة قبل تلك الواقعة بسنين متعددة فان تلك كانت في سورة المائدة والمائدة من آخر القران نزولا وهذا في مكة فإذا كان قد دعا بهذا في مكة وقد استجيب له فأي حاجة إلى الدعاء به بعد ذلك بالمدينة بسنين متعددة

الخامس أنا قد بينا فيما تقدم وجوها متعددة في بطلان مثل هذا فان هذا الكلام كذب على رسول الله من وجوه كثيرة ولكن هنا قد زادوا فيه زيادات كثيرة لم يذكروها هناك وهي قوله أشركه في أمري فصرحوا هنا بان عليا كان شريكه في أمره كما كان هارون شريك موسى وهذا قول من يقول بنبوته وهذا كفر صريح وليس هو قول الأمامية وإنما هو من قول الغالية

وليس الشريك في الأمر هو الخليفة من بعده فانهم يدعون إمامته بعده ومشاركته له في أمره في حياته وهؤلاء الأمامية وإن كانوا يكفرون من يقول بمشاركته له في النبوة لكنهم يكثرون سوادهم في المقال والرجال بمن يعتقدون فيه الكفر والضلال وبما يعتقدون انه من الكفر والضلال لفرط منابذتهم للدين ومخالفتهم لجماعة المسلمين وبغضهم لخيار أولياء الله المتقين واعتقادهم فيهم انهم من المرتدين فهم كما قيل في المثل رمتني بدائها وانسلت

وهذا الرافضي الكذاب يقول وهذا نص في الباب، فيقال له يا دبير هذا نص في أن عليا شريكه في أمره في حياته كما كان هارون شريكا لموسى فهل تقول بموجب هذا النص أم ترجع عن الإحتجاج بأكاذيب المفترين وترهات إخوانك المبطلين

فصل

قال الرافضي البرهان الثامن والثلاثون قوله تعالى إخوانا على سرر متقابلين من مسند احمد بإسناده إلى زيد بن أبي أوفى قال دخلت على رسول الله مسجده فذكر قصة مؤاخاة رسول الله فقال علي لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين فعلت بأصحابك فان كان هذا من سخط الله علي فلك العقبى والكرامة فقال رسول الله والذي بعثني بالحق نبيا ما اخترتك لا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي وأنت معي في قصري في الجنة ومع ابنتي فاطمة فأنت أخي ورفيقي ثم تلا رسول الله إخوانا على سرر متقابلين المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض والمؤاخاة تستدعي المناسبة والمشاكلة فلما اختص علي بمؤاخاة النبي كان هو الإمام

والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة هذا الإسناد وليس هذا الحديث في مسند احمد ولا رواه احمد قط لا في المسند ولا في الفضائل ولا ابنه فقول هذا الرافضي من مسند احمد كذب وافتراء على المسند وإنما هو من زيادات القطيعي التي فيها من الكذب الموضوع ما اتفق أهل العلم على انه كذب موضوع رواه القطيعي عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي حدثنا حسين بن محمد الذارع حدثنا عبد المؤمن بن عباد حدثنا يزيد بن معن عن عبد الله بن شرحبيل عن زيد بن أبي أوفى

وهذا الرافضي لم يذكره بتمامه فان فيه عند قوله وأنت أخي ووارثي قال وما ارث منك يا رسول الله قال ما ورث الأنبياء من قبلي قال وما ورث الأنبياء من قبلك قال كتاب الله وسنة نبيهم

وهذا الإسناد مظلم انفرد به عبد المؤمن بن عباد أحد المجروحين ضعفه أبو حاتم عن يزيد بن معن ولا يدرى من هو فلعله الذي اختلقه عن عبد الله بن شرحبيل وهو مجهول عن رجل من قريش عن زيد بن أبي أوفى

الوجه الثاني أن هذا مكذوب مفترى باتفاق أهل المعرفة

الثالث أن أحاديث المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم مع بعض والانصار بعضهم مع بعض كلها كذب والنبي لم يؤاخ عليا ولا آخى بين أبي بكر وعمر ولا بين مهاجري ومهاجري لكن آخى بين المهاجرين والأنصار كما آخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء وبين علي وسهل بن حنيف

وكانت المؤاخاة في دور بني النجار كما اخبر بذلك انس في الحديث الصحيح لم تكن في مسجد النبي كما ذكر في الحديث الموضوع وإنما كانت في دار كان لبعض بني النجار وبناه في محلتهم فالمؤاخاة التي اخبر بها انس ما في الصحيحين عن عاصم بن سليمان الأحول قال قلت لأنس أبلغت أن رسول الله قال: لا حلف في الإسلام، فقال انس قد حالف رسول الله بين قريش والأنصار في داري

الرابع أن قوله في هذا الحديث أنت أخي ووارثي باطل على قول أهل السنة والشيعة فانه أن أراد ميراث المال بطل قولهم أن فاطمة ورثته وكيف يرث ابن العم مع وجود العم وهو العباس وما الذي خصه بالإرث دون سائر بني العم الذين هم في درجة واحدة وأن أراد وارث العلم والولاية بطل احتجاجهم بقوله وورث سليمان داود وقوله فهب لي من لدنك وليا يرثني

إذ لفظ الإرث إذا كان محتملا لهذا ولهذا أمكن أن أولئك الأنبياء ورثوا كما ورث علي النبي

وأما أهل السنة فيعلمون أن ما ورثه النبي من العلم لم يختص به علي بل كل من أصحابه حصل له نصيب بحسبه وليس العلم كالمال بل الذي يرثه هذا يرثه هذا ولا يتزاحمان إذ لا يمتنع أن يعلم هذا ما علمه هذا كما يمتنع أن يأخذ هذا المال الذي أخذه هذا

الوجه الخامس أن النبي قد اثبت الاخوة لغير علي كما في الصحيحين انه قال لزيد: أنت أخونا ومولانا

وقال له أبو بكر لما خطب ابنته الست أخي قال: أنا أخوك وبنتك حلال لي

وفي الصحيح انه قال في حق أبي بكر: ولكن اخوة الإسلام

وقال في الصحيح أيضا: وددت أن قد رأيت إخواني

قالوا اولسنا إخوانك يا رسول الله قال: لا انتم أصحابي ولكن إخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني

يقول انتم لكم من الاخوة ما هو أخص منها وهو الصحبة وأولئك لهم اخوة بلا صحبة

وقد قال تعالى إنما المؤمنون اخوة وقال : لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا أخرجاه في الصحيحين

وقال: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه

وقال: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه

وهذه الأحاديث وأمثالها في الصحاح وإذا كان كذلك علم أن مطلق المؤاخاة لا يقتضي التماثل من كل وجه ولا يقتضي المناسبة والمشاكلة من كل وجه بل من بعض الوجوه

وإذا كان كذلك فلم قيل إن مؤاخاة علي لو كانت صحيحة اقتضت الإمامة والأفضلية مع أن المؤاخاة مشتركة وثبت عن النبي في الصحاح من غير وجه انه قال لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر أن أمن الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر

وفي هذا إثبات لخصائص لأبي بكر لا يشركه فيها أحد غيره وهو صريح في انه ليس من أهل الأرض من هو احب إليه ولا أعلى منزلة عنده ولا ارفع درجة ولا اكثر اختصاصا به من أبي بكر

كما في الصحيحين قيل له أي الناس احب إليك قال: عائشة. قيل ومن الرجال قال: أبوها

وفي الصحيحين عن عمر انه قال أنت سيدنا وخيرنا واحبنا إلى رسول الله فهذه الأحاديث التي اجمع أهل العلم على صحتها وتلقيها بالقبول ولم يقدح فيها أحد من العلم تبين أن أبا بكر كان احب إليه وأعلى عنده من جميع الناس

وحينئذ فان كانت المؤاخاة دون هذه المرتبة لم تعارضها وأن كانت أعلي كانت هذه الأحاديث الصحيحة تدل على كذب أحاديث المؤاخاة وأن كنا نعلم أنها كذب بدون هذه المعارضة

