مجموع الفتاوى/المجلد الثامن عشر/سئل عمن أنكر التواتر في الأحاديث
سئل عمن أنكر التواتر في الأحاديث
وسئل عن قوم اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد؛ ومنهم من يقول: لم يثبت عن النبي ﷺ حديث واحد بالتواتر؛ إذ التواتر نقل الجَمِّ الغفير عن الجم الغفير؟
فأجاب:
أما من أنكر تواتر حديث واحد فيقال له: التواتر نوعان: تواتر عن العامة، وتواتر عن الخاصة، وهم أهل علم الحديث. وهو أيضا قسمان: ما تواتر لفظه، وما تواتر معناه. فأحاديث الشفاعة والصراط والميزان والرؤية وفضائل الصحابة، ونحو ذلك متواتر عند أهل العلم، وهي متواترة المعني، وإن لم يتواتر لفظ بعينه، وكذلك معجزات النبي ﷺ الخارجة من القرآن متواترة أيضا، وكذلك سجود السهو متواتر أيضا عند العلماء، وكذلك القضاء بالشفعة ونحو ذلك.
وعلماء الحديث يتواتر عندهم ما لا يتواتر عند غيرهم؛ لكونهم سمعوا ما لم يسمع غيرهم، وعلموا من أحوال النبي ﷺ ما لم يعلم غيرهم، والتواتر لا يشترط له عدد معين، بل من العلماء من ادعي أن له عددًا يحصل له به العلم من كل ما أخبر به كل مخبر. ونفوا ذلك عن الأربعة وتوقفوا فيما زاد عليها، وهذا غلط فالعلم يحصل تارة بالكثرة، وتارة بصفات المخبرين، وتارة بقرائن تقترن بأخبارهم وبأمور أخر.
وأيضا، فالخبر الذي رواه الواحد من الصحابة والاثنان، إذا تلقته الأمة بالقبول والتصديق أفاد العلم عند جماهير العلماء، ومن الناس من يسمي هذا: المستفيض. والعلم هنا حصل بإجماع العلماء على صحته؛ فإن الإجماع لا يكون على خطأ؛ ولهذا كان أكثر متون الصحيحين مما يعلم صحته عند علماء الطوائف؛ من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنبلية والأشعرية، وإنما خالف في ذلك فريق من أهل الكلام كما قد بسط في موضعه.
هامش