كتاب الأم/كتاب الرهن الكبير/باب ما يفسد الرهن من الشرط
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: يروى عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (الرهن مركوب ومحلوب)، وهذا لا يجوز فيه إلا أن يكون الركوب والحلب لمالكه الراهن لا للمرتهن؛ لأنه إنما يملك الركوب والحلب من ملك الرقبة والرقبة غير المنفعة التي هي الركوب والحلب، وإذا رهن الرجل الرجل عبدا أو دارا أو غير ذلك فسكنى الدار، وإجارة العبد وخدمته للراهن، وكذلك منافع الرهن للراهن ليس للمرتهن منها شيء فإن شرط المرتهن على الراهن أن له سكنى الدار أو خدمة العبد أو منفعة الرهن أو شيئا من منفعة الرهن ما كانت أو من أي الرهن كانت دارا أو حيوانا أو غيره فالشرط باطل، وإن كان أسلفه ألفا على أن يرهنه بها رهنا وشرط المرتهن لنفسه منفعة الرهن فالشرط باطل؛ لأن ذلك زيادة في السلف، وإن كان باعه بيعا بألف وشرط البائع للمشتري أن يرهنه بألفه رهنا وأن للمرتهن منفعة الرهن فالشرط فاسد والبيع فاسد؛ لأن لزيادة منفعة الرهن حصة من الثمن غير معروفة والبيع لا يجوز إلا بما يعرف. ألا ترى أنه لو رهنه دارا على أن للمرتهن سكناها حتى يقضيه حقه كان له أن يقضيه حقه من الغد وبعد سنين، ولا يعرف كم ثمن السكن وحصته من البيع وحصة البيع لا تجوز إلا معروفة مع فساده من أنه بيع وإجارة، ولو جعل ذلك معروفا فقال: أرهنك داري سنة على أن لك سكناها في تلك السنة كان البيع والرهن فاسدا من قبل أن هذا بيع، وإجارة لا أعرف حصة الإجارة. ألا ترى أن الإجارة لو انتقضت بأن يستحق المسكن أو ينهدم فلو قلت تقوم السكنى وتقوم السلعة المبيعة بالألف فتطرح عنه حصة السكنى من الألف وأجعل الألف بيعا بهما، ولا أجعل للمشتري خيارا دخل عليك أن شيئين ملكا بألف فاستحق أحدهما فلم تجعل للمشتري خيارا في هذا الباقي، وهو لم يشتره إلا مع غيره. أولا ترى أنك لو قلت بل أجعل له الخيار دخل عليك أن ينقص بيع الرقبة بأن يستحق معها كراء ليس هو ملك رقبة؟ ألا ترى أن المسكن إذا انهدم في أول السنة فإن قومت كراء السنة في أولها لم يعرف قيمة كراء آخرها؛ لأنه قد يغلو ويرخص؟، وإنما يقوم كل شيء بسوق يومه، ولا يقوم ما لم يكن له سوق معلوم؟ فإن قلت بل أقوم كل وقت مضى وأترك ما بقي حتى يحضر فأقومه، قيل لك: أفتجعل مال هذا محتبسا في يد هذا إلى أجل، وهو لم يؤجله؟ قال: فإن شبه على أحد بأن يقول قد تجيز هذا في الكراء إذا كان منفردا فيكتري منه المنزل سنة ثم ينهدم المنزل بعد شهر فيرده عليه بما بقي؟ قيل نعم، ولكن حصة الشهر الذي أخذه معروفة؛ لأنا لا نقومه إلا بعد ما يعرف بأن يمضي، وليس معها بيع، وهي إجارة كلها، ولو رهن رجل رجلا رهنا على أنه ليس للمرتهن بيعه عند محل الحق إلا بكذا، أو ليس له بيعه إلا بعد أن يبلغ كذا أو يزيد عليه أو ليس له بيعه إن كان رب الرهن غائبا أو ليس له بيعه إلا أن يأذن له فلان أو يقدم فلان، أو ليس له بيعه إلا بما رضي الراهن أو ليس له بيعه إن هلك الراهن قبل الأجل أو ليس له بيعه بعد ما يحل الحق إلا بشهر كان هذا الرهن في هذا كله فاسدا لا يجوز، حتى لا يكون دون بيعه حائل عند محل الحق.
[قال الشافعي]: ولو رهنه عبدا على أن الحق إن حل والرهن مريض لم يبعه حتى يصح أو أعجف لم يبعه حتى يسمن أو ما أشبه هذا كان الرهن في هذا كله مفسوخا. ولو رهنه حائطا على أن ما أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما زرع في الأرض فهو داخل في الرهن أو ماشية على أن ما نتجت فهو داخل في الرهن كان الرهن المعروف بعينه من الحائط والأرض والماشية رهنا، ولم يدخل معه ثمر الحائط، ولا زرع الأرض، ولا نتاج الماشية إذا كان الرهن بحق واجب قبل الرهن. [قال: الربيع] وفيه قول آخر إذا رهنه حائطا على أن ما أثمر الحائط فهو داخل في الرهن أو أرضا على أن ما زرع في الأرض فهو داخل في الرهن فالرهن مفسوخ كله من قبل أنه رهنه ما يعرف، وما لا يعرف، وما يكون، وما لا يكون، ولا إذا كان يعرف قدر ما يكون فلما كان هكذا كان الرهن مفسوخا. [قال الربيع]: الفسخ أولى به.
[قال الشافعي]: وهذا كرجل رهن دارا على أن يزيده معها دارا مثلها أو عبدا قيمته كذا غير أن البيع إن وقع على شرط هذا الرهن فسخ الرهن، وكان للبائع الخيار؛ لأنه لم يتم له ما اشترط، ولو رهنه ماشية على أن لربها لبنها ونتاجها أو حائطا على أن لربه ثمره أو عبدا على أن لسيده خراجه أو دارا على أن لمالكها كراءها كان الرهن جائزا؛ لأن هذا لسيده، وإن لم يشترطه.
[قال الشافعي]: كل شرط اشترطه المشتري على البائع هو للمشتري لو لم يشترطه كان الشرط جائزا كهذا الشرط وذلك أنه له لو لم يشترطه.