لكن المقصود أن هذه الأحاديث الصحيحة تبين أن أبا بكر كان احب إلى رسول الله من علي وأعلى قدرا عنده منه ومن كل من سواه وشواهد هذا كثيرة

وقد روى بضعة وثمانون نفسا عن علي انه قال خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر رواها البخاري في الصحيح عن علي رضي الله عنه وهذا هو الذي يليق بعلي رضي الله عنه فانه من اعلم الصحابة بحق أبي بكر وعمر واعرفهم بمكانهما من الإسلام وحسن تأثيرهما في الدين حتى انه تمنى أن يلقى الله بمثل عمل عمر رضي الله عنهم أجمعين

وروى الترمذي وغيره مرفوعا عن علي رضي الله عنه عن النبي انه قال: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين لا تخبرهما يا علي

وهذا الحديث وأمثاله لو عورض بها أحاديث المؤاخاة وأحاديث الطير ونحوه لكانت باتفاق المسلمين اصح منها فكيف إذا انضم إليها سائر الأحاديث التي لا شك في صحتها مع الدلائل الكثيرة المتعددة التي توجب علما ضروريا لمن علمها أن أبا بكر كان احب الصحابة إلى النبي وافضل عنده من عمر وعثمان وعلي وغيرهم وكل من كان بسنة رسول الله وأحواله اعلم كان بهذا اعرف وإنما يستريب فيه من لا يعرف الأحاديث الصحيحة من الضعيفة فأما أن يصدق الكل أو يتوقف في الكل

وأما أهل العلم بالحديث الفقهاء فيه فيعلمون هذا علما ضروريا دع هذا فلا ريب أن كل من له في الأمة لسان صدق من علمائها وعبادها متفقون على تقديم أبي بكر وعمر كما قال الشافعي رضي الله عنه فيما نقله عنه البيهقي بإسناده قال لم يختلف أحد من الصحابة والتابعين في تفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وتقديمهما على جميع الصحابة

وكذلك أيضا لم يختلف علماء الإسلام في ذلك كما هو قول مالك وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه واحمد وأصحابه وداود وأصحابه والثورى وأصحابه والليث وأصحابه والاوزاعي وأصحابه وإسحاق وأصحابه وابن جرير وأصحابه وأبي ثور وأصحابه وكما هو قول سائر العلماء المشهورين إلا من لا يؤبه له ولا يلتفت إليه

وما علمت من نقل عنه في ذلك نزاع من أهل الفتيا إلا ما نقل عن الحسن بن صالح بن حي انه كان يفضل عليا وقيل أن هذا كذب عليه ولو صح هذا عنه لم يقدح فيما نقله الشافعي من الإجماع فان الحسن بن صالح لم يكن مكن التابعين ولا من الصحابة والشافعي ذكر إجماع الصحابة والتابعين على تقديم أبي بكر ولو قاله الحسن فإذا أخطأ واحد من مائة ألف إمام أو اكثر لم يكن ذلك بمنكر

وليس في شيوخ الرافضة إمام في شيء من علوم الإسلام لا علم الحديث ولا الفقه ولا التفسير ولا القرآن بل شيوخ الرافضة إما جاهل وإما زنديق كشيوخ أهل الكتاب

بل السابقون الأولون وأئمة السنة والحديث متفقون على تقديم عثمان ومع هذا انهم لم يجتمعوا على ذلك رغبة ولا رهبة بل مع تباين آرائهم وأهوائهم وعلومهم واختلافهم وكثرة اختلافاتهم فيما سوى ذلك من مسائل العلم فأئمة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم متفقون على هذا ثم من بعدهم كمالك بن انس وابن أبي ذئب وعبد العزيز بن الماجشون وغيرهم من علماء المدينة

ومالك يحكي الإجماع عمن لقيه انهم لم يختلفوا في تقديم أبي بكر وعمر وابن جريج وابن عيينة وسعد بن سالم ومسلم بن خالد وغيرهم من علماء مكة وأبي حنيفة والثوري وشريك بن عبد الله وابن أبي ليلى وغيرهم من فقهاء الكوفة وهي دار الشيعة حتى كان الثوري يقول من قدم عليا على أبي بكر ما أرى أن يصعد له إلى الله عمل رواه أبو داود في سننه

وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وسعيد بن أبي عروبة وأمثالهم من علماء البصرة والاوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وغيرهم من علماء الشام والليث وعمرو بن الحارث وابن وهب وغيرهم من علماء مصر ثم مثل عبد الله بن المبارك ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن ومثل الشافعي واحمد بن حنبل واسحق ابن إبراهيم وإبي عبيد ومثل لالبخاري وأبي داود وإبراهيم الحربي ومثل الفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي والسرى السقطي والجنيد وسهل بن عبد الله التستري ومن لا يحصي عدده إلا الله ممن له في الإسلام لسان صدق كلهم يجزمون بتقديم أبي بكر وعمر كما يجزمون بإمامتهما مع فرط اجتهادهم في متابعة النبي وموالاته فهل يوجب هذا إلا ما علموه من تقديمه هو لأبي بكر وعمر وتفضيله لهما بالمحبة والثناء والمشاورة وغير ذلك من أسباب التفضيل

فصل

قال الرافضي البرهان التاسع والثلاثون قوله تعالى وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة أنا كنا عن هذا غافلين في كتاب الفردوس لابن شيرويه يرفعه عن حذيفة بن اليمان قال رسول الله لو يعلم الناس متى سمي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد قال تعالى وإذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على انفسهم الست بربكم قالت الملائكة بلى فقال تبارك وتعالى أنا ربكم ومحمد نبيكم وعلي أميركم وهو صريح في الباب

والجواب من وجوه أحدها منع الصحة والمطالبة بتقريرها وقد اجمع أهل العلم بالحديث على أن مجرد رواية صاحب الفردوس لا تدل على أن الحديث صحيح فابن شيرويه الديلمي الهمذاني ذكر في هذا الكتاب أحاديث كثيرة صحيحة وأحاديث حسنة وأحاديث موضوعة وأن كان من أهل العلم والدين ولم يكن ممن يكذب هو لكنه نقل ما في كتب الناس والكتب فيها الصدق والكذب ففعل كما فعل كثير من الناس في جمع الأحاديث أما بالأسانيد وأما محذوفة الأسانيد

الثاني أن هذا الحديث كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث

الثالث أن الذي في القران انه قال الست بربكم قالوا بلى ليس فيه ذكر النبي ولا الأمير وفيه قوله أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم فدل على أنه ميثاق التوحيد خاصة ليش فيه ميثاق النبوة فكيف ما دونها

الرابع أن الأحاديث المعروفة في هذا التي في المسند والسنن والموطأ وكتب التفسير وغيرها ليس فيها شيء من هذا ولو كان ذلك مذكورا في الأصل لم يهمله جميع الناس وينفرد به من لا يعرف صدقه بل يعرف انه كذب

الخامس أن الميثاق اخذ على جميع الذرية فيلزم أن يكون علي أميرا على الأنبياء كلهم من نوح إلى محمد وهذا كلام المجانين فان أولئك ماتوا قبل أن يخلق الله عليا فكيف يكون أميرا عليهم

وغاية ما يمكن أن يكون أميرا على أهل زمانه أما الإمارة على من خلق قبله وعلى من يخلق بعده فهذا من كذب من لا يعقل ما يقول ولا يستحي فيما يقول

ومن العجب أن هذا الحمار الرافضي الذي هو أحمر من عقلاء اليهود الذين قال الله فيهم مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا والعامة معذورون في قولهم الرافضي حمار اليهودي وذلك أن عقلاء اليهود يعلمون أن هذا ممتنع عقلا وشرعا وأن هذا كما يقال خر عليهم السقف من تحتهم فيقال لا عقل ولا قرآن

