معالم السنن/الجزء الثالث/12
18/19-20م ومن باب في العضل
1020- قال أبو داود: حدثنا محمد بن المثنى قال حدثني أبو عامر عبد الملك بن عمرو، قال: حدثنا عباد بن راشد عن الحسن قال حدثني معقل بن يسار، قال كانت لي أخت تخطب إليّ فأتاني ابن عم لي فأنكحتها إياه ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها، فلما خطبت إلي أتاني يخطبها فقلت والله لا أنكحها أبدا، قال ففيّ نزلت هذه الآية {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن} 1 الاية قال فكفرت عن يميني فأنكحتها إياه.
قال الشيخ هذا أدل آية في كتاب الله تعالى على أن النكاح لا يصح إلا بعقد ولي ولو كان لها سبيل إلى أن تنكح نفسها لم يكن للعضل معنى ولا كان المنع يتحقق من جهة الولي. ولو كان عقد المرأه على نفسها يصح إذا تروجها كفء لم يتعذر عليها أن تفعل ذلك، وقد كان الذي خطبها إنما هو ابن عمها المكافىء لها في النسب المتقدم لها في الصحبة فدل ما قلناه على صحة ما ذهبنا إليه والله أعلم.
وقد اختلف الناس في عقد النكاح بغير ولي، فقال بظاهر الحديث جماعة منهم سفيان الثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد، وروي هذا القول عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم، وبه قال ابن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وقتادة.
وفرق مالك بن أنس بين المرأة الشريفة والدنيئة فقال لا بأس أن تستخلف المرأه الدنيئة على نفسها من يزوجها، فأما على امرأة لها قدر وغنى فإن تلك لا ينبغى أن يزوجها إلا الأولياء أو السلطان.
وقال أبو حنيفة إذا زوجت المرأة نفسها بشاهدين من كفوٍ فهو جائز.
وقال يعقوب ومحمد النكاح موقوف حتى يجيزه الولي والحاكم.
19/20-21م ومن باب إذا نكح الوليان
1021- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل،، قال: حدثنا حماد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي ﷺ قال أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما.
قال الشيخ اتفق أهل العلم على هذا ما لم يقع الدخول من الثاني بها فإن وقع الدخول بها فإن مالكا زعم أنه لا يفرق بينهما، وكذلك روي عن عطاء، وهذا إذا كان قد علم نكاح المتقدم منهما من المتأخر فإن زوجاها معا هذا من زيد وهذا من عمرو ولا يعلم أيهما المتقدم فالنكاح مفسوخ في قول أكثر الفقهاء.
وزعم بعضهم أنه يفرق بينهما ويقال لهما طلقاها جميعا حتى تبين ممن كانت زوجة له، وهو قول أبي ثور.
1022- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، قال حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} 2 وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابة فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها فاحكم الله عن ذلك أو نهى عن ذلك.
قال الشيخ قوله أحكم الله معناه منع، قال جرير بن الخَطَفي:
ابني حنيفة أحكموا سفهاءكم... إني أخاف عليكم أن أغضبا
20/22-23م ومن باب الاستئمار
1023- قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان، قال حدثني يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: لا تنكح الثيب حتى تستأمر، ولا البكر إلا بإذنها، قالوا يا رسول الله وما إذنها قال: أن تسكت.
قال ظاهر الحديث يدل على أن البكر إذا أنكحت قبل أن تستأذن فتصمت أن النكاح باطل كما يبطل نكاح الثيب قبل أن تستأمر فتأذن بالقول، وإلى هذا ذهب الأوزاعي وسفيان الثوري وهو قول أصحاب الرأي.
وقال مالك بن أنس وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه إنكاح الأب البكر البالغ جائز وإن لم تستأذن، ومعنى استئذانها عندهم إنما هو على استطابة النفس دون الوجوب كما جاء الحديث باستئمار أمهاتهن وليس ذلك بشرط في صحة العقد.
1024- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد ( ح ) وحدثنا أبو كامل حدثنا يزيد بن زريع المعنى قال حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا جواز عليها.
