انتقل إلى المحتوى

معالم السنن/الجزء الثالث/8

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​معالم السنن​ للإمام الخطابي
 


46/58م ومن باب وضع الجائحة

939- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث عن بكيرعن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري أنه قال أصيب رجل في عهد رسول الله في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك.

قال الشيخ قد تقدم الكلام في بيان اختلاف الناس في وضع الجوائح. وأما هذا الحديث فليس فيه ذكر الجائحة، وقد يحتمل أن يكون إنما أصيب في تلك الثمار بعدما جذها وأواها الجرين فطرقها لص أو جرفها سيل أو باعها فافتات الغريم بحقه وكل هذه الوجوه قد يصح رجوع إضافة المصيبة فيها إلى الثمار التي كان ابتاعها وإذا كان كذلك لم يجب الحكم بذهاب حق رب المال. وليس في الحديث أنه أمر أرباب الأموال أن يضعوا عنه شيئا من أثمان الثمار ثلثا أو أقل منه أو أكثر، إنما أمر الناس أن يعينوه ليقضي حقوقهم، فلما أبدع بهم أمرهم بالكف عنه إلى الميسرة وهذا حكم كل مفلس أحاط به الدين وليس له مال.

940- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري وأحمد بن سعيد الهمداني قالا: حدثنا ابن وهب قال أخبرني ابن جريج وحدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج المعنى أن أبا الزبير المكي أخبره عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال إن بعت من أخيك ثمرا فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا ثم تأخذ مال أخيك بغير حق.

قال الشيخ يشبه أن يكون إنما أراد بهذا القول التخفيف عنه والتسويغ له دون الإيجاب والإلزام ذلك أنه لا خلاف أن للمشتري الثمرة لو أراد بيعها بعد القبض كان له ذلك، وقد نهى رسول الله عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها وقبل أن تأمن العاهة فلو كانت إذا بيعت وقد بدا صلاحها مضمونة على البائع لم يكن لهذا النهي فائدة، وقد يحتمل أن يكون إنما أراد به الثمرة تباع قبل بدو الصلاح فيصيبها الجائحة والله أعلم.

47/60م ومن باب منع الماء

941- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبني صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ.

قال الشيخ هذا في الرجل يحفر البئر في الأرض الموات فيملكها بالاحياء وحول البئر أو بقربها موات فيه كلأ ولا يمكن الناس أن يرعوه إلا بأن يبذل لهم ماءه ولا يمنعهم أن يسقوا ماشيتهم منه فأمره أن لا يمنع فضل مائه إياهم لأنه إذا فعل ذلك وحال بينه وبينهم فقد منعهم الكلأ لأنه لا يمكن رعيه والمقام فيه مع منعه الماء، وإلى هذا ذهب في معنى الحديث مالك بن أنس والأوزاعي والليث بن سعد وهو معنى قول الشافعي والنهي في هذا عندهم على التحريم.

وقال غيرهم ليس النهي فيه على التحريم لكنه من باب المعروف فإن شح رجل على مائه لم ينتزع من يده والماء في هذا كغيره من صنوف الأموال لا يحل إلا بطيبة نفسه.

وذهب قوم إلي أنه لا يجوز له منع الماء ولكن يجب له القيمة على أصحاب المواشي وشبهوه بمن يضطر إلى طعام رجل فإن له أكله وعليه أداء قيمته. ولو لزمه بذل الماء بلا قيمة للزمه بذل الكلأ إذا كان في أرضه بلا قيمة وللزمه كذلك أن لا يمنع الماء زرع غيره إذا كان بقربه زرع لرجل لا يحيى إلا به.

قال الشيخ أما من تأول الحديث على معنى الاستحباب دون الإيجاب فإنه يحتاج إلى دليل يجوز معه ترك الظاهر، وأصل النهي علىالتحريم فمنع فضل الماء محظور على ما ورد به الظاهر، وأما من أوجب فيه القيمة فقد صار إلى المنع أيضا وهو خلاف الخبر وقد نهى رسول الله عن بيع فضل الماء.

وقد ذكره أبو داود العطار عن عمرو بن دينار، عن أبي المنهال عن إياس بن عبد أن رسول الله نهى عن بيع فضل الماء.

وأما تشبيهه ذلك بالطعام فإنهما لا يشابهان لأن أصل الماء الإباحة وهو مستخلف ما دام في منعه والطعام متقوم منقطع المادة غير مستخلف، وقد جرت العادة بتمول الطعام سلما كما يتمول سائر أنواع المال. والماء لا يتمول في غالب العرف وأما الزرع فليس له حرمة وللحيوان حرمة، والحديث إنما جاء في منع الماء الذى يمنع به الكلأ والزرع بمعزل عن ذلك.