وكذلك كون علي أميرا على ذرية آدم كلهم وإنما ولد بعد موت آدم بألوف السنين وأن يكون أميرا على الأنبياء الذين هم متقدمون عليه في الزمن والمرتبة وهذا من جنس قول ابن عربي الطائي وأمثاله من ملاحدة المتصوفة الذين يقولون إن الأنبياء كانوا يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء الذي وجد بعد محمد بنحو ستمائة سنة فدعوى هؤلاء في الإمامة من جنس دعوى هؤلاء في الولاية وكلاهما يبني أمره على الكذب والغلو والشرك والدعاوي الباطلة ومناقضة الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة

ثم أن هذا الحمار الرافضي يقول وهو صريح في الباب فهل يكون هذا حجة عند أحد من أولي الألباب أو يحتج بهذا من يستحق أو يؤهل للخطاب فضلا عن أن يحتج به في تفسيق خيار هذه الأمة وتضليلهم وتكفيرهم وتجهيلهم

ولولا أن هذا المعتدي الظالم قد اعتدى على خيار أولياء الله وسادات أهل الأرض خير خلق الله بعد النبيين اعتداء يقدح في الدين ويسلط الكفار والمنافقين ويورث الشبه والضعف عند كثير من المؤمنين لم يكن بنا حاجة إلى كشف أسراره وهتك أستاره والله حسيبه وحسيب أمثاله

فصل

قال الرافضي البرهان الأربعون قوله تعالى فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير اجمع المفسرون أن صالح المؤمنين هو علي روى أبو نعيم بإسناده إلى أسماء بنت عميس قالت سمعت رسول الله يقرأ هذه الآية وأن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين قال صالح المؤمنين علي بن أبي طالب واختصاصه بذلك يدل عل أفضليته فيكون هو الإمام والآيات في هذا المعنى كثيرة اقتصرنا على ما ذكرنا للاختصار

والجواب من وجوه أحدها قوله اجمع المفسرون على أن صالح المؤمنين هو علي كذب مبين فانهم لم يجمعوا على هذا ولا نقل الإجماع على هذا أحد من علماء التفسير ولا علماء الحديث ونحوهم ونحن نطالبهم بهذا النقل ومن نقل هذا الإجماع

الثاني أن يقال كتب التفسير مملوءة بنقيض هذا قال ابن مسعود وعكرمة ومجاهد والضحاك وغيرهم هو أبو بكر وعمر وذكر هذا جماعة من المفسرين كابن جرير الطبري وغيره

وقيل هو أبو بكر رواه مكحول عن أبي امامة

وقيل عمر قاله سعيد بن جبير ومجاهد

وقيل خيار المؤمنين قاله الربيع بن انس وقيل هم الأنبياء قاله قتادة والعلاء بن زياد وسفيان

وقيل هو علي حكاه الماوردي ولم يسم قائله فلعله بعض الشيعة

الثالث أن يقال لم يثبت هذا القول بتخصيص علي به عمن قوله حجة والحديث المذكور كذب موضوع وهو لم يذكر دلالة علي صحته ومجرد رواية أبي نعيم له لا تدل على الصحة

الرابع أن يقال قوله وصالح المؤمنين اسم يعم كل صالح من المؤمنين كما في الصحيحين عن النبي انه قال أن آل أبي فلان ليسو لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين

الخامس أن يقال أن الله جعل في هذه الآية صالح المؤمنين مولى رسول الله كما اخبر أن الله مولاه والمولى يمنع أن يراد به الموالي عليه فلم يبق المراد به إلا الموالي

ومن المعلوم أن كل من كان صالحا من المؤمنين كان مواليا للنبي قطعا فانه لو لم يواله لم يكن من صالح المؤمنين بل قد يواليه المؤمن وان لم يكن صالحا لكن لا تكون موالاة كاملة وأما الصالح فيواليه موالاة كاملة فانه إذا كان صالحا احب ما احبه الله ورسوله وابغض ما ابغضه الله ورسوله وأمر بما أمر به الله ورسوله ونهى عما نهى الله عنه ورسوله وهذا يتضمن الموالاة وقد قال رسول الله لابن عمر أن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل فما نام بعدها

وقال عن أسامة بن زيد انه من صالحيكم فاستوصوا به خيرا

وأما قوله والآيات في هذا المعنى كثيرة فغايته أن يكون المتروك من جنس المذكور والذي ذكره خلاصة ما عندهم وباب الكذب لا ينسد ولهذا كان من الناس من يقابل كذبهم بما يقدر عليه من الكذب ولكن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمعه فإذا هو زاهق وللكذابين الويل مما يصفون

وما ذكر وقال أريد به علي إذا ذكر انه أريد به أبو بكر أو عمر أو عثمان لم يكن هذا القول بأبعد من قولهم بل يرجح على قوله لا سيما في مواضع كثيرة

وإذا قال فهذا لم يقله أحد بخلاف قولنا، كان الجواب من وجهين أحدهما أن هذا ممنوع بل من الناس من يخص أبا بكر وعمر ببعض ما ذكره من الآيات وغيرهما

الثاني أن قول القائل خص هذا بواحد من الصحابة إذا أمكن غيره أن يخصه بآخر تكون حجته من جنس حجته فانه يدل على فساد قوله وان كان لم يقله فان الإنسان إذا كذب كذبة لم يمكن مقابلتها بمثلها ولم يمكنه دفع هذا إلا بما يدفع به قوله ووجب أما تصديق الاثنين وأما كذب الاثنين

كالحكاية المشهورة عن قاسم بن زكريا المطرز قال دخلت على بعض الشيعة وقد قيل انه عباد بن يعقوب فقال لي من حفر البحر فقلت الله تعالى فقال تقول من حفره قلت من حفره قال علي ابن أبي طالب قال من جعل فيه الماء قلت الله قال تقول من هو الذي جعل فيه الماء قلت من هو قال الحسن قال فلما أردت أن أقوم قال من حفر البحر قلت معاوية قال ومن الذي جعل فيه الماء قلت يزيد فغضب من ذلك وقام، وكان غرض القاسم أن يقول هذا القول مثل قولك وأنت تكره ذلك وتدفعه وبما به يدفع ذلك يدفع به قولك

وكذلك ما تذكره الناس من المعارضات لتأويلات القرامطة والرافضة ونحوهم كقولهم في قوله فقاتلوا أئمة الكفر طلحة والزبير وأبو بكر وعمر ومعاوية فيقابل هذا بقول الخوارج انهم علي الحسن والحسين وكل هذا باطل لكن الغرض انهم يقابلون بمثل حجتهم والدليل على فسادها يعم النوعين فعلم بطلان الجميع

فصل

قال الرافضي المنهج الثالث في الأدلة المستندة إلى السنة المنقولة عن النبي وهي اثنا عشر

الأول ما نقله الناس كافة انه لما نزل قوله تعالى وانذر عشيرتك الاقربين جمع رسول الله بني عبد المطلب في دار أبي طالب وهم أربعون رجلا وامر أن يصنع لهم فخذ شاه مع مد من البر ويعد لهم صاعا من اللبن وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في مقعد واحد ويشرب الفرق من الشراب في ذلك المقام فأكلت الجماعة كلهم من ذلك الطعام اليسير حتى شبعوا ولم يتبين ما أكلوه فبهرهم النبي بذلك وتبين لهم آية نبوته فقال يا بني عبد المطلب أن الله بعثني بالحق إلى الخلق كافة وبعثني إليكم خاصة فقال وانذر عشيرتك الاقربين وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان تقيلتن في الميزان تملكون بهما العرب والعجم وتنقاد لكم بهما الأمم وتدخلون بهما الجنة وتنجون بهما من النار شهادة أن لا اله إلا الله وأني رسول الله فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم فقال أمير المؤمنين أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر فقال اجلس ثم أعاد القول على القوم ثانية فصمتوا فقال علي فقمت فقلت مثل مقالتي الأولى فقال اجلس ثم أعاد القول ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف فقمت فقلت أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر فقال اجلس فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي فنهض القوم وهم يقولون لأبي طالب ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك فقد جعل ابنك أميرا عليك