قال الشيخ فيه دليل على أن الصغيرة لا يزوجها غير الأب وذلك لأنها لا تستأمر إلا بعد البلوغ إذ لا معنى لإذنها ولا عبرة لإبائها قبل ذلك فثبت أنها لا تزوج حتى تبلغ الوقت الذي يصح منها الإذن أو الامتناع، واليتيمة ههنا هي البكر البالغ التي مات أبوها قبل بلوغها فلزمها اسم اليتم فدعيت به وهي بالغ، والعرب ربما ادعت الشيء بالاسم الأول الذي إنما سمي به لمعنى متقدم ثم ينقطع ذلك المعنى ولا يزول الاسم من ذلك أنهم يسمون الرجل المستجمع السن غلاما وحد الغلومة ما بين أيام الصبى إلى أوقات الشباب.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال كان الغلام الذي قتله الخضر رجلا مستجمع السن وقالت ليلى الأخيلية:
إذا ورد الحجاج أرضا مريضة... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العقام الذي بها... غلام إذا هز القناة سقاها
فجعلته غلاما وهو رجل محتنك السن وكذلك مذهبهم في نسبة الشيء واضافته إلى من كان مرة يملكه، كقولهم دار عمرو بن حُريث، وبستان ابن عامر، وقصر أوس، وقبة الحجاج. وقد يلي الرجل الإمارة والقضاء زمانا ثم يعزل فيدعى أميرا أو قاضيا، ومثل هذا كثير في كلامهم. وكذلك اليتيمة المذكورة في هذا الحديث هي التي قد لزمها اسم اليتم في صغرها بموت أبيها فاشتهرت به ثم دعيت بذلك في الكبر على هذا المعنى الذي وصفناه بدليل ما تقدم ذكره من الكلام في أول الفصل والله أعلم.
وقد اختلف أهل العلم في جواز نكاح غير الأب الصغيرة، فقال الشافعي لا يزوجها غير الأب والجد، ولا يزوجها الأخ ولا العم ولا الوصي.
وقال الثوري لا يزوجها الوصي. وقال حماد بن أبي سليمان ومالك بن أنس للوصي أن يزوج اليتيمة قبل البلوغ، وروي ذلك عن شريح.
وقال أصحاب الرأي لا يزوجها الوصي حتى يكون وليا لها. وللولي أن يزوجها وإن لم يكن وصيا إلا أن لها الخيار إذا بلغت.
21/23-24م ومن باب البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها
1025- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا حسين بن محمد، قال: حدثنا جرير بن حازم عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي ﷺ فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي ﷺ.
قال الشيخ ففى هذا الحديث حجة لمن لم ير نكاح الأب ابنته البكر جائزا إلا يإذنها. وفيه أيضا حجة لمن رأى عقد النكاح يثبت مع الخيار ؛ غير أن أبا داود ذكر على أثره في هذا الباب أن المعروف من هذا الحديث أنه مرسل غير متصل ؛ كذا رواه حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن النبي ﷺ ليس فيه ابن عباس.
1026- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن إسماعيل بن أمية، قال أخبرني الثقة عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: آمروا النساء في بناتهن.
قال الشيخ مؤامرة الأمهات في بضع البنات ليس من أجل أنهن تملكن من عقد النكاح شيئا، ولكن من جهة استطابة أنفسهن وحسن العشرة معهن، ولأن ذلك أبقى للصحبة وأدعى إلى الإلفة بين البنات وأزواجهن إذا كان مبدأ العقد برضاء من الأمهلت ورغبة منهن، وإذا كان بخلاف ذلك لم يؤمن تضريتهن ووقوع الفساد من قبلهن والبنات إلى الأمهات أميل ولقولهن أقبل، فمن أجل هذه الأمور يستحب مؤامرتهن في العقد على بناتهن والله أعلم.
