كتاب الأم/كتاب الرهن الكبير/جماع ما يجوز رهنه
[قال الشافعي]: رحمه الله كل من جاز بيعه من بالغ حر غير محجور عليه جاز رهنه، ومن جاز له أن يرهن أو يرتهن من الأحرار البالغين غير المحجور عليهم جاز له أن يرتهن على النظر وغير النظر؛ لأنه يجوز له بيع ماله، وهبته بكل حال فإذا جازت هبته في ماله كان له رهنه بلا نظر، ولا يجوز أن يرتهن الأب لابنه، ولا ولي اليتيم له إلا بما فيه فضل لهما فأما أن يسلف مالهما برهن فلا يجوز له وأيهما فعل فهو ضامن لما أسلف من ماله ويجوز للمكاتب والمأذون له في التجارة أن يرتهنا إذا كان ذلك صلاحا لمالهما وازديادا فيه فأما أن يسلفا ويرتهنا فلا يجوز ذلك لهما، ولكن يبيعان فيفضلان ويرتهنان، ومن قلت لا يجوز ارتهانه إلا فيما يفضل لنفسه أو يتيمه أو ابنه من أب ولد وولي يتيم، ومكاتب وعبد مأذون له فلا يجوز أن يرهن شيئا؛ لأن الرهن أمانة والدين لازم فالرهن بكل حال نقص عليهم، ولا يجوز أن يرهنوا إلا حيث يجوز أن يودعوا أموالهم من الضرورة بالخوف إلى تحويل أموالهم، وما أشبه ذلك، ولا نجيز رهن من سميت لا يجوز رهنه إلا في قول من زعم أن الرهن مضمون كله فأما ما لا يضمن منه فرهنه غير نظر؛ لأنه قد يتلف، ولا يبرأ الراهن من الحق والذكر والأنثى والمسلم والكافر من جميع ما وصفنا يجوز رهنه، ولا يجوز سواء ويجوز أن يرهن المسلم الكافر والكافر المسلم، ولا أكره من ذلك شيئا إلا أن يرهن المسلم الكافر مصحفا فإن فعل لم أفسخه ووضعناه له على يدي عدل مسلم وجبرت على ذلك الكافر إن امتنع. وأكره أن يرهن من الكافر العبد المسلم صغيرا أو كبيرا لئلا يذل المسلم بكينونته عنده بسبب يتسلط عليه الكافر ولئلا يطعم الكافر المسلم خنزيرا أو يسقيه خمرا فإن فعل فرهنه منه لم أفسخ الرهن قال: وأكره رهن الأمة البالغة أو المقاربة البلوغ التي يشتهى مثلها من مسلم إلا على أن يقبضها المرتهن ويقرها في يدي مالكها أو يضعها على يدي امرأة أو محرم للجارية فإن رهنها مالكها من رجل، وأقبضها إياه لم أفسخ الرهن، وهكذا لو رهنها من كافر غير أني أجبر الكافر على أن يضعها على يدي عدل مسلم وتكون امرأة أحب إلي، ولو لم تكن امرأة وضعت على يدي رجل عدل معه امرأة عدل، وإن رضي الراهن والمرتهن على أن يضعا الجارية على يدي رجل غير مأمون عليها جبرتهما أن يرضيا بعدل توضع على يديه فإن لم يفعلا اخترت لهما عدلا إلا أن يتراضيا أن تكون على يدي مالكها أو المرتهن فأما ما سوى بني آدم فلا أكره رهنه من مسلم، ولا كافر حيوان، ولا غيره. وقد (رهن النبي ﷺ درعه عند أبي الشحم اليهودي)، وإن كانت المرأة بالغة رشيدة بكرا أو ثيبا جاز بيعها ورهنها، وإن كانت ذات زوج جاز رهنها وبيعها بغير إذن زوجها، وهبتها له ولها من مالها إذا كانت رشيدة ما لزوجها من ماله، وإن كانت المرأة أو رجل مسلم أو كافر حر أو عبد محجورين لم يجز رهن واحد منهما كما لا يجوز بيعه، وإذا رهن من لا يجوز رهنه فرهنه مفسوخ، وما عليه، وما رهن كما لم يرهن من ماله لا سبيل للمرتهن عليه. وإذا رهن المحجور عليه رهنا فلم يقبضه هو، ولا وليه من المرتهن، ولم يرفع إلى الحاكم فيفسخه حتى يفك عنه الحجر فرضي أن يكون رهنا بالرهن الأول لم يكن رهنا حتى يبتدئ رهنا بعد فك الحجر ويقبضه المرتهن فإذا فعل فالرهن جائز. وإذا رهن الرجل الرهن، وقبضه المرتهن، وهو غير محجور ثم حجر عليه فالرهن بحاله وصاحب الرهن أحق به حتى يستوفي حقه ويجوز رهن الرجل الكثير الدين حتى