والجواب من وجوه الأول المطالبة بصحة النقل وما ادعاه من نقل الناس كافة من اظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث فان هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل لا في الصحاح ولا في المساند والسنن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل منها الصحيح والضعيف مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي بل وابن جرير وابن أبي حاتم لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء دليلا على صحته باتفاق أهل العلم فانه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف فلا بد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف

وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغث والسمين وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة مع أن كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والثعلبي والبغوي ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية فانهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة باتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك ولكن هؤلاء المفسرون ذكروا ذلك على عادتهم في انهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة والضعيفة ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال ليذكر أقوال الناس وما نقلوه فيها وأن كان بعض ذلك هو الصحيح وبعضه كذب وإذا احتج بمثل هذا الضعيف وأمثاله واحد بذكر بعض ما نقل في تفسير الآية من المنقولات وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك كان هذا من افسد الحجج كمن احتج بشاهد يشهد له ولم تثبت عدالته بل ثبت جرحه وقد ناقضه عدول كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته أو يحتج برواية واحد لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ويدع روايات كثيرين عدول وقد رووا ما يناقض ذلك

بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة وقد روى آخرون من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك لوجب النظر في الروايتين أيهما اثبت وارجح فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضه لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة بل هذا الحديث مناقض لما علم بالتواتر وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم انه باطل

الثاني أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين أما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع ولو انه مسالة فرعية وأما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم

فانه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع لم تقم الحجة على المناظرة إلا بحديث يعلم انه مسند إسنادا تقوم به الحجة أو يصححه من يرجع إليه في ذلك فأما إذا لم يعلم إسناده ولم يثبته أئمة النقل فمن أين يعلم لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن في سلف الأمة وجمهورها ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسالة فكيف يقبل في مثل ذلك حديث لا يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل ولا يعرف أن عالما صححه

الثالث أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم انه كذب موضوع ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات لان أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب

وقد رواه بن جرير والبغوي بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد أبو مريم الكوفي وهو مجمع على تركه كذبه سماك بن حرب وأبو داود، وقال احمد ليس بثقة عامة أحاديث بواطيل قال يحيى ليس بشيء قال ابن المدينى كان يضع الحديث وقال النسائي وأبو حاتم متروك الحديث وقال ابن حبان البستي كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر وهو مع ذلك يقلب الأخبار لا يجوز الاحتجاج به وتركه احمد ويحيى.

ورواه ابن أبي حاتم وفي إسناده عبد الله بن عبد القدوس وهو ليس بثقة وقال فيه يحيى بن معين ليس بشيء رافضي خبيث وقال النسائي ليس بثقة وقال الدار قطني ضعيف

وإسناد الثعلبي اضعف لان فيه من لا يعرف وفيه من الضعفاء والمتهمين من لا يجوز الاحتجاج بمثله في اقل مسالة الرابع أن بني عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية فإنها نزلت بمكة في أول الأمر ثم ولا بلغوا أربعين رجلا في مدة حياة النبي فان بني عبد المطلب لم يعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة العباس وأبو طالب والحارث وأبو لهب وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة وهم بنو هاشم ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة العباس وحمزة وأبو طالب وأبو لهب فآمن اثنان وهما حمزة والعباس وكفر اثنان أحدهما نصره وأعانه وهو أبو طالب والآخر عاداه وعان أعداءه وهو أبو لهب

وما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين طالب وعقيل وجعفر وعلي وطالب لم يدرك الإسلام وأدركه الثلاثة فآمن علي وجعفر في أول الإسلام وهاجر جعفر إلى ارض الحبشة ثم إلى المدينة عام خيبر

وكان عقيل قد استولى على رباع بني هاشم لما هاجروا وتصرف فيها ولهذا لما قيل للنبي في حجته ننزل غدا في دارك بمكة قال وهل ترك لنا عقيل من دار

وأما العباس فبنوه كلهم صغار إذ لم يكن فيهم بمكة رجل وهب انهم كانوا رجالا فهم عبد الله وعبيد الله والفضل وأما قثم فولد بعدهم وأكبرهم الفضل وبه كان يكنى وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله وانذر عشيرتك الاقربين وكان له في الهجرة نحو ثلاث سنين أو أربع سنين ولم يولد للعباس في حياة النبي إلا الفضل وعبد الله وعبيد الله وأما سائرهم فولدوا بعده

وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما اقل والحارث كان له ابنان أبو سفيان وربيعة وكلاهما تأخر إسلامه وكان من مسلمة الفتح

وكذلك بنو أبي لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح وكان له ثلاثة ذكور فاسلم منهم اثنان عتبة ومغيث وشهد الطائف وحنينا وعتيبة دعا عليه رسول الله أن يأكله الكلب فقتله السبع بالزرقاء من الشام كافرا فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلا فأين الأربعون

الخامس قوله أن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن فكذب على القوم ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعة ولا يشرب فرقا

السادس أن قوله للجماعة من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري ووصيي وخليفتي من بعدي كلام مفترى على النبي لا يجوز نسبته إليه فان مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله فان جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين وأعانوه على هذا الأمر وبذلوا أنفسهم وأموالهم في اقامته وطاعته وفارقوا أوطانهم وعادوا إخوانهم وصبروا على الشتات بعد الألفة وعلى الذل بعد العز وعلى الفقر بعد الغنى وعلى الشدة بعد الرخاء وسيرتهم معروفة مشهورة ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له

وأيضا فان كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلا أمكن أن يجيبوه أو أكثرهم أو عدد منهم فلو أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده أيعين واحدا بلا موجب أم يجعل الجميع خلفاء في وقت واحد وذلك انه لم يعلق الوصية والخلافة والاخوة والمؤازرة إلا بأمر سهل وهو الإجابة على الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة إلا وله من هذا نصيب وافر ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي

السابع أن حمزة وجعفر وعبيده بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه علي من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر فان هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر بل حمزة اسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلا وكان النبي في دار الأرقم ابن أبي الأرقم وكان اجتماع النبي به في دار الأرقم ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة فان أبا لهب كان مظهرا لمعاداة رسول الله ولما حصر بنو هاشم في الشعب لم يدخل معهم أبو لهب

الثامن أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا ففي الصحيحين عن ابن عمر وأبي هريرة واللفظ له عن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت وانذر عشيرتك الاقربين دعا رسول الله قريشا فاجتمعوا فخص وعم فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا املك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا لما نزلت هذه الآية قال: يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا اغني عنكم من الله شيئا يا بني عبد المطلب لا اغني عنكم من الله شيئا يا صفية عمة رسول الله لا اغني عنك من الله شيئا يافاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا سلاني ما شئتما من مالي

وخرجه مسلم من حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو ومن حديث عائشة وقال فيه قام علي الصفا

وقال في حديث قبيصة: انطلق إلى رضمة من جبل فعلا أعلاها حجرا ثم نادى يا بني عبد مناف إني لكم نذير إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشي أن يسبقوه فجعل يهتف يا صباحاه

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله وسلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فقالوا من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فجعل ينادي: يا بني فلان يا بني عبد مناف يا بني عبد المطلب

وفي رواية: يا بني فهر يا بني عدي يا بني فلان، لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو فاجتمعوا فقال: ارايتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل اكنتم مصدقي قالوا ما جربنا عليك كذبا قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك أما جمعتنا إلا لهذا فقام فنزلت هذه السورة تبت يدا أبي لهب وتب

وفي رواية: ارأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم ويمسيكم اكنتم تصدقوني قالوا بلى.