وقد يحتمل أن يكون ذلك لعلة أخرى غير ما ذكرناه، وذلك أن المرأة ربما علمت من خاص أمر ابنتها ومن سر حديثها أمرا لا يستصلح لها معه عقد النكاح، وذلك مثل العلة تكون بها، والآفة تمنع من إيفاء حقوق النكاح وعلى نحو هذا يتأول قوله ولا تزوج البكر إلا بإذنها وإذنها سكوتها، وذلك أنها قد تستحي من أن تفصح بالإذن وأن تظهر الرغبة في النكاح فيستدل بسكوتها على سلامتها من آفة تمنع الجماع، أو بسبب لا يصلح معه النكاح لا يعلمه غيرها والله أعلم.
22/24-25م ومن باب الثيب
1027- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس وعبد الله بن مسلمة قالا: حدثنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: الأيّم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر في نفسها واذنها صماتها.
قال الشيخ قد استدل أصحاب الشافعي بقوله الأيم أحق بنفسها من وليها، على أن ولي البكر أحق بها من نفسها، وذلك من طريق دلالة المفهوم لأن الشيء إذا قيد بأخص أوصافه دل على أن ما عداه بخلافه، وقالوا والأسماء للتعريف والأوصاف للتعليل.
قالوا والمراد بالأيم ههنا الثنيب لأنه قابلها بالبكر فدل على أنه أراد بالأيم الثيب.
وقد جاء ذكر الثيب في هذا الحديث من رواية زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل بإسناده، قال الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يستأمرها أبوها.
1028- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان بن زياد عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل بإسناده، قال الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأمرها أبوها، قال أبو داود أبوها ليس بمحفوظ.
قالوا فقوله الثيب أحق بنفسها من وليها يجمع نصا ودلالة والعمل واجب بالدلالة وجوبه بالنص ودلالته أن غير الثيب وهي البكر حكمها خلاف حكم الثيب في كونها أحق بنفسها، وتأولوا استئمار البكر على معنى استطابة النفس دون الوجوب.
قالوا ومعنى قوله أحق بنفسها أي في اختيار الغير لا في العقد بدليل أنها لو عقدت على نفسها لغير كفوء رد النكاح من غير خلاف فيه.
وقد استدل به أصحاب أبي حنيفة في أن للمرأة أن تعقد على نفسها بغيرإذن الولي، إلا أنهم لم يفرقوا بين البكر البالغ والثيب في ذلك، وقد دل الحديث على التفرقة.
وقد يحتج به أصحاب داود أيضا لمذهبهم أن البكر لا يزوجها غير الولي، وأن للثيب أن تعقد على نفسها.
وفيه حجة لمن رأى الإشارة والإيماء من الصحيح الناطق يقوم مقام الكلام.
وعند الشافعي أن إذن البكر والاستدلال بصماتها على رضاها إنما هو بمعنى الاستحباب دون الوجوب وذلك خاص في الأب والجد فإن زوجها غير أبيها فإنه لا يرى صماتها إذنا في النكاح.
1029- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد الأنصاريين عن خنساء بنت خدام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فجاءت رسول الله ﷺ فذكرت له فرد نكاحها.
قال الشيخ ذكرها الثيوبة في هذا الحديث يدل على أن حكم البكر بخلاف ذلك، والأوصاف إنما تذكر تعليلا.
وأما خبر عكرمة أن جارية بكرا أتت النبي ﷺ فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي ﷺ فقد ذكر أبو داود أنه خبر مرسل.
وإسناد حديث خنساء بنت خدام إسناد جيد متصل وقد قيل أنه كان نكاح ضرار ورووا فيه سببا لم يحضرني إسناده.
23/25-26م ومن باب الاكفاء
1030- قال أبو داود: حدثنا عبد الواحد بن غياث، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة أن أبا هند حجم النبي ﷺ في اليافوخ فقال النبي ﷺ: يا بني بياضة انكحوا أبا هند وانكحوا إليه، قال وإن كان في شيء مما تداوون به خير فالحجامة.
