منهاج السنة النبوية/45
فصل
قال الرافضي البرهان الرابع والعشرون قوله تعالى يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين من طريق أبي نعيم قال نزلت في علي وهذه فضيلة لم تحصل لأحد من الصحابة غيره فيكون هو الإمام
والجواب من وجوه أحدها منع الصحة
الثاني أن هذا القول ليس بحجة
الثالث أن يقال هذا الكلام من أعظم الفرية على الله ورسوله وذلك أن قوله حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين معناه أن الله حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين فهو وحده كافيك وكافي من معك من المؤمنين وهذا كما تقول العرب حسبك وزيدا درهم
ومنه قول الشاعر ... فحسبك والضحاك سيف مهند
وذلك أن حسب مصدر فلما أضيف لم يحسن العطف عليه إلا بإعادة الجار فإن العطف بدون ذلك وإن كان جائزا في اصح القولين فهو قليل وإعادة الجار احسن وأفصح فعطف على المعنى والمضاف إليه في معنى المنصوب فإن قوله فحسبك والضحاك معناه يكفيك والضحاك. وزياده المصدر يعمل عمل الفعل لكن إذا أضيف عمل في غير المضاف إليه ولهذا أن أضيف إلى الفاعل نصب المفعول وإن أضيف إلى المفعول رفع الفاعل فتقول أعجبني دق القصار الثوب وهذا وجه الكلام وتقول أعجبني دق الثوب القصار
ومن النحاة من يقول إعماله منكرا احسن من إعماله مضافا لأنه بالإضافة قوي شبهه بالأسماء والصواب أن إضافته إلى أحدهما وإعماله في الآخر احسن من تنكيره وإعماله فيهما فقول القائل أعجبني دق القصار الثوب احسن من قوله دق الثوب القصار فإن التنكير أيضا من خصائص الأسماء والإضافة أخف لأنه اسم والأصل فيه أن يضاف ولا يعمل لكن لما تعذرت إضافته إلى الفاعل والمفعول جميعا أضيف إلى أحدهما واعمل في الآخر
وهكذا في المعطوفات إن أمكن إضافتها إليها كلها كالمضاف إلى الظاهر فهو احسن كقول النبي ﷺ إن الله حرم بيع الخمر والميتة والدم والخنزير والأصنام وكقولهم نهى عن بيع الملاقيح والمضامين وحبل الحبلة وإن تعذر لم يحسن ذلك كقولك حسبك وزيدا درهم عطفا على المعنى ومما يشبه هذا قوله وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا نصب هذا على محل الليل المجرور فإن اسم الفاعل كالمصدر ويضاف تارة ويعمل تارة أخرى
وقد ظن بعض الغالطين أن معنى الآية أن الله والمؤمنين حسبك ويكون من اتبعك رفعا عطفا على الله وهذا خطا قبيح مستلزم للكفر فإن الله وحده حسب جميع الخلق كما قال تعالى الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل أي الله وحده كافينا كلنا
وفي البخاري عن ابن عباس في هذه الكلمة قالها إبراهيم حين القي في النار وقالها محمد حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل
فكل من النبيين قال حسبي الله فلم يشرك بالله غيره في كونه حسبه فدل على أن الله وحده حسبه ليس معه غيره
ومنه قوله تعالى أليس الله بكاف عبده وقوله تعالى ولو أنهم رضوا ما أتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله الآية فدعاهم إلى أن يرضوا ما اتاهم الله ورسوله وإلى أن يقولوا حسبنا الله ولا يقولوا حسبنا الله ورسوله لأن الإيتاء يكون بإذن الرسول كما قال وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا، وأما الرغبة فإلى الله كما قال تعالى فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب
وكذلك التحسب الذي هو التوكل على الله وحده فلهذا أمروا أن يقولوا حسبنا الله ولا يقولوا ورسوله فإذا لم يجز أن يكون الله ورسوله حسب المؤمن كيف يكون المؤمنون مع الله حسبا لرسوله
وأيضا فالمؤمنون محتاجون إلى الله كحاجة الرسول إلى الله فلا بد لهم من حسبهم ولا يجوز أن يكون معونتهم وقوتهم من الرسول وقوة الرسول منهم فإذا هذا يستلزم الدور بل قوتهم من الله وقوة الرسول من الله فالله وحده يخلق قوتهم والله وحده يخلق قوة الرسول
فهذا كقوله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم فإنه وحده هو المؤيد للرسول بشيئين أحدهما نصره الذي ينصر به والثاني بالمؤمنين الذين اتى بهم
وهناك قال حسبك الله ولم يقل نصر الله فنصر الله منه كما أن المؤمنين من مخلوقاته أيضا فعطف ما منه على ما منه إذ كلاهما منه وأما هو سبحانه فلا يكون معه غيره في إحداث شيء من الأشياء بل هو وحده الخالق لكل ما سواه ولا يحتاج في شيء من ذلك إلى غيره
وإذا تبين هذا فهؤلاء الرافضة رتبوا جهلا على جهل فصاروا في ظلمات بعضها فوق بعض فظنوا أن قوله حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين معناه أن الله ومن اتبعك من المؤمنين حسبك ثم جعلوا المؤمنين الذين اتبعوه هم علي بن أبي طالب
وجهلهم في هذا أظهر من جهلهم في الأول فإن الأول قد يشتبه على بعض الناس وأما هذا فلا يخفى على عاقل فإن عليا لم يكن وحده من الخلق كافيا لرسول الله ﷺ ولو لم يكن معه إلا علي لما اقام دينه وهذا علي لم يغن عن نفسه ومعه أكثر جيوش الأرض بل لما حاربه معاوية مع أهل الشام كان معاوية مقاوما له أو مستظهرا سواء كان ذلك بقوة قتال أو قوة مكر واحتيال فالحرب خدعة
الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفس مرة ... بلغت من العلياء كل مكان
فإذا لم يغن عن نفسه بعد ظهور الإسلام واتباع اكثر أهل الأرض له فكيف يغني عن الرسول ﷺ وأهل الأرض كلهم أعداؤه
وإذا قيل أن عليا أنما لم يغلب معاوية ومن معه لأن جيشه لا يطيعونه بل كانوا مختلفين عليه، قيل فإذا كان من معه من المسلمين لم يطيعوه فكيف يطيعه الكفار الذين يكفرون بنبيه وبه
وهؤلاء الرافضة يجمعون بين النقيضين لفرط جهلهم وظلمهم يجعلون عليا اكمل الناس قدرة وشجاعة حتى يجعلوه هو الذي أقام دين الرسول وأن الرسول كان محتاجا إليه ويقولون مثل هذا الكفر إذ يجعلونه شريكا لله في إقامة دين محمد ثم يصفونه بغاية العجز والضعف والجزع والتقية بعد ظهور الإسلام وقوته ودخول الناس فيه أفواجا
ومن المعلوم قطعا أن الناس بعد دخولهم في الدين الإسلام أتبع للحق منهم قبل دخولهم فيه فمن كان مشاركا لله في إقامة دين محمد حتى قهر الكفار وأسلم الناس كيف لا يفعل هذا في قهر طائفة بغوا عليه هم اقل من الكفار الموجودين عند بعثة الرسول واقل منهم شوكة واقرب إلى الحق منهم، فإن الكفار حين بعث الله محمدا كانوا اكثر ممن نازع عليا ابعد عن الحق فإن أهل الحجاز والشام واليمن ومصر والعراق وخرا سان والمغرب كلهم كانوا كفارا ما بين مشرك وكتابي ومجوسي وصابئ ولما مات النبي ﷺ كانت جزيرة العرب قد ظهر فيها الإسلام ولما قتل عثمان كان الإسلام قد ظهر في الشام ومصر والعراق وخرا سان والمغرب
فكان أعداء الحق عند موت النبي ﷺ اقل منهم واضعف واقل عداوة منهم له عند مبعثه وكذلك كانوا عند مقتل عثمان اقل منهم واضعف واقل عداوة منهم له حين بعث محمد ﷺ فإن جميع الحق الذي كان يقاتل عليه علي هو جزء من الحق الذي قاتل عليه النبي ﷺ فمن كذب بالحق الذي بعث به محمد ﷺ وقاتله عليه كذب بما قاتل عليه علي من ذلك
فإذا كان على في هذه الحال قد ضعف وعجز عن نصر الحق ودفع الباطل فكيف يكون حاله حين المبعث وهو اضعف واعجز وأعداء الحق أعظم واكثر واشد عداوة
ومثل الرافضة في ذلك مثل النصارى ادعوا في المسيح الإلهية وأنه رب كل شيء ومليكه وهو على كل شيء قدير ثم يجعلون أعداءه صفعوه ووضعوا الشوك على رأسه وصلبوه وأنه جعل يستغيث فلا يغيثوه فلا افلحوا بدعوى تلك القدرة القاهرة ولا بإثبات هذه الذلة التامة
وإن قالوا كان هذا برضاه قيل فالرب إنما يرضى بأن يطاع لا بأن يعصى فإن كان قتله وصلبه برضاه كان ذلك عبادة وطاعة لله فيكون اليهود الذين صلبوه عابدين لله مطيعين في ذلك فيمدحون على ذلك لا يذمون وهذا من أعظم الجهل والكفر
وهكذا يوجد من فيه شبه من النصارى والرافضة من الغلاة في أنفسهم وشيوخهم تجدهم في غاية الدعوى وفي غاية العجز كما قال ﷺ في الحديث الصحيح ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم شيخ زان وملك كذاب وفقير مختال وفي لفظ عائل مزهو وفي لفظ وعائل مستكبر وهذا معنى قول بعض العامة الفقر والزنطرة
فهكذا شيوخ الدعاوى والشطح يدعى أحدهم الإلهية وما هو أعظم من النبوة ويعزل الرب عن ربوبيته والنبي عن رسالته ثم آخرته شحاذ يطلب ما يقيته أو خائف يستعين بظالم على دفع مظلمته فيفتقر إلى لقمة ويخاف من كلمة فأين هذا الفقر والذل من دعوى الربوبية المتضمنة للغنى والعز
