معالم السنن/الجزء الثالث/15
30/37-39 م ومن باب في نفقة المبتوتة
1117- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله ﷺ فذكرت ذلك له فقال لها ليس لك عليه نفقة وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال إن تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك وإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطاني فقال رسول الله ﷺ: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته ثم قال انكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله فيه خيرا كثيرا واغتبطت.
قال الشيخ: معنى البتة هنا الطلاق وقد روي أنها كانت آخر تطليقة بقيت لها من الثلاث. وفيه دليل أن المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، واختلف فيها فقالت طائفة لا نفقة لها ولا سكنى إلا أن تكون حاملا وروي ذلك عن ابن عباس وأحمد وروي عن فاطمة أنها قالت لم يجعل رسول الله ﷺ سكنى ولا نفقة.
وقالت طائفة لها السكنى والنفقة حاملا كانت أو غير حامل. وقاله عمر وسفيان وأهل الرأي.
وقالت طائفة لها السكنى ولا نفقة قاله مالك والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وابن المسيب والحسن وعطاء والشعبي، واحتجوا بقوله {أسكنوهن} الآية فأوجب السكنى عاما، وأن نقل النبي ﷺ إياها من بيت أحمائها إلى بيت ابن أم مكتوم فليس فيه إبطال السكنى بل فيه إثباته وإنما هو اختيار لموضع السكنى.
واختلف في سبب ذلك فقالت عائشة كانت فاطمة في مكان وحش فخيف عليها فرخص لها رسول الله ﷺ في الانتقال.
وقال ابن المسيب إنما نقلت عن بيت حمائها لطول لسانها وهو معنى قوله {ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} 1 الآية وقد بيناه.
31/39-41م ومن باب المبتوتة تخرج بالنهار
1118- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير عن جابر قال طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجّد نخلا لها فلقيها رجل فنهاها فأتت النبي ﷺ فذكرت له ذلك فقال لها: اخرجي فجدي نخلك لعلك ان تصدقي منه أو تفعلي خيرا.
قال الشيخ: وجه استدلال أبي داود منه في أن للمعتدة من الطلاق أن تخرج بالنهار هو أن النخل لا يجد عادة إلا نهارا، وقد نهي عن جداد الليل ونخل الأنصار قريب من دورهم فهي إذا خرجت بكرة للجداد رجعت إلى بيتها للمبيت. وهذا في المعتدة من التطليقات الثلاث.
فأما الرجعية فإنها لا تخرج ليلا ولا نهارا.
وقال أبو حنيفة لا تخرج المبتوتة ليلا ولا نهارا كالرجعية. وقال الشافعي تخرج نهارا لا ليلا على ظاهر الحديث.
32/41-43م ومن باب احداد المتوفى عنها
1119- قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن حميد عن نافع عن زينب بنت أبي سلمة، قالت سمعت أمي أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها فقال رسول الله ﷺ: لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال رسول الله ﷺ إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت احداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول، قال حميد فقلت لزينب وما ترمى بالبعرة على رأس الحول، فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعره فترمى بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيبب أو غيره.
قال الشيح: قال القعنبي تفتض هو من فضضت الشيء إذا كسرته أو فرقته ومنه فض خاتم الكتاب {ولانفضوا من حولك} 2 أي تكسر ما كانت فيه من العدة وتخرج منه بالدابة. والحش البيت الصغير، ومعنى رميها بالبعرة أى كأنها تقول كان جلوسها بالبيت وحبسها نفسها سنة كالرمية بالبعير في جنب ما كان يجب في حق الزوج.
33/42-44م ومن باب في المتوفى عنها تنتقل
1120- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عميرة عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة أن الفريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أخبرتها أنها جاءت إلى رسول الله ﷺ تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم فقتلوه فسألت رسول الله ﷺ أن أرجع إلى أهلي فإني لم يتركني في مسكن يملكه ولا نفقة قالت فقال رسول الله ﷺ: نعم قالت فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد دعاني أو أمر بي فدعيت له فقال كيف قلت فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوحي قالت فقال امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله، قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت فلما كان عثمان بن عفان أرسل الي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه وقضى به.
قال الشيخ: فيه أن للمتوفى عنها زوجها السكنى وأنها لا تعتد إلا في بيت زوجها. وقال أبو حنيفة لها السكنى ولا تبيت إلا في بيتها وتخرج نهارا إذا شاءت. وبه قال مالك والثوري والشافعي وأحمد وقال محمد ( ابن الحسن ) المتوفى عنها لا تخرج في العدة. وعن عطاء وجابر والحسن وعلي وابن عباس وعائشة تعتد حيث شاءت.
وفي قوله لا حتى يبلغ الكتاب أجله بعد إذنه لها في الانتقال دليل على جواز وقوع نسخ النبي ﷺ قبل أن يفعل.
34/44-46م ومن باب ما تجتنب المعتدة
1121- قال أبو داود: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثني هشام بن حسان ( ح ) وحدثنا عبد الله بن الجراح القهستاني عن عبد الله، يَعني ابن أبي بكر السهمي عن هشام وهذا لفظ ابن الجراح عن حفصة عن أم عطية أن النبي ﷺ قال: لا تحد المرأة فوق ثلاث إلا على زوج فانها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تكتحل ولا تمس طيبا إلا أدنى طهرتها إذا طهرت من محيضها نبيذة من قسط أو أظفار قال يعقوب مكان عصب إلا مغسولا وزاد يعقوب ولا تختضب.
1122- قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا إبراهيم بن طهمان حدثني بديل عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة زوج النبي ﷺ أنه قال المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا المشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل.
العصب من الثياب ما عصب غزله فصبغ قبل أن ينسج كالبرود والحبر ونحوه والممشق ما صبغ بالمنشق وهو يشبه المغرة. وقوله بنبذة من قسط يريد اليسير منه والنبيذ القليل من الشيء والنبيذة تصغيره وظهور الهاء فيه لأنه نوى بها القطعة منه.