قال الشيخ في هذا الحديث حجة لمالك ولمن ذهب مذهبه في أن الكفاءة بالدين وحده دون غيره وأبو هند مولى بني بياضة ليس من أنفسهم. والكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء بالدين والحرية والنسب والصناعة، ومنهم من اعتبر فيها السلامة من العيوب واليسار فيكون جماعها ست خصال.
24/26-27م ومن باب تزويج من لم تولد
1031- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي ومحمد بن المثنى قالا: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الله بن يزيد بن مِقْسَم الثقفي من أهل الطائف، قال حدثتني سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونه بنت كَرْدَمٍ قالت خرجت مع أبي في حجة رسول الله ﷺ فرأيت رسول الله ﷺ فدنا إليه أبي وهو على ناقة له ومعه درة كدرة الكتاب فسمعت الأعراب والناس وهم يقولون الطبطبية الطبطبية الطبطبية فدنا إليه أبي فأخذ بقدمه فأقرَّ له ووقف عليه واستمع منه فقال إني حضرت جيش عِثران قال ابن المثنى جيش غثران فقال طارق بن المرقع من يعطيني رمحا بثوابه، فقلت وما ثوابه، قال أزوجه أول بنت تكون لي فأعطيته رمحي ثم غبت عنه حتى علمت أنه قد ولد له جارية وبلغت ثم جئته فقلت له أهلي جهزهن إليّ فحلف أن لا يفعل حتى أصدقه صداقا جديدا غير الذي كان بيني وبينه وحلفت أن لا أصدق غير الذي أعطيته، فقال رسول الله ﷺ: وبقرن أيّ النساء هي اليوم، قال قد رأت القتير قال أرى أن تتركها قال فراعني ذلك ونظرت إلى رسول الله ﷺ فلما رأى ذلك مني، قال: لا تأثم ولا يأثم صاحبك.
قال الشيخ قولها يقولون الطبطبية يحتمل وجهين أحدهما أن يكون أرادت بها حكاية وقع الأقدام أي يقولون بأرجلهم على الأرض طب طب.
والوجه الآخر أن يكون كناية عن الدرة يريد صوتها إذا خفقت.
وقوله بقرن أي النساء يريد سن أي النساء هي، والقرن بنو سنٍ واحد، يقال هؤلاء قرن زمان كذا، وأنشدني أبو عمر قال أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى:
إذا مضى القرن الذي أنت فيهم …وخلفت في قرن فأنت غريب
والقتير الشيب، ويشبه أن يكون النبي ﷺ إنما أشار عليه بتركها لأن عقد النكاح على معدوم العين فاسد، وإنما كان ذلك منه موعدا له، فلما رأى أن ذلك لا يفي بما وعد وأن هذا لا يقلع عما طلب أشار عليه بتركها والإعراض عنها لما خاف عليهما من الإثم إذا تنازعا وتخاصما إذ كان كل واحد منهما قد حلف أن يفعل غير ما حلف عليه صاحبه وتلطف ﷺ في صرفه عنها بالمسألة عن سنها حتى قرر عنده أنها قد رأت القتير أي الشيب وكبرت وأنه لا حظ له في نكاحها.
وفيه دليل على أن للحاكم أن يشير على أحد الخصمين بما هو أدعى إلى الصلاح وأقرب إلى التقوى.
25/27-28م ومن باب في الصداق
1032- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد، قال: حدثنا يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة قال سألت عائشة رضي الله عنها عن صداق النبي ﷺ فقالت ثنتا عشرة أوقية ونَش فقلت وما نش قالت نصف أوقية.
قال الشيخ الأوقية أربعون درهما والنش عشرون درهما، وهو اسم موضوع لهذا القدر من الدراهم غير مشتق من شيء سواه والله أعلم.
1033- قال أبو داود: حدثنا حجاج بن أبي يعقوب الثقفي، قال: حدثنا مُعلى بن منصور، قال: حدثنا ابن المبارك،، قال: حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي ﷺ وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله ﷺ مع شرحبيل بن حسنة.
قال الشيخ معنى قوله زوجها النجاشي أي ساق إليها المهر فأضيف عقد النكاح إليه لوجود سببه منه وهو المهر.