قال الشيخ رحمه الله وأما الماء إذا جمعه صاحبه في صهريج أو بركة أوخزنه في جب أو قراه في حوض ونحوه فإن له أن يمنعه وهو شيء قد حازه على سبيل الاختصاص لا يشركه فيه غيره، وهو مخالف لماء البئر لأنه لا يستخلف استخلاف ماء الآبار ولا يكون له فضل في الغالب كفضل مياه الآبار، والحديث إنما جاء في منع الفضل دون الأصل ومعناه ما فضل عن حاجته وعن حاجة عياله وماشيته وزرعه والله أعلم.

942- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن معاذ قال حدثني أبي، قال: حدثنا كهمس عن سيار بن منظور رجل من بني فزارة عن أبيه عن امرأة يقال لها بهيسة عن أبيها قالت استأذن أبي رسول الله فقال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء، قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح.

قال الشيخ معناه الملح إذا كان في معدنه في أرض أو جبل غير مملوك فإن أحدا لا يمنع من أخذه، فأما إذا صار في حيز مالكه فهو أولى به وله منعه وبيعه والتصرف فيه كسائر أملاكه.

943- قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حدثنا عيسى بن يونس، قال: حدثنا حريز بن عثمان قال:، قال: حدثنا أبو خداش أنه سمع رجلا من أصحاب النبي يقول سمعت رسول الله يقول المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار.

قال الشيخ هذا معناه الكلأ ينبت في موات الأرض يرعاه الناس ليس لأحد أن يختص به دون أحد ويحجزه عن غيره، وكان أهل الجاهلية إذا غزا الرجل منهم حمى بقعة من اللأرض لماشيته ترعاها يذود الناس عنها فأبطل النبي ذلك وجعل الناس فيها شِرعا يتعاورونه بينهم0 فأما الكلأ إذا نبت في أرض مملوكة لمالك بعينه فهو مال له ليس لأحد أن يشركه فيه إلا بإذنه.

وأما قوله والنار فقد فسره بعض العلماء وذهب إلى أنه أراد به الحجارة التي توري النار يقول لا يمنع أحد أن يأخذ منها حجرا يقتدح به النار، فأما التي يوقدها الإنسان فله أن يمنع غيره من أخذها. وقال بعضهم ليس له أن يمنع من يريد يأخذ منها جذوة من الحطب التي قد احترق فصار جمرا وليس له أن يمنع من أراد أن يستصبح منها مصباحا أو أدنى منها ضغثا يشتعل بها لأن ذلك لا ينقص من عينها شيئا والله أعلم.

48/62م ومن باب بيع السنور

944- قال أبو داود: حدثنا الربيع بن نافع أبو توبة وعلي بن بحر، قال: حدثنا عيسى عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر أن النبي نهى عن ثمن السنور.

قال الشيخ النهي عن بيع السنور متأول على أنه إنما كره من أجل أحد معنيين إما لأنه كالوحشي الذي لا يملك قياده ولا يصح التسليم فيه، وذلك لأنه ينتاب الناس في دورهم ويطوف عليهم فيها ثم يكاد ينقطع عنهم، وليس كالدواب التي تربط على الأوادي ولا كالطير الذي يحبس في الأقفاص، وقد يتوحش بعد الأنوسة ويتأبد حتى لا يقرب ولا يقدر عليه. فإن صاب المشتري له إلى أن يحبسه في بيته أو يشده في خيط أو سلسلة لم ينتفع به.

والمعنى الآخر أن يكون إنما نهى عن بيعه لئلا يتمانع الناس فيه وليتعاوروا ما يكون منه في دورهم فيرتفقوا به ما أقام عندهم ولا يتنازعوه إذا انتقل عنهم إلى غيرهم تنازع الملاك في النفيس من الأعلاق، وقيل إنما نهى عن بيع الوحشي منه دون الانسي، وقد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي .

وممن أجاز بيع السنور ابن عباس وإليه ذهب الحسن البصري وابن سيرين والحكم وحماد، وبه قال مالك بن أنس وسفيان الثورى وأصحاب الرأي وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. وكره بيعه أبو هريرة وجابر وطاوس ومجاهد.

49/63م ومن باب ثمن الكلب

945- قال أبو داود: جدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا سفيان عن الزهري، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي مسعود عن النبي أنه نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي وحلوان الكاهن.