وهذه حال المشركين الذين قال الله فيهم ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق وقال مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وأن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون وقال سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا
والنصارى فيهم شرك بين كما قال تعالى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا اله إلا هو سبحانه عما يشركون وهكذا من أشبههم من الغالية من الشيعة والنساك فيه شرك وغلو كما في النصارى شرك وغلو واليهود فيهم كبر والمستكبر معاقب بالذل
قال تعالى ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون
وقال تعالى أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون فتكذيبهم وقتلهم للأنبياء كان استكبارا
فالرافضة فيهم شبه من اليهود من وجه وشبه من النصارى من وجه ففيهم شرك وغلو وتصديق بالباطل كالنصارى وفيهم من جبن وكبر وحسد وتكذيب بالحق كاليهود
وهكذا غير الرافضة من أهل الأهواء والبدع تجدهم في نوع من الضلال ونوع من الغي فيهم شرك وكبر
لكن الرافضة ابلغ من غيرهم في ذلك ولهذا تجدهم من أعظم الطوائف تعطيلا لبيوت الله ومساجده من الجمع والجماعات التي هي أحب الاجتماعات إلى الله وهم أيضا لا يجاهدون الكفار أعداء الدين بل كثيرا ما يوالونهم ويستعينون بهم على عداوة المسلمين فهم أولياء الله المؤمنين ويوالون أعداءه المشركين وأهل الكتاب كما يعادون أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان ويوالون اكفر الخلق من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم من الملاحدة وأن كانوا يقولون هم كفار فقلوبهم وابدأنهم إليهم أميل منها إلى المهاجرين والأنصار والتابعين وجماهير المسلمين
وما من أحد من أهل الأهواء والبدع حتى المنتسبين إلى العلم والكلام والفقه والحديث والتصوف إلا وفيه شعبة من ذلك كما يوجد أيضا شعبة من ذلك في أهل الأهواء من اتباع الملوك والوزراء والكتاب والتجار لكن الرافضة ابلغ في الضلال والغي من جميع الطوائف أهل البدع
فصل
قال الرافضي البرهان الخامس والعشرون قوله تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه قال الثعلبي إنما نزلت في علي وهذا يدل على أنه أفضل فيكون هو الإمام
والجواب من وجوه أحدها أن هذا كذب على الثعلبي فإنه قال في تفسيره في هذه الآية قال علي وقتادة والحسن إنهم أبو بكر وأصحابه وقال مجاهد هم أهل اليمن وذكر حديث عياض بن غنم أنهم أهل اليمن وذكر الحديث أتاكم أهل اليمن فقد نقل الثعلبي أن عليا فسر هذه الآية بأنهم أبو بكر وأصحابه
وأما أئمة التفسير فروى الطبري عن المثنى حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا سيف بن عمر عن أبي روق عن الضحاك عن أبي أيوب عن علي في قوله يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه قال علم الله المؤمنين ووقع معنى السوء على الحشو الذي فيهم من المنافقين ومن في علمه أن يرتدوا فقال من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله المرتدة في دورهم بقوم يحبهم ويحبونه بابي بكر وأصحابه رضي الله عنهم وذكر بإسناده هذا القول عن قتادة والحسن والضحاك وابن جريج وذكر قوم أنهم الأنصار وعن آخرين أنهم أهل اليمن ورجح هذا الآخر وأنهم رهط أبي موسى قال ولولا صحة الخبر بذلك عن النبي ﷺ ما كان القول عندي في ذلك إلا قول من قال هم أبو بكر وأصحابه قال لما ارتد المرتدون جاء الله بهؤلاء على عهد عمر رضي الله عنه
الثاني أن هذا قول بلا حجة فلا يجب قبوله
الثالث أن هذا معارض بما هو اشهر منه واظهر وهو أنها نزلت في أبي بكر وأصحابه الذين قاتلوا معه أهل الردة وهذا هو المعروف عند الناس كما تقدم لكن هؤلاء الكذابون أرادوا أن يجعلوا الفضائل التي جاءت في أبي بكر يجعلونها لعلي وهذا من المكر السيء الذي لا يحيق إلا بأهله
وحدثني الثقة من أصحابنا أنه اجتمع بشيخ أعرفه وكان فيه دين وزهد وأحوال معروفة لكن كان فيه تشيع قال وكان عنده كتاب يعظمه ويدعي أنه من الأسرار وأنه أخذه من خزائن الخلفاء وبالغ في وصفه فلما أحضره فإذا به كتاب قد كتب بخط حسن وقد عمدوا إلى الأحاديث التي في البخاري ومسلم جميعها في فضائل أبي بكر وعمر ونحوهما جعلوها لعلي ولعل هذا الكتاب كان من خزائن بني عبيد المصريين فإن خواصهم كانوا ملاحدة زنادقة غرضهم قلب الإسلام وكانوا قد وضعوا من الأحاديث المفتراة التي يناقضون بها الدين ما لا يعلمه إلا الله
ومثل هؤلاء الجهال يظنون أن الاحاديث التي في البخاري ومسلم إنما أخذت عن البخاري ومسلم كما يظن مثل ابن الخطيب ونحوه ممن لا يعرف حقيقة الحال وأن البخاري ومسلما كان الغلط يروج عليهما أو كانا يتعمدان الكذب ولا يعلمون أن قولنا رواه البخاري ومسلم علامة لنا على ثبوت صحته لا أنه كان صحيحا بمجرد رواية البخاري ومسلم بل أحاديث البخاري ومسلم رواها غيرهما من العلماء والمحدثين من لا يحصي عدده إلا الله ولم ينفرد واحد منهما بحديث بل ما من حديث إلا وقد رواه قبل زمانه وفي زمانه وبعد زمانه طوائف ولو لم يخلق البخاري ومسلم لم ينقص من الدين شيء وكانت تلك الأحاديث موجوده بأسانيد يحصل بها المقصود وفوق المقصود
وإنما قولنا رواه البخاري ومسلم كقولنا قراه القراء السبعة والقرآن منقول بالتواتر لم يختص هؤلاء السبعة بنقل شيء منه وكذلك التصحيح لم يقلد أئمة الحديث فيه البخاري ومسلما بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحا متلقى بالقبول وكذلك في عصرهما وكذلك بعدهما قد نظر أئمة هذا الفن في كتابيهما ووافقوهما على تصحيح ما صححاه إلا مواضع يسيرة نحو عشرين حديثا غالبها في مسلم انتقدها عليهما طائفة من الحفاظ وهذه المواد المنتقدة غالبها في مسلم وقد انتصر طائفة لهما فيها وطائفة قررت قول المنتقدة
والصحيح التفصيل فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب مثل حديث أم حبيبة وحديث خلق الله البرية يوم السبت وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر
وفيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري فإنه أبعد الكتابين عن الانتقاد ولا يكاد يروي لفظا فيه انتقاد إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبين أنه منتقد فما في كتابه لفظ منتقد إلا وفي كتابه ما يبين أنه منتقد
وفي الجملة من نقد سبعة آلاف درهم فلم يرج عليه فيها إلا دراهم يسيرة ومع هذا فهي مغيرة ليست مغشوشة محضة فهذا إمام في صنعته والكتابان سبعة آلاف حديث وكسر
والمقصود أن أحاديثهما انتقدها الأئمة الجهابذة قبلهم وبعدهم ورواها خلائق لا يحصي عددهم إلا الله فلم ينفردا لا برواية ولا بتصحيح والله سبحانه وتعالى هو الكفيل بحفظ هذا الدين كما قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
وهذا مثل غالب المسائل التي توجد في الكتب المصنفة في مذاهب الأئمة مثل القدوري والتنبيه والخرقي والجلاب غالب ما فيها إذا قيل ذكره فلأن علم أنه مذهب ذلك الإمام وقد نقل ذلك سائر أصحابه وهم خلق كثير ينقلون مذهبه بالتواتر
وهذه الكتب فيها مسائل أنفرد بها بعض أهل المذهب وفيها نزاع بينهم لاكن غالبا هو قول أهل المذهب وأما البخاري ومسلم فجمهور ما فيهما أتفق عليه أهل العلم بالحديث الذين هم اشد عناية بألفاظ الرسول وضبطا لها ومعرفة بها من اتباع الأئمة لألفاظ أئمتهم وعلماء الحديث أعلم بمقاصد الرسول في ألفاظه من أتباع الأئمة بمقاصد أئمتهم والنزاع بينهم في ذلك اقل من تنازع اتباع الأئمة في مذاهب أئمتهم
والرافضة لجهلهم يظنون أنهم إذا قبلوا ما في نسخة من ذلك وجعلوا فضائل الصديق لعلي أن ذلك يخفى على أهل العلم الذين حفظ الله بهم الذكر
الرابع أن يقال أن الذي تواتر عند الناس أن الذي قاتل أهل الردة هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه الذي قاتل مسيلمة الكذاب المدعي للنبوة واتباعه بني حنيفة وأهل اليمامة ز قد قيل كانوا نحو مائة ألف أو اكثر وقاتل طليحة الاسدي وكان قد ادعى النبوة بنجد واتبعه من أسد تميم وغطفات ما شاء الله ادعت النبوة سجاح امرأة تزوجها مسيلمة الكذاب فتزوج الكذاب بالكذابة
وأيضا فكان من العرب من ارتد عن الإسلام ولم يتبع متنبئا كذابا ومنهم قوم اقروا بالشهادتين لكن امتنعوا من أحكامهما كمانعي الزكاة وقصص هؤلاء مشهورة متواترة يعرفها كل من له بهذا الباب أدنى معرفة
