مجموع الفتاوى/المجلد الثامن عشر/معني قولهم حديث حسن أو مرسل أو غريب
معني قولهم حديث حسن أو مرسل أو غريب
وسئل عن معني قولهم: حديث حسن أو مرسل أو غريب، وجمع الترمذي بين الغريب والصحيح في حديث واحد؟ وهل في الحديث متواتر لفظا ومعنى؟ وهل جمهور أحاديث الصحيح تفيد اليقين أو الظن؟ وما هو شرط البخاري ومسلم، فإنهم فرقوا بين شرط البخاري ومسلم فقالوا: على شرط البخاري ومسلم؟
فأجاب:
أما المرسل من الحديث: أن يرويه من دون الصحابة ولا يذكر عمن أخذه من الصحابة ويحتمل أنه أخذه من غيرهم.
ثم من الناس من لا يسمي مرسلا إلا ما أرسله التابعي، ومنهم من يعد ما أرسله غير التابعي مرسلًا.
وكذلك ما يسقط من إسناده رجل، فمنهم من يخصه باسم المنقطع، ومنهم من يدرجه في اسم المرسل، كما أن فيهم من يسمي كل مرسل منقطعًا، وهذا كله سائغ في اللغة.
وأما الغريب: فهو الذي لا يعرف إلا من طريق واحد، ثم قد يكون صحيحًا كحديث: «إنما الأعمال بالنيات»، و«نهيه عن بيع الولاء وهبته»، وحديث «أنه دخل مكة وعلى رأسه المغفر»، فهذه صحاح في البخاري ومسلم، وهي غريبة عند أهل الحديث، فالأول إنما ثبت عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب، والثاني إنما يعرف من حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، والثالث إنما يعرف من رواية مالك، عن الزهري، عن أنس، ولكن أكثر الغرائب ضعيفة.
وأما الحسن في اصطلاح الترمذي فهو: ماروي من وجهين، وليس في رواته من هو متهم بالكذب، ولا هو شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة. فهذه الشروط هي التي شرطها الترمذي في الحسن، لكن من الناس من يقول: قد سمي حسنا ماليس كذلك، مثل حديث يقول فيه: حسن غريب؛ فإنه لم يرو إلا من وجه واحد وقد سماه حسنًا، وقد أجيب عنه بأنه قد يكون غريبًا، لم يرو إلا عن تابعي واحد، لكن روي عنه من وجهين فصار حسنًا؛ لتعدد طرقه عن ذلك الشخص، وهو في أصله غريب.
وكذلك الصحيح الحسن الغريب قد يكون؛ لأنه روي بإسناد صحيح غريب، ثم روي عن الراوي الأصلي بطريق صحيح وطريق آخر، فيصير بذلك حسنًا مع أنه صحيح غريب؛ لأن الحسن ما تعددت طرقه وليس فيها متهم، فإن كان صحيحًا من الطريقين فهذا صحيح محض، وإن كان أحد الطريقين لم تعلم صحته فهذا حسن. وقد يكون غريب الإسناد، فلا يعرف بذلك الإسناد إلا من ذلك الوجه، وهو حسن المتن؛ لأن المتن روي من وجهين؛ ولهذا يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، فيكون لمعناه شواهد تبين أن متنه حسن وإن كان إسناده غريبًا. وإذا قال مع ذلك: إنه صحيح، فيكون قد ثبت من طريق صحيح وروي من طريق حسن، فاجتمع فيه الصحة والحسن، وقد يكون غريبًا من ذلك الوجه، لا يعرف بذلك الإسناد إلا من ذلك الوجه. وإن كان هو صحيحًا من ذلك الوجه فقد يكون صحيحًا غريبًا، وهذا لا شبهة فيه، وإنما الشبهة في اجتماع الحسن والغريب. وقد تقدم أنه قد يكون غريبا حسنًا، ثم صار حسنًا، وقد يكون حسنًا غريبًا كما ذكر من المعنيين.
وأما المتواتر: فالصواب الذي عليه الجمهور: أن المتواتر ليس له عدد محصور، بل إذا حصل العلم عن إخبار المخبرين كان الخبر متواترًا، وكذلك الذي عليه الجمهور أن العلم يختلف باختلاف حال المخبرين به، فرب عدد قليل أفاد خبرهم العلم بما يوجب صدقهم، وأضعافهم لا يفيد خبرهم العلم؛ ولهذا كان الصحيح أن خبر الواحد قد يفيد العلم إذا احتفت به قرائن تفيد العلم.
وعلى هذا، فكثير من متون الصحيحين متواتر اللفظ عند أهل العلم بالحديث، وإن لم يعرف غيرهم أنه متواتر؛ ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم علماء الحديث علما قطعيًا أن النبي ﷺ قاله، تارة لتواتره عندهم، وتارة لتلقي الأمة له بالقبول.
وخبر الواحد المتلقي بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، وهو قول أكثر أصحاب الأشعري؛ كالإسفرائيني وابن فُورَك؛ فإنه، وإن كان في نفسه لا يفيد إلا الظن، لكن لما اقترن به إجماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق، كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين في ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد، فإن ذلك الحكم يصير قطعيًا عند الجمهور وإن كان بدون الإجماع ليس بقطعي؛ لأن الإجماع معصوم، فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال، كذلك أهل العلم بالحديث لا يجمعون على التصديق بكذب ولا التكذيب بصدق. وتارة يكون علم أحدهم لقرائن تَحْتَفُّ بالأخبار توجب لهم العلم، ومن علم ما علموه حصل له من العلم ماحصل لهم.
هامش