قال الشيخ نهيه عن ثمن الكلب يدل على فساد بيعه لأن العقد إذا صح كان دفع الثمن واجبا مأمورا به لا منهيا عنه فدل نهيه عنه على سقوط وجوبه وإذا بطل الثمن بطل البيع لأن البيع إنما هوعقد على شيء بثمن معلوم، وإذا بطل الثمن بطل المثمن، وهذا لقوله لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فحملوها وباعوها وأكلوا أثمانها فجعل حكم الثمن والمثمن في التحريم سواء.

946- قال أبو داود: حدثنا أبو توبة، قال: حدثنا أبو عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن عبد الله بن عباس قال نهى رسول الله عن ثمن الكلب فإن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا.

قال الشيخ وهذا يؤكد معنى ما قلناه في الحديث الأول، ومعنى التراب ههنا الحرمان والخيبة كما يقال ليس في كفه إلا التراب، وكقوله وللعاهر الحجر يريد الخيبة إذ لاحظ له في الولد، وكان بعض السلف يذهب إلى استعمال الحديث على ظاهره ويرى أن يوضع التراب في كفه، وروي أن المقداد رأى رجلا يمدح رجلا فقام يحشي التراب بكفه في وجهه، وقال بهذا أمرنا، يَعني قوله إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب.

وفي قوله إذا جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا دليل على أن لا قيمة للكب إذا تلف ولا يجب فيه عوض، وقال مالك بن أنس فيه القيمة ولا ثمن له.

قال الشيخ الثمن ثمنان ثمن التراضي عن البيوع وثمن التعديل عند الاتلاف وقد أسقطهما النبي بقوله فاملأ كفه ترابا فثبت أن لا عوض له بوجه من الوجوه.

947- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني معروف بن سويد الجُذامي عن علي بن رباح اللخمي حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله لا يحل ثمن الكلب ولا حلوان الكاهن ولا مهر البغي.

قال الشيخ إذا لم يحل ثمن الكلب لم يحل بيعه لأن البيع إنما هو على ثمن ومثمن فإذا فسد أحد الشقين فسد الشق الآخر وفي ذلك تحريم العقد من أصله.

وقد اختلف الناس في جواز بيع الكلب فروي، عن أبي هريرة أنه قال هو من السحت وروي عن الحسن والحكم وحماد، وإليه ذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل، وقال أصحاب الرأي جائز بيع الكلب، وقال قوم ما أبيح اقتناؤه من الكلاب فبيعه جائز وما حرم اقتناؤه منها فبيعه محرم يحكى ذلك عن عطاء والنخعي، وقد حكينا عن مالك أنه كان يحرم ثمن الكلب ويوجب فيه القيمة لصاحبه على من أتلفه قالوا وذلك لأنه أبطل عليه منفعته وشبهوه بأم الولد لا يحل ثمنها وفيها القيمة على من أتلفها.

قال الشيخ جواز الانتفاع بالشيء إذا كان لأجل الضرورة لم يكن دالا على جواز بيعه كالميتة يجوز الانتفاع للمضطر ولا يجوز بيعها.

50/64م ومن باب ثمن الميتة والخمر والخنزير

948- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثنا معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله قال إن الله تعالى حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه.

قال الشيخ فيه دليل على أن من أراق خمر البنصراني أو قتل خنزيرا له فإنه لا غرامة عليه لأنه لا ثمن لها في حكم الدين.

وفيه دليل على فساد بيع السرقين وبيع كل شيء نجس العين، وفيه دليل على أن بيع شعر الخنزير لا يجوز.

واختلفوا في جواز الانتفاع به فكرهت طائفة ذلك وممن منع منه ابن سيرين والحكم وحماد والشافعي وأحمد وإسحاق وقال أحمد وإسحاق الليف أحب إلينا وقد رخص فيه الحسن والأوزاعي ومالك وأصحاب الرأي.

949- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله يقول عام الفتح وهو بمكة إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال هو حرام، ثم قال رسول الله عند ذلك لعن الله اليهود إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوها ثم باعوها فأكلوا أثمانها.

قال الشيخ قوله جملوها معناها أذابوها حتى تصير ودكا فيزول عنها اسم الشحم يقال جملت الشحم واجتملته إذا أذبته قال لبيد:

فاشتوى ليلة ريح واجتمل

وفي هذا بيان بطلان كل حيلة يحتال بها توصل إلى محرم وأنه لا يتغير حكمه بتغير هيئته وتبديل اسمه.

وفيه دليل على جواز الاستصباح بالزيت النجس فإن بيعه لا يجوز، وفي تحريمه ثمن الأصنام دليل على تحريم بيع جميع الصور المتخذة من الطين والخشب والحديد والذهب والفضة وما أشبه ذلك من اللعب ونحوها.