والمقاتلون للمرتدين هم من الذين يحبهم الله ويحبونه وهم أحق الناس بالدخول في هذه الآية وكذلك الذين قاتلوا سائر الكفار من الروم والفرس وهؤلاء أبو بكر وعمر ومن اتبعهما من أهل اليمن وغيرهم ولهذا روي أن هذه الآية لما نزلت سئل النبي ﷺ عن هؤلاء فأشار إلى أبي موسى الاشعري وقال هم قوم هذا
فهذا أمر يعرف بالتواتر والضرورة أن الذين أقاموا الإسلام وثبتوا عليه حين الردة وقاتلوا المرتدين والكفار هم داخلون في قوله فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم
وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله لكن ليس بأحق بهذه الصفة من أبي بكر وعمر وعثمان ولا كان جهاده للكفار والمرتدين أعظم من جهاد هؤلاء ولا حصل به من المصلحة للدين أعظم مما حصل بهؤلاء بل كل منهم له سعي مشكور وعمل مبرور وآثار صالحة في الإسلام والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خير جزاء فهم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون
وأما أن يأتي إلى أئمة الجماعة الذين كان نفعهم في الدين والدنيا أعظم فيجعلهم كفارا أو فساقا ظلمة ويأتي إلى من لم يجر على يديه من الخير مثل ما جرى على يد واحد منهم فيجعله الله أو شريكا لله أو شريك رسول الله ﷺ أو الإمام المعصوم الذي لا يؤمن إلا من جعله معصوما منصوصا عليه ومن خرج عن هذا فهو كافر ويجعل الكفار المرتدين الذي قاتلهم أولئك كانوا مسلمين ويجعل المسلمين الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان ويحجون البيت ويؤمنون بالقرآن يجعلهم كفارا لأجل قتال هؤلاء
فهذا عمل أهل الجهل والكذب والظلم والإلحاد في دين الإسلام عمل من لا عقل له ولا دين ولا إيمان
والعلماء دائما يذكرون أن الذي ابتدع الرفض كان زنديقا ملحدا مقصوده إفساد دين الإسلام ولهذا صار الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من الغالية والمعطلة كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم
وأول الفكرة آخر العمل فالذي ابتدع الرفض كان مقصوده إفساد دين الإسلام ونقض عراه وقلعه بعروشه آخرا لكن صار يظهر منه ما يكنه من ذلك ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون
وهذا معروف عن ابن سبأ وأتباعه وهو الذي ابتدع النص في علي وابتدع أنه معصوم فالرافضة الإمامية هم اتباع المرتدين وغلمان الملحدين وورثة المنافقين لم يكونوا أعيان المرتدين الملحدين
الوجه الخامس أن يقال هب أن الآية نزلت في علي أيقول القائل أنها مختصة به ولفظها يصرح بأنهم جماعة قال تعالى من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه إلى قوله لومة لائم أفليس هذا صريحا في أن هؤلاء ليسوا رجلا فإن الرجل لا يسمى قوما في لغة العرب لا حقيقة ولا مجازا
ولو قال المراد هو وشيعته لقيل إذا كانت الآية أدخلت مع على غيره فلا ريب أن الذين قاتلوا الكفار والمرتدين أحق بالدخول فيها ممن لم يقاتل إلا أهل القبلة فلا ريب أن أهل اليمن الذين قاتلوا مع أبي بكر وعمر وعثمان أحق بالدخول فيها من الرافضة الذين يوالون اليهود والنصارى والمشركين ويعادون السابقين الأولين
فإن قيل الذين قاتلوا مع علي كان كثير منهم من أهل اليمن،
قيل والذين قاتلوه أيظا كان كثير منهم من أهل اليمن فكلا العسكرين كانت اليمانية والقيسية فيهم كثيرة جدا واكثر اذواء اليمن كانوا مع معاوية كذى كلاع وذى وذي رعين عمرو ونحوهم وهم الذين يقال لهم الذوين
كما قال الشاعر:
وما أعني بذلك أصغريهم ... ولكنى أريد به الذوينا
الوجه السادس قوله فسوف يأتي الله بقوم بحبهم ويحبونه لفظ مطلق ليس فيه تعيين وهو متناول لمن قام بهذه الصفات كائنا ما كان لا يختص ذلك بابي بكر ولا بعلي وإذا لم يكن مختصا بإحداهما لم يكن هذا من خصائصه فبطل أن يكون بذلك أفضل ممن يشاركه فيه فضلا عن أن يستوجب بذلك الإمامة
بل هذه الآية تدل على أنه لا يرتد أحد عن الدين إلى يوم القيامة إلا أقام الله قوما يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون هؤلاء المرتدين
والردة قد تكون عن اصل الإسلام كالغالية من النصيرية والإسماعيلية فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السنة والشيعة وكالعباسية وقد تكون الردة عن بعض الدين كحال أهل البدع الرافضة وغيرهم والله تعالى يقيم قوما يحبهم ويحبونه ويجاهدون من ارتد عن الدين أو عن بعضه كما يقيم من يجاهد الرافضة المرتدين عن الدين أو عن بعضه في كل زمان
والله سبحانه المسؤول أن يجعلنا من الذين يحبهم ويحبونه الذين يجاهدون المرتدين واتباع المرتدين ولا يخافون لومة لائم
فصل
قال الرافضي البرهان السادس والعشرون قوله تعالى والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم روى أحمد بن حنبل بإسناد عن أبي ليلى عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ الصديقون ثلاثة حبيب بن موسى النجار مؤمن آل ياسين الذي قال يا قوم اتبعوا المرسلين وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال اتقتلوا رجلا أن يقول ربي الله وعلي بن أبي طالب الثالث وهو أفضلهم ونحوه روى أبن المغازلي الفقيه الشافعي وصاحب كتاب الفردوس هذه وفضيلة تدل على إمامته
والجواب من وجوه إحدهما المطالبة بصحة الحديث وهذا ليس في مسند أحمد ومجرد روايته له في الفضائل لو كان رواه لا يدل على صحته عنده باتفاق أهل العلم فإنه يروي ما رواه الناس وأن لم تثبت صحته وكل من عرف العلم يعلم أنه ليس كل حديث رواه أحمد في الفضائل ونحوه يقول أنه صحيح بل ولا كل حديث رواه في مسنده يقول أنه صحيح بل أحاديث مسنده هي التي رواها الناس عمن هو معروف عند الناس بالنقل ولم يظهر كذبه وقد يكون في بعضها علة تدل على أنه ضعيف بل باطل لكن غالبها وجمهورها أحاديث جيدة يحتج بها وهي أجود من أحاديث سنن أبي داود وأما ما رواه في الفضائل فليس من هذا الباب عنده
والحديث قد يعرف أن محدثه غلط فيه أو كذبه من غير علم بحال المحدث بل بدلائل آخر
والكوفيون كان قد اختلط كذبهم بصدقهم فقد يخفى كذب أحدهم أو غلطه على المتأخرين ولكن يعرف ذلك بدليل آخر فكيف وهذا الحديث لم يروه أحمد لا في المسند ولا في كتاب الفضائل وإنما هو من زيادات القطيعى رواه عن محمد بن يونس القرشي حدثنا الحسن بن محمد الأنصاري حدثنا عمرو بن جميع حدثنا بن أبي ليلى عن أخيه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال قال رسول الله ﷺ فذكره ورواه القطيعي أيضا من طريق آخر قال كتب إلينا عبد الله بن غنام الكوفي يذكر أن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى المكفوف حدثهم قال حدثنا عمرو بن جميع حدثنا محممد بن أبي ليلى عن عيسى ثم ذكر الحديث وعمرو بن جميع ممن لا يحتج بنقله بل قال بن عدي يتهم بالوضع قال يحيى كذاب خبيث وقال النسائي والدار قطني متروك وقال بن حبان يروي الموضوعات عن الإثبات والمناكير عن المشاهير لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار
الثاني أن هذا الحديث موضوع على رسول الله ﷺ
الثالث أن في الصحيح من غير وجه تسميه غير علي صديقا كتسمية أبي بكر الصديق فكيف يقال الصديقون الثلاثة
وفي الصحيحين عن أنس أن النبي ﷺ صعد أحدا وتبعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم فقال النبي ﷺ اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق وشهيدان ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن قتادة عن أنس وفي رواية ارتج بهم أحد
وفي الصحيح عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا
الوجه الرابع أن الله تعالى قد سمى مريم صديقة فكيف يقال الصديقون ثلاثة
الوجه الخامس أن قول قول القائل الصديقون ثلاثة أن أراد به أنه لا صديق إلا هؤلاء فإنه كذب مخالف للكتاب والسنة وإجماع المسلمين وأن أراد أن الكامل في الصديقية هم الثلاثة فهو أيضا خطا لأن امتنا خير أمة أخرجت للناس فكيف يكون المصدق بموسى ورسل عيسى أفضل من المصدقين بمحمد؟
والله تعالى لم يسم مؤمن آل فرعون صديقا ولا يسمى صاحب آل ياسين صديقا ولكنهم صدقوا بالرسل والمصدقون بمحمد ﷺ أفضل منهم، وقد سمى الله الأنبياء صديقين في مثل قوله واذكر في الكتاب إبراهيم أنه كان صديقا نبيا واذكر في الكتاب إدريس أنه كان صديقا نبيا وقوله عن يوسف أيها الصديق
الوجه السادس أن الله تعالى قال والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم وهذا يقتضي أن كل مؤمن آمن بالله ورسله فهو صديق