وقد روى أصحاب السير أن الذي عقد النكاح عليها خالد بن سعيد بن العاص وهو أبو عمر بن أبي سفيان وأبو سفيان إذ ذلك مشرك وقبل نكاحها عمرو بن أمية الضمري وكله رسول الله ﷺ بذلك وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
26/28-29م ومن باب أقل المهر
1034- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد عن ثابت البناني وحميد عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردغ زعفران فقال النبي ﷺ: مَهيم فقال يا رسول الله تزوجت امرأة قال ما أصدقتها، قال وزن نواة من ذهب قال أولم ولو بشاة.
قال الشيخ ردغ الزعفران أثر لونه وخضابه، وقوله مَهيم كلمة يمانية معناه مالك وما شأنك، ويشبه أن يكون المسألة إنما عرضت من حاله من أجل الصفرة التي رآها عليه من ردغ الزعفران، وقد نهى النبي ﷺ أن يتزعفر الرجل فأنكرها، ويشبه أن يكون ذلك شيئا يسيرا فرخص له فيه لقلته.
ووزن نواة من ذهب فسروها خمسة دراهم من ذهب وهو اسم معروف لمقدار معلوم.
وقوله أولم ولو بشاة من الوليمة وهو طعام الأملاك.
1035- قال أبو داود: حدثنا إسحاق بن جبريل البغدادي أخبرنا يزيد أخبرنا موسى بن مسلم بن رومان، عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ قال: من أعطى في صداق امرأة ملء عكفيه سويقا أو تمرا فقد استحل.
قال الشيخ فيه دليل على أن أقل المهر غير موقت بشيء معلوم وإنما هو على ما تراضى به المتناكحان.
وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال سفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه لا توقيت في أقل المهر وأدناه هو ما تراضوا به. قال سعيد بن المسيب لو أصدقها سوطا لحملت له. وقال مالك أقل المهر ربع دينار.
وقال أصحاب الرأي أقله عشرة دراهم، وقدروه بما يقطع فيه يد السارق عندهم، وزعموا أن كل واحد منهما إتلاف عضو.
27/29-30م ومن باب التزويج على العمل يعمل
1036- قال أبو داود: حدثنا القعنبي، عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله ﷺ جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله ﷺ: هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال رسول الله ﷺ إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا، قال لا أجد شيئا، قال فالتمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا، فقال رسول الله ﷺ: فهل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال له رسول الله ﷺ: قد زوجتكها بما معك من القرآن.
قال الشيخ فيه من الفقه أن منافع الحر قد يجوز أن يكون صداقا كأعيان الأموال ويدخل فيه الإجارة وما كان في معناها من خياطة ثوب ونقل متاع ونحو ذلك من الأمور.
وفيه دليل على جواز الأجرة على تعليم القرآن والباء في قوله بما معك باء التعويض كما تقول بعتك هذا الثوب بدينار أو بعشرة دراهم ؛ ولو كان معناها ما تأوله بعض أهل العلم من أنه إنما زوجه إياها لحفظه القرآن تفضيلا له لجعلت المرأة موهوبة بلا مهر وهذه خصوصية ليست لغير النبي ﷺ ولولا أنه أراد به معنى المهر لم يكن لسؤاله إياها هل معك من القرآن شيء معنى لأن التزويج ممن لا يحسن القرآن جائز جوازه ممن يحسنه. وليس في الحديث أنه جعل المهر دينا عليه إلى أجل فكان الظاهر أنه جعل تعليمه القرآن إياها مهرا لها.
وفي للخبر دليل على أن المكافأة إنما هي في حق الدين والحرية دون النسب والمال، ألا ترى أنه لم يسأل هل هو كفؤ لها أم لا، وقد علم من حاله أنه لا مال له.
وفيه دليل على أنه لا حد لأقل المهر، وفيه أنه لم يسألها هل أنت في عدة من زوج أو وطء شبهة أو نحو ذلك أم لا، وهذا شيء يفعله الحكام احتياطا فلو ترك تارك وحمل الأمر على ظاهر الحال وصدقها على قولها كان ذلك جائزا ما لم يعلم خلافه.