وفي الحديث دليل على وجوب العبرة واستعمال القياس وتعدية معنى الاسم إلى المثل أو النظير خلاف قول من ذهب من أهل الظاهر إلى إبطالها، ألا تراه كيف ذم من عدل عن هذه الطريقة حتى لعن من كان عدوله عنها تذرعا إلى الوصول به إلى محظور.

950- قال أبو داود: حدثنا مسدد أن بشر بن المفضل وخالد بن عبد الله حدثاهم المعنى عن خالد الحذاء عن بركة أبي الوليد عن ابن عباس عن النبي قال لعن الله اليهود ثلاثا إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وأن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه.

قال الشيخ هذا يؤكد ما مضى من القول على معنى الأحاديث المتقدمة وفيه دليل على فساد بيع الزيت الذي قد أصابته نجاسة.

951- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن إدريس ووكيع عن طعمة بن عمرو الجعفري عن عمرو بن بيان التغلبي عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله من باع الخمر فليشقص الخنازير.

قال الشيخ قوله فليشقص معناه فليستحل أكلها، والتشقيص يكون من وجهين أحدهما أن يذبحها بالمشقص وهو نصل عريض.

والوجه الآخر أن يجعلها أشقاصا وأعضاء بعد ذبحها كما تُعضى أجزاء الشاة إذا أرادوا اصلاحها للأكل، ومعنى الكلام إنما هو توكيد التحريم والتغليظ فيه يقول من استحل بيع الخمر فليستحل أكل الخنزير فانهما في الحرمة والاثم سواء أي إذا كنت لا تستحل أكل لحم الخنزير فلا تستحل ثمن الخمر.

51/65م ومن باب بيع الطعام قبل أن يستوفى

952- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه.

قال الشيخ أجمع أهل العلم على أن الطعام لا يجوز بيعه قبل القبض.

واختلفوا فيما عداه من الأشياء فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ما عدا الطعام بمنزلة الطعام إلا الدور والأرضون فإن بيعها قبل قبضها جائز.

وقال الشافعي ومحمد بن الحسن الطعام وغير الطعام من السلع والدور والعقار في هذا سواء لا يجوز بيع شيء منها حتى تقبض وهو قول ابن عباس.

وقال مالك بن أنس ما عدا المأكول والمشروب جائز أن يباع قبل أن يقبض، وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق يجوز بيع كل منها ما خلا المكيل والموزون وروي ذلك عن ابن المسيب والحسن البصري والحكم وحماد.

953- قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حدثنا أبو عَوانة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله إذا اشترى أحدكم طعاما فلا يبعه حتى يقبضه، قال: وقال ابن عباس أحسب كل شيء مثل الطعام.

قال الشيخ يشبه أن يكون ابن عباس إنما قاس ما عدا الطعام على الطعام بعلة أنه عين مبيعه لم يقبض أو لأنه بلغه أن النبي نهى عن ربح ما لم يضمن، والشيء المبيع ضمانه قبل القبض على البائع فلم يجز للمشتري ربحه.

واحتج بعض من ذهب إلى جواز بين ما عدا الطعام قبل أن يقبض بخبر ابن عمر أنهم كانوا في عهد رسول الله يبيعون الإبل بالبقيع بالدنانير فيأخذون الدراهم وبالدراهم ويأخذون الدنانير فأجازه رسول الله إذا وقع التقابض قبل التفرق قالوا وهذا بيع الثمن الذي وقع به العقد قبل قبضه فدل أن النهي مقصور على الطعام وحده وقالوا إن الملك ينتقل بنفس العقد بدليل أن المبيع لو كان عبدا فأعتقه المشتري قبل القبض عتق، وإذا ثبت الملك جاز التصرف ما لم يكن فيه إبطال حق لغيره.

قال الشيخ وقد يقال على الفرق بين الدراهم والدنانير إذا كانت أثمانا وبين غيرها أن معنى النهي أن تقصد بالتصرف في السلعة الربح وقد نهى عن ربح ما لم يضمن ومقتضي الدراهم من الدنانيرلا يقصد به الربح إنما يريد به الاقتضاء والنقود مخالفة لغيرها من الأشياء لأنها أثمان وبعضها ينوب عن بعض وللحاكم أن يحكم على من أتلف على إنسان مالا بأيهما شاء فكانا كالنوع الواحد من هذا المعنى.

وأما العتق فانه اتلاف واتلاف المشتري عين المبيع يقوم مقام القبض.

954- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال كنا في زمان رسول الله نبتاع الطعام فيبعث علينا من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه، يَعني جزافا.