السابع أن يقال إن كان الصديق هو الذي يستحق الإمامة فأحق الناس بكونه صديقا أبو بكر فإنه الذي ثبت له هذا الاسم بالدلائل الكثيرة وبالتواتر الضروري عند الخاص والعام حتى أن أعداء الإسلام يعرفون ذلك فيكون هو المستحق للإمامة وأن لم يكن كونه صديقا يستلزم الإمامة بطلت الحجة
فصل
قال الرافضي البرهان السابع والعشرون قوله تعالى الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية من طريق أبي نعيم بإسناده إلى ابن عباس نزلت في على كان معه أربعة دراهم فأنفق درهما بالليل ودرهما بالنهار ودرهما سرا ودرهما علانية وروى الثعلبي ذلك ولم يحصل ذلك لغيره فيكون أفضل فيكون هو الإمام
والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل ورواية أبي نعيم والثعلبي لا تدل على الصحة الثاني أن هذا كذب ليس بثابت
الثالث أن الآية عامة في كل من ينفق بالليل والنهار سرا وعلانية فمن عمل بها دخل فيها سواء كان عليا أو غيره ويمتنع أن لا يراد بها إلا واحد معين
الرابع أن ما ذكر من الحديث يناقض مدلول الآية فإن الآية تدل على الأنفاق في الزمانين اللذين لا يخلو الوقت عنهما وفي الحالين اللذين لا يخلو الفعل منهما فالفعل لابد له من زمان والزمان أما ليل وأما نهار والفعل أما سرا وأما علانية فالرجل إذا أنفق بالليل سرا كان قد أنفق ليلا سرا وإذا أنفق علانية نهارا كان قد أنفق علانية نهارا وليس الأنفاق سرا وعلانية خارجا عن الأنفاق بالليل والنهار فمن قال أن المراد من أنفق درهما بالسر ودرهما في العلانية ودرهما بالليل ودرهما بالنهار كان جاهلا فإن الذي أنفقه سرا وعلانية قد أنفقه ليلا ونهارا والذي قد أنفقه ليلا ونهارا قد أنفقه سرا وعلانية فعلم أن الدرهم الواحد يتصف بصفتين لا يجب أن يكون المراد أربعة
لكن هذه التفاسير الباطلة يقول مثلها كثير من الجهال كما يقولون محمد رسول الله والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعا سجدا علي يجعلون هذه الصفات لموصوفات متعددة ويعينون الموصوف في هؤلاء الأربعة
والآية صريحة في إبطال هذا وهذا فإنها صريحة في أن هذه الصفات كلها لقوم يتصفون بها كلها وأنهم كثيرون ليسوا واحدا ولا ريب أن الأربعة أفضل هؤلاء وكل من الأربعة موصوف بهذا كله وأن كان بعض الصفات في بعض أقوى منها في آخر
واغرب من ذلك قول بعض جهال المفسرين والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين أنهم الأربعة فإن هذا مخالف للعقل والنقل لكن الله اقسم بالأماكن الثلاثة التي أنزل فيها كتبه الثلاثة التوراة والإنجيل والقرآن وظهر منها موسى وعيسى ومحمد كما قال في التوراة جاء الله من طور سينا واشرق من ساعين واستعلن من جبال فاران
فالتين والزيتون الأرض التي بعث فيها المسيح وكثيرا ما تسمى الأرض بما ينبت فيها فيقال فلأن خرج إلى الكرم والى الزيتون وإلى الرمان ونحو ذلك ويراد الأرض التي فيها ذلك فإن الأرض تتناول ذلك فعبر عنها ببعضها
وطور سينين حيث كلم الله موسى وهذا البلد الأمين مكة أم القرى التي بعث بها محمد ﷺ
والجاهل بمعنى الآية لتوهمه أن الذي أنفقه سرا وعلانية غير الذي أنفقه في الليل والنهار يقول نزلت فيمن أنفق أربعة دراهم أما على وإما غيره ولهذا قال الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية لم يعطف بالواو فيقول سرا وعلانية بل هذأن داخلان في الليل والنهار سواء قيل هما منصوبان على المصدر لأنهما نوعان من الأنفاق أو قيل على الحال فسواء قدرا سرا وعلانية أو مسرا ومعلنا فتبين أن الذي كذب هذا كان جاهلا بدلالة القرآن والجهل في الرافضة ليس بمنكر
الخامس أنا لو قدرنا أن عليا فعل ذلك ونزلت فيه الآية فهل هنا إلا أنفاق أربعة دراهم في أربعة أحوال وهذا عمل مفتوح بابه ميسر إلى يوم القيامة والعاملون بهذا وأضعافه اكثر من أن يحصوا وما من أحد فيه خير إلا ولا بد أن ينفق ان إنشاء الله تارة بالليل وتارة بالنهار وتارة في السر وتارة في العلانية فليس هذا من الخصائص فلا يدل على فضيلة الإمامة
فصل
قال الرافضي البرهان الثامن والعشرون ما رواه أحمد بن حنبل عن ابن عباس قال ليس من آية في القرآن يا أيها الذين آمنوا إلا علي رأسها وأميرها وشريفها وسيدها ولقد عاتب الله تعالى أصحاب محمد في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير وهذا يدل على أنه أفضل فيكون هو الإمام
والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل وليس هذا في مسند أحمد ولا مجرد روايته له لو رواه في الفضائل يدل على أنه صدق فكيف ولم يروه أحمد لا في المسند ولا في الفضائل وإنما هو من زيادات القطيعي رواه عن إبراهيم عن شريك الكوفي حدثنا زكريا بن يحيى الكسائى حدثنا عيسى عن على بن بذيمة عن عكرمة عن بن عباس ومثل هذا الإسناد لا يحتج به باتفاق أهل العلم فإن زكريا بن يحيى الكسائى قال فيه يحيى رجل سوء يحدث بأحاديث يستأهل أن يحفر له بئر فيلقى فيها وقال الدارقطني قطني متروك وقال ابن عدي كان يحدث بأحاديث في مثالب الصحابة
الثاني أن هذا كذب على ابن عباس والمتواتر عنه أنه كان يفضل عليه أبا بكر وعمر وله معايبات يعيب بها عليا ويأخذ عليه في أشياء من أموره حتى أنه لما حرق الزنادقة الذين ادعوا فيه الإلهية قال لو كنت أنا لم احرقهم لنهى النبي ﷺ أن يعذب بعذاب الله ولضربت أعناقهم لقول النبي ﷺ من بدل دينه فاتتلوه رواه البخاري وغيره ولما بلغ عليا ذلك عليا قال ويح أم ابن عباس
ومن الثابت أن ابن عباس أنه كان يفتي إذا لم يكن معه نص بقول أبي بكر وعمر فهذا اتباعه لأبي بكر وعمر وهذه معارضته لعلي
وقد ذكر غير واحد منهم الزبير بن بكار مجاوبته لعلي لما أخذ ما أخذ من مال البصرة فأرسل إليه رسالة فيها تغليط عليه فأجاب عليا بجواب يتضمن أن ما فعلته دون ما فعلته من سفك دماء المسلمين على الإمارة ونحو ذلك
الثالث أن هذا الكلام ليس فيه مدح لعلي فإن الله كثيرا ما يخاطب الناس بمثل هذا في مقام عتاب كقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون فإن كان علي راس هذه الآية فقد وقع منه هذا الفعل الذي أنكره الله وذمه
وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وثبت في الصحاح أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بمكة فأرسل النبي ﷺ عليا والزبير ليأتيا بالمرأة التي كان معها الكتاب وعلي كان بريئا من ذنب حاطب فكيف يجعل راس المخاطبين الملامين على هذا الذنب
وقال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن القي إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا وهذه الآية نزلت في الذين وجدوا رجلا في غنيمة له فقال أنا مسلم فلم يصدقوه وأخذوا غنمه فأمرهم الله سبحانه وتعالى بالتثبت والتبين ونهاهم عن تكذيب مدعي الإسلام طمعا في دنياه وعلي رضي الله عنه بري من ذنب هؤلاء فكيف يقال هو رأسهم وأمثال هذا كثير في القرآن
الرابع هو ممن شمله لفظ الخطاب وأن لم يكن هو سبب الخطاب فلا ريب أن اللفظ شمله كما يشمل غيره وليس في لفظ الآية تفريق بين مؤمن ومؤمن
الخامس أن قول القائل عن بعض الصحابة أنه راس الآيات وأميرها وشريفها وسيدها كلام لا حقيقة له فإن أريد أنه أول من خوطب بها فليس كذلك فإن الخطاب يتناول المخاطبين تناولا واحدا لا تتقدم بعضهم بما تناوله عن بعض
وإن قيل أنه أول من عمل بها فليس كذلك فإن في الآيات آيات قد عمل بها من قبل علي وفيها آيات لم يحتج علي أن يعمل بها
وإن قيل أن تناولها لغيره أو عمل غيره بها مشروط به كالإمام في الجمعة فليس الأمر كذلك فإن شمول الخطاب لبعضهم ليس مشروطا بشموله لآخرين ولا وجوب العمل على بعضهم مشروط على آخرين بوجوبه
وإن قيل أنه أفضل من عنى بها فهذا يبنى على كونه أفضل الناس فإن ثبت ذلك فلا حاجة إلى الاستدلال بهذه الآية وأن لم يثبت لم يجز الاستدلال بها فكان الاستدلال بها باطلا على التقديرين
وغاية ما عندكم أن تذكروا أن ابن عباس كان يفضل عليا وهذا مع أنه هذا كذب على ابن عباس وخلاف المعلوم عنه فلو أنه قدر أنه قال ذلك مع مخالفة جمهور الصحابة لم يكن حجة
السادس أن قول القائل لقد عاتب الله أصحاب محمد في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير كذب معلوم فإنه لا يعرف أن الله عاتب أبا بكر في القرآن بل ولا أنه ساء رسول الله بل روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال في خطبته أيها الناس اعرفوا أبي بكر حقه فإنه لم يسؤني يوما قط