فان قيل فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنفين في الفضائل كالثعلبي والبغوي وأمثالهما والمغازلي

قيل له مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث فان في كنت هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على انه كذب موضوع وفيها شيء كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب بل فيها ما يعلم بالاضطرار انه كذب

والثعلبي وأمثاله لا يتعمدون الكذب بل فيهم من الصلاح والدين ما يمنعهم من ذلك لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب ويروون ما سمعوه وليس لاحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لائمة الحديث كشعبة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي واحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وإسحاق ومحمد بن يحيى الذهلي والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيين وأبي عبد الله بن منده والدار قطني وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده ومكامه وحفاظه الذين لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبي وسلم وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من نقلة العلم

وقد صنفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار وأسماءهم وذكروا أخبارهم وأخبار من اخذوا عنه ومن اخذ عنهم مثل كتاب العلل وأسماء الرجال عن يحيى القطان وابن المديني واحمد وابن معين والبخاري ومسلم وأبي زرعة وأبي حاتم زو النسائي والترمذي واحمد بن عدي وابن حبان وأبي الفتح الازدي والدار قطين قطني وغيرهم

وتفسير الثعلبي فيه أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة ومن الموضوع فيه الأحاديث التي في فضائل السور سورة [سورة]

وقد ذكر هذا الحديث الزمخشري والواحدي وهو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث وكذلك غير هذا

وكذلك الواحدي تلميذ الثعلبي والبغوي اختصر تفسيره من تفسير الثعلبي والواحدي لكنهما اخبر بأقوال المفسرين منه والواحدي اعلم بالعربية من هذا وهذا والبغوي أتبع للسنة منهما

وليس لكون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يوجب له أن كل ما رواه صدق كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذبا بل الاعتبار بميزان العدل

وقد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأصول والأحكام والزهد والفضائل ووضعوا كثيرا من فضائل الخلفاء الأربعة وفضائل معاوية

ومن الناس من يكون قصده رواية كل ما روي في الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف كما فعله أبو نعيم في فضائل الخلفاء وكذلك غيره ممن صنف في الفضائل ومثل مل جمعه أبو الفتح بن أبي الفوارس وأبو علي الاهوازي وغيرهما في فضائل معاوية ومثل ما جمعه النسائي في فضائل علي وكذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل علي وغيره فان هؤلاء وأمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك وضعيفه فلا يجوز أن يجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم

وأما من يذكر الحديث بلا إسناد ومن المصنفين في الأصول والفقه والزهد والرقائق فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة ويذكر بعضهم أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة كما يوجد ذلك في كتب الرقائق والرأي وغير ذلك

فصل

قال الرافضي الثاني الخبر المتواتر عن النبي وسلم انه لما نزل قوله تعالى يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك خطب الناس في غدير خم وقال للجمع كله يا أيها الناس الست أولى منكم بأنفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله فقال عمر بخ بخ أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة والمراد بالمولى هنا الأولى بالتصرف لتقدم التقرير منه بقوله الست أولى منكم بأنفسكم

والجواب عن هذه الآية والحديث المذكور قد تقدم وبينا أن هذا كذب وأن قوله بلغ ما انزل إليك من ربك نزل قبل حجة الوداع بمدة طويلة

ويوم الغدير إنما كان ثامن عشر ذي الحجة بعد رجوعه من الحج وعاش بعد ذلك شهرين وبعض الثالث ومما يبين ذلك أن آخر المائدة نزولا قوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي وهذه الآية نزلت بعرفة تاسع ذي الحجة في حجة الوداع والنبي واقف بعرفة كما ثبت ذلك في الصحاح والسنن وكما قاله العلماء قاطبة من أهل التفسير والحديث وغيرهم

وغدير خم كان بعد رجوعه إلى المدينة ثامن عشر ذي الحجة بعد نزول هذه الآية بتسعة أيام فكيف يكون قوله بلغ ما انزل إليك من ربك نزل ذلك الوقت ولا خلاف بين أهل العلم أن هذه الآية نزلت قبل ذلك وهي من أوائل ما نزل بالمدينة وإن كان ذلك في سورة المائدة كما أن فيها تحريم الخمر والخمر حرمت في أوائل الأمر عقب غزوة أحد وكذلك فيها الحكم بين أهل الكتاب بقوله فان جاءوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وهذه الآية نزلت إما في الحد لما رجم اليهوديين وإما في الحكم بين قريظة والنضير لما تحاكموا إليه في الدماء ورجم اليهوديين كان أول ما فعله بالمدينة وكذلك الحكم بين قريظة والنضير فان بني النضير أجلاهم قبل الخندق وقريظة قتلهم عقب غزوة الخندق

والخندق باتفاق الناس كان قبل الحديبية وقبل فتح خيبر وذلك كله قبل فتح مكة وغزوة حنين وذلك كله قبل حجة الوداع وحجة الوداع قبل خطبة الغدير

فمن قال أن المائدة نزل فيها شيء بغدير خم فهو كاذب مفتر باتفاق أهل العلم

وأيضا فان الله تعالى قال في كتابه يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس فضمن له سبحانه انه يعصمه من الناس إذا بلغ الرسالة ليؤمنه بذلك من الأعداء ولهذا روى أن النبي كان قبل نزول هذه الآية يحرس فلما نزلت هذه الآية ترك ذلك

وهذا إنما يكون قبل تمام التبليغ وفي حجة الوداع تم التبليغ

وقال في حجة الوداع ألا هل بلغت ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد وقال لهم أيها الناس إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وأنتم تسألون عني فما انتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فجعل يرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إلى الأرض ويقول اللهم اشهد اللهم اشهد وهذا لفظ حديث جابر في صحيح مسلم وغيره في الأحاديث الصحيحة

وقال ليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع.

فتكون العصمة المضمونة موجودة وقت التبليغ المتقدم فلا تكون هذه الآية نزلت بعد حجة الوداع لانه قد بلغ قبل ذلك ولأنه حينئذ لم يكن خائفا من أحد يحتاج أن يعصم منه بل بعد حجة الوداع كان أهل مكة والمدينة وما حولهما كلهم مسلمين منقادين له ليس فيهم كافر والمنافقون مقموعون مسرون للنفاق ليس فيهم من يحاربه ولا من يخاف الرسول منه فلا يقال له في هذه الحال بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس

وهذا مما يبين أن الذي جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه كالذي بلغه في حجة الوداع فإن كثيرا من الذين حجوا معه أو أكثرهم لم يرجعوا معه إلى المدينة بل رجع أهل مكة إلى مكة أهل الطائف إلى الطائف وأهل اليمن إلى اليمن وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى بواديهم وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريبا منها

فلو كان ما ذكره يوم الغدير مما أمر بتبليغه كالذي بلغه في الحج لبلغه في حجة الوداع كما بلغ غيره فلما لم يذكر في حجة الوداع امامة ولا ما يتعلق بالإمامة أصلا ولم ينقل أحد بإسناد صحيح ولا ضعيف انه في حجة الوداع ذكر امامة علي بل ولا ذكر عليا في شيء من خطبته وهو المجمع العام الذي أمر فيه بالتبليغ العام علم أن امامة علي لم تكن من الدين الذي أمر بتبليغه بل ولا حديث الموالاة وحديث الثقلين ونحو ذلك مما يذكر في إمامته

والذي رواه مسلم انه بغدير خم قال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله فذكر كتاب الله وحض عليه ثم قال وعثرتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا وهذا مما انفرد به مسلم ولم يروه البخاري وقد رواه الترمذي وزاد فيه وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض

وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة وقال إنها ليست من الحديث والذين اعتقدوا صحتها قالوا إنما يدل على أن مجموع العترة الذين هم بنو هاشم لا يتفقون على ضلالة وهذا قاله طائفة من أهل السنة وهو من أجوبة القاضي أبي يعلى وغيره