قال السيخ القبوض تختلف في الأشياء حسب اختلافها في أنفسها وحسب اختلاف عادات الناس فيها فمنها ما يكون بأن يوضع المبيع في يد صاحبه ومنها ما يكون بالتخلية بينه وبين المشتري، ومنها ما يكون بالنقل من موضعه ومنها ما يكون بأن يكتال وذلك فيما بيع من المكيل كيلا، فأما ما يباع منه جزافا صبرة مصمومة على الأرض فالقبض فيه أن ينقل ويحول من مكانه. فإن ابتاع طعاما كيلا ثم أراد أن يبيعه بالكيل الأول لم يجز حتى يكيله على المشتري ثانيا، وذلك لما روي عن النبي أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري.

وممن قال أنه لا يجوز بيعه بالكيل الأول حتى يكال ثانيا أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وهو مذهب الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي، وقال مالك إذا باعه نسيئة فهو المكروه فأما إذا باعه نقدا فلا بأس أن يبيعه بالكيل الأول، وروي عن عطاء أنه أجاز بيعه نساء كان أو نقدا.

955- قال أبو داود: حدثنا أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة قالا: حدثنا وكيع عن سفيان عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله، زاد أبو بكر قلت لابن عباس لم قال ألا ترى أنهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجى.

قال الشيخ قوله والطعام مُرجى أي مؤجل وكل شيء أخرته فقد أرجيته يقال أرجيت الشيء ورجيته أي أخرته ؛ وقد يتكلم به مهموزا وغير مهموز وليس هذا من باب الطعام الحاضر ولكنه من باب السلف وذلك مثل أن يشتري منه طعاما بدينار إلى أجل فيبيعه قبل أن يقبضه منه بدينارين وهو غير جائز لأنه في التقدير بيع ذهب بذهب والطعام مؤجل غائب غير حاضر وإنما صار ذلك بيع ذهب بذهب على معناه لأن المسلف إذا باعه الطعام الذي لم يقبضه وأخذ منه ذهبا فإن البيع لا يصح فيه إذ كان الطعام الذي باعه منه مرجى مضمونا على غيره وإنما تقايل الذهبان في التقدير فكأنه إنما باعه ديناره الذي كان قد أسلفه في الطعام بدينارين وهو فاسد من وجهين أحدهما لأنه دينار بدينارين والآخر لأنه ناجز بغائب في بيع سبيله سبيل المصارفة.

52/66م ومن باب الرجل يقول عند البيع لا خلابة

956- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رجلا ذكر لرسول الله أنه يخدع في البيع فقال رسول الله إذا بايعت فقل لا خلابة.

قال الشيخ الخلابة مصدر خلبت الرجل إذا خدعته واخلُبه خلبا وخِلابة قال الشاعر:

شر الرجال الخالب المخلوب

ويستدل بهذا الحديث من يرى أن الكبير لا يحجر عليه إذ لو كان إلى الحجر عليه سبيل لحجر عليه ولأمر أن لا يبايع ولم يقتصرعلى قوله لا خلابة.

قال الشيخ والحجر على الكبير إذا كان سفيها مفسدا لماله واجب كهو على الصغير، وهذا الحديث إنما جاء في قصة حبان بن منقذ ولم يذكر صفة سفه ولا اتلافا لماله وإنما جاء أنه كان يخدع في البيع وليس كل من غبن في شيء يجب أن يحجر عليه وللحجر حد فإذا لم يبلغ ذلك الحد لم يستحق الحجر.

وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعضهم إلى أنه خاص في أمرحبان بن منقذ وأن النبي جعل هذا القول شرطا له في بيوعه ليكون له الرد به إذا تبين الغبن في صفقته فكان سبيله سبيل من باع أو اشترى على شرط الخيار، وقال غيره الخبر على عمومه في حبان وغيره.

وقال مالك بن أنس في بيع المغابنة إذا لم يكن المشتري ذا بصيرة كان له فيه الخيار.

وقال أحمد في بيع المسترسل يكره غابنه وعلى صاحب السلعة أن يستقصي له وقد حكي عنه أنه قال إذا بايعه وقال لا خلابة فله الرد، وقال أبو ثور البيع إذا غبن فيه أحد المتبايعين غبنا لا يتغابن الناس فيما بينهم بمثله فاسد كان المتبايعان خابري الأمر أو محجورا عليهما.

وقال أكثر الفقهاء إذا تصادر المبايعان عن رضا وكانا عاقلين غير محجورين فغبن أحدهما فلا يرجع فيه.

53/67م ومن باب في العُربان

957- قال أبو داود: حدثنا القعنبي قال قرأت على مالك بن أنس أنه بلغه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال نهى رسول الله عن بيع العربان قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم، أن يشتري الرجل العبد أو يتكارى الدابة ثم يقول أعطيك دينارا على أني إن تركت السلعة أو الكراء فما أعطيتك لك.