والثابت من الأحاديث الصحيحة يدل على أن النبي ﷺ كان ينتصر لأبي بكر وينهى الناس عن معارضته ولم ينقل أنه ساءه كما نقل ذلك عن غيره فإن عليا لما خطب بنت أبي جهل خطب النبي ﷺ الخطبة المعروفة وما حصل مثل هذا في حق أبي بكر قط
وأيضا فعلي لم يكن يدخل مع النبي ﷺ في الأمور العامة كما كان يدخل معه أبو بكر مثل المشاورة في ولايته وحربه وعطائه وغير ذلك فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا مع النبي ﷺ مثل الوزيرين له شاورهما في أسرى بدر ما يصنع بهم وشاورهما في وفد بني تميم لمن يولي عليهم وشاورهما في غير ذلك من الأمور العامة يخصهما بالشورى
وفي الصحيحين عن علي أن عمر لما مات قال له والله إني لأرجو أن يحشرك الله مع صاحبيك فإني كنت كثيرا ما اسمع من رسول الله ﷺ يقول دخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر وذهبت أنا وأبو بكر وعمر
وكان يشاور أبا بكر بأمور حروبه يخصه كما شاوره في قصة الإفك كما استشار أسامة بن زيد وكما سال بريرة وهذا أمر يخصه فإنه لما اشتبه عليه أمر عائشة رضي الله عنها وتردد هل يطلق لما بلغه عنها أم يمسكها صار يسال عنها بريرة لتخبره بباطن أمرها ويشاور فيها عليا أيمسكها أم يطلقها فقال له أسامة أهلك ولا نعلم إلا خيرا وقال على لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير واسأل الجارية تصدقك ومع هذا فنزل القرآن ببراءتها وإمساكها موافقة لما أشار به أسامة بن زيد حب النبي ﷺ وكان عمر يدخل في مثل هذه الشورى ويتكلم مع نسائه فيما يخص النبي ﷺ حتى قالت له أم سلمة يا عمر لقد دخلت في كل شيء حتى دخلت بين رسول الله ﷺ وبين نسائه
وأما الأمور العامة الكلية التي تعم المسلمين إذا لم يكن فيها وحي خاص فكان يشاور فيها أبا بكر وعمر وأن دخل غيرهما في الشورى لكن هما الأصل في الشورى وكان عمر تاره ينزل القرآن بموافقته فيما يراه وتارة يتبين له الحق في الخلاف ما رآه فيرجع عنه
وأما الأمور العامة الكلية التي تعم المسلمين إذا لم يكن فيها وحي خاص فكان يشاور فيها أبا بكر وعمر وأن دخل غيرهما في الشورى لكن هما الأصل في الشورى وكان عمر تارة ينزل القرآن بموافقته فيما يراه وتارة يتبين له الحق في خلاف ما رآه فيرجع عنه
وأما أبو بكر فلم يعرف أنه أنكر عليه شيئا ولا كان أيضا يتقدم في شيء اللهم إلا لما تنازع هو وعمر فيمن يولى من بني تميم حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول وليس تأذي النبي ﷺ في ذلك بأكثر من تأذيه في قصة فاطمة
وقد قال تعالى وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله وقد أنزل الله تعالى في على يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون لما صلى فقرا وخلط
وقال النبي ﷺ وكان الإنسان اكثر شيء جدلا لما قال له ولفاطمة إلا تصليان فقالا أنما أنفسنا بيد الله سبحانه وتعالى
فصل
قال الرافضي البرهان التاسع والعشرون قوله تعالى إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما من صحيح البخاري عن كعب بن عجرة قال سألنا رسول الله ﷺ فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وفي صحيح مسلم قلنا يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ولا شك أن عليا أفضل آل محمد فيكون أولى بالإمامة
والجواب أنه لا ريب أن هذا الحديث صحيح متفق عليه وأن عليا من آل محمد الداخلين في قوله اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ولكن ليس هذا من خصائصه فإن جميع بني هاشم داخلون في هذا كالعباس وولده والحارث بن عبد المطلب وولده وكبنات النبي ﷺ زوجتي عثمان رقية وأم كلثوم وبنته فاطمة وكذلك أزواجه كما في الصحيحين فيه قوله اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته بل يدخل فيه سائر أهل بيته إلى يوم القيامة ويدخل فيه إخوة علي كجعفر وعقيل
ومعلوم أن دخول هؤلاء في الصلاة والتسليم لا يدل على أنه أفضل من كل من لم يدخل في ذلك ولا أنه يصلح بذلك للإمامة فضلا عن أن يكون مختصا بها إلا ترى أن عمارا والمقداد وأبا ذر وغيرهم ممن أتفق أهل السنة والشيعة على فضلهم لا يدخلون في الصلاة على إلال ويدخل فيها عقيل والعباس وبنوه وأولئك أفضل من هؤلاء باتفاق أهل السنة والشيعة وكذلك يدخل فيها عائشة وغيرها من أزواجه ولا تصلح امرأة لإمامه وليست أفضل الناس باتفاق أهل السنة والشيعة فهذه فضيلة مشتركة بينه وبين غيره وليس كل من اتصف بها أفضل ممن لم يتصف بها
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم فالتابعون أفضل من القرن الثالث
وتفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم تفصيل الأفراد على كل فرد فإن القرن الثالث والرابع فيهم من هو أفضل من كثير ممن أدرك الصحابة كالاشتر النخعي وأمثاله من رجال الفتن وكالمختار بن أبي عبيد وأمثاله من الكذابين والمفترين والحجاج بن يوسف وأمثاله من أهل الظلم والشر
وليس على أفضل أهل البيت بل أفضل أهل البيت رسول الله ﷺ فإنه داخل في أهل البيت، كما قال للحسن أما علمت أنا أهل بيت لا نأكل الصدقة. وهذا الكلام يتناول المتكلم ومن معه
وكما قالت الملائكة رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت وإبراهيم فيهم
وكما قال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم آل إبراهيم وإبراهيم داخل فيهم
وكما في قوله تعالى إلا آل لوط نجيناهم فإن لوطا دخل فيهم وكذلك قوله أن الله اصطفى آدم ونوحا وال إبراهيم وال عمران على العالمين فقد دخل إبراهيم في الاصطفاء
وكذلك قوله سلام على آل ياسين فقد دخل ياسين في السلام وكذلك قول النبي اللهم صل عرلى آل أبي أوفى دخل في ذلك أبو أوفى وكذلك قوله لقد أوتى هذا مزمارا من مزامير آل داود
وليس إذا كان علي أفضل أهل البيت بعد رسول الله ﷺ يجب أن يكون أفضل الناس بعده لأن بني هاشم أفضل من غيرهم فإن رسول الله ﷺ منهم وأما إذا خرج منهم فلا يجب أن يكون أفضلهم بعده أفضل ممن سواهم
كما أن التابعين إذا كانوا أفضل من تابعي التابعين وكان فيهم واحد أفضل لم يجب أن يكون الثاني أفضل من أفضل تابعي التابعين
بل الجملة إذا فضلت على الجملة فكان أفضلهما أفضل من الجملة الأخرى حصل مقصود التفضيل وما بعد ذلك فموقوف على الدليل
بل قد يقال لا يلزم أن يكون أفضلها أفضل من فاضل الأخرى إلا بدليل
وفي صحيح مسلم عن النبي ﷺ أنه قال أن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم فإذا كان جملة قريش أفضل من غيرها لم يلزم أن يكون كل منهم أفضل من غيرهم بل في سائر العرب وغيرهم من المؤمنين من هو أفضل من اكثر قريش والسابقون الأولون من قريش نفر معدودون وغالبهم أنما أسلموا عام الفتح وهم الطلقاء
وليس كل المهاجرين من قريش بل المهاجرون من قريش وغيرهم كابن مسعود الهزلي وعمران بن حصين الخزاعي والمقداد بن الاسود الكندي وهؤلاء وغيرهم من البدريين أفضل من اكثر بني هاشم فالسابقون من بني هاشم حمزة وعلى وجعفر وعبيدة بن الحارث أربعة أنفس وأهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر فمنهم من بني هاشم ثلاثة وسائرهم أفضل من سائر بني هاشم
وهذا كله بناء على أن الصلاة والسلام على آل محمد وأهل بيته تقتضي أن يكونوا أفضل من سائر أهل البيوت وهذا مذهب أهل السنة والجماعة الذين يقولون بنو هاشم أفضل قريش وقريش أفضل العرب والعرب أفضل بني آدم
وهذا هو المنقول عن أئمة السنة كما ذكره حرب الكرماني عمن لقيهم مثل أحمد وإسحاق وسعيد بن منصور وعبد الله بن الزبير الحميدي وغيرهم
وذهبت طائفة إلى منع التفضيل بذلك كما ذكره القاضي أبو بكر والقاضي أبو يعلى في المعتمد وغيرهما
والأول اصح فإنه قد ثبت عن النبي ﷺ في الصحيح أنه قال لأن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريش من كنانة واصطفى هاشما من قريش واصطفاني من بني هاشم وروي أن الله اصطفى بني إسماعيل وهذا مبسوط في غير هذا الموضع
فصل
قال الرافضي البرهان الثلاثون قوله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان من تفسير الثعلبي وطريق أبي نعيم عن ابن عباس في قوله مرج البحرين يلتقيان قال علي وفاطمة بينهما برزخ لا يبغيان النبي ﷺ وآله يخرج منها اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين ولم يحصل لغيره من الصحابة هذه الفضيلة فيكون أولى بالإمامة
والجواب أن هذا وأمثاله أنما يقوله من لا يعقل ما يقول وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن وهو من جنس تفسير الملاحدة ة والقرامطة الباطنية للقرآن بل هو شر من كثير منه والتفسير بمثل هذا طريق للملاحدة على القرآن والطعن فيه بل تفسير القرآن بمثل هذا من أعظم القدح فيه والطعن فيه