وقد اختلف الناس في جواز النكاح على القرآن، فقال الشافعي بجوازه على ظاهر الحديث، وقال مالك لا يجوز وهو قول أصحاب الرأي.
وقال أحمد بن حنبل أكرهه، وكان مكحول يقول ليس لأحد بعد رسول الله ﷺ أن يفعله.
وقال الشافعي فيمن نكح هذا النكاح إذا طلقها قبل أن يدخل بها ففيه قولان أحدهما أن لها نصف المثل والآخر أن لها نصف أجر التعليم.
28/30-31م ومن باب من تزوج ولم يفرض
لها صداقا ومات عنها
1037- قال أبو داود: حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس وأبي حسان عن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن مسعود أتى في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق فاختلفوا إليه شهرا أو قال مرات ؛ قال فإني أقول فيها إن لها صداقا كصداق نسائها لا وكس ولا شطط وإن لها الميراث وعليها العدة فإن يكن صوابا فمن الله عز وجل، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان. والله ورسواه بريئان، فقام ناس من أشجع فيهم الجراح وأبو سنان فقالوا يا ابن مسعود نحن نشهد أن رسول الله ﷺ قضاها فينا في بروع بنت واشق بمثل ما قضيت ففرح بها ابن مسعود فرحا شديدا.
قال الشيخ قوله لا وكس ولا شطط الوكس، النقصان والشطط العدوان وهو الزيادة على قدر الحق، يقال أشط الرجل في الحكم إذا تعدى الحق وجاوزه قال الشاعر:
ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي …فيزعمن أن أودي بحقي باطل
وفيه من الفقه جواز الاجتهاد في الحوادث من الأحكام فيما لم يوجد فيه نص مع إمكان أن يكون فيها نص وتوقيف.
وقوله فإن يكن صوابا فمن الله أي من توفيق الله وان يكن خطأ فمني ومن تسويل الشيطان وتلبيسه على وجه الحق فيه.
وقوله والله ورسوله بريئان، يريد أن الله تعالى ورسوله ﷺ لم يتركا شيئا لم يبينّاه في الكتاب أو في السنة ولم يرشدا إلى صواب الحق فيه إما نصا وإما دلالة فهما بريئان من أن يضاف إليهما الخطأ الذي يؤتي المرء فيه من جهة عجزه وتقصيره.
وفيه بيان أن المفوضة إذا مات عنها زوجها قبل الدخول بها كان لها مهر المثل وإليه ذهب أصحاب الرأي وهو أصح قولين للشافعي فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة ولها نصف مهر، واعتبر الشافعي مهر المثل بنساء عصبتها اختها وعمتها وبنات أعمامها وليست أمها ولا خالتها من نسائها.
29/32-33م ومن باب في تزويج الصغار
1038- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب وأبو كامل قالا: حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت تزوجني رسول الله ﷺ وأنا بنت سبع سنين، قال سليمان أو ست ودخل بي وأنا بنت تسع.
قال الشيخ في هذا دلالة على أن البكر التي أمر باستئذانها في النكاح إنما هي البالغ دون الصغيرة التي لم تبلغ لأنه لا معنى لاذن من لم تكن بالغا ولا اعتبار برضاها ولا بسخطها.
وكان أحمد بن حنبل يجعل هذا حدا في تزويج الأبكار لغير الآباء والأجداد ويقول لا أرى للولي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين فإذا بلغت تسع سنين فرضيت فلا خيار لها.
قال الشيخ ولعله قد بلغه أن نساء العرب أو أكثرهن يدركن إذا بلغن هذا السن والله أعلم.
30/33-34م ومن باب المقام عند البكر
1039- قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب قال حدثني يحيى عن سفيان قال حدثني محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر عن أبيه عن أم سلمة أن رسول الله ﷺ لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثا، ثم قال ليس لك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي.