قال الشيخ هكذا تفسير بيع العربان وفيه لغتان عربان وأربان ويقال أيضل عربون وأربون.

وقد اختلف الناس في جواز هذا البيع فأبطله مالك والشافعي للخبر ولما فيه من الشرط الفاسد والغرر ويدخل ذلك في أكل المال بالباطل وأبطله أصحاب الرأي.

وقد روي عن ابن عمر أنه أجاز هذا البيع ويروي ذلك أيضا عن عمر.

ومال أحمد بن حنبل إلى القول بإجازته وقال أي شيء أقدر أن أقول وهذا عمر رضي الله عنه، يَعني أنه أجازه وضعف الحديث فيه لأنه منقطع وكأن رواية مالك فيه عن بلاغ.

54/68م ومن باب الرجل يبيع ما ليس عنده

958- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قال يا رسول الله يأتيني الرجل فيريد مني البيع ليس عندي افأبتاعه له من السوق قال لا تبع ما ليس عندك.

قوله لا تبع ما ليس عندك يريد بيع العين دون بيع الصفة، ألا ترى أنه أجاز السلم إلى الآجال وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال وإنما نهى عن بيع ما ليس عند البائع من قبل الغرر وذلك مثل أن يبيعه عبده الآبق أو جمله الشارد ويدخل في ذلك كل شيء ليس بمضمون عليه مثل أن يشتري سلعة فيبيعها قبل أن يقبضها ويدخل في ذلك بيع الرجل مال غيره موقوفا على إجازة المالك لأنه يبيع ما ليس عنده ولا في ملكه وهو غرر لأنه لا يدري هل يجيزه صاحبه أم لا والله أعلم.

55/69م ومن باب شرط في بيع

959- قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا إسماعيل عن أيوب قال حدثني عمرو بن شعيب قال حدثني أبي عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم تضمن ولا تبع ما ليس عندك.

960- قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن زكريا عن عامر عن جابر، قال بعته، يَعني بعيرا من النبي فاشترطت حملانه إلى أهلي قال في آخره تراني إنما ماكستك لأذهب بجملك خذ جملك وثمنه فهما لك.

قال الشيخ أما الحديث وقوله لا يحل سلف وبيع فهو من نوع ما تقدم بيانه فيما مضى عن نهيه عن بيعتين في بيعة وذلك مثل أن يقول له أبيعك هذا العبد بخمسين دينارا على أن تسلفني ألف درهم في متاع أبيعه منك إلى أجل أو يقول أبيعكه بحذا على أن تقرضي ألف درهم، ويكون معنى السلف القرض وذلك فاسد لأنه إنما يقرضه على أن يحابيه في الثمن فيدخل الثمن في حد الجهالة ولأن كل قرض جَرَّ منفعة فهو ربا.

وأما ربح ما لم يضمن فهو أن يبيعه سلعة قد اشتراها ولم يكن قبضها فهي من ضمان البائع الأول ليس من ضمانه فهذا لا يجوز بيعه حتى يقبضه قيكون من ضمانه.

وقوله لا تبع ما ليس عندك فقد فسرناه قبل.

وأما قوله ولا شرطان في بيع فإنه بمنزلة بيعتين وهو أن يقول بعتك هذا الثوب نقدا بدينار ونسيئة بدينارين فهذا بيع واحد تضمن شرطين يختلف المقصود منه باختلافهما وهو الثمن، ويدخله الغرر والجهالة ولا فرق في مثل هذا بين شرط واحد وبين شرطين أو شروط ذات عدد في مذاهب أكثر العلماء.

وفرق أحمد بن حنبل بين شرط واحد وبين شرطين اثنين فقال إذا اشترى منه ثوبا واشترط قصارته صح البيع فان شرط عليه مع القصارة الخياطة فسد البيع، قال الشيخ ولا فرق بين أن يشترط عليه شيئا واحدا أو شيئين لأن العلة في ذلك كله واحدة وذلك لأنه إذا قال بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم على أن تقصره لي فان العشرة التي هي الثمن تنقسم على الثوب وعلى أجرة القصارة فلا يدري حينئذ كم حصة الثوب من حصة الإجارة وإذا صار الثمن مجهولا بطل البيع. وكذلك هذا في الشرطين وأكثر. وكل عقد جمع تجارة وإجارة فسبيله في الفساد هذا السبيل وفي معناه أن تبتاع منه قفيز حنطة بعشرة دراهم على أن يطحنه. أو أن تشتري منه حمل حطب على أن ينقله إلى منزله وما أشبه ذلك مما يجمع بيعا وإجارة.