ولجهال المنتسبين إلى السنة تفاسير في الأربعة وهي أن كانت باطلة فهي امثل من هذا كقولهم الصابرين محمد والصادقين أبو بكر والقانتين عمر والمنفقين عثمان والمستغفرين بالأسحار علي
وكقوله محمد رسول الله والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعا سجدا على
وكقولهم والتين أبو بكر والزيتون عمر وطور سينين عثمان وهذا البلد الأمين علي
وكقولهم والعصر أن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا أبو بكر وعملوا الصالحات عمر وتواصوا بالحق عثمان وتواصوا بالصبر علي
فهذه التفاسير من جنس تلك التفاسير وهي أمثل من الحادات الرافضة كقولهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين علي وكقولهم وأنه في أم الكتاب لدنيا لعلي حكيم أنه علي بن أبي طالب والشجرة الملعونة في القرآن بنو أمية وأمثال هذا الكلام الذي لا يقوله من يرجو لله وقارا ولا يقوله من يؤمن بالله وكتابه
وكذلك قول القائل مرج البحرين يلتقيان علي وفاطمة بينهما برزخ لا يبغيان النبي ﷺ يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين وكل من له أدنى علم وعقل يعلم بالاضطرار بطلان هذا التفسير وأن ابن عباس لم يقل هذا
وهذا من التفسير الذي في تفسير الثعلبي وذكره بإسناد رواته مجهولون لا يعرفون عن سفيان الثوري وهو كذب على سفيان قال الثعلبي أخبرني الحسن بن محمد الدينوري حدثنا موسى بن محمد بن علي بن عبد الله قال قرا أبي على أبي محمد بن الحسن بن علوية القطان من كتابه وأنا اسمع حدثنا بعض أصحابنا حدثنا رجل من أهل مصر يقال له طسم حدثنا أبو حذيفة عن أبيه عن سفيان الثوري في قوله مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان قال فاطمة وعلي يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان الحسن والحسين
وهذا الإسناد ظلمات بعضها فوق بعض لا يثبت بمثله شيء
ومما يبين كذب ذلك وجوه أحدها أن تسمية هذين بحرين وهذا لؤلؤا هذا في سورة الرحمان وهي مكية بإجماع المسلمين والحسن والحسين إنما ولدا بالمدينة الثاني أن عن عيسى ثم ذكر وهذا مرجانا وجعل النكاح مرجا أمر لا تحتمله لغة العرب بوجه لا حقيقة ولا مجازا بل كما أنه كذب على الله وعلى القرآن فهو كذب على اللغة
الثالث أنه ليس في هذا شيء زائد على ما يوجد في سائر بني آدم فإن كل من تزوج امرأة وولد لهما ولدان فهما من هذا الجنس فليس في ذكر هذا ما يستعظم من قدرة الله وآياته إلا ما في نظائره من خلق الآدميين فلا موجب للتخصيص وإن كان ذلك لفضيلة الزوجين والولدين فإبراهيم واسحق ويعقوب افضل من علي
وفي الصحيح أن النبي ﷺ سئل أي الناس اكرم فقال اتقاهم فقالوا ليس عن هذا نسألك فقال يوسف نبي الله ابن يعقوب نبي الله ابن إسحاق نبي الله ابن إبراهيم خليل الله
وآل إبراهيم الذين أمرنا أن نسأل لمحمد وأهل بيته من الصلاة مثل ما صلى الله عليهم ونحن وكل مسلم نعلم أن آل إبراهيم افضل من آل علي لكن محمد افضل من إبراهيم ولهذا ورد هنا سؤال مشهور وهو انه إذا كان محمد افضل فلم قيل كما صليت على إبراهيم والمشبه دون المشبه به
وقد أجيب عن ذلك بأجوبه منها أن يقال أن آل إبراهيم فيهم الأنبياء ومحمد فيهم قال ابن عباس محمد من آل إبراهيم فمجموع آل إبراهيم بمحمد افضل من آل محمد ومحمد قد دخل في الصلاة على آل إبراهيم ثم طلبنا له من الله ولأهل بيته دونه مثل ما صلى على إبراهيم فيأخذ أهل بيته ما يليق بهم ويبقى سائر ذلك لمحمد ﷺ فيكون قد طلب له من الصلاة ما جعل للأنبياء من آل إبراهيم والذي يأخذه الفاضل من أهل بيته لا يكون مثلما يحصل لنبي فتعظم الصلاة عليه بهذا الاعتبار ﷺ وقيل أن التشبيه في الأصل لا في القدر
الرابع أن الله ذكر انه مرج البحرين في آية أخرى فقال في الفرقان وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج فلو أريد بذلك علي وفاطمة لكان ذلك ذما لأحدهما وهذا باطل بإجماع أهل السنة والشيعة
الخامس انه قال بينهما برزخ لا يبغيان فلو أريد بذلك علي وفاطمة لكان البرزخ الذي هو النبي ﷺ بزعمهم أو غيره هو المانع لأحدهما أن يبغي على الآخر وهذا بالذم أشبه منه بالمدح
السادس أن أئمة التفسير متفقون على خلاف هذا كما ذكره ابن جرير وغيره فقال ابن عباس بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام وقال الحسن مرج البحرين يعني بحر فارس والروم بينهما برزخ هو الجزائر، وقوله يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان قال الزجاج إنما يخرج من البحر الملح وإنما جمعهما لانه إذا خرج من أحدهما فقد خرج منهما مثل وجعل القمر فيهن نورا وقال الفارسي أراد من أحدهما فحذف المضاف وقال ابن جرير إنما قال منهما لانه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء
وأما اللؤلؤ والمرجان ففيهما قولان أحدهما أن المرجان ما صغر من اللؤلؤ واللؤلؤ العظام قاله الأكثر ون منهم ابن عباس وقتادة والفراء والضحاك وقال الزجاج اللؤلؤ اسم جامع للحب الذي يخرج من البحر والمرجان صغاره الثاني أن اللؤلؤ الصغار والمرجان الكبار قاله مجاهد والسدى ومقاتل قال ابن عباس إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فما وقع فيها من المطر فهو لؤلؤ وقال ابن جرير حيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة وقال ابن مسعود المرجان الخرز الأحمر وقال الزجاج المرجان ابيض شديد البياض وحكى عن أبي يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان
فصل
قال الرافضي البرهان الحادي والثلاثون قوله تعالى ومن عنده علم الكتاب من طريق أبي نعيم عن ابن الحنفية قال هو علي بن أبي طالب وفي تفسير الثعلبي عن عبد الله بن سلام قال قلت من هذا الذي عنده علم الكتاب قال ذلك علي بن أبي طالب وهذا يدل على انه افضل فيكون هو الإمام
والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل عن ابن سلام وابن الحنفية
الثاني انه بتقدير ثبوته ليس بحجة مع مخالفة الجمهور لها
الثالث أن هذا كذب عليهما
الرابع أن هذا باطل قطعا وذلك أن الله تعالى قال قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب ولو أريد به علي لكان المراد أن محمدا يستشهد على ما قاله بابن عمه علي ومعلوم أن عليا لو شهد له بالنبوة وبكل ما قال لم ينتفع محمد بشهادته له ولا يكون ذلك حجة له على الناس ولا يحصل بذلك دليل المستدل ولا ينقاد بذلك أحد لأنهم يقولون من أين لعلي بذلك وإنما هو استفاد ذلك من محمد فيكون محمد هو الشاهد لنفسه
ومنها أن يقال أن هذا ابن عمه ومن أول من آمن به فيظن به المحاباة والمداهنة والشاهد أن لم يكن عالما بما يشهد به بريئا من التهمه لم يحكم بشهادته ولم يكن حجة على المشهود عليه فكيف إذا لم يكن له علم بها إلا من المشهود له ومعلوم انه لو شهد له بتصديقه فيما قاله أبو بكر وعمر وغيرهما كان انفع له لان هؤلاء ابعد عن ا لتهمة ولان هؤلاء قد يقال انهم كانوا رجالا وقد سمعوا من أهل الكتاب ومن الكهان أشياء علموها من غير جهة محمد بخلاف على فانه كان صغيرا فكان الخصوم يقولون لا يعلم ما شهد به إلا من جهة المشهود له
وأما أهل الكتاب فإذا شهدوا بما تواتر عندهم عن الأنبياء وبما علم صدقه كانت تلك شهادة نافعة كما لو كان الأنبياء موجودين وشهدوا له لان ما ثبت نقله عنهم بالتواتر وغيره كان بمنزلة شهادتهم أنفسهم
ولهذا نحن نشهد على الأمم بما علمناه من جهة نبينا كما قال تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا
فهذا الجاهل الذي جعل هذا فضيلة لعلى قدح بها فيه وفي النبي الذي صار به على من المؤمنين وفي الأدلة الدالة على الإسلام ولا يقول هذا إلا زنديق أو جاهل مفرط في الجهل
فان كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وان كنت تدري فالمصيبة أعظم
الخامس أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر الاستشهاد بأهل الكتاب في غير آية كقوله تعالى قل ارأيتم أن كان من عند الله ثم كفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل علي مثله افترى عليا هو من بني إسرائيل
وقال تعالى فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك فهل كان على من الذين يقرؤون الكتاب من قبله