قال الشيخ اختلف العلماء في تأويل ذلك، فقال بعضهم الثلاث تخصيص للثيب لا يحتسب بها عليها ويستأنف القسم فيما يستقبل، وكذلك السبع للبكر وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقد روي ذلك عن الشعبي.
وقال أصحاب الرأي البكر والثيب في القسم سواء وهو قول الحكم وحماد. وقال الأوزاعي إذا تزوج البكر على الثيب مكث ثلاثا وإذا تزوج الثيب على البكر يمكث يومين.
قال الشيخ السبع في البكر والثلاث في الثيب حق العقد خصوصا لا يحاسبان على ذلك ولكن يكون لهما عفوا بلا قصاص.
وقوله إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي ليس فيه دليل على سقوط حقها الواجب لها إذا لم يسبع لها وهو الثلاث التي هي بمعنى التسويغ لها ولو كان ذلك بمعنى التبدئة ثم يحاسب عليها لم يكن للتخيير معنى لأن الإنسان لا يخير بين جميع الحق وبين بعضه فدل على أنه بمعنى التخصيص.
قال الشيخ ويشبه أن يكون هذا من المعروف الذي أمر الله تعالى به في قوله {وعاشروهن بالمعروف} 3 وذلك أن البكر لما فيها من الخفر والحياء تحتاج إلى فضل إمهال وصبر وحسن تأن ورفق ليتوصل الزوج إلى الأرب منها، والثيب قد جربت الأزواج وارتاضت بصحبة الرجال فالحاجة إلى ذلك في أمرها أقل إلا أنها تخص بالثلاث تكرمة لها وتأسيسا للإلفة فيما ببنه وبينها والله أعلم.
31/34-35م ومن باب الرجل يدخل بامرأته قبل أن ينقد
1040- قال أبو داود: حدثنا إسماعيل بن اسحاق الطالقاني، قال: حدثنا عبدة، قال: حدثنا سعيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال لما تزوج عليٌ فاطمة رضي الله عنهما، قال له رسول الله ﷺ أعطها شيئا، قال ما عندي شيء، قال أين درعك الحُطمية.
قال الشيخ الحطمية منسوبة إلى حطمة بطن من عبد القيس كانوا يعملون الدروع. ويقال إنها الدرع السابغة التي تحطم السلاح.
وقد اختلف الناس في الدخول قبل أن يعطي من المهر شيئا فكان ابن عمر يقول لا يحل لمسلم أن يدخل على امرأته حتى يقدم إليها حقل أو كثر.
وروي عن ابن عباس الكراهية في ذلك وكذلك عن قتادة والزهري.
وقال مالك بن أنس لا يدخل حتى يقدم شيئا من صداقها أدناه ربع دينار أو ثلاثة دراهم سواء فرض لها أو لم يكن فرض.
وكان الشافعي يقول في القديم إن لم يسم لها مهرا كرهت أن يطأها قبل أن يسمي أو يعطيها شيئا، وقول سفيان الثوري قريب من هذا ورخص في ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري والنخعي وهو قول أحمد وإسحاق.
1041- قال أبو داود: حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا محمد بن بكر البرساني قال أخبرنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله ﷺ: أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد عصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته.
قال الشيخ وهذا يتأول على ما يشترطه الولي لنفسه سوى المهر، وقد اختلف الناس في وجوبه فقال سفيان الثوري ومالك بن أنس في الرجل ينكح المرأة على أن لأبيها كذا وكذا شيئا اتفقا عليه سوى المهر أن ذلك كله للمرأة دون الأب وكذلك روي عن عطاء وطاوس، وقال أحمد هو للأب ولا يكون ذلك لغيره من الأولياء لأن يد الأب مبسوطة في مال الولد.
وروي عن علي بن الحسين أنه زوج ابنته رجلا واشترط لنفسه مالا، وعن مسروق أنه زوج ابنته رجلا واشترط لنفسه عشرة آلاف درهم يجعلها في الحج والمساكين.
وقال الشافعي إذا فعل ذلك فلها مهر المثل ولا شيء للولي.
هامش