والشروط على ضروب فمنها ما يناقض البيوع ويفسدها ومنها ما لا يلائمها ولا يفسدها، وقد روي المسلمون عند شروطهم وثبت عن النبي كل شرط ليس في كتاب الله فهوباطل. فعلم أن بعض الشروط يصح وبعضها يبطل، وقال من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع. فهذه الشروط قد أثبتها رسول الله في عقد البيع ولم يرد العقد يفسد بها فعلمت أن ليس كل شرط مبطلا للبيع.

وجماع هذا الباب أن ينظر فكل شرط كان من مصلحة العقد أو من مقتضاه فهو جائز مثل أن يبيعه على أن يرهنه داره أو يقيم له كفيلا بالثمن فهذا من مصلحة العقد والشرط فيه جائز. وأما مقتضاه فهو مثل أن يبيعه عبدا على أن يحسن إليه وأن لا يكلفه من العمل ما لا يطيقه وما أشبه ذلك من الأمور التي يجب عليه أن يفعلها، وكذلك لو قال له بعتك هذه الدار على أن تسكنها أو تسكنها من شئت وتكريها وتتصرف فيها بيعا وهبة وما أشبه ذلك مما له أن يفعله في ملكه فهذا شرط لا يقدح في العقد لأن وجوده ذكرا له وعدمه سكوتا عنه في الحكم سواء.

وأما ما يفسد البيع من الشروط فهو كل شرط يدخل الثمن في حد الجهالة أو يوقع في العقد أو في تسليم المبيع غررا أو يمنع المشتري من اقتضاء حق الملك من المبيع.

فأما ما يدخل الثمن في حد الجهالة فهو أن يشتري منه سلعة ويشترط عليه نقلها إلى بيته أو ثوبا ويشترط عليه خياطته في نحو ذلك من الأمور، وكذلك إذا باعه عبدا على أن لا خسارة عليه، وأما ما يجلب الغرر مثل أن يبيعه داره بألف درهم ويشترط فيه رضاء الجيران أو رضاء زيد أو عمرو أو يبيعه دابة على أن يسلمها إليه بالري أو بأصبهان فهذا غرر لا يدري هل يسلم الحيوان إلى وقت التسليم وهل يرضى الجيران أم لا أو المكان الذي شرط تسليمه فيه أو لا، وأما منع المشتري من مقتضى العقد فهو أن يبيعه جارية على أن لا يبيعها أو لا يستخدمها أو لا يطأها ونحو ذلك من الأمور فهذه شروط تفسد البيع لأن العقد يقتضي التمليك واطلاق التصرف في الرقبة والمنفعة وهذه الشروط تقتضي الحجر الذي هو مناقض لموجب الملك فصار كأنه لم يبعه منه أو لم يملكه إياه. وأما حديث جابر وقوله واشترطت حملانه إلى أهلي فسنقول في تخرجه والتوفيق بينه وبين الحديث الأول ما يزول معه الخلاف على معاني ما قلناه إن شاء الله وذلك أنه قد اختلف الرواية فيه فروى شعبة بن المغيرة عن الشعبي عن جابر أن النبي أعاره ظهر الجمل إلى المدينة.

وحدثنيه إبراهيم بن عبيد الله القصار، قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، قال: حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان العنبري، قال: حدثنا شعبة عن المغيرة عن الشعبي عن جابر قال بعت النبي جملا فافقرني ظهره إلى المدينة.

قال الشيخ الافقار إنما هو في كلام العرب إعارة الظهر للركوب فدل هذا على أنه لم يكن عقد شرط في نفس البيع وقد يحتمل أن يكون ذلك عدة منه أي وعده له بالركوب والعقد إذا تجرد عن الشروط لم يضره ما يعقبه بعد ذلك من هذه الأمور، ويشبه أن يكون إنما رواه من رواه بلفظ الشرط لأنه إذا وعده الافقار والإعارة كان ذلك منه أمرا لا يشك الوفاء فيه فحل محل الشروط المذكورة والأمور الواجبة التي لا خلف فيها فعبر عنه بالشرط على هذا المعنى. على أن قصة جابر إذا تأملتها علمت أن النبي لم يستوف فيها أحكام البيوع من القبض والتسليم وغيرهما، وإنما أراد أن ينفعه ويهب له فاتخذ بيع الجمل ذريعة إلى ذلك ومن أجل ذلك جرى الأمر فيها على المساهلة ألا ترى أنه قد دفع إليه الثمن الذي سماه ورد إليه الجمل يدل على صحة ذلك ؛ قوله أتراني إنما ماكستك لأخذ جملك.