وقال وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر فهل أهل الذكر الذين يسألونهم هل أرسل الله إليهم رجالا هم علي بن أبي طالب
السادس انه لو قدر أن عليا هو الشاهد لم يلزم أن يكون افضل من غيره كما أن أهل الكتاب الذين يشهدون بذلك مثل عبد الله بن سلام وسلمان وكعب الأحبار وغيرهم ليسوا أفضل من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كابي بكر وعمر وعثمان وعلى وجعفر وغيرهم
فصل
قال الرافضي البرهان الثاني والثلاثون قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه روى أبو نعيم مرفوعا إلى ابن عباس قال أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم عليه السلام بخلته من الله ومحمد ﷺ لانه صفوة الله ثم على يزف بينهما إلى الجنان ثم قرا ابن عباس يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه قال علي وأصحابه وهذا يدل على انه افضل من غيره فيكون هو الإمام
والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل لا سيما في مثل هذا الذي لا اصل له
الثاني أن هذا كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث
الثالث أن هذا باطل قطعا لان هذا يقتضي أن يكون علي افضل من إبراهيم ومحمد لانه وسط وهما طرفان وافضل الخلق إبراهيم ومحمد فمن فضل عليهما عليا كان اكفر من اليهود والنصارى
الرابع انه قد ثبت في الصحيحين عن النبي ﷺ انه قال أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم
وليس فيه ذكر محمد ولا علي وتقديم إبراهيم بالكسوة لا يقتضي انه افضل من محمد مطلقا كما أن قوله إن الناس يصعقون يوم القيامة فاكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بالعرش فلا ادري هل استفاق قبلي أم كان من الذين استثنى الله، فتجويز أن يكون سبقه في الإفاقة أو لم يصعق بحال لا يمنعنا أن نعلم أن محمدا افضل من موسى
ولكن إذا كان التفضيل على وجه الغض من المفضول في النقص له نهى عن ذلك كما نهى في هذا الحديث عن تفضيله على موسى وكما قال لمن قال يا خير البرية قال ذاك إبراهيم وصح قوله أنا سيد ولد آدم ولا فخر آدم فمن دونه تحت لوائي يوم القيامة ولا فخر وكذلك الكلام في تفضيل الصحابة يتقى فيه نقص أحد عن رتبته أو الغض من درجته أو دخول الهوى والفرية في ذلك كما فعلت الرافضة والنواصب الذين يبخسون بعض الصحابة حقوقهم
الخامس أن قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شيء قدير وقوله يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم نص عام في المؤمنين الذين مع النبي ﷺ وسياق الكلام يدل على عمومه والآثار المروية في ذلك تدل على عمومه
قال ابن عباس ليس أحد من المسلمين إلا يعطى نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره يوم القيامة والمؤمن يشفق مما يرى من إطفاء نور المنافق فهو يقول ربنا أتمم لنا نورنا فان العموم في ذلك يعلم قطعا ويقينا وانه لم يرد به شخص واحد فكيف يجوز أن يقال انه على وحده ولو أن قائلا قال في كل ما جعلوه عليا انه أبو بكر أو عمر أو عثمان أي فرق كان بين هؤلاء وهؤلاء إلا محض الدعوى والافتراء بل يمكن ذكر شبه لمن يدعي اختصاص ذلك بابي بكر وعمر أعظم من شبه الرافضة آلتي تدعى اختصاص ذلك بعلى وحينئذ فدخول على في هذه الآية كدخول الثلاثة بل هم أحق بالدخول فيها فلم يثبت بها أفضليته ولا إمامته
فصل
قال الرافضي البرهان الثالث والثلاثون قوله تعالى أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية روى الحافظ أبو نعيم بإسناده إلى ابن عباس لما نزلت هذه الآية قال رسول الله ﷺ لعلي تأتى أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ويأتي خصماؤك غضابا مفحمين وإذا كان خير البرية وجب أن يكون هو الإمام
والجواب من وجوه أحدها المطالبة بصحة النقل وان كنا غير مرتابين في كذب ذلك لكن مطالبة المدعي بصحة النقل لا يأباه إلا معاند ومجرد رواية أبي نعيم ليست بحجة باتفاق طوائف المسلمين
الثاني أن هذا مما هو كذب موضوع باتفاق العلماء وأهل المعرفة بالمنقولات
الثالث أن يقال هذا معارض بمن يقول أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم النواصب كالخوارج وغيرهم ويقولون أن من تولاه فهو كافر مرتد فلا يدخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويحتجون على ذلك بقوله ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون قالوا ومن حكم الرجال في دين الله فقد حكم بغير ما انزل الله فيكون كافرا ومن تولى الكافر فهو كافر لقوله ومن يتولهم منكم فانه منهم وقالوا انه هو وعثمان ومن تولاهما مرتدون بقول النبي ﷺ ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال فأقول أي رب أصحابي أصحابي فيقال انك لا تدري ما أحدثوا بعدك انهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم
قالوا وهؤلاء هم الذين حكموا في دماء المسلمين واموالهم بغير ما انزل الله
واحتجوا بقوله لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض قالوا والذين ضرب بعضهم رقاب بعض رجعوا بعده كفارا
فهذا وأمثاله من حجج الخوارج وهو وان كان باطلا بلا ريب فحجج الرافضة ابطل منه والخوارج اعقل واصدق واتبع للحق من الرافضة فانهم صادقون لا يكذبون أهل دين ظاهرا وباطنا لكنهم ضالون جاهلون مارقون مرقوا من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية وأما الرافضة فالجهل والهوى والكذب غالب عليهم وكثير من أئمتهم وعامتهم زنادقة ملا حدة ليس لهم غرض في العلم ولا في الدين بل أن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى
والمروانية الذين قاتلوا عليا وان كانوا لا يكفرونه فحججهم أقوى من حجج الرافضة وقد صنف الجاحظ كتابا للمر وانية ذكر فيه من الحجج التي لهم ما لا يمكن الرافضة نقضه بل لا يمكن الزيدية نقضه دع الرافضة
وأهل السنة والجماعة لما كانوا معتدلين متوسطين صارت الشيعة تنتصر بهم فيما يقولونه في حق علي من الحق ولكن أهل السنة قالوا ذلك بأدلة يثبت بها فضل الأربعة وغيرهم من الصحابة ليس مع أهل السنة ولا غيرهم حجة تخص عليا بالمدح وغيره بالقدح فان هذا ممتنع لا ينال إلا بالكذب المحال لا بالحق المقبول في ميدان النظر والجدال
الوجه الرابع أن يقال قوله أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات عام في كل من اتصف بذلك فما الذي أوجب تخصيصه بالشيعة فان قيل لان من سواهم كافر قيل أن ثبت كفر من سواهم بدليل كان ذلك مغنيا لكم عن هذا التطويل وان لم يثبت لم ينفعكم هذا الدليل فانه من جهة النقل لا يثبت فان أمكن إثباته بدليل منفصل فذاك هو الذي يعتمد عليه لا هذه الآية
الوجه الخامس أن يقال من المعلوم المتواتر أن ابن عباس كان يوالي غير شيعة علي اكثر مما يوالي كثيرا من الشيعة حتى الخوارج كان يجالسهم ويفتيهم ويناظرهم فلو اعتقد أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم الشيعة فقط وأن من سواهم كفار لم يعمل مثل هذا وكذلك بنو أمية كانت معاملة ابن عباس وغيره لهم من اظهر الأشياء دليلا على انهم مؤمنون عنده لا كفار
فان قبل نحن لا نكفر من سوى الشيعة لكن نقول هم خير البرية، قيل الآية تدل على أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية فان قلتم أن من سواهم لا يدخل في ذلك فأما أن تقولوا هو كافر أو تقولوا فاسق بحيث لا يكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأن دخل اسمهم في الإيمان وإلا ممن كان مؤمنا فليس بفاسق فهو داخل في الذين آمنوا وعملوا الصالحات
فان قلتم هو فاسق، قيل لكم أن ثبت فسقهم كفاكم ذلك في الحجة وأن لم يثبت لم ينفعكم ذلك في الاستدلال وما تذكرون به فسق طائفة من الطوائف إلا وتلك الطائفة تبين لكم أنكم أولى بالفسق منهم من وجوه كثيرة وليس لكم حجة صحيحة تدفعون بها هذا، والفسق غالب عليكم لكثرة الكذب فيكم والفواحش والظلم فان ذلك اكثر فيكم منه في الخوارج وغيرهم من خصومكم واتباع بني أمية كانوا اقل ظلما وكذبا وفواحش ممن دخل في الشيعة بكثير وأن كان في بعض الشيعة صدق ودين وزهد فهذا في سائر الطوائف اكثر منهم ولو لم يكن إلا الخوارج الذين قيل فيهم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم
الوجه السادس انه قال قبل ذلك أن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ثم قال أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية وهذا يبين أن هؤلاء من سوى المشركين وأهل الكتاب وفي القران مواضع كثيرة ذكر فيها الذين آمنوا وعملوا الصالحات وكلها عامة فما الموجب لتخصيص هذه الآية دون نظائرها