يقف السلطان ماله كما يجوز بيعه حتى يقف السلطان ماله، وإذا رهن الرجل غير المحجور عليه الرجل المحجور عليه الرهن فإن كان من بيع فالبيع مفسوخ وعلى الراهن رده بعينه إن وجد أو قيمته إن لم يوجد، والرهن مفسوخ إذا انفسخ الحق الذي به الرهن كان الرهن مفسوخا بكل حال وهكذا إن أكراه دارا أو أرضا أو دابة ورهن المكتري المكرى المحجور عليه بذلك رهنا فالرهن مفسوخ والكراء مفسوخ، وإن سكن أو ركب أو عمل له فعليه أجر مثله وكراء مثل الدابة والدار بالغا ما بلغ، وهكذا لو أسلفه المحجور مالا ورهنه غير المحجور رهنا كان الرهن مفسوخا؛ لأن السلف باطل وعليه رد السلف بعينه، وليس له إنفاق شيء منه فإن أنفقه فعليه مثله إن كان له مثل أو قيمته إن لم يكن له مثل وأي رهن فسخته من جهة الشرط في الرهن أو فساد الرهن أو فساد البيع الذي، وقع به الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره بحال، وكذلك إن كان الشرط في الرهن والبيع صحيحا واستحق الرهن لم أكلف الراهن أن يأتي برهن غيره قال: وإذا تبايع الرجلان غير المحجورين البيع الفاسد ورهن أحدهما به صاحبه رهنا فالبيع مفسوخ، والرهن مفسوخ وجماع علم هذا أن ينظر كل حق كان صحيح الأصل فيجوز به الرهن وكل بيع كان غير ثابت فيفسد فيه الرهن إذا لم يملك المشتري، ولا المكتري ما بيع أو أكرى لم يملك المرتهن الحق في الرهن إنما يثبت الرهن للراهن بما يثبت به عليه ما أعطاه به فإذا بطل ما أعطاه به بطل الرهن. وإذا بادل رجل رجلا عبدا بعبد أو دارا بدار أو عرضا ما كان بعرض ما كان وزاد أحدهما الآخر دنانير آجلة على أن يرهنه الزائد بالدنانير رهنا معلوما فالبيع والرهن جائز إذا قبض. وإذا ارتهن الرجل من الرجل الرهن، وقبضه لنفسه أو قبضه له غيره بأمره وأمر صاحب الرهن فالرهن جائز، وإن كان القابض ابن الراهن أو امرأته أو أباه أو من كان من قرابته، وكذلك لو كان ابن المرتهن أو واحدا ممن سميت أو عبد المرتهن فالرهن جائز فأما عبد الراهن فلا يجوز قبضه للمرتهن؛ لأن قبض عبده عنه كقبضه عن نفسه. وإذا رهن الرجل الرجل عبدا فأنفق عليه المرتهن بغير أمر الراهن كان متطوعا. وإن رهنه أرضا من أرض الخراج فالرهن مفسوخ؛ لأنها غير مملوكة فإن كان فيها غراس أو بناء للراهن فالغراس والبناء رهن، وإن أدى عنها الخراج فهو متطوع بأداء الخراج عنها لا يرجع به على الراهن إلا أن يكون دفعه بأمره فيرجع به عليه، ومثل هذا الرجل يتكارى الأرض من الرجل قد تكاراها فيدفع المكتري الأرض كراءها عن المكتري الأول فإن دفعه بإذنه رجع به عليه، وإن دفعه بغير إذنه فهو متطوع به، ولا يرجع به عليه ويجوز الرهن بكل حق لزم صداق أو غيره وبين الذمي والحربي المستأمن والمستأمن والمسلم كما يجوز بين المسلمين لا يختلف، وإذا كان الرهن بصداق فطلق قبل الدخول بطل نصف الحق والرهن بحاله كما يبطل الحق الذي في الرهن إلا قليلا والرهن بحاله. وإذا ارتهن الرجل من الرجل رهنا بتمر أو حنطة فحل الحق فباع الموضوع على يديه الرهن بتمر أو حنطة فالبيع مردود، فلا يجوز بيعه إلا بالدنانير أو الدراهم ثم يشترى بها قمح أو تمر فيقضاه صاحب الحق، ولا يجوز رهن المقارض؛ لأن الرهن غير مضمون إلا أن يأذن رب المال للمقارض أن يرهن بدين له معروف، وكذلك لا يجوز ارتهانه إلا أن يأذن له رب المال أن يبيع بالدين فإذا باع بالدين فالرهن ازدياد له، ولا يجوز ارتهانه إلا في مال صاحب المال فإن رهن عن غيره فهو ضامن، ولا يجوز الرهن.