وقد اختلف الناس فيمن اشترى دابة فاشترط فيها حملانا للبائع، فقال أصحاب الرأي البيع باطل، وإليه ذهب الشافعي، وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه البيع جائز والشرط ثابت على ظاهر حديث جابر بن عبد الله.

وفرق مالك بن أنس بين المكان القريب والبعيد فقال إن اشترط مكانا قريبا فهو جائز وإن كان بعيدا فهو مكروه، وكذلك قال فيمن باع دارا على أن له سكناها مدة، فقال إن كان ذلك نحو الشهر والشهرين جاز، وإن كان المدة الطويلة لم يجز.

قال الشيخ وقد بقي في هذا الباب قسم ثالث من الشروط وهو بيع الرقبة بشرط العتق، وقد اختلف العلماء في ذلك، فقال إبراهيم النخعي كل شرط في بيع فإن البيع يهدمه إلا أن يكون عتاقة، وإلى هذا ذهب الشافعي في أظهر قوليه وهو مذهبه الجديد فقال إذا باع الرجل النسمة واشترط على المشتري عتقها أن البيع جائز والشرط ثابت، وقال في القديم البيع جائز والشرط باطل وهو مذهب ابن أبي ليلى وأبي ثور، وقال أبو حنيفة وأصحابه البيع فاسد، غير أنهم قالوا إن أعتقه جاز ولزمه الثمن في قول أبي حنيفة دون القيمة، وقال صاحباه يلزمه القيمة وهذا أقيس.

قال الشيخ وإنما فرق بين العتق وبين غيره من الشروط الخصوصية بالعتق من الغلبة في الأصول والسراية في ملك الغير، ألا ترى أن ملك المالك يمتنع على غيره من التصرف فيه ثم لا يمتنع من التصرف في العتق وهو إذا كان بينه وبين آخر عبد فأعتق نصيبه منه عتق نصيب شريكه عليه، وأيضا فإنه لا يجوز أن يبيع الرجل ملكه من ملكه ثم جازت الكتابة لما تضمنه من العتق. فإذا كانت أحكامه تجري على التخصيص لم ينكر أن تجري شروطه على التخصيص كذلك، وحديث النهي عن بيع شرط عام وخبر العتق خاص والعام ينبىء على الخاص ويخرج عليه والله أعلم.

وحدثني محمد بن هاشم بن هشام، قال: حدثنا عبد الله بن فيروز الديلمي، قال: حدثنا محمد بن سليم الذهلي،، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة عن رجل باع بيعا وشرط شرطا فقال البيع باطل والشرط باطل. ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال البيع جائز والنشرط باطل. ثم أتيت ابن شبرمة فسألته فقال البيع جائز والشرط جائز فقلت يا سبحان الله ثلاثة من الفقهاء فقهاء العراق اختلفوا علي في مسألة واحدة فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال ما أدري ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي نهى عن بيع وشرط البيع باطل والشرط باطل وأتيت ابن أبي ليلى وأخبرته فقال ما أدري ما قالا حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالث أمرني رسول الله أن أشتري بريرة فأعتقها وقال يعنى اشترطي الولاء لأهلها البيع جائز والشرط باطل. ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال ما أدري ما قالا حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال بعت النبي ناقة أو جملا وشرط لي حملانا إلى المدينة البيع جائز والشرط جائز.

قال الشيخ هذه الأحاديث كلها متفقة على معاني ما قدمنا من البيان في ترتيب الشرائط ولخصناه من وجوهها في مواضعها.

فأما حديث بريرة فسنتكلم عليه في موضعه من كتاب العتق فإن ذلك المكان أملك به وروايته من طريق ابن أبي ليلى ههنا مختلفة وألفاظه منتجة وقد ذكره أبو داود على وجهه في كتاب العتق وسنبين معناه هناك ونوضحه إن شاء الله.


هامش



معالم السنن - الجزء الثالث للإمام الخطابي
معالم السنن/الجزء الثالث/1 | معالم السنن/الجزء الثالث/2 | معالم السنن/الجزء الثالث/3 | معالم السنن/الجزء الثالث/4 | معالم السنن/الجزء الثالث/5 | معالم السنن/الجزء الثالث/6 | معالم السنن/الجزء الثالث/7 | معالم السنن/الجزء الثالث/8 | معالم السنن/الجزء الثالث/9 | معالم السنن/الجزء الثالث/10 | معالم السنن/الجزء الثالث/11 | معالم السنن/الجزء الثالث/12 | معالم السنن/الجزء الثالث/13 | معالم السنن/الجزء الثالث/14 | معالم السنن/الجزء الثالث/15 | معالم السنن/الجزء الثالث/16