والحديث الذي في مسلم إذا كان النبي قد قاله فليس فيه إلا الوصية باتباع كتاب الله وهذا أمر قد تقدمت الوصية به في حجة الوداع قبل ذلك وهو لم يأمر باتباع العترة لكن قال أذكركم الله في أهل بيتي وتذكير الأمة بهم يقتضي أن يذكروا ما تقدم الأمر به قبل ذلك من إعطائهم حقوقهم والامتناع من ظلمهم وهذا أمر قد تقدم بيانه قبل غدير خم، فعلم انه لم يكن في غدير خم أمر يشرع نزل إذ ذاك لا في حق علي ولا غيره لا إمامته ولا غيرها

لكن حديث الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد والترمذي في مسنده عن النبي انه قال من كنت مولاه فعلى مولاه وأما الزيادة وهي قوله اللهم وال من والاه وعاد من عاداه الخ فلا ريب انه كذب

ونقل الأثرم في سننه عن احمد أن العباس سأله عن حسين الأشقر وأنه حدث بحديثين أحدهما قوله لعلي انك ستعرض على البراءة مني فلا تبرا والآخر اللهم وال من والاه وعاد من عاداه فأنكره أبو عبيد الله جدا لم يشك أن هذين كذب

وكذلك قوله أنت أولى بكل مؤمن ومؤمنة كذب أيضا

وأما قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فليس هو في الصحاح لكن هو مما رواه العلماء وتنازع الناس في صحته فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث انهم طعنوا فيه وضعفوه ونقل عن احمد بن حنبل انه حسنه كما حسنه الترمذي وقد صنف أبو العباس بن عقدة مصنفا في جميع طرقه

وقال ابن حزم الذي صح من فضائل علي فهو قول النبي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي وقوله لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وهذه صفة واجبة لكل مسلم مؤمن وفاضل وعهده أن عليا لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وقد صح مثل هذا في الأنصار انهم لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر

قال وأما من كنت مولاه فعلى مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلا وأما سائر الأحاديث التي يتعلق بها الروافض فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلها

فان قيل لم يذكر ابن حزم ما في الصحيحين من قوله أنت مني وأنا منك وحديث المباهلة والكساء

قيل مقصود ابن حزم الذي في الصحيح من الحديث الذي لا يذكر فيه إلا علي وأما تلك ففيها ذكر غيره فإنه قال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا وحديث المباهلة والكساء فيهما ذكر علي وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فلا يرد هذا على ابن حزم

ونحن نجيب بالجواب المركب فنقول أن لم يكن النبي قاله فلا كلام وإن كان قاله فلم يرد به قطعا الخلافة بعده إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغا مبينا

وليس في الكلام ما يدل دلالة بينة على أن المراد به الخلافة وذلك أن المولى كالمولى والله تعالى قال إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا وقال وإن تظاهرا عليه فان الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير فبين أن الرسول ولي المؤمنين وأنهم مواليه أيضا كما بين أن الله ولي المؤمنين وأنهم أولياؤهم وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض

فالموالاة ضد المعاداة وهي تثبت من الطرفين وإن كان أحد المتواليين أعظم قدرا وولايته إحسان وتفضل وولاية الآخر طاعة وعبادة كما أن الله يحب المؤمنين والمؤمنون يحبونه فإن الموالاة ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة والكفار لا يحبون الله ورسوله ويحادون الله ورسوله ويعادونه

وقد قال تعالى لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وهو يجازيهم على ذلك كما قال تعالى فان لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله

وهو ولي المؤمنين وهو مولاهم يخرجهم من الظلمات إلى النور وإذا كان كذلك فمعنى كون الله ولي المؤمنين ومولاهم وكون الرسول وليهم ومولاهم وكون علي مولاهم هي الموالاة التي هي ضد المعاداة

والمؤمنون يتولون الله ورسوله الموالاة المضادة للمعاداة وهذا حكم ثابت لكل مؤمن فعلي رضي الله عنه من المؤمنين الذين يتولون المؤمنين ويتولونه

وفي هذا الحديث إثبات إيمان علي في الباطن والشهادة له بأنه يستحق المولاة باطنا وظاهرا وذلك يرد ما يقوله فيه أعداؤه من الخوارج والنواصب لكن ليس فيه انه ليس للمؤمنين مولى غيره فكيف ورسول الله له موالي وهم صالحو المؤمنين فعلي أيضا له مولى بطريق الأولى والأحرى وهم المؤمنون الذين يتولونه

وقد قال النبي إن اسلم وغفارا ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله

وجعلهم موالي رسول الله كما جعل صالح المؤمنين مواليه والله ورسوله مولاهم

وفي الجملة فرق بين الولي والمولى ونحو ذلك وبين الوالي فباب الولاية التي هي ضد العداوة شيء وباب الولاية التي هي الإمارة شيء

والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية والنبي لم يقل من كنت واليه فعلي واليه وإنما اللفظ من كنت مولاه فعلي مولاه

وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل فان الولاية تثبت من الطرفين فان المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم

وأما كونه أولى بهم من أنفسهم فلا يثبت إلا من طرفه وكونه أولى بكل مؤمن من نفسه من خصائص نبوته ولو قدر انه نص على خليفة من بعده لم يكن ذلك موجبا أن يكون أولى بكل مؤمن من نفسه كما انه لا يكون أزواجه أمهاتهم ولو أريد هذا المعنى لقال من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه وهذا لم يقله ولم ينقله أحد ومعناه باطل قطعا لان كون النبي أولى بكل مؤمن من نفسه أمر ثابت في حياته ومماته وخلافة علي لو قدر وجودها لم تكن إلا بعد موته لم تكن في حياته فلا يجوز أن يكون علي خليفة في زمنه فلا يكون حينئذ أولى بكل مؤمن من نفسه بل ولا يكون مولى أحد من المؤمنين إذا أريد به الخلافة وهذا مما يدل على انه لم يرد الخلافة فإن كونه ولي كل مؤمن وصف ثابت له في حياة النبي لم يتأخر حكمه إلى الموت وأما الخلافة فلا يصير خليفة إلا بعد الموت فعلم أن هذا ليس هذا

وإذا كان النبي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في حياته وبعد مماته إلى يوم القيامة وإذا استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته أو قدر انه استخلف أحدا على بعض الأمور في حياته أو قدر انه استخلف أحدا بعد موته وصار له خليفة بنص أو إجماع فهو أولى بتلك الخلافة وبكل المؤمنين من أنفسهم فلا يكون قط غيره أولى بكل مؤمن من نفسه لا سيما في حياته

وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي وبعد مماته وبعد ممات علي فعلي اليوم مولى كل مؤمن وليس اليوم متوليا على الناس وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وامواتا

فصل

قال الرافضي الثالث قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي اثبت له عليه السلام جميع منازل هارون من موسى عليه السلام للاستثناء ومن جملة منازل هارون انه كان خليفة لموسى ولو عاش بعده لكان خليفة أيضا وإلا لزم تطرق النقض إليه ولأنه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بأن يكون خليفته

والجواب أن هذا الحديث ثبت في الصحيحين بلا ريب وغيرهما كان النبي قال له ذلك في غزوة تبوك وكان كلما سافر في غزوة أو عمرة أو حج يستخلف على المدينة بعض الصحابة كما استخلف على المدينة في غزوة ذي أمر عثمان وفي غزوة بني قينقاع بشير بن عبد المنذر ولما غزا قريشا ووصل إلى الفرع استعمل ابن أم مكتوم وذكر ذلك محمد بن سعد وغيره