واختلف فيما تجتنبه المحد من الثياب فقال الشافعي كل صبغ كانت زينة أو وشي كان لزينة في ثوب أو يلمع كان من العصب والحبرة فلا تلبسه الحاد غليظا كان أو رقيقا.
وقال مالك لا تلبس مصبوغا بعصفر أو ورس أو زعفران.
قال الشيخ ويشبه أن لا يكره على مذهبهم لبس العصب والحبر ونحوه وهو أشبه بالحديث من قول من منع منه.
وقالوا لا تلبس شيئا من الحلي وقال مالك لا خاتما ولا حلة. والخضاب مكروه في قول الأكثر.
1123- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني مخرمة عن أبيه قال سمعت المغيرة بن الضحاك يقول أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها أن زوجها توفي وكانت تشتكي عينيها فتكتحل بالجلاء قال أحمد الصواب بكحل الجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فسألتها عن كحل الجلاء فقالت لا تكتحلي به إلا من أمر لا بد منه يشتد عليك فتكتحلين بالليل وتمسحينه بالنهار ثم قالت عند ذلك أم سلمة دخل علي رسول الله ﷺ حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقلت إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب قال أنه يشب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قالت قلت بأي شيء امتشط يا رسول الله قال: بالسدر تغلفين به رأسك.
قال الشيخ: كحل الجلاء هو الاثمد لجلوه البصر ومعنى يشب الوجه أي يوقد اللون وأصله من نشبت النار أنشبها إذا أوقدتها. واختلف في الكحل فقال الشافعي كل كحل كان زينة لا خير فيه كالاثمد ونحوه مما يحسن موقعه في عينها، فأما الكحل الفارسي ونحوه إذا احتاجت إليه فلا بأس إذ ليس فيه زينة بل يزيد العين مَرَها وقبحا.
ورخص في الكحل عند الضرورة أهل الرأي ومالك بالكحل الأسود ونحوه عن عطاء والنخعي.
35/45-47م ومن باب في عدة الحامل
1124- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن حديثها وعما قال لها رسول الله ﷺ حين استفتته فكتب عمر بن عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة وهو من بني عامر بن لؤي وهو ممن شهد بدرا فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب ان وضعت حملها بعد وفاته فلما تعالت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال لها مالي أراك متجملة لعلك ترتجين النكاح إنك والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله ﷺ فسألته عن ذلك فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي.
قال الشيخ: تعالت من نفاسها أي طهرت من دمها واختلف العلماء فيه فقال علي وابن عباس تنتظر المتوفى عنها آخر الأجلين، ومعناه أن تمكث حتى تضع حملها فإن كانت مدة الحمل من وقت وفاة زوجها أربعة أشهر وعشرا فقد حلت وإن وضعت قبل ذلك تربصت إلى أن تستوفي المدة.
وقال عامة العلماء انقضاء عدتها من ضع الحمل طالت المدة أو قصرت، وهو قول عمر وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ومالك والأوزاعي والثوري وأهل الرأي والشافعي.
1125- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قال عثمان حدثنا وقال ابن العلاء أخبرنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله، قال من شاء لاعنته لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة الأشهر وعشر.
قال الشيخ: يريد سورة الطلاق إذ أن نزول هذه السورة كان بعد نزول البقرة فقال في الطلاق {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملن} 3 وفي البقرة {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا} 4 الآية فظاهر كلامه يدل على أنه حمله على النسخ فذهب إلى أن ما في سورة الطلاق ناسخ لما في سورة البقرة، وعامة العلماء لا يحملونه على النسخ بل يرتبون إحدى الآيتين على الأخرى فيجعلون التي في سوره البقرة في عدد الحوابل وهذه في الحوامل.
36/46-48م ومن باب في عدة أم الولد
1126- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم ( ح ) وحدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى عن سعيد عن مطر عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال لا تلبسوا علينا سنة قال ابن مثنى سنة نبينا ﷺ عدة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر، يَعني أم الولد.
قال الشيخ: لا تلبسوا علينا سنة نبينا يحتمل وجهين أحدهما أن يريد بذلك سنة كان يرويها عن رسول الله ﷺ نصا والآخر أن يكون ذلك منه على معنى السنة في الحرائر ولو كان معنى السنة التوقيف لأشبه أن يصرح به وأيضا فإن التلبيس لا يقع في النصوص إنما يكون غالبا في الرأي.
وتأوله بعضهم على أنه إنما جاء في أم ولد بعينها كان أعتقها صاحبها ثم تزوجها وهذه إذا مات عنها مولاه الذي هو زوجها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا إن لم تكن حاملا بلا خلاف بين العلماء.
واختلف في عدة أم الولد فذهب الأوزاعي وإسحاق في ذلك إلى حديث عمرو بن العاص وقالا تعتد أم الولد أربعة أشهر وعشرا كالحرة. وقال ابن المسيب وابن جبير والحسن وابن سيرين.
وقال الثوري وأهل الرأي عدتها ثلاث حيض وقاله علي وابن مسعود وعطاء والنخعي.
وقال مالك والشافعي وأحمد عدتها حيضة، وقاله ابن عمر وعروة والقاسم والشعبي والزهري.
37/47-49م ومن باب المبتوتة
لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح غيره
1127- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت سئل رسول الله ﷺ عن رجل طلق امرأته فتزوجت زوجا غيره فدخل بها ثم طلقها قبل أن يواقعها أتحل لزوجها الأول قالت قال النبي ﷺ: لا تحل للأول حتى تذوق الآخر ويذوق عسيلتها.
قال الشيخ: العسيلة تصغير العسل وقيل إن الهاء إنما ثبتت فيها على نية اللذة. وقيل إن العسل تؤنث وتذكر.