وإنما دعوى الرافضة أو غيرهم من أهل الاهواء الكفر في كثير ممن سواهم كالخوار وكثير من المعتزلة والجهمية وانهم هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات دون من سواهم كقول اليهود والنصارى لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم أن كنتم صادقين بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن فله اجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهذا عام في كل من عمل لله بما أمره الله فالعمل الصالح هو المأمور به وإسلام وجهه لله إخلاص قصده لله
فصل
قال الرافضي البرهان الرابع والثلاثون قوله تعالى وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وفي تفسير الثعلبي عن ابن سيرين قال نزلت في النبي ﷺ وعلي بن أبي طالب زوج فاطمة عليا وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهر ولم يثبت لغيره ذلك فكان افضل فيكون هو الإمام
والجواب من وجوه أولا المطالبة بصحة النقل
وثانيا أن هذا كذب على ابن سيرين بلا شك
وثالثا أن مجرد قول ابن سيرين الذي خالفه فيه الناس ليس بحجة
الرابع أن يقال هذه الآية في سورة الفرقان وهي مكية وهذا من الآيات المكية باتفاق الناس قبل أن يتزوج علي بفاطمة فكيف يكون ذلك قد أريد به علي وفاطمة
الخامس أن الآية مطلقة في كل نسب وصهر لا اختصاص لها بشخص دون شخص ولا ريب أنها تتناول مصاهرته لعلي كما تتناول مصاهرته لعثمان مرتين كما تتناول مصاهرة أبي بكر وعمر للنبي ﷺ فان النبي ﷺ تزوج عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر من أبويهما وزوج عثمان برقية وأم كلثوم بنتيه وزوج عليا بفاطمة فالمصاهرة ثابتة بينه وبين الأربعة وروي عنه انه قال لو كانت عندنا ثالثة لزوجناها عثمان
وحينئذ فتكون المصاهرة مشتركة بين علي وغيره فليست من خصائصه فضلا عن أن توجب أفضليته وإمامته عليهم
السادس انه لو فرض انه أريد بذلك مصاهرة علي فمجرد المصاهرة لا تدل على انه افضل من غيره باتفاق أهل السنة والشيعة فان المصاهرة ثابتة لكل من الأربعة مع ان بعضهم افضل من بعض فلو كان المصاهرة توجب الأفضلية للزم التناقض
فصل
قال الرافضي البرهان الخامس والثلاثون قوله تعالى يا آيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين أوجب الله علينا الكون مع المعلوم منهم الصدق وليس إلا المعصوم لتجويز الكذب في غيره فيكون هو عليا إذ لا معصوم من الأربعة سواه وفي حديث أبي نعيم عن ابن عباس أنها نزلت في علي
والجواب من وجوه أحدها أن الصديق مبالغة في الصادق فكل صديق صادق وليس كل صادق صديقا وأبو بكر رضي الله عنه قد ثبت انه صديق بالأدلة الكثيرة فيجب أن تتناوله الآية قطعا وأن تكون معه بل تناولها له أولى من تناولها لغيره من الصحابة وإذا كنا معه مقرين بخلافته امتنع أن نقر بان عليا كان هو الإمام دونه فالآية تدل على نقيض مطلوبهم
الثاني أن يقال علي أما أن يكون صديقا وأما أن لا يكون فان لم يكن صديقا فأبو بكر الصديق فالكون مع الصادق الصديق أولى من الكون مع الصادق الذي ليس بصديق وأن كان صديقا فعمر وعثمان أيضا صديقون وحينئذ فإذا كان الأربعة صديقين لم يكن علي مختصا بذلك ولا بكونه صادقا فلا يتعين الكون مع واحد دون الثلاثة بل لو قدرنا التعارض لكان الثلاثة أولى من الواحد فانهم اكثر عددا لا سيما وهم اكمل في الصدق
الثالث أن يقال هذه الآية نزلت في قصة كعب بن مالك لما تخلف عن غزوة تبوك وصدق النبي ﷺ في انه لم يكن له عذر وتاب الله عليه ببركة الصدق وكان جماعة أشاروا عليه بان يعتذر ويكذب كما اعتذر غيره من المنافقين وكذبوا وهذا ثابت في الصحاح والمساند وكتب التفسير والسير والناس متفقون عليه
ومعلوم انه لم يكن لعلي اختصاص في هذه القصة بل قال كعب بن مالك فقام إلي طلحة يهرول فعانقني والله ما قام إلي من المهاجرين غيره فكان كعب لا ينساها لطلحة وإذا كان كذلك بطل حملها على علي وحده
الوجه الرابع أن هذه الآية نزلت في هذه القصة ولم يكن أحد يقال انه معصوم لا علي ولا غيره فعلم أن الله أراد مع الصادقين ولم يشترط كونه معصوما
الخامس انه قال مع الصادقين وهذه صيغة جمع وعلي واحد فلا يكون هو المراد وحده
السادس أن قوله تعالى مع الصادقين أما أن يراد كونوا معهم في الصدق وتوابعه فاصدقوا كما يصدق الصادقون ولا تكونوا مع الكاذبين كما في قوله واركعوا مع الراكعين وقوله ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وكما في قوله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما
وأما أن يراد به كونوا مع الصادقين في كل شيء وان لم يتعلق بالصدق
والثاني باطل فان الانسان لا يجب عليه أن يكون مع الصادقين في المباحات كالأكل والشرب واللباس ونحو ذلك فإن كان الأول هو الصحيح فليس في هذا أمر بالكون مع شخص معين بل المقصود اصدقوا ولا تكذبوا
كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر وان البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياك والكذب فان الكذب يهدي إلى الفجور وان الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا
وهذا كما يقال كن مع المؤمنين كن مع الأبرار أي ادخل معهم في هذا الوصف وجامعهم عليه ليس المراد انك مأمور بطاعتهم في كل شيء
الوجه السابع أن يقال إذا أريد كونوا مع الصادقين مطلقا فذلك لان الصدق مستلزم لسائر البر كقول النبي ﷺ عليكم بالصدق فان الصدق يهدي إلى البر الحديث وحينئذ فهذا وصف ثابت لكل من اتصف به
الثامن أن يقال أن الله امرنا أن نكون مع الصادقين ولم يقل مع المعلوم فيهم الصدق كما انه قال واشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله لم يقل من علمتم انهم ذوو عدل منكم وكما قال أن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها لم يقل إلى من علمتم انهم أهلها وكما قال وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل لم يقل بما علمتم انه عدل لكن علق الحكم بالوصف
ونحن علينا الاجتهاد بحسب الإمكان في معرفة الصدق والعدالة وأهل الأمانة والعدل ولسنا مكلفين في ذلك بعلم الغيب كما أن النبي ﷺ المأمور أن يحكم بالعدل قال إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ان يكون الحن بحجته من بعض وإنما اقضي بنحو مما اسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما اقطع له من النار
الوجه التاسع هب أن المراد من المعلوم فيهم الصدق لكن العلم كالعلم في قوله فان علمتموهن مؤمنات والإيمان أخفى من الصدق فإذا كان العلم المشروط هناك يمتنع أن يقال فيه ليس إلا العلم بالمعصوم كذلك هنا يمتنع أن يقال لا يعلم إلا صدق المعصوم
الوجه العاشر هب أن المراد علمنا صدقه لكن يقال أن أبا بكر وعمر وعثمان ونحوهم ممن علم صدقهم وانهم لا يتعمدون الكذب وان جاز عليهم الخطأ أو بعض الذنوب فان الكذب أعظم ولهذا ترد شهادة الشاهد بالكذبة الواحدة في أحد قولي العلماء وهو إحدى الروايتين عن احمد وقد روى في ذلك حديث مرسل ونحن قد نعلم يقينا أن هؤلاء لم يكونوا يتعمدون الكذب على رسول الله ﷺ بل ولا يتعمدون الكذب بحال ولا نسلم أنا لا نعلم انتفاء الكذب إلا عمن يعلم انه معصوم مطلقا بل كثير من الناس إذا اختبرته تيقنت انه لا يكذب وان كان يخطىء ويذنب ذنوبا أخرى ولا نسلم أن كل من ليس بمعصوم يجوز أن يتعمد الكذب، وهذا خلاف الواقع فان الكذب لا يتعمده إلا من هو من شر الناس وهؤلاء الصحابة لم يكن فيهم من يتعمد الكذب على رسول البنبي الله ﷺ وأهل العلم يعلمون بالاضطرار أن مثل مالك وشعبة ويحيى بن سعيد والثوري والشافعي واحمد ونحوهم لم يكونوا يتعمدون الكذب على النبي ﷺ بل ولا على غيره فكيف بابن عمر وابن عباس وأبى سعيد وغيرهم
الوجه الحادي عشر انه لو قدر أن المراد به المعصوم لا نسلم الإجماع على انتفاء العصمة من غير على كما تقدم بيان ذلك فان كثيرا من الناس الذين هم خير من الرافضة يدعون في شيوخهم هذا المعنى وان غيروا عبارته وأيضا فنحن لا نسلم انتفاء عصمتهم مع ثبوت عصمته بل أما انتفاء الجميع وأما ثبوت الجميع
منهاج السنة النبوية | |
---|---|
1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 | 31 | 32 | 33 | 34 | 35 | 36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43 | 44 | 45 | 46 | 47 | 48 | 50 | 51 | 52 | 53 | 54 | 55 | 56 | 57 |