وبالجملة فمن المعلوم انه كان لا يخرج من المدينة حتى يستخلف وقد ذكر المسلمون من كان يستخلفه فقد سافر من المدينة في عمرتين عمرة الحديبية وعمرة القضاء وفي حجة الوداع وفي مغازيه اكثر من عشرين غزاة وفيها كلها استخلف وكان يكون بالمدينة رجال كثيرون يستخلف عليهم من يستخلفه فلما كان في غزوة تبوك لم يأذن لاحد في التخلف عنها وهي آخر مغازيه ولم يجتمع معه أحد كما اجتمع معه فيها فلم يتخلف عنه إلا النساء والصبيان أو من هو معذور لعجزه عن الخروج أو من هو منافق وتخلف الثلاثة الذين تيب عليهم ولم يكن في المدينة رجال من المؤمنين يستخلف عليهم كما كان يستخلف عليهم في كل مرة بل كان هذا الاستخلاف اضعف من الاستخلافات المعتادة منه لأنه لم يبق في المدينة رجال من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم أحدا كما كان يبقى في جميع مغازيه فإنه كان يكون بالمدينة رجال كثيرون من المؤمنين أقوياء يستخلف عليهم من يستخلف فكل استخلاف استخلفه في مغازيه مثل استخلافه في غزوة بدر الكبرى والصغرى وغزوة بني المصطلق والغابة وخيبر وفتح مكة وسائر مغازيه التي لم يكن فيها قتال ومغازيه بضع عشرة غزوة وقد استخلف فيها كلها إلا القليل وقد استخلف في حجة الوداع وعمرتين قبل غزوة تبوك

وفي كل مرة يكون بالمدينة افضل ممن بقي في غزوة تبوك فكان كل استخلاف قبل هذه يكون علي افضل ممن استخلف عليه عليا فلهذا خرج إليه علي رضي الله عنه يبكي وقال أتخلفني مع النساء والصبيان؟

وقيل إن بعض المنافقين طعن فيه وقال أنما خلفه لانه يبغضه فبين له النبي اني إنما استخلفتك لأمانتك عندي وأن الاستخلاف ليس بنقص ولا غض فإن موسى استخلف هارون على قومه فكيف يكون نقصا وموسى ليفعله بهارون فطيب بذلك قلب علي وبين أن جنس الاستخلاف يقتضي كرامة المستخلف وأمانته لا يقتضي إهانته ولا تخوينه وذلك لان المستخلف يغيب عن النبي وقد خرج معه جميع الصحابة

والملوك وغيرهم إذا خرجوا في مغازيهم اخذوا معهم من يعظم انتفاعهم به ومعاونته لهم ويحتاجون إلى مشاورته والانتفاع برأيه ولسانه ويده وسيفه

والمتخلف إذا لم يكن له في المدينة سياسة كثيرة لا يحتاج إلى هذا كله فظن من ظن أن هذا غضاضة من علي ونقص منه وخفض من منزلته حيث لم يأخذه معه في المواضع المهمة التي تحتاج إلى سعي واجتهاد بل تركه في المواضع التي لا تحتاج إلى كثير سعي واجتهاد فكان قول النبي مبينا أن جنس الاستخلاف ليس نقصا ولا غضا إذ لو كان نقصا أو غضا لما فعله موسى بهارون ولم يكن هذا الاستخلاف كاستخلاف هارون لان العسكر كان مع هارون وإنما ذهب موسى وحده

وأما استخلاف النبي فجميع العسكر كان معه ولم يخلف بالمدينة غير النساء والصبيان إلا معذور أو عاص

وقول القائل هذا بمنزلة هذا وهذا مثل هذا هو كتشبيه الشيء بالشيء وتشبيه الشيء بالشيء يكون بحسب ما دل عليه السياق لا يقتضي المساواة في كل شيء ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبي في حديث الأسارى لما استشار أبا بكر وأشار بالفداء واستشار عمر فاشار بالقتل قال سأخبركم عن صاحبيكم مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم إذ قال فمن تبعني فانه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثل عيسى إذ قال أن تعذبهم فانهم عبادك وأن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر مثل نوح إذ قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ومثل موسى إذ قال ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم

فقوله هذا مثلك كمثل إبراهيم وعيسى ولهذا مثل نوح وموسى أعظم من قوله أنت مني بمنزلة هارون من موسى فان نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى أعظم من هارون وقد جعل هذين مثلهم ولم يرد انهما مثلهم في كل شيء لكن فيما دل عليه السياق من الشدة في الله واللين في الله

وكذلك هنا إنما هو بمنزلة هارون فيما دل عليه السياق وهو استخلافه في مغيبه كما استخلف موسى هارون وهذا الاستخلاف ليس من خصائص علي بل ولا هو مثل استخلافاته فضلا عن أن يكون افضل منها وقد استخلف من علي افضل منه في كثير من الغزوات ولم تكن تلك الاستخلافات توجب تقديم المستخلف على علي إذا قعد معه فكيف يكون موجبا لتفضيله على علي

بل قد استخلف على المدينة غير واحد وأولئك المستخلفون منه بمنزلة هارون من موسى من جنس استخلاف علي بل كان ذلك الاستخلاف يكون علي اكثر وأفضل ممن استخلف عليه عام تبوك وكانت الحاجة إلى الاستخلاف اكثر فإنه كان يخاف من الأعداء على المدينة

فأما عام تبوك فإنه كان قد أسلمت العرب بالحجاز وفتحت مكة وظهر الإسلام وعز ولهذا أمر الله نبيه أن يغزو أهل الكتاب بالشام ولم تكن المدينة تحتاج إلى من يقاتل بها العدو ولهذا لم يدع النبي عند علي أحدا من المقاتلة كما كان يدع بها في سائر الغزوات بل اخذ المقاتلة كلهم معه

وتخصيصه لعلي بالذكر هنا هو مفهوم اللقب وهو نوعان لقب هو جنس ولقب يجري مجرى العلم مثل زيد وأنت وهذا المفهوم اضعف المفاهيم ولهذا كان جماهير أهل الأصول والفقه على انه لا يحتج به فإذا قال محمد رسول الله لم يكن هذا نفيا للرسالة عن غيره لكن إذا كان في سياق الكلام ما يقتضي التخصيص فإنه يحتج به على الصحيح

كقوله ففهمناها سليمان وقوله كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون

وأما إذا كان التخصيص لسبب يقتضيه فلا يحتج به باتفاق الناس فهذا من ذلك فإنه إنما خص عليا بالذكر لأنه خرج إليه يبكي ويشتكي تخليفه مع النساء والصبيان

ومن استخلفه سوى علي لما لم يتوهموا أن في الاستخلاف نقصا لم يحتج أن يخبرهم بمثل هذا الكلام والتخصيص بالذكر إذا كان لسبب يقتضي ذاك لم يقتض الاختصاص بالحكم فليس في الحديث دلالة على أن غيره لم يكن منه بمنزلة هارون من موسى كما أنه لما قال للمضروب الذي نهى عن لعنه دعه فإنه يحب الله ورسوله لم يكن هذا دليلا على أن غيره لا يحب الله ورسوله بل ذكر ذلك لاجل الحاجة إليه لينهى بذلك عن لعنه

ولما استأذنه عمر رضي الله عنه في قتل حاطب بن أبي بلتعة قال دعه فانه قد شهد بدرا ولم يدل هذا على أن غيره لم يشهد بدرا بل ذكر المقتضى لمغفرة ذنبه

وكذلك لما شهد للعشرة بالجنة لم يقتض أن غيرهم لا يدخل الجنة لكن ذكر ذلك لسبب اقتضاه

وكذلك لما قال للحسن وأسامة اللهم إني احبهما فأحبهما وأحب من يحبهما لا يقتضي انه لا يحب غيرهما بل كان يحب غيرهما أعظم من محبتهما

وكذلك لما قال لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة لم يقتض أن من سواهم يدخلها

وكذلك لما شبه أبا بكر بإبراهيم وعيسى لم يمنع ذلك أن يكون في أمته وأصحابه من يشبه إبراهيم وعيسى وكذلك لما شبه عمر بنوح وموسى لم يمتنع أن يكون في أمته من يشبه نوحا وموسى

فان قيل أن هذين افضل من يشبههم من أمته

قيل الاختصاص بالكمال لا يمنع المشاركة في اصل التشبيه

وكذلك لما قال عن عروة بن مسعود إنه مثل صاحب ياسين

وكذلك لما قال للأشعريين هم مني وأنا منهم لم يختص ذلك بهم بل قال لعلي أنت مني وأنا منك

وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا

وذلك لا يختص بزيد بل أسامة أخوهم ومولاهم

وبالجملة الأمثال والتشبيهات كثيرة جدا وهي لا توجب التماثل من كل وجه بل فيما سيق الكلام له ولا يقتضي اختصاص المشبه بالتشبيه بل يمكن أن يشاركه غيره له في ذلك

قال تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة

وقال تعالى واضرب لهم مثلا أصحاب القرية

وقال مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر

وقد قيل أن في القران اثنين وأربعين مثلا

وقول القائل انه جعله بمنزلة هارون في كل الأشياء إلا في النبوة باطل فان قوله

أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، دليل على انه يسترضيه بذلك ويطيب قلبه لما توهم من وهن الاستخلاف ونقص درجته فقال هذا على سبيل الجبر له

قوله: بمنزلة هارون من موسى، أي مثل منزلة هارون فإن نفس منزلته من موسى بعينها لا تكون لغيره وإنما يكون له ما يشابهها فصار هذا كقوله هذا مثل هذا وقوله عن أبي بكر مثله مثل إبراهيم وعيسى وعمر مثله مثل نوح وموسى

ومما يبين ذلك أن هذا كان عام تبوك ثم بعد رجوع النبي بعث أبا بكر أميرا على الموسم وأردفه بعلي فقال لعلي أمير أم مأمور فقال بل مأمور فكان أبو بكر أميرا عليه وعلي معه كالمأمور مع أميره يصلي خلفه ويطيع أمره وينادي خلفه مع الناس بالموسم ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان

وإنما اردفه به لينبذ العهد إلى العرب فإنه كان من عادتهم أن لا يعقد العقود وينبذها إلا السيد المطاع أو رجل من أهل بيته فلم يكونوا يقبلون نقض العهود إلا من رجل من أهل بيت النبي

ومما يبين ذلك انه لو أراد أن يكون خليفة على أمته بعده لم يكن هذا خطابا بينهما يناجيه به ولا كان أخره حتى يخرج إليه على ويشتكي بل كان هذا من الحكم الذي يجب بيانه وتبليغه للناس كلهم بلفظ يبين المقصود

ثم من جهل الرافضة انهم يتناقضون فان هذا الحديث يدل على أن النبي لم يخاطب عليا بهذا الخطاب إلا ذلك اليوم في غزوة تبوك فلو كان علي قد عرف انه المستخلف من بعده كما رووا ذلك في ما تقدم لكان علي مطمئن القلب انه مثل هارون بعده وفي حياته ولم يخرج إليه يبكي ولم يقل له أتخلفني مع النساء والصبيان

ولو كان علي بمنزلة هارون مطلقا لم يستخلف عليه أحدا وقد كان يستخلف على المدينة غيره وهو فيها كما استخلف على المدينة عام خيبر غير علي وكان علي بها ارمد حتى لحق بالنبي فأعطاه النبي الراية حين قدم وكان قد أعطى الراية رجلا فقال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله

وأما قوله لانه خليفته مع وجوده وغيبته مدة يسيرة فبعد موته وطول مدة الغيبة أولى بان يكون خليفته

فالجواب انه مع وجوده وغيبته قد استخلف غير علي استخلافا أعظم من استخلاف علي واستخلف أولئك على افضل من الذين استخلف عليهم عليا وقد استخلف بعد تبوك على المدينة غير علي في حجة الوداع فليس جعل علي هو الخليفة بعده لكونه استخلفه على المدينة بأولى من هؤلاء الذين استخلفهم على المدينة كما استخلفه وأعظم مما استخلفه وآخر الاستخلاف كان على المدينة كان عام حجة الوداع وكان علي باليمن وشهد معه الموسم لكن استخلف عليها في حجة الوداع غير علي

فإن كان الأصل بقاء الاستخلاف فبقاء من استخلفه في حجة الوداع أولى من بقاء استخلاف من استخلفه قبل ذلك

وبالجملة فالاستخلافات على المدينة ليست من خصائصه ولا تدل على الأفضلية ولا على الإمامة بل قد استخلف عددا غيره لكن هؤلاء جهال يجعلون الفضائل العامة المشتركة بين علي وغيره خاصة بعلي وإن كان غيره اكمل منه فيها كما فعلوا في النصوص والوقائع

وهكذا فعلت النصارى جعلوا ما اتى به المسيح من الآيات دالا على شيء يختص به من الحلول والاتحاد وقد شاركه غيره من الأنبياء فيما اتى به وكان ما اتى به موسى من الآيات أعظم مما جاء به المسيح فليس هناك سبب يوجب اختصاص المسيح دون إبراهيم وعيسى لا بحلول ولا اتحاد بل إن كان ذلك كله ممتنعا فلا ريب انه كله ممتنع في الجميع وإن فسر ذلك بأمر ممكن كحصول معرفة الله والإيمان به والأنوار الحاصلة بالإيمان به ونحو ذلك فهذا قدر مشترك وأمر ممكن

وهكذا الأمر مع الشيعة يجعلون الأمور المشتركة بين علي وغيره التي تعمه وغيره مختصة به حتى رتبوا عليه ما يختص به من العصمة والإمامة والأفضلية وهذا كله منتف

فمن عرف سيرة الرسول وأحوال الصحابة ومعاني القرآن والحديث علم انه ليس هناك اختصاص بما يوجب أفضليته ولا إمامته بل فضائله مشتركة وفيها من الفائدة إثبات إيمان علي وولايته والرد على النواصب الذين يسبونه أو يفسقونه أو يكفرونه ويقولون فيه من جنس ما تقوله الرافضة في الثلاثة

ففي فضائل علي الثابتة رد على النواصب كما أن في فضائل الثلاثة ردا على الروافض

وعثمان رضي الله عنه تقدح فيه الروافض والخوارج ولكن شيعته يعتقدون إمامته ويقدحون في إمامة علي وهم في بدعتهم خير من شيعة علي الذين يقدحون في غيره والزيدية الذين يتولون أبا بكر وعمر مضطربون فيه

وأيضا فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة لا بد منه لكل ولي أمر وليس كل من يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمة يصلح إن يستخلف بعد الموت فإن النبي استخلف في حياته غير واحد ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته وذلك كبشير بن عبد المنذر وغيره

وأيضا فإنه مطالب في حياته بما يجب عليه من القيام بحقوق الناس كما يطالب بذلك ولاة الأمور وأما بعد موته فلا يطالب بشيء لانه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه ففي حياته يجب عليه جهاد الأعداء وقسم الفيء وإقامة الحدود واستعمال العمال وغير ذلك مما يوجب على ولاة الأمور بعده وبعد موته لا يجب عليه شيء من ذلك

فليس الاستخلاف في الحياة كالاستخلاف بعد الموت والإنسان إذا استخلف أحدا في حياته على أولاده وما يأمر به من البر كان المستخلف وكيلا محضا يفعل ما أمر به الموكل وان استخلف أحدا على أولاده بعد موته كان وليا مستقلا يعمل بحسب المصلحة كما أمر الله ورسوله ولم يكن وكيلا للميت

وهكذا أولو الأمر إذا استخلف أحدهم شخصا في حياته فانه يفعل ما يأمره به في القضايا المعينة وأما إذا استخلفه بعد موته فإنه يتصرف بولايته كما أمر الله ورسوله فإن هذا التصرف مضاف إليه لا إلى الميت بخلاف ما فعله في الحياة بأمر مستخلفه فإنه يضاف إلى من استخلفه لا إليه فأين هذا من هذا

ولم يقل أحد من العقلاء إن من استخلف شخصا على بعض الأمور وانقضى ذلك الاستخلاف انه يكون خليفة بعد موته على شيء ولكن الرافضة من اجهل الناس بالمعقول والمنقول

منهاج السنة النبوية
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57