وقال ابن المنذر فيه دلالة على أنه إن واقعها وهي نائمة أو مغمى عليها لا تحس باللذة فإنها لا تحل للزوج الأول لأنها لم تذق العسيلة، وإنما يكون ذواقها بأن تحس باللذة.
14 كتاب الحدود
1128- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن عكرمة أن عليا كرم الله وجهه أحرق ناسا ارتدوا عن الإسلام فبلغ ذلك ابن عباس رضي الله عنه فقال لم أكن لأحرقهم بالنار ان رسول الله ﷺ قال: لا تعذبوا بعذاب الله وكنت قاتلهم بقول رسول الله ﷺ فإنه قال: من بدل دينه فاقتلوه فبلغ ذلك عليا فقال ويح أم ابن عباس.
قوله ويح أم ابن عباس لفظه لفظ الدعاء عليه ومعناه المدح له والإعجاب بقوله وهذا كقول رسول الله ﷺ في أبي بصير ويل أمه مسعر حرب وكقول عمر رضي الله عنه حين أعجبه قول الوادعي في تفضيل سهمان الخيل على المقاديف هبلت الوادعي أمه يريد ما أعلمه أو ما أصوب رأيه أو ما أشبه ذلك الكلام وكقول الشاعر:
هوت أمه ما يبعث الصبح غاديا …وماذا يرد الليل حين يؤوب
ويقال ويح وويس بمعنى واحد وقيل ويح كلمة رحمة وروي ذلك عن الحسن.
وقد اختلف الناس فيما كان من علي كرم الله وجهه في أمر المرتدين فروى عكرمة أنه أحرقهم بالنار، وزعم بعضهم أنه لم يحرقهم بالنار ولكنه حفر لهم أسرابا ودخن عليهم واستتابهم فلم يتوبوا حتى قتلهم الدخان، واحتج أهل الروية الأولى بقول الشاعر فيهم.
انشدنا ابن الأعرابي، عن أبي ميسرة عن الحميدي عن سفيان بن عيينة عن بعضهم في هذه القصة.
لترم بي المنايا حيث شاءت... إذا لم ترم بي في الحضرتين
إذا ما قربوا حطبا ونارا... فذاك الموت نقدا غير دين
زعموا أنه حفر لهم حفرا وأشعل النار وأمر أن يرمى بهم فيها.
واختلف أهل العلم فيمن قتل رجلا بالنار فأحرقه بها هل يفعل به مثل ذلك أم لا، فقال غير واحد من أهل العلم يحرق القاتل بالنار، وكذلك قال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وروي معنى ذلك عن الشعبي وعمر بن عبد العزيز.
وقال سفيان الثوري وأبو حنيفة وأصحابه يقتل بالسيف وروي ذلك عن عطاء.
1129- قال أبو داود: حدثنا محمد بن سنان الباهلي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ﷺ لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا في إحدى ثلاث زنى بعد إحصان فإنه يرجم. ورجل خرج محاربا لله ورسوله فإنه يقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض. أو يقتل نفسا فيقتل بها.
قلت في هذا الحديث دلالة على أن الإمام بالخيار في أمرالمحاربين بين أن يقتل أو يصلب أو ينفي من الأرض، وإلى هذا ذهب مالك بن أنس وأبو ثور.
وروي عن الحسن ومجاهد وعطاء والنخعي، وقال الشافعي تقام عليهم الحدود بقدر جناياتهم لمن قتل منهم وأخذ مالا قتل وصلب، وإذا قتل ولم يأخذ مالا قتل ولم يصلب ودفع إلى أوليائه ليدفنوه. ومن أخذ مالا ولم يقتل قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى وخلي، ومن حضر وهيّب وكثر أو كان ردءا يدفع عنهم عزر وحبس، وروي معنى ذلك عن ابن عباس إلا أنه قال إن لم يقتل ولم يأخذ مالا بقي، وممن ذهب إلى قول ابن عباس قتادة والنخعي.
وقال الأوزاعى نحوا من ذلك ومذهب أبي حنيفة وأصحابه قريب من ذلك. وفي قوله أويقتل نفسا فيقتل بها مستدل من جهة العموم لمن رأى قتل الحر بالعبد.
1130- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا قرة بن خالد حدثنا حميد بن هلال حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى أن رسول الله ﷺ بعثه إلى اليمن ثم أتبعه معاذ بن جبل، قال فلما قدم عليه معاذ قال انزل وألقى له وسادة وإذا رجل عنده موثق ؛ قال ما هذا قال هذا كان يهوديا فأسلم ثم راجع دينه دين السوء قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسول، قال اجلس نعم قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل.
قلت الظاهر من هذا الخبر أنه رأى قتله من غير استتابة ولا استتابة 5 وذهب إلى هذا الرأي عبيد بن عمير وطاوس، وقد روى ذلك أيضا عن الحسن البصري.
وروي عن عطاء أنه قال إن كان أصله مسلما فارتد فإنه لا يستتاب وإن كان مشركا فأسلم ثم ارتد فإنه يستتاب.
وقال أكثر أهل العلم لا يقتل حتى يستتاب إلا أنهم اختلفوا في مدة الاستتابة فقال بعضهم يستتاب ثلاثة أيام فإن تاب وإلا قتل، روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبه قال أحمد وإسحاق ؛ وقال مالك بن أنس أرى الثلاث حسنا وإنه ليعجبني.
وقال أبو حنيفة وأصحابه يستتاب ثلاث مرات في ثلاث أيام. وقال الشافعي في أحد قوليه يستتاب فإن تاب وإلا قتل مكانه، قال وهذا أقيس في النظر وعن الزهري يستتاب ثلاث مرات فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
1131- قلت وروى أبو داود هذه القصة من طريق الحماني عن يزيد بن أبي بردة عن أبيه، عن أبي موسى فقال فيها وكان قد استتيب قبل ذلك فرواها من طريق المسعودي عن القاسم قال فلم يترك حتى ضرب عنقه وما استتابه.
1/2م ومن باب من سب النبي ﷺ
1132- قال أبو داود: حدثنا عباد بن موسى الختلي حدثنا إسماعيل بن جعغر المدني عن إسرائيل عن عثمان الشحام عن عكرمة حدثنا ابن عباس رضي الله عنه أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي ﷺ وتقع فيه فنهاها فلا تنتهي فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي ﷺ وتشتمه فأخذ المعول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها فأهدر النبي ﷺ دمها.
المعول شبه المشمل ونصنله دقيق ماض، وفيه بيان ان ساب النبي ﷺ مقتول وذلك أن السب منها لرسول الله ﷺ ارتداد عن الدين ولا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله ولكن إذا كان الساب ذميا فقد اختلفوا فيه فقال مالك بن أنس من شتم النبي ﷺ من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم وكذلك قال أحمد بن حنبل، وقال الشافعي يقتل الذمي إذا سب النبي ﷺ وتبرأ منه الذمة.
واحتج في ذلك بخبر كعب بن الأشرف وقد ذكرناه في كتاب الجهاد.
وحكي، عن أبي حنيفة أنه قاله لا يقتل الذمي بشتم النبي ﷺ ما هم عليه من الشرك أعظم.
1133- قال أبو داود: حدثنا هارون بن عبد الله ونصر بن الفرج قالا: حدثنا أبو أسامة عن يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن عبد الله بن مطرف عن ابن أبي برزة قال كنت عند أبي بكر رضي الله عنه فتغيظ على رجل فاشتد عليه فقلت تأذن لى يا خليفة رسول الله فاضرب عنقه قال فأذهب كلمتي غضبه فقام فدخل فأرسل إليّ فقال ما الذي قلت آنفا، قلت ائذن لي اضرب عنقه قال أكنت فاعلا لو أمرتك قال نعم ؛ قال لا والله ما كانت لبشر بعد رسول الله ﷺ.
قلت أخبرني الحسن بن يحيى عن ابن المنذر قال: قال أحمد بن حنبل في معنى هذا الحديث أي لم يكن لأبي بكر أن يقتل رجلا إلا بإحدي الثلاث التي قالها رسول الله ﷺ كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس وكان للنبي ﷺ أن يقتل.
قلت وفيه دليل على أن التعزير ليس بواجب وللإمام أن يعزر فيما يستحق به التأديب وله أن يعفو فلا يفعل ذلك.
2/3م ومن باب في المحاربة
1134- قال أبو داود: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن أيوب، عن أبي قلابة عن أنس أن قوما من عكل أو قال من عرينة قدموا على رسول الله ﷺ فاجتووا المدينة فأمر لهم النبي ﷺ بلقاح وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي رسول الله ﷺ واستاقوا النعم فبلغ النبي ﷺ خبرهم في أول النهار فأرسل في اثارهم فما ارتفع النهار حتى جيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون.
قال أبو قلابة وهؤلاء قوم قتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.
قوله فاجتووا المدينة معناه عافوا المقام بالمدينة وأصابهم بها الجوى في بطونهم يقال اجتويت المكان إذا كرهت الإقامة به لضرر يلحقك فيه واللقاح ذوات الدر من الإبل واحدتها لقحة.
قوله سمر أعينهم يريد أنه كحلهم بمسامير محماة والمشهور من هذا في أكثر الروايات سمل باللام أي فقأ أعينهم قال أبو ذؤيب.
فالعين بعدهم كأن حداقها …سملت بشوك فهي عور تدمع
وفي الحديث من الفقه أن إبل الصدقة قد تجوز لأبناء السبيل شرب ألبانها وذلك أن هذه اللقاح كانت من إبل الصدقة، روي ذلك في هذا الحديث من غير هذا الطريق حدثناه ابن الأعرابي حدثنا الزعفراني حدثنا عمر حدثنا حماد حدثنا حميد وقتادة وثابت عن أنس فذكر القصة وقال فبعثهم رسول الله ﷺ في إيل الصدقة وفيه إباحة التداوي بالمحرم عند الضروري لأن الأبوال كلها نجسة من مأكول اللحم وغير مأكوله.
1135- قال أبو داود: حدثنا عمر بن عثمان حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى، عن أبي قلابة عن أنس بن مالك وذكر القصة وقال فيها فبعث رسول الله ﷺ قافة فأتي بهم فأنزل الله عز وجل {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا} 6 الآية.
القافة جمع القائف وهو الذي يتبع الأثر ويطلب الضالة والهارب.
قلت وقد اختلف الناس فيمن نزلت فيه هذه الآية فروي مدرجا في هذا الخبر أنها نزلت في هؤلاء، وقد ذكر أبو قلابة أن هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله.
وذهب الحسن البصري أيضا إلى أن الآية إنما نزلت في الكفار دون المسلمين وذلك أن المسلم لا يحارب الله ورسوله، وقال أكثر العلماء نزلت الآية في أهل الإسلام، والدليل على ذلك قوله {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم} 7 والإسلام يحقن الدم قبل القدرة وبعدها فعلم أن المراد به المسلمون، فأما قوله يحاربون الله ورسوله فمعناه يحاربون المسلمين الذين هم حزب الله وحزب رسوله فأضيف ذلك إلى الله وإلى الرسول إذ كان هذا الفعل في الخلاف لأمرهما راجعا إلى مخالفتهما، وهذا كقوله ﷺ من آذى لي وليا فقد بادرني بالمحاربة.
1136- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس وذكر الحديث قال ولقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا.
قوله يكدم الأرض أي يتناولها بفمه ويعض عليها بأسنانه ؛ وأصل الكدم العض والعرب تقول في قلة المرعى ما بقيت عندنا إلا كدامة ترعاها الإبل أي مقدار ما تتناولها بمقاديم أسنانها.
وقد اختلف الناس في تأويل هذا الصنيع من رسول الله ﷺ فروي عن ابن سيرين أن هذا إنما كان منه قبل أن تنزل الحدود وعن أبي الزناد أنه قال: لما فعل رسول الله ﷺ ذلك بهم أنزل الله الحدود فوعظه ونهاه عن المثلة فلم يعد.
قلت وروى سليمان التيمي عن أنس أن النبي ﷺ إنما سمل أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة، حدثنيه الحسن بن يحيى، عن أبي المنذر عن الفضل بن سهل الأعرج عن يحيى بن غيلان عن يزيد بن زريع عن سليمان التيمي يريد أنه إنما اقتص منهم على أمثال فعلهم.
3/4م ومن باب الحد يشفع فيه
1137- قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها فقالوا ومن يجترىء إلا أسامة بن زيد حب رسول الله ﷺ فكلمه أسامة فقال رسول الله ﷺ يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فاختطب فقال إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت رسول الله ﷺ سرقت لقطعت يدها.
إنما أنكر عليه الشفاعة في الحد لأنه إنما تشفع إليه بعد أن بلغ ذلك رسول الله ﷺ وارتفعوا إليه فيه فأما قبل أن يبلغ الإمام فإن الشفاعة جائزة والستر على المذنبين مندوب إليه، وقد روي ذلك عن الزبير بن العوام وابن عباس رضي الله عنهما وهو مذهب الأوزاعي.
وقال أحمد بن حنبل تشفع في الحد ما لم يبلغ السلطان.
وقال مالك بن أنس من لم يعرف بأذى الناس وإنما كانت تلك منه زلة فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام.
وفيه دليل على أن القطع لا يزول عن السارق بأن يوهب له المتاع ولو كان ذلك مسقطا عنه الحد لأشبه أن يطلب أسامة إلى المسروق منه أن يهبه منها فيكون ذلك أعود عليها من الشفاعة.
1138- قال أبو داود: حدثنا محمد بن جعفر بن مسافر ومحمد بن سليمان الأنباري قالا: حدثنا ابن أبي فديك عن عبد الملك بن زيد نسبه جعفر إلى سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل عن محمد بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله ﷺ أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود.
قلت قال الشافعي في تفسير الهيئة من لم يظهر منه ريبة.
وفيه دليل على أن الإمام مخير في التعزير إن شاء عزر وإن شاء ترك ولو كان التعزير واجبا كالحد لكان ذو الهيئة وغيره في ذلك سواء.
4/9م ومن باب التلقين في الحد
1139- قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أبي المنذر مولى أبي ذر، عن أبي أمية المخزومي أن النبي ﷺ أتي بلص قد اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع فقال رسول الله ﷺ ما أخالك سرقت قال بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع.
قلت وجه هذا الحديت عندي والله أعلم أنه ظن بالمعترف بالسرقة غفلة أو يكون قد ظن أنه لا يعرف معنى السرقة ولعله قد كان مالا له أو اختلسه أو نحو ذلك مما يخرج من هذا الباب عن معاني السرقة والمعترف به قد يحسب أن حكم ذلك حكم السرقه فوافقه رسول الله ﷺ واستثبت الحكم فيه إذ كان من سنته أن الحدود تدرأ بالشبهات، وروي عنه أنه قال: ادرؤوا الحدود ما استطعتم وأمرنا بالستر على المسلمين فكره أن يهتكه وهو يجد السبيل إلى ستره فلما تبين وجود السرقة منه يقينا أقام الحد عليه وأمر بقطعه.
على أن في إسناد هذا الحديث مقالا والحديث إذا رواه رجل مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به.
وقد روي تلقين السارق عن جماعة من الصحابة وأتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل فسأله أسرقت قل لا قال فقال لا فتركه ولم يقطعه.
وروي مثل ذلك، عن أبي الدرداء وأبي هريرة، وكان أحمد وإسحاق لا يريان بأسا بتلقين السارق إذا أتي به، وكذلك قال أبو ثور إذا كان السارق امرأة أو مصعوقا.
5/12م ومن باب ما يقطع فيه السارق
1140- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن الزهري قال سمعته منه عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ كان يقطع في ربع دينار فصاعدا قال وحدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ القطع في ربع دينار فصاعدا.
قوله القطع في ربع دينار فصاعدا معناه القطع الذي أوجبه الله في السرقة إنما يجب فيما بلغ منها ربع دينار وكان مورده مورد التهديد ولذلك عرفه بالألف واللام ليعقل أنه إشارة إلى معهود، وهذا الحديث هو الأصل فيما يجب فيه قطع الأيدي وبه تعتبر السرقات وإليه ترد قيمتها ما كانت من دراهم أو متاع أو غيرها.
وروى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنها، وبه قال عمر بن عبد العزيز وهو مذهب الأوزاعي والشافعي، وفيه إبطال مذهب أهل الظاهر فيما ذهبوا إليه من إيجاب القطع في الكثير والقليل وهو مذهب الخوارج.
1141- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم.
قلت وذهب مالك إلى هذا وجعل الحد فيما يجب فيه القطع ثلاثة دراهم، ورد إليها قيم السرقات مما كانت ذهبا أو متاعا أو ما كان من شيء.
وقال أحمد بن حنبل إن سرق ذهبا فبلغ ربع دينار قطع وإن سرق فضة كان مبلغها ثلاثة دراهم قطع وإن سرق متاعا بلغ قيمته ربع دينار أو ثلاثة دراهم قولا بالخبرين معا.
قلت المذهب الأول في رد القيم إلى ربع الدينار أصح وذلك إن أصل النقد في ذلك الزمان الدنانير فجاز أن يقوم بها الدراهم ولم يجز أن يقوم الدنانير بالدراهم ولهذا كتب في الصكوك قديما عشرة دراهم وزن سبعة فصرفت الدراهم بالدنانير وحصرت بها والدنانير لا تختلف فيها اختلاف الدراهم، وقال رسول الله ﷺ لمعاذ خذ من كل حالم دينارا.
وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قطع سارقا في أترجة قومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما فدل على أن العبرة للذهب ومن أجل ذلك قومت الدراهم بها فقيل من صرف اثني عشر درهما بدينار.
وأما تقويم المجن بالدراهم فقد يحتمل أن يكون ذلك من أجل أن الشيء التافه قد جرت العادة بتقويمه بالدراهم، وإنما تقوم الأشياء النفيسة بالدنانير لأنها أنفس من النقود وأكرم جواهر الأرض فتكون هذه الدراهم الثلاثة التي هي ثمن المجن قد تبلغ قيمتها ربع دينار والله أعلم.
1142- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن السري العسقلاني وهذا لفظه قالا: حدثنا ابن نمير عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال قطع رسول الله ﷺ يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم.
قلت وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأصحابه وجعلوه حدا فيما يقطع فيه اليد وهو قول سفيان الثوري، وقد روى ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه.
قلت وهذا حكم تنفيذ وليس في موضع التحديد لأنه إذا كان السارق مقطوعا في ربع دينار فلأن يكون مقطوعا في دينار أولى وكذلك إذا قطع في ثلاثة دراهم يبلغ قيمتها ربع دينار فهو بأن يقطع في عشرة دراهم أولى.
وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة لا يقطع الخمس إلا في خمسة دراهم وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خلاف الرواية الأولى.
6/13م ومن باب ما لا قطع فيه
1143- قال أبو داود: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن عبدا سرق وديا من حائط رجل فغرسه في حائط سيده فاستعدى صاحب الودي على العبد مروان بن الحكم فسجن مروان العبد وأراد قطع يده فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك فأخبره أنه سمع رسول الله ﷺ يقول لا قطع في ثمر ولا كثر ومشى معه إلى مروان فحدثه بذلك عن رسول الله ﷺ فأمر مروان بالعبد فأرسل.
الودي صغار النخل واحدتها ودية والكثر جمار النخل ومعنى الثمر في هذا الحديث ما كان معلقا بالنخل قبل أن يجذ ويحرز وقد تأوله الشافعي قال حوائط المدينة ليست بحرز وأكثرها يدخل من جوانبها ومن سرق من حائط شيئا من ثمر معلق لم يقطع فإذا أواه الجرين قطع ولم يفرق بين الفاكهة والطعام الرطب وبين الدراهم والدنانير وسائر الأمتعة في السارق إذا سرق منها شيئا من حرز أو غير حرز فبلغت قيمته ما يقطع فيه اليد فإنه مقطوع.
وقال مالك في الثمر مثل قول الشافعي. وقال أبو حنيفة بظاهر حديث رافع بن خديج فأسقط القطع عمن سرق ثمرا أو كثرا من حرز أو غير حرز وقاس عليهما سائر الفواكه الرطبة واللحوم والجبون والألبان والأشربة وسائر ما كان في معناها.
1144- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله ﷺ أنه سأل عن الثمر المعلق قال ما أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثله والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع.
قلت هذا يؤيد ما ذهب إليه الشافعي في معنى الحديث الأول ويليق أن الحال لا تختلف في الأموال من جهة أعيانها لكن تفترق من جهة مواضعها التي تؤويها وتحرزها، وأما الخبنة فهو ما يحمله الرجل في ثوبه، ويقال أصل الخبنة ذلاذل الثوب.
والجرين البيدر وهو حرز الثمار وما كان في مثل معناها كما كان المراح حرز الغنم. وإنما تحرز الأشياء على قدر الإمكان فيها وجريان العادة في الناس في مثلها. ويشبه أن يكون إنما أباح لذي الحاجة الأكل منه لأن في المال حق العشر فإذا أدته الضرورة إليه أكل منه وكان محسوبا لصاحبه مما عليه من الصدقة وصارت يده في التقدير كيد صاحبها لأجل الضرورة ؛ فأما إذا حمل منه في ثوب أو نحوه فإن ذلك ليس من باب الضرورة إنما هو من باب الاستحلال فيغرم ويعاقب، إلا أنه لا قطع لعدم الحرز ومضاعفة الغرامة نوع من الردع والتنكيل، وقد قال به غير واحد من الفقهاء وقد بينا أقاويلهم في ذلك في باب الزكاة.
7/14م ومن باب القطع في الخيانة والخلسة
1145- قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج حدثنا الزبير قال جابر بن عبد الله قال رسول الله ﷺ ليس على المنتهب قطع ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا.
وبهذا الإسناد قال قال رسول الله ﷺ ليس على الخائن قطع.
1146- قال أبو داود: حدثنا نصر بن علي أخبرنا عيسى بن يونس عن ابن جريج، عن أبي الزبير عن جابر عن النبي ﷺ مثله فزاد ولا على المختلس قطع.
قلت أجمع عامة أهل العلم على أن المختلس والخائن لا يقطعان وذلك أن الله سبحانه إنما أوجب القطع على السارق. والسرقة إنما هي أخذ المال المحفوظ سرا عن صاحبه والاختلاس غير محترز منه فيه. وقد قيل إن القطع إنما سقط عن الخائن لأن صاحب المال قد أعان على نفسه في ذلك بائتمانه إياه وكذلك المختلس وقد يحتمل أن يكون إنما سقط القطع عنه لأن صاحبه قد يمكنه رفعه عن نفسه بمجاهدته وبالاستغاثة بالناس فإذا قصر في ذلك ولم يفعل صار كأنه أتي من قبل نفسه.
وحكي عن إياس بن معاوية أنه قال يقطع المختلس، ويحكى عن داود أنه كان يرى القطع على من أخذ مالا لغيره سواء أخذه من حرز أو غير حرز وهذا الحديث حجة عليه.
8/15م ومن باب من سرق من حرز
1147- قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة حدثنا اسباط عن سماك بن حرب عن حميد ابن أخت صفوان عن صفوان بن أمية قال كنت نائما في المسجد على خميصة لي ثمن ثلاثين درهما فجاء رجل فاختلسها مني فأخذ الرجل فأتى به النبي ﷺ فأمر به ليقطع فأتيته، فقلت أتقطعه من أجل ثلاثين درهما أنا أبيعه وأنسئه ثمنها، قال فهلا كان هذا من قبل أن تأتيني به.
قلت في هذا دليل على أن الحرز معتبر في الأشياء حسب ما تعارفه الناس في حرز مثلها وذلك أن النائم في المسجد الذي ينتابه الناس ولا يحجب عن دخوله أحد لا يقدر من الاحتراز والتحفظ في ثوبه على أكثر من أن يبسطه فينام عليه أو يتوسده فيضع رأسه عليه أو يشد طرفا منه في طرف يديه إلى نحو ذلك من الأمور فإذا اغتاله مغتال فذهب به كان سارقا له من حرز يجب عليه ما يجب على سارق الأموال من الخزائن المستوثق منها بالاغلاق والاقفال، وفي معناه من وضع نفقته في كمه فطرّه إنسان فإنه سارق يقطع يده كما لو أخذها من صندوق أو خزانة وكذلك
هذا فيمن وضع ثوبه بين يديه واستنقع في ماء فأخذه آخذ على وجه السرقة ويدخل في ذلك من أخرج متاعا من جوالق أو حل بعيرا من قطار أو أخذ متاعا من فسطاط مضروب أو من خيمة ضربها صاحبها فنام فيها أو على بابها فهذا كله حرز وإنما ينظر في هذا الباب إلى سيرة الناس وعاداتهم في إحراز أنواع الأموال على اختلاف أماكنها فكل ما كان مأخوذا من حرز مثله وكان مبلغه ما يجب فيه القطع وجب قطع يد سارقه.
واحتج من رأى أن المتاع المسروق لا قطع فيه إذا ملكه السارق قبل أن يرفع إلى الإمام بقوله فهلا كان هذا قبل أن تأتيني به، قالوا فقد دل هذا على أنه لو وهبه منه أو أبرأه من ذلك قبل أن يرفعه إلى الإمام سقط عنه القطع. واختلف الفقهاء في هذا فقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل لا يسقط عنه القطع وإن وهب منه المتاع أو باعه منه أو أبرأه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا رد السرقة إلى أهلها قبل أن يرفع إلى الإمام ثم أتي به الإمام فشهد عليه الشهود لم يقطع.
وقال أبو حنيفة إذا وهب له السرقة لم يقطع وأحسبه لا يفرق بين ذلك كان قبل رفعه إلى الإمام أو بعده.
9/16م ومن باب القطع في العارية إذا جحدت
1148- قال أبو داود: حدثنا الحسن بن علي ومخلد بن خالد المعنى قالا: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي ﷺ بها فقطعت يدها.
قلت مذهب عامة أهل العلم أن المستعير إذا جحد العارية لم يقطع لأن الله سبحانه إنما أوجب القطع على السارق وهذا خائن ليس بسارق.
وفي قوله لا قطع على الخائن دليل على سقوط القطع عنه، وذهب إسحاق بن راهويه إلى إيجاب القطع عليه قولا بظاهر الحديث.
وقال أحمد بن حنبل لا أعلم شيئا يدفعه، يَعني حديث المخزومية.
قلت وهذا الحديث مختصر وليس مستقصى لفظه وسياقه وإنما قطعت المخزومية لأنها سرقت وذلك بين في حديث عائشة رحمها الله الذي رواه أبو داود في باب قبل هذا.
1149- قال أبو داود: حدثنا قتيبة بن الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله ﷺ فذكر القصة.
قولها أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت يفصح بالسرقة ويصرح بذكرها ويثبت أنها سبب القطع لا جحد العارية وإنما ذكرت الاستعارة والجحد في هذه القصة تعريفا لها بخاص صفتها إذ كانت كثيرة الاستعارة حتى عرفت بذلك كما عرفت بأنها مخزومية إلا أنها لما استمر بها هذا الصنع ترقت إلى السرقة وتجرأت حيث سرقت فأمرالنبي ﷺ بقطعها.
وقد روى مسعود بن الأسود عن النبي ﷺ هذا الخبر قال سرقت قطيفة من بيت رسول الله ﷺ.
قلت وبيان هذا الحديث في حديث عائشة رضي الله عنها من رواية الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت رسول الله ﷺ سرقت لقطعت يدها.
أفلا تراه يتمثل بالسرقة ويذكرها مرة بعد أخرى وفي ذلك بيان لما قلناه وإنما خلا بعض الروايات عن ذكر السرقة لأن القصد إنما كان في سياق هذا الحديث إلى إبطال الشفاعة في الحدود والتغليظ لمن رام تعطيلها ولم يقع العناية بذكر السرقة وبيان حكمها وما يجب على السارق من القطع إذ كان ذلك من القطع إذ كان ذلك من العلم المشهور المستفيض في الخاص والعام وقد أتى ما يجب على السارق من القطع إذ كان أتى الكتاب على بيانه فلم يضر ترك ذكره والسكوت عنه ههنا والله أعلم.
10/17م ومن باب المجنون يسرق أو يصيب حدا
1150- قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش، عن أبي ظبيان عن ابن عباس رضي الله عنه قال أتي عمر رضي الله عنه بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا فأمر بها عمر رضي الله عنه أن ترجم فمر بها على علي كرم الله وجهه، فقال ما شأن هذه فقالوا مجنونة بني فلان زنت فأمر بها أن ترجم، فقال ارجعوا بها ثم أتاه فقال يا أمير المؤمنين أما علمت أن القلم رفع عن ثلاثة عن المجنون حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يعقل قال بلى قال فما بال هذه ترجم قال لا شيء قال فأرسلها قال فأرسلها قال فجعل يكبر.
قلت لم يأمر عمررضي الله عنه برجم مجنونه مطبق عليها في الجنون ولا يجوز أن يخفى هذا ولا على أحد ممن بحضرته، ولكن هذه امرأة كانت تجن مرة وتفيق أخرى فرأى عمر رضي الله عنه أن لا يسقط عنها الحد لما يصيبها من الجنون إذ كان الزنا منها في حال الإفاقة، ورأى علي كرم الله وجهه أن الجنون شبهة يدرأ بها الحد عمن يبتلي به والحدود تدرأ بالشبهات لعلها قد أصابت ما أصابت وهي في بقية من بلائها فوافق اجتهاد عمر رضي الله عنه اجتهاده في ذلك فدرأ عنها الحد والله أعلم بالصواب.
1/18م ومن باب الغلام يصيب الحد
1151- قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان حدثنا عبد الملك بن عمير حدثنا عطية القرظي قال كنت من سبي قريظة وكانوا ينظرون فيمن أنبت الشعر قتل ومن لم ينبت لم يقتل فكنت فيمن لم ينبت.
1152- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه وعرضه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجازه.
قلت اختلف أهل العلم في حد البلوغ الذي إذا بلغه الصبي أقيم عليه الحد، فقال الشافعي إذا احتلم الغلام أو بلغ خمس عشرة سنة فإن حكمه حكم البالغين في إقامة الحد عليه وكذلك الجارية إذا بلغت خمس عشرة سنة أوحاضت.
وأما الانبات فإنه لا يكون حدا للبلوغ وإنما يفصل به بين أهل الشرك فيقتل مقاتليهم ويترك غير مقاتليهم بالإنبات.
وقال الأوزاعي وأحمد بن حنبل في بلوغ الغلام خمس عشرة سنة مثل قول الشافعي. وقال أحمد وإسحاق الإنبات بلوغ يقام به الحد على من أنبت.
وحكي مثل ذلك عن مالك بن أنس في الإنبات فاما في السن فإنه قال إذا احتلم الغلام أو بلغ من السن ما لا يتجاوزه غلام إلا احتلم فحكمه حكم الرجال ولم يجعل الخمس عشرة سنة حدا في ذلك.
وقال سفيان سمعنا أن الحلم أدناه أربع عشرة وأقصاه ثماني عشرة سنة فإذا جاءت الحدود أخذنا بأقصاها.
وذهب أبو حنيفة إلى أن حد البلوغ في استكمال ثماني عشرة سنة إلا أن يحتلم قبل ذلك، وفي الجارية استكمال سبع عشرة سنة إلا أن تحيض قبل ذلك.
قلت يشبه أن يكون المعنى عند من فرق بين أهل الإسلام وبين أهل الكفر حين جعل الإنبات في الكفار بلوغا ولم يعتبره في المسلمين هو أن أهل الكفر لا يوقف على بلوغهم من جهة السن ولا يمكن الرجوع إلى قولهم لأنهم متهمون في ذلك لدفع القتل عن أنفسهم، فأما المسلمون وأولادهم فقد يمكن الوقوف على مقادير أسنانهم لأن أسنانهم محفوظة وأوقات المواليد فيهم مؤرخة.
12/19م ومن باب الرجل يسرق في الغزو أيقطع
1153- قال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة عن عياش بن عباس القتباني عن شنم بن تبيان ويزيد بن صبح الأصبحي عن جنادة بن أبي أمية قال كنا مع بسر بن أرطأة في البحر فأتي بسارق يقال له مصدر قد سرق بُختية فقال سمعت رسول الله ﷺ يقول لا تقطع الأيدي في السفر ولولا ذلك لقطعته.
قلت يشبه أن يكون هذا إنما سرق البختية في البر ورفعوه إليه في البحر فقال عند ذلك هذا القول.
وهذا الحديث إن ثبت فإنه يشبه أن يكون إنما أسقط عنه الحد لأنه لم يكن إماما وإنما كان أميرا أو صاحب جيش وأمير الجيش لا يقيم الحدود في أرض الحرب على مذاهب بعض الفقهاء إلا أن يكون الإمام أو يكون أميرا واسع المملكة كصاحب العراق والشام أو مصر ونحوها من البلدان، فإنه يقيم الحدود في عسكره وهو قول أبي حنيفة.
وقال الأوزاعي لا يقطع أمير العسكر حتى يقفل من الدرب فإذا قفل قطع وأما أكثر الفقهاء فإنهم لا يفرقون بين أرض الحرب وغيرها، ويرون إقامة الحدود على من ارتكبها كما يرون وجوب الفرائض والعبادات عليهم في دار الإسلام والحرب سواء.
13/20م ومن باب الحجة في قطع النباش
1154- قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد، عن أبي عمران عن المشعث بن طريف عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله ﷺ يا أبا ذر قلت لبيك يا رسول الله وسعديك قال كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون فيه البيت بالوصيف، يَعني القبر، قلت الله ورسوله أعلم، قال أو ما خار الله لي ورسوله قال عليك بالصبر أو قال تصبر.
قلت موضع استدلال أبي داود من الحديث أنه سمى القبر بيتا والبيت حرز والسارق من الحرز مقطوع إذا بلغت سرقته مبلغ ما يقطع فيه اليد.
والوصيف العبد يريد أن الفضاء من الأرض يضيق عن القبور ويشتغل الناس بأنفسهم عن الحفر لموتاهم حتى تبلغ قيمة القبر قيمة العبد.
وقد اختلف الناس في قطع النباش فذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق إلى أنه يقطع إذا أخذ من القبر ما يكون فيه القطع ؛ وبه قال أبو يوسف وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري لا قطع عليه.
هامش
- ↑ [الطلاق: 1]
- ↑ [آل عمران: 159]
- ↑ [الطلاق: 4]
- ↑ [البقرة: 234 ]
- ↑ هكذا في الأصل.
- ↑ [المائدة: 33]
- ↑ [